بداية الفلسفة في بلاد الإسلام (3)
إذا كان من العسير تحديد البداية الفعلية للفلسفة في بلاد العرب والإسلام باعتبارها مرتبطة بحياة الإنسان نفسه، ودرجة تطوره، فإن التأريخ لذلك يبدو ممكنًا. فالشهرستاني في حديثه وتصنيفه للفلاسفة عدّ منهم حكماء العرب “وهم شرذمة قليلون، لأن أكثر حكمهم فلتات الطبع، وخطرات الفكر، وربما قالوا بالنبوات”[1].
اعتُبر علم الكلام الإسلامي الطريق الذي أدى إلى الاشتغال بالفلسفة، فاعتبرت مسألة القدر وعلاقتها بقضية حرية الإنسان وأفعاله أولى القضايا التي دارت حولها المجادلات، وكان من أوائل المتكلمين الذين خاضوا في هذا الموضوع معبد الجهني (ت 699)، غيلان الدمشقي (ت قبل 743)، وواصل بن عطاء (ت 748)، ويونس الأسواري، وعمرو بن عبيد (ت 762). وقد ذكر الشهرستاني أن المناقشات الكلامية الأولى التي تناولت “الأصول” أفسدتها اعتبارات جدلية اقتبست من “كتب الفلاسفة” (اليونان)[2].
يرى الدكتور حسين مروة أن علم الكلام لم يستطع أن يحدّد هويته ومباحثه التي كانت متفرقة “بين مباحث الفقه وأصول الفقه، وأحيانًا مباحث الفلسفة والتصوف وعلوم الطبيعة”، إلى أن “بلغ الفكر العربي مرحلة القدرة على التجديد والتمييز، فصنف علمًا مستقلًّا باسم علم الكلام”[3].
يعرِّف الفارابي صناعة الكلام بأنها “ملكة يقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء والأفعال المحدودة التي صدح بها واضع الملة، وتزييف كل ما خالفها بالأقاويل”[4].
عدّ المعتزلة مؤسسي علم الكلام، واعتبرت طريقتهم في المعالجة ذات طابع فلسفي، من حيث “اعتماد العقل، والتعامل مع المفاهيم والمقولات الفلسفية ذاتها، واستخدام أدوات الاستدلال المنطقي التي كانت تستخدمها الفلسفة”[5]. والحركة الكلامية لم يكن لها أن تبلغ “درجة متقدمة من الحذاقة”[6]. قبل أن تندمج مع حركة الاعتزال في القرن التاسع الميلادي.
هيغل في تاريخه للفلسفة رأى أن انتقال الفلسفة إلى العرب تم عبر المعتزلة، فيقول بالنص: “يدلي موسى بن ميمون، العالم اليهودي، في مؤلفه Doctor perplexorum، بالتدقيقات التالية حول انتقال الفلسفة إلى العرب: “كل ما كتبه الإسماعيليون [المسلمون] في موضوع وحدة الله، وفي مواضيع فلسفية أخرى – ويسمى بالضبط [أي ابن ميمون] فرقة إسماعيلية إسلامية، المعتزلة (المعتزلون): “فعلى يد هؤلاء بدأت الأشياء عند الإسماعيليين [المسلمين]، وكانوا أول من اهتم بالمعرفة المجردة بتلك الأشياء”[7].
واعتبر أبو الهذيل العلاف (135هـ- 235) وهو من زعماء حركة الاعتزال في البصرة المسؤول عن تطعيم مبادئ الاعتزال بمبادئ الفلسفة.
فما هي هذه الحركة وما سر نشأتها؟
III المعتزلة
كان علم الكلام المعتزلي شكلًا نوعيًّا جديدًا، اكتسب نسبيًّا كثير من النسق والنظام[8]. فالشكل الفكري الديني الذي طرحه معارضو الحكم الأموي دار حول مسألة الإيمان ومدلوله، مسألة الإمام العادل، شروطه ومواصفاته، ومسألة مرتكب الكبيرة مما أتاح على الاحتكاك الكبير بالثقافات الأخرى لنشوء تيارات أكثر مرونة تحاول التوفيق ولعب الدور الوسطي بين الجذرية الشيعية، وتطرف الخوارج وبروز التيار الإرجائي[9]. الذي يقول: إنه “لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة”[10].
والقضية التي أعطت المعتزلة حق الوجود كحركة اجتماعية – فكرية وسطية صوّرت في اعتزال[11] واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد لمجلس الحسن البصري حين سأل أحدهم عن الحكم في مرتكب الكبيرة، هل يجوز في ذلك اعتباره مسلمًا؟ فأجاب الحسن بأنه منافق، فانبرى واصل (ت 748) وأجاب بأنه في منزلة بين المنزلتين[12]؛ لأن موقف الخوارج كان في اعتباره كافرًا وموقف المرجئة متهاون في هذا الأمر.
فلينو رأى الخط التاريخي الذي جمع بين المعتزلة الأوائل، والمعتزلة الجدد، لذلك نضع باختصار أهم النتائج التي انتهى إليها:
- إن اسم المعتزلة ليس مأخوذًا عن فكرة الانفصال عن مذهب أهل السنة والجماعة، وإنما اختار المعتزلة الأولون هذا الاسم أو على الأقل تقبلوه بمعنى “المحايدين”، أو الذين لا ينصرون أحد الفريقين المتنازعين على الآخر في المسألة الدينية – السياسية الخطيرة، مسألة “الفاسق” ما حكمه؟ هل هو كافر فخلد في النار كما يقول الخوارج؟ أو هو مؤمن يعاقب على الكبيرة بقدرها؟ أو هو في منزل بين المنزلتين؟
- ما دامت هذه المسألة قد أخذت حظها من الأهمية بسبب المنازعات السياسية والحروب الأهلية في القرن الأول، فمن الطبيعي أن يكون اسم المعتزلة قد أخذ عن لغة السياسة في ذلك العصر. فكان المعتزلة الجدد المتكلمون في الأصل استمرارًا في ميدان الفكر والنظر، للمعتزلة السياسيين أو العمليين. وهم الذين وقفوا موقف الحياد في النزاع بين الإمام علي ومعاوية، ثم بين أنصار ذرية الإمام والخلفاء الأمويين من بعد[13].
- كانت الجماعة الأولى من المعتزلة المتكلمين تشمل على وجه الاحتمال أشخاصًا اختلفت أراؤهم حول بعض المسائل الدينية الأخرى. حتى إنه في القرن الأول وأوائل القرن الثاني للهجرة كانت بعض المسائل الدينية (مثل الجبر والاختيار) غير واضحة المعالم والحدود، ولم يكن من المستطاع القطع.
- فكان اسم المعتزلة المتكلمين في الأصل يشير إذًا إلى النقطة الوحيدة المميزة لمذهبهم عن مذهب أهل السنة والجماعة. وهذه النقطة قد فقدت أهميتها من بعد بانقضاء الحروب الأهلية بالنسبة لمسائل الخلاف الدينية الأخرى التي رسخت شيئًا فشيئًا، وطغت على تلك النقطة من جراء رد الفعل المتزايد ضد ثبات مذهب أهل السنة ورسوخه (القدرة، الصفات الإلهية، خلق القرآن، العقل والنقل)، أو بعبارة أخرى كانت هذه التسمية تسمية جزئية في وقت من الأوقات مثل التسميات الأخرى التي اتخذها المعتزلة من بعد أحيانًا للدلالة على بعض النقط الخاصة من تعاليمهم مثل “القدرية”، “العدلية”، و”الموحدة”[14].
يُجمع المعتزلة على القول بأصول خمسة هي:
- التوحيد.
- العدل.
- الوعد والوعيد.
- المنزلة بين المنزلتين.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يشرح لنا الشهرستاني تفصيلًا أراؤهم:
“يعم طائفة المعتزلة من الاعتقاد القول بأن الله تعالى قديم، والقدم أخص وصف ذاته، ونفوا الصفات القديمة أصلًا. فقالوا: هو عالم بذاته، قادر بذاته، حي بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة. هي صفات قديمة، ومعان قائمة به، لأنه لو شاركته الصفات في القدم الذي هو أخص الوصف لشاركته في الإلهية. واتفقوا أن كلامه محدث مخلوق في محل”[15]. لذلك رأى الدكتور توما أن أزلية القرآن من الأهمية بمكان، “فما دام القرآن مخلوقًا فهو جاء ليتوافق مع حاجات الإنسان وعصره، ولذلك من الممكن أن يتغير التفسير ليتلاءم مع التطورات”[16].
يتابع الشهرستاني “اتفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار، ونفي التشبيه عنه من كل وجه: جهة، ومكانًا، وصورة، وجسمًا، وتحيّزًا، وانتقالًا، وزوالًا، وتغيرًا، وتأثرًا، وسموًّا، هذا النمط توحيدًا”[17]. رأى الدكتور حسين مروة أن انشغالهم بهذه المسائل لم يكن تغييبًا للفكر عن العالم المادي، بل “إن حضورهم كان كفاحًا فكريًّا في سبيل الوصول إلى صيغة عقلانية للمبادئ والأسس التي تقوم عليها أيديولوجية الإسلام (…) ذلك بأن المضمون الاجتماعي، أو البعد الاجتماعي – السياسي لمفهوم التوحيد التنزيهي على نحو ما “فكرّه” المعتزلة يتوجه إلى تصور المسافة الشاسعة بين القائم على رأس الدولة الإسلامية (الخليفة)، وأجهزة النظام، وبين أعضاء التركيبة البشرية للمجتمع العربي – الإسلامي”[18].
ثم يضيف الشهرستاني “واتفقوا على أن العبد خالق لأفعاله خيرها وشرها. مستحق على ما يفعله ثوابًا وعقابًا في الدار الآخرة. والرب تعالى منزّه أن يضاف إليه شر وظلم (…)، واتفقوا أن الله تعالى لا يفعل إلا الصلاح والخير، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد، أما الصلح واللطف ففي وجوبه عندهم خلاف. وسموا هذا النمط عدلًا”[19]. وأهمية هذا الموقف أنهم دافعوا عن حرية الإنسان وأن موقعه ليس محكومًا أبديًّا بقضاء وقدر، وأن الشرور من صنع المجتمع، وكما استنتج الدكتور مروة “العلاقة بين المفهوم الميتافيزيقي للعدل، أي العدل الإلهي، وبين مفهومه الواقعي العملي المتجسد في الإمام العادل، أي في السلطة السياسية – الدينية العادلة (اجتماعيًّا)”[20].
وثالث هذه الأصول حسب عرض الشهرستاني: “اتفقوا على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة، استحق الثواب والعوض (…)، وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها، استحق الخلود في النار، لكي يكون عقابه أخف من عقاب الكفار. وسموا هذا النمط وعدًا ووعيدًا”[21].
أما الأصل الرابع، أي المنزلة بين المنزلتين فهو تصور تابع لمفهوم العدالة الإلهية متعلق بمرتكب الكبيرة، فالمعتزلة تجعله في منزلة بين منزلة المؤمن ومنزلة الكافر، يجازى في الآخرة بجحيم أبدي، أقل هؤلاء من جحيم الكافر، ولكنه في الدنيا يبقى فردًا من الأمة الإسلامية.
أما الأصل الخامس والأخير فإنه يحدد موقف المعتزلة من العمل بما فرض الله من “أمر بالمعروف ونهي عن المنكر”. هذا الأمر اعتبروه واجب على المسلمين، وذهبوا إلى الاقتصار على القلب إن كفى، فإن لم يكف القلب فباللسان، فإن لم يكف القلب واللسان فباليد، وإن لم تنفع اليد فبالسيف”[22].
وضرورة هذا الأمر يمثل الوجه التطبيقي العملي للفكر المعتزلي تنفيذًا للأمر الإلهي:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104﴾[23].
حين انبرى المعتزلة للدفاع عن الإسلام وجدوا مناظريهم أصحاب حضارة قديمة وثقافة عالية، أصحاب تقاليد في الفلسفة “فالسوريون والمصريون كانوا تابعين للدولة البيزنطية، إحدى دولتين كبيرتين كانتا تحكمان العالم قبيل الإسلام، ووريثة الإمبراطورية الرومانية في الشرق، لها حضارة هي مزيج من مدينتي اليونان والرومان”[24]، فاستطاع هؤلاء “أن يرتبوا عقائدهم الدينية على أصول فلسفية، وأن يوجدوا لأنفسهم كلامًا منطقيًّا مدققًا، مما اضطر المعتزلة إلى درس الفلسفة لاستخدامها في الرد على خصوم الدين الإسلامي، ومن ثم في محاولة التوفيق بينها وبين الدين، وكان فضل المعتزلة منهم أول من طرق باب الفلسفة، وعني بترجمة أسفارها، وعرّف الآخرين إليها ومهد لهم سبيلها”[25].
الفلسفة عند الكندي
كان من الطبيعي أن يخرج من مدرسة الاعتزال، من القائلين بقولها في العدل والتوحيد، ومنزلة العقل ومحاولة التوفيق بين الفلسفة والدين “أول مؤلف فلسفي نظامي”، كما يقول الدكتور ماجد فخري[26]، هو أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي[27]، وأطلق عليه لقب “فيلسوف العرب”، و”فيلسوف الإسلام”، و”المؤسس”.
يقول عنه الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة: “كان الكندي قد تأدب ببغداد وأقام بها في أثناء ازدهار ملكاته وتفتحها، وكان قد أظله الخلفاء المستنيرون منذ عصر المأمون إلى بداية عصر المتوكل، حيث بلغت حركة ترجمة الفكر الأجنبي خصوصًا علوم اليونان الفلسفية ذروتها بفضل تشجيع هؤلاء الخلفاء… والحق أنه بعلمه المتنوع الشامل وبمؤلفاته التي يدهش الإنسان لكثرتها يمثل طفرة في تاريخ العلم عند المسلمين…”[28].
يعرّف الكندي في رسالته “الفلسفة الأولى”، الفلسفة بأنها “علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان”، ويعرّف الفلسفة الأولى، أو ما بعد الطبيعة، على نحو أخص بأنها “علم الحق الأول الذي هو علة كل حق”[29].
في رسالته المسماة (“في حدود الأشياء ورسومها”)[30].
يعرض الكندي للفظ “فلسفة” يقول: “الفلسفة – حدها القدماء بعدة حروف:
أ. إما من اشتقاق اسمها، وهو حب الحكمة لأن “فيلسوف” هو مركب من فلا (كذا)، وهي محب، ومن سوفا، وهي الحكمة.
ب. وحدّوها أيضًا من جهة فعلها، فقالوا: إن الفلسفة هي التشبّه بأفعال الله تعالى بقدر طاقة الإنسان – أرادوا أن يكون الإنسان كامل الفضيلة.
ج. وحدّوها أيضًا من جهة فعلها فقالوا: العناية بالموت، والموت عندهم موتان: طبيعي وهو ترك النفس استعمال البدن، والثاني إماتة الشهوات – فهذا هو الموت الذي قصدوا إليه، لأن إماتة الشهوات هي السبيل إلى الفضيلة، ولذلك قال كثير من أجلة القدماء، اللذة شر.
د. وحدّوها أيضًا من جهة العلة، فقالوا: صناعة الصناعات وحكمة الحكم.
ه. وحدّوها أيضًا فقالوا: الفلسفة معرفة الإنسان نفسه.
و. فأما ما يحد به عين الفلسفة فهو أن الفلسفة علم الأشياء الأبدية الكلية، إنياتها ومائيتها وعللها، بقدر طاقة الإنسان”[31].
ويختم الكندي أن غرض الفيلسوف “في علمه إصابة الحق، وفي عمله العمل بالحق”[32].
اعتبر الدكتور حسين مروة، أن منظومة الكندي الفلسفية كانت “التجلي الأول لاستقلال الفلسفة” عن الفكر الكلامي المعتزلي[33]، واستطاع أن “يشق الفلسفة العربية التي ظهر كأول ممثل لها طريقًا ذات خط مستقل بوجه عام”[34].
الفارابي
أبو نصر الفارابي [35]، ويطلق عليه اسم “المعلم الثاني”، قال عنه ابن خلكان: إنه “أكبر فلاسفة المسلمين على الإطلاق”[36].
يرى الفارابي، أن الفلسفة هي الحكمة بمعناها الواسع، فهي كما يذكر في كتاب “تحصيل السعادة”: “علم العلوم، وأم العلوم، وصناعة الصناعات… والفيلسوف الكامل على الإطلاق هو أن يحصل له العلوم النظرية، ويكون له قوة على استعمالها في كل ما سواها وبالوجه الممكن فيه”.
يقول الفارابي: “إن الحكمة استكمال النفس الإنسانية بتصور الأمور والتصديق بالحقائق النظرية والعملية على قدر الطاقة الإنسانية”. واعتقد أن الفلسفة هي العلم بالموجودات بما هي موجودة؛ أي العلم بالوجود المطلق الذي لها دون أن يقيده زمان أو مكان: “هذا الحد الصحيح مطابق لصناعة الفلسفة، وذلك يتبين من استقراء جزئيات هذه الصناعة، وذلك أن موضوعات العلوم ومواردها لا تخلو من أن تكون: إما إلهية، وإما طبيعية، وإما منطقية، وإما رياضية، أو سياسية. وصناعة الفلسفة هي المستنبطة لهذه، والمخرجة لها، حتى إنه لا يوجد شيء من موجودات العالم، إلا وللفلسفة فيه مدخل، وعليه غرض، ومنه علم بمقدار الطاقة الأنسية”[37].
يعتبر الفارابي أن الغاية من دراسة الفلسفة هي معرفة الخالق باعتباره علة فاعلة لجميع الأشياء[38].
الفلسفة عند ابن سينا
اسمه الحسين، ويكنى أبا علي، أطلق عليه لقب “الشيخ الرئيس”[39].
تأثر بشكل واضح بالفارابي وبإخوان الصفاء[40].
يقول ابن سينا: “الفلسفة هي صناعة يستفيد منها الإنسان تحصيل ما عليه الوجود كله في نفسه، وما عليه الواجب (…) لتشرف بذلك نفسه، وتستكمل وتصير عالمًا معقولًا مضاهيًا للعالم الموجود، وتستعد للسعادة القصوى بالآخرة، وذلك بحسب الطاقة الإنسانية”، ويضيف “أن الغرض في الفلسفة أن يوقف على حقائق الأشياء كلها، وعلى قدر ما يمكن الإنسان أن يقف عليه، والأشياء الموجودة، أما أشياء موجودة ليس وجودها باختيارنا وفعلنا (…) ومعرفة الأمور التي من القسم الأول تسمى فلسفة نظرية، ومعرفة الأمور التي من القسم الثاني تسمى فلسفة عملية. والفلسفة النظرية إنما الغاية فيها تكميل النفس بأن تعلم فقط، والفلسفة العملية إنما الغاية فيها تكميل النفس لا بأن تعلم فقط، بل بأن تعلم ما يعمل به فتعمل. فالنظرية غايتها اعتقاد رأي ليس بعمل، والعملية غايتها رأي هو في عمل، فالنظرية أولى بأن تنتسب إلى الرأي”[41].
[1] الشهرستاني، الملل والنحل، الجزء 2، الصفحة 60.
[2] الملل والنحل، الجزء 1، الصفحة 17.
[3] الدكتور حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية -الإسلامية، بيروت، دار الفارابي، الطبعة 2، 1979، الجزء 1، الصفحة 840.
[4] الفارابي، إحصاء العلوم، بيروت، طبعة معهد الإنماء القومي، 1991، الصفحة 41.
[5] الدكتور حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية -الإسلامية، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 871.
[6] الدكتور ماجد فخري، تاريخ الفلسفة الإسلامية، بيروت، الدار المتحدة للنشر، 1972، الصفحة 79.
[7] G. W.F. Hegel, Leçons sur L’histoire de la philosophie, librairie philosophique, j. vrin, Paris, 1978, t5, p 122- 123.
[8] الدكتور حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية -الإسلامية، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 523.
[9] بعد انفصال جماعة الخوارج عن الإمام علي في معركة صفين برفضهم التحكيم، ظهر حينذاك جماعة يقولون بـ”إرجاء” الحكم في هذه القضية إلى الله وحده، انظر، الأشعري، مقالات الإسلاميين، طبعة القاهرة، 1950، الصفحة 197.
[10] الشهرستاني، الملل والنحل، الجزء 1، الصفحة 139.
[11] إن الفعل “اعتزل” (بدون مفعول أو مع المفعول به) كان له معناه الخاص في لغة السياسة في القرن الأول، والنصف الأول من القرن الثاني للهجرة. فكان يستعمل للدلالة على الامتناع عن مناصرة أحد الفريقين المتنازعين، وعلى الوقوف موقف الحياد مع ذم كلا الطرفين. فلينو، بحوث في المعتزلة، ترجمة: عبد الرحمن بدوي في “التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية”، بيروت، دار القلم، الطبعة 4، 1980، الصفحة 187.
[12] الملل والنحل، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة46.
[13] عبد الرحمن بدوي، مذاهب الإسلاميين، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة 1، 1971، الجزء 1، الصفحة 38.
[14] فلينو، بحوث في المعتزلة، مصدر سابق، الصفحة 192.
[15] الملل والنحل، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 44.
[16] الدكتور إميل توما، الحركات الاجتماعية في الإسلام، دار الفارابي، 1980، الصفحة 96.
[17] الملل والنحل، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 45.
[18] الدكتور حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحتان 759و 760.
[19] الملل والنحل، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 45.
[20] الدكتور حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 768.
[21] الملل والنحل، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 45.
[22] المصدر نفسه، الجزء 1، الصفحة 49.
[23] سورة آل عمران، الآية 104.
[24] زهدي جار الله، المعتزلة، بيروت، الدار الأهلية للنشر، الطبعة 2، 1974، الصفحة 48.
[25] المصدر نفسه، الصفحة 50.
[26] الدكتور ماجد فخري، تاريخ الفلسفة الإسلامية، مصدر سابق، الصفحة 109.
[27] من المرجح أن يكون الكندي قد ولد في مطلع القرن الثاني للهجرة حوالي 185، وتوفي حوالي عام 252 للهجرة، وهو يناهز السابعة والستين.
[28] رسائل الكندي الفلسفية، تحقيق وضبط: الدكتور محمد عبد الهادي أبو ديده، القاهرة، 1952، الصفحات 8، 14، المقدمة.
[29] رسائل الكندي الفلسفية، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 97.
[30] الحد لغة: الفاصل بين شيئين أو طرف الشيء ونهايته، المعجم الفلسفي، مراد وهبة، القاهرة، الطبعة 3، 1979، الصفحة 166. الحد “قول دال على ماهية الشيء أو ما يتركب من الجنس والفصل القريبين. أما الرسم فهو ما يتركب من الجنس القريب والخاصة.
انظر: الجرجاني، كتاب التعريفات، القاهرة، 1938، الصفحة 73.
[31] رسائل الكندي الفلسفية، مصدر سابق، الجزء1، الصفحتان 172- 173.
[32] المصدر نفسه، الجزء 1، الصفحة 97.
[33] الدكتور حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، بيروت، دار المعارف، 1979، الجزء 2، الصفحة 48.
[34] المصدر نفسه، الصفحة 130.
[35] ولد الفارابي وهو من مدينة فاراب التركية سنة 5259/م870، وتوفي سنة 339هـ/950م.
[36] ابن خلكان، وفيات الأعيان، القاهرة، مطبعة بولاق، سنة 1899، الجزء 2، الصفحة 100.
[37] مذكور عند الدكتور خليل أحمد خليل، مستقبل الفلسفة العربية، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات، 1980، الصفحة 20.
[38] الدكتور جعفر آل ياسين، فيلسوفان رائدان: الكندي والفارابي، بيروت، دار الأندلس، الطبعة1، 1980، الصفحة 80.
[39] ولد سنة 370هـ/980م، في قرية “أفشنة” من قرى بخارى، توفي ابن سينا في همدان (إيران) سنة 428هـ/1036م.
[40] الدكتو ماجد فخري، تاريخ الفلسفة الإسلامية، مصدر سابق، الصفحة 183.
[41] تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات، الصفحة 105، نقلًا عن الدكتور خليل، مستقبل الفلسفة العربية، مصدر سابق، الصفحة 21.
المقالات المرتبطة
التفسير الاجتماعي عند آيه الله محمد هادي معرفة | القسم الأول
ويُعدّ آية الله معرفة أحد أبرز الباحثين والمحققين المعاصرين في المجال القرآني، وأهم كتبه في ذلك؛ كتابه: “التمهيد في علوم القرآن” في عشرة مجلدات، ناقش فيه الكثير من الموضوعات والقضايا المتعلقة بالعلوم القرآنية،
منطلقات مهمة في عملية التفسير
إنّ هناك جملة من المنطلقات المهمّة في العملية التفسيرية، والتي لا بدّ من توضيحها، والتي تشكّل الأساس في التفسير، وما ينبغي على المفسر مراعاته
عيسى ومحمّد : نقاط التقاء جديدة
تجاذبت الحوار الدينيّ -وبخاصّة بين المسيحيّة والإسلام- قطبيّة صلبة وحادّة وهي المعبّر عنها بثنائيّة القهر واللطف أو الشدّة والرحمة.