نغم ورمز وجرس
يتجلى النغم في الكلمة الصوفية، في نثرهم وشعرهم، وادعيتهم وابتهالاتهم، وشروحهم وتعليقاتهم ومنظوماتهم
وهذا التجلي ينفرد به الصوفية عن غيرهم من الناس، كل كلمه لها سر وإيحاء، وومضة خيال، تتشوف بها نفوسهم عن فنائهم في الحب الإلهي.
والصوفية يستعملون ألفاظا فيما بينهم قصدوا بها الكشف عن معاينتهم لأنفسهم والإجماع والسر والستر على من باينهم في طريقتهم لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة علي الأجانب غيرة منهم علي أسرارهم أن تشيع في غير أهلها، إذ ليست حقائقهم مجموعة بنوع تكلف أو مجلوبة بضرب تصرف بل هي معان أو دعها الله تعالى قلوب قوم واستخلص حقائقهم أسرار قوم.
إن تعريف واشتقاق مصطلح كلمة صوفي يوحي بما ورائها من أسرار يقول “عبد الوهاب الشعراني”: “إن علم التصوف عبارة عن علم أنقدح في قلوب الأولياء حين استنارت بالعمل بالكتاب والسنة، فكل من عمل يهما انقدح له من ذلك علوم وآداب وأسرار وحقائق تعجز الألسنة عنها نظير ما انقدح لعلماء الشريعة من الأحكام حين عملوا بما علموه من أحكامها، فالتصوف إنما هو زبدة عمل العبد بأحكام الشريعة إذا خلا من عمله العلل وحظوظ النفس”…
ونرى بوضوح ما في تعريف الشعراني للتصوف من إشارات نثرية تحمل دلالات رمزية مثل آداب وأسرار وحقائق، وهو ما أكده “أبو حامد الغزالي” بقوله عن الصوفية بأنهم “أرباب أحوال لا أصحاب أقوال” فالأحوال التي يقصدها الغزالي هي درجات الترقي الروحاني عن الصوفية، أو ما يسمونها بمقامات الأولياء، وما يختص به كل مقام من أول تمام الابتداء وحتى مقام التجلي مرورًا بمقامات المكاشفات والمشاهدات، ويعبر الصوفية عن حالاتهم بالحب، والحب لديهم لا يتعلق بالأجساد وصور المادة بل هو حب للمعاني العقلية الكاملة وتعلق بالمثل وهيام بمصدر الكمال والجمال، فالحب لديهم طريق إلى الزهد في متع الدنيا جميعًا وحرب على النفس وسبيل إلى العزوف عن مغرياتها، وأن العبادة ليس من أجل الجنة أو النار، ولكن للتقرب إلى الله جل وعلا، كما عبر “الشبلي” عن التصوف شعرًا بقوله.
علم التصوف علم لا نفاذ له علم سني سماوي ربوبى
وهو تعريف لا يخلومما يشير إليه المتصوفة من علوم الباطن وأسرار المعاني، سواء في الكلمات أو في الإشارات، ومعظم الصوفية يرفضون نسبة أصل تسميتهم إلى غير ما قاله الشعراني في طبقاته، مثل ما يقولون بأن التصوف يرجع إلى لبس خرقة من الصوف أو من الصفاء، وان كانوا يقولون بأن أول من لبس خرقه الصوف هو الأمام علي بن أبي طالب [عليه السلام].
ولكنهم يستدركون بأن التصوف كعلم ينفردون به هو علم الإشارة الذي يضم الخواطر وعلوم المكاشفات لأن مشاهدات القلوب ومكاشفات الأسرار لا يمكن العبارة عنها على التحقيق بل تعلم بالمنازلات والمواجيد. على أننا لسنا بصدد الحديث عن أصول الصوفية وفلسفاتها وأوائل زهادهم وعلمائهم، ولكننا سنقتصر في البحث عن الكتابة عن نغمة الكلمة أو جرسها عند المتصوفة من خلال أدبياتهم المدونة ومن خلال مشاهدتنا لموالدهم وأناشيدهم عن الأولياء الصالحين، وكذلك في المدائح النبوية التي شغلت حيزًا كبيرًا في تراثهم الفكري، ولذا سنتحدث عن الكلمة وصدى الأنغام فيها في تراثهم النثري والشعري وفي شطحاتهم الفكرية….تحميل المقال
المقالات المرتبطة
نشأة الباطنية وأثرها في الأديان (3)
ذكرنا في صدر الحديث أن الحركات الباطنية، هي التي تسعى إلى تأويل النصوص المقدسة وصرفها عن ظواهرها، بدعوى عدم صلاحية هذه الظواهر للاستفادة منها، وأن حقائق الدين تكمن في ما وراء الظاهر
ديننا عين سياستنا وسياستنا عين ديننا
بالنظر لما كان يتمتع به الإمام (قده) من تبحّر عميق في التاريخ، خاصة التاريخ السياسي للإسلام، ثابر بالاستناد على سيرة، سنة وسلوك نبي الإسلام محمد (ص)
تجارب الإسلاميّين في أنظمة الحكم
لا أحد في هذا العالم يستطيع إيقاف ركب الحضارة الإنسانية، وإقصاء العلوم والمعارف والكشوفات الحديثة عن حياة المجتمع والدولة. وبقدر ما يستطيع الفكر الإسلامي مواكبة العصر، ويدفع الفقه نحو فتاوى جديدة على قاعدة درء المفاسد والمحافظة على الصالح العام