الإسلام، آخر الديانات وأوّلها مميّزاته الخاصّة والكونيّة

الإسلام، آخر الديانات وأوّلها مميّزاته الخاصّة والكونيّة

تحميل البحث 

ترجمة: محمّد اسماعيل

كلّ دين موحى، إمّا أن يكون دينًا عامًّا للبشريّة جمعاء، أو دينًا خاصًّا بقوم وزمان محدّدين. دين عامّ من حيث احتوائه الحقيقة، وقدرته على استنباطها، ودين خاصّ من حيث تشديده على مظهر محدّد للحقيقة، بشكل يتجانس مع الاحتياجات الروحيّة والنفسيّة للشريحة الإنسانيّة، التي يتوجّه إليها، ومخاطبتها بشكل خاصّ.

فكلمة الدين مشتقّة من كلمة religio التي تعني الارتباط (الربط)، أي ارتباط الإنسان بالحقيقة. من هنا، فكلّ دين يمتلك بشكل مطلق عنصرين جوهريين، يعتبران أساسه ومبدأه، هما: تعاليم، وطريقة. التعاليم تميز بين المطلق والنسبي، بين الحقيقة المطلقة، والحقيقة النسبيّة، بين كلّ ما قيمته مطلقة، وما قيمته جزئيّة. والطريقة للتوجّه إلى الحقّ، وللارتباط بهذا الكلّيّ، والعيش طِبقًا لإرادة السماء، بشكل يتوافق مع هدف ومعنى الوجود الإنسانيّ. هذان العنصران، التعاليم، والطريقة، يحملان معاني ارتباط الفرد بالحقّ، والتمييز بين ما هو الحقّ، وما يبدو أنّه حقّ، وهما موجودان في كلّ دين قويم ومتكامل. وهما جوهر كلّ ديانة. ولا يمكن لأيّ دين كان، سواءً الإسلام أم المسيحيّة، الهندوسيّة أم البوذيّة إلّا أن يحتوي في طيّاته تعاليم لما هو كلّيّ وجزئيّ. لغة التعاليم في التعبير فقط هي التي تختلف من معتقد إلى آخر، ولا يمكن لأيّ دين أن يخلو من الطريقة التي تركّز على الحقّ، وتبيّن كيفيّة العيش طِبقًا لهذا الحقّ ولو اختلفت الأساليب، فكلّ دين يعتقد بحقيقة متعالية تترفّع من عالم التبدّل، والحدوث‏. لذلك لم يدّع أيّ دين أنّ العالم، في مستواه الخاصّ للوجود، هو غير حقيقيّ بالكلّيّة. حتّى نظريّة المايا[1] الهندوسيّة، كما تذكر في المسرحيّة المقدّسة المسمّاة “ليلا”[2] لا تحجب المطلق ولا تخبّئه بشكل تصبح فيه الروح، والعالم شيئًا تصوّريًّا بالكامل.

فإذا أصبح العالم والروح أمرًا تصوّريًّا بالكامل، فلن يكون هناك معنًى، أو هدف من محاولة إلحاق الروح بالحقّ. لذلك فإنّ التعاليم هي عمليّة تمييز بين المطلق والنسبيّ، بين درجات الواقعيّة، ودرجات الوجود الكونيّ، ومن خلال الطريقة يتمّ إلحاق الحقّ الجزئيّ بالحقّ المطلق، إذا تمّ إدراك أنّ حقيقة الروح والعالم الذي يحيط بها ليست أمرًا مطلقًا، بل أمر جزئيّ، وأنّ الروح والعالم يستمدّان عونهما من الحقيقة التي تسمو فوقهما. الإسلام وككلّ دين قويم، يمتلك تعاليم وطريقة، ويعود لنا اكتشاف أسلوب تعامل الوحي الإسلاميّ مع هذه العناصر الرئيسة، وكيفيّة رسم هذا الوحي للعلاقة بين الله، والإنسان.

 

[1] المايا آلهة تمثّل الوهم، والباطل، أو الخداع الحسّيّ.

[2] “ليلا”: مسرحيّة روحيّة كتبها أحد الآلهة الهندوس – سورداس – حول حياة الإله كريشنا، يصوّر فيها المطلق على أنّه التجلّي المادّيّ للوهم.

سيِّد حُسيْن نصر

سيِّد حُسيْن نصر

حسين نصر ولد في (7 أبريل 1933 م) في العاصمة الإيرانية طهران الإيرانية. فيلسوف إسلامي معاصر يعمل بروفسورًا في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن، وهو فيلسوف إيراني بارز. أستاذ جامعي وباحث علمي. حائز على بكالوريوس في الفيزياء من جامعة (إم.آي.تي). حائز على ماجستير في الجيولوجيا والجغرافيا الفيزيايئة من جامعة (هارفارد). حاز على درجة الأستاذية بعمر 30 عامًا. بعد عودته إلى إيران عمل أستاذًا مساعدًا لتاريخ العلوم والفلسفة الغربية بكلية الآداب في جامعة طهران، وأمينًا لمكتبة الكلية لمدة عشر سنوات. شغل منصب عميد كلية الآداب في جامعة طهران. ترأس جامعة آريامهر الصناعية. أسس الأكاديمية الإيرانية للفلسفة حيث كان أول رئيس لهذه الجمعية في السنوات 1975- 1978. يهتم بحضور المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية في مختلف أنحاء العالم. يمتلك نصر شبكة واسعة من العلاقات بالجامعات ومراکز البحث العلمي والمؤسسات، والمرجعيات الدينية. له مؤلفات عديدة، نذكر منها: • الإسلام في العالم المعاصر. • الإسلام ومحنة الإنسان المعاصر. • الإسلام: أهدافه وحقائقه (مترجم للعربية). • مقدمة إلی العقائد الكونية الإسلامية (مترجم للعربية). • المعرفة والقدوسية. • البحث عن القدّوس: حديث مع رامين جهانبگلو. • الحياة والفكر الإسلامي. • الفنّ الإسلامي والروحانية. • مقالات صوفية. • صدر الدين الشيرازي والحكمة المتعالية. • ضرورة العلم القدسي. • الإنسان والطبيعة. • الفكر العقلاني الإسلامي في بلاد فارس. • حديقة الحقيقة: التصوف ومنهاجه. • ثلاثة حكماء مسلمين: ابن سينا، السهروردي وابن عربي (مترجم إلی العربية). • العلم والحضارة في الإسلام. • محمّد (صلّی الله عليه وآله وسلم): الإنسان الرّباني. • قلب الإسلام: قيم خالدة من أجل الإنسانية (مترجم للعربية). • الفلسفة الإسلامية من أصلها إلی عصر الحاضر.



لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<