مقاومة بحجم الخيال..نصر بحجم الحلم
يتحدث وليام بلوم – كاتب أمريكي وموظف سابق في قطاع الدولة – في كتابه الشهير Rogue state قائلًا: “لو كنت أنا الرئيس، لأوقفت الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة الأمريكية نهائيًا، في غضون بضعة أسابيع. في البداية سوف أقدم اعتذاراتي لكافة الأرامل، واليتامى، والمعذبين، والغارقين في البؤس، وإلى ملايين آخرين من ضحايا الإمبريالية الأمريكية. بعد ذلك، سأعلن للجهات الأربع في العالم، بأن التدخلات الأمريكية في العالم قد توقفت نهائيًا. و سأخبر إسرائيل بأنها ليست الولاية ال”51” للولايات المتحدة الأمريكية، بل هي من الآن فصاعدًا – و هو أمر جدير بالذكر – بلد أجنبي. بعد ذلك، سأعمل على تخفيض الميزانية العسكرية بنسبة 90% على الأقل، و سوف أستعمل الفائض في تعويض الضحايا. سيكون ذلك كافيًا جدًا. فالميزان العسكري لسنة واحدة يقدر ب 330 مليار دولار. و هو ما يعادل أكثر من 18000 دولار للساعة منذ ميلاد المسيح.
هو ذا ما سأفعله في الثلاثة أيام الأولى… في اليوم الرابع، سأُقتل“.
الفقرة المذكورة أعلاه، شهادة حية حاكية عن ضمير كاتب أمريكي خارج دائرة تأثير السياسة الخارجية التصنيفية للولايات المتحدة الأمريكية. و من ها هنا خطورة الموقف، إنه مجرد نموذج عن سرب من الحمائم التي غاضها أن يكون مصير دولتهم، بيد صقور تقودهم نحو الانتحار الجماعي. وهي فقرة تؤكد على أن أمن العالم لن يكون معافى في أفق هذيان التعسكر غير المعقول، لا سيما في زمن ما بعد الحرب الباردة. أي ذلك الهذيان أو الذهان العسكري الذي كان مبررًا – بحسب كيسنجر في مذكراته – لأن غايته لم تكن إحراز النصر في حرب لم تكن ممكنة ولا حتى مقبولة من القطبين، بل كانت بمثابة لي ذراع كل منهما، و اقتياده للتنازل والاستسلام. لقد تحققت نبوءة كيسنجر إذن، حيث مشروع حرب النجوم نفسه لم يكن سوى خطوة لإنهاك الميزان العسكري السوفياتي والوصول به إلى حافة الأزمة الاقتصادية الكبرى. لكن ما لم يتحقق هنا، هو أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تفتش لها عن عدو جديد لتبرير استمرارية تدفق السلاح، و تعاظم النزعة إلى الهيمنة. لا أحد ينكر بأن مشروع الدرع الواقي لم يكن سوى التفاف على هذه الحقيقة.
ما يقوله وليام بلوم، هو منطقي للغاية. لكنه منطقي فقط بلحاظ الصورة التي يحملها “بلوم” عن أمريكا، يفترض أن يعاد إدماجها مجددا في المنظومة الدولية، وفق منطق السياسة الدولية القائمة على استبعاد القوة و سياسة التدخل. لكن هذه الصورة لا زالت لم تجد طريقها إلى أذهان شرذمة من الصقور و اللوبيات التي تريد بالولايات المتحدة الأمريكية أمرا آخر غير أن تكون دولة في منتظم دولي، بل دولة أمبراطورية تحقق غايات غامضة. تحميل الدراسة