ذكرى أبي الشهداء
دم ودموع، وسموّ واستعلاء، وألم يفري الضلوع، وعزّة للنفس وإباء.
تلك ذكرى أبي الشهداء.
ما اجتمع الألم القاسي والعزّة الطولى، كما اجتمعا في هذه الذكرى.
الألم لذكرى تلك الدماء النقيّة الطاهرة ما ارتوت هذه الأرض بأطهر منها، والعزّة بذلك الشمم العالي، ما شهدت هذه الأرض مثله، وإنّهما لمزيج مقدّس، تُطهّر به الأرواح وتُزكّى، وتسمو به الإنسانيّة إلى السماوات العلى.
وإنّه لمقام تتطاول إليه الأعناق لتقبس العيون والقلوب من نور هداه، ولترى كيف ترتفع البشريّة إلى الملأ الأعلى وكيف تصمد الروح لآلام الجسد، وكيف تحتمل النفس ما لا طاقة به لبشر، وكيف تصفو وتشف فإذا هي نور يتحدّى النار، فيكتوي ولكنّه ينتصر مدى الأدهار.
ما العبرة في ذكرى أبي الشهداء ؟
هي عبرة العقيدة التي لا تضعف، والإيمان الذي لا يُهَدْ والعزّة التي لا تُستخذى، والإباء الذي لا يُقهر، والقلب الشجاع الذي لا تروّعه الأهوال.
وهي في الجانب الآخر عبرة النفس الإنسانيّة حين تُمسخ والطبع البشريّ حين يُنتكس، والشرّ اللئيم الخسيس حين تسعفه القوّة المادّيّة، والنذالة القذرة المنتنة حين تواتيها الظروف.
ما الذي صنعَته الأيام والدهور بهذا وذاك؟ لقد خلّدت العقيدة والإيمان والعزّة والإباء والقلب الشجاع، خلّدتها في القلوب نورًا وإيمانًا وعقيدةً تُذكّيها القرون والأجيال وقد دفنت الطبع المنتكس، والشرّ اللئيم والنذالة القذرة وعفت على هذه الصور البشعة، ألا أن تذكّرها بالمقت والازدراء ألا فلينتظر الشباب أيّ الطريقَين يسلك بعد ألف وثلاثمئة عام.
لينظر أيسلك طريق الخلود الكريم، أم طريق الفناء المهين.
ألا وأنّه لن يختار إلّا الكرامة والإيمان، وهو ينظر هذه الذكرى الخالدة على ممرّ الأيام[1].
[1] ذكرى أبي الشهداء، حفلات الشباب النجفي، إخراج: دار الغري، الصفحة 38.