by السيّد محمّد محمود مرتضى | أكتوبر 5, 2016 12:26 م
الكلمات المفتاحية: .
قال الله سبحانه في محكم كتابه المجيد: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[1].
ليس غريبًا أن يرد في الإسلام من مدح للصبر والصابرين لأهميته وسمو درجته لأنه أرفع صفة يتجمل بها الإنسان المسلم في هذه الحياة ويعرف دوره في تربية النفس والسمو بها إلى أعلى مراتب الفضل والكمال.
وقد جاء في تعريف الصبر بأنه عبارة عن الملكة الراسخة والقوة الإرادية الثابتة التي تساعد على ضبط النفس وحفظ توازنها واستقامتها في المنهج الحق عقيدةً وشريعةً وعملًا. ذلك أن الحياة ميدان صراع وجهاد في سبيل تحقيق الأهداف والتطلعات المرغوبة ودفع أو اتقاء الأضرار المرهوبة.
فكان لا بد للإنسان من ارتداء ثوب الصبر ليكون السلاح الذي يدافع به كل الحوادث التي تعترض سبيل تقدمه ونجاحه.
أقسام الصبر ومراتبه
وقد بين الله سبحانه دور الصبر والتقوى في انتزاع النصر على الأعداء في معركة الجهاد والتحدي بقوله تعالى:
{بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}[2]
كما بين أثره البالغ في الآخرة وأن الله سبحانه يضاعف لهم اجرهم هناك حيث قال:
{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[3]
{إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[4]
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم: “في الصبر على ما تكره خير كثير”.
وروي أن المسيح قال للحواريين إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون.
هذا وقد قسم الصبر عدة تقسيمات بعدة اعتبارات.
الأول: تقسيمه بلحاظ نفسه إلى قسمين
أ ـ الممدوح وهو الذي ورد مدحه ومدح الصابرين في الكثير من الآيات والروايات.
ب ـ المذموم وهو الصبر على الضيم والرضا بالذل والهوان والمرض أو الفقر مع القدرة على رفعه ودفعه والتمكن إزالته.
الثاني: تقسيمه بلحاظ مرتبته ودرجته في الفضل إلى ثلاثة أقسام
أ ـ منها يراد به معنى سلبي وهو عدم إظهار الجزع والضجر من المصيبة.
ب ـ يراد به معنى إيجابي وهو الرضا بما حصل من فقد محبوب أو وقوع مكروه وهذا أفضل من الأول وأرقى درجة كما هو واضح.
جـ ـ الميل النفسي لما حصل من ذلك والرغبة فيه لما يترتب عليه من الأجر العظيم والثواب الجزيل وهذا أفضل من الثاني وهو صبر الأنبياء والأوصياء والتابعين لهم بإحسان من الأولياء والمؤمنين الأصفياء ويأتي صبر نبينا محمد صلى الله عليه وآله من الانبياء وصبر الحسين عليه السلام من بين الأوصياء ليكون المثل الأعلى والنموذج الأمثل للصبر العظيم على الخطب العظيم والبلاء الجسيم.
الثالث: تقسيمه بلحاظ ما يتعلق به إلى ثلاثة أقسام
الأول الصبر على الطاعة.
الثاني الصبر عن المعصية.
الثالث الصبر على المكروه وذلك لأن الالتزام بفعل الواجب وترك الحرام بالسير في خط التقوى المستقيم رغم تعرض المكلف الملتزم لكثير من الضغوطات والإغراءات التي تقتضي بطبعها الانحراف عن خط الاستقامة إذا تجرد عن ملكة الصبر وقوة الإرادة.
ارتباط الصبر بالإيمان
وبقليل من التأمل ندرك مدى ارتباط الصبر بالإيمان وتفرعه عنه وتبعيته له بالقوة والضعف. وذلك لأن إيمان المؤمن بترتب الثواب العظيم والأجر الجسيم على إتيانه بالواجبات يدفعه إلى الإتيان بها بقوة صبر مهما كانت تكلفه من المشقة والمعاناة كالصوم فيأايام الحر الشديد والإتيان بمناسك الحج وغيرها.
وكذلك الامتناع عن المحرمات مع ما قد يرافقها من مغريات فيصبر على الامتناع عنها والركون إليها وإلى هوى النفس وشهواتها.
واوضح من ذلك القيام بواجب الجهاد المقدس ومحاربة الأعداء بشتى الأساليب ومختلف الوسائل ورغم ذلك كله فإن المؤمنين المخلصين يثبتون في ساحة الجهاد يترقبون إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.
أسباب الصبر
وبذلك يتضح مدى تأثير الإيمان في الصبر بكل أقسامه ولذلك عبر عنه بأنه من الصبر بمنزلة الرأس من الجسد.
وقد ذكروا أمورًا مساعدة على التجمل بفضيلة الصبر أهمها ما يلي:
الأول: التفكر في النتائج الإيجابية الحميدة المترتبة على الصبر في هذه الحياة مضافًا إلى ما يناله غدًا يوم القيامة من الثواب العظيم والأجر الجسيم.
الثاني: التأمل في الأثار السلبية مضافًا إلى ما قد يترتب عليه من الإثم واستحقاق العقوبة إذا كان متضمنًا الاعتراض على قضاء الله وعدم الرضا بقدره.
الثالث: الالتفات إلى أن دار الدنيا هي دار ابتلاء وامتحان لتظهر به حقيقة الإيمان ويتميز الحقيقي منه عن الوهمي الذي لا يثبت أمام النوائب قال سبحانه: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[5] .
الرابع: توقع حصول الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر كما يوحي بذلك قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[6].
حيث اقتضت الرحمة الإلهية والحكمة السماوية أن لا تستقر المصيبة وتستمر الشدة بدون حد تقف عنده في الغالب وخصوصًا إذا حصلت الثقة بالله والتوكل على الله سبحانه والتضرع إليه بالدعاء والانقطاع. ويقوى الأمل بالفرج بعد الشدة اذا اقترن الدعاء والتوكل بالتصدق لما هو المشهور من أن الصدقة تدفع البلاء وقد أبرم إبرامًا كما تقدم.
الخامس: التأسي والاقتداء بالعظماء الذين تلقوا المصائب بالتصبر والاحتساب وفي طليعتهم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي وابنه الحسين سيد الشهداء ومن النساء بطلة كربلاء بنت سيد الأوصياء وأمها سيدة النساء الزهراء البتول عليهم السلام.
الإمام الحسين عليه السلام والصبر
في كربلاء الملحمة كان الصبر مشهودًا في القول والعمل لدى سيد الشهداء وأهل بيته وأنصاره الصابرين الأوفياء. تذكر كتب التاريخ أنه عليه السلام لما أراد الخروج من مكة إلى العراق ألقى خطبة قال فيها: “رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجر الصابرين” (أعيان الشيعة593:1) ، وخاطب أصحابه في أحد المنازل على طريق العراق ليلفت أنظارهم إلى خطورة الموقف وصعوبة ما هم مقبلين عليه فقال: “أيها الناس، من كان منكم يصبر على حد السيف وطعن الأسنّة فليقم معنا، وإلاّ فلينصرف عنّا”(ينابيع المودّة:406)،
ولكم يثبت من أصحابه عليه السلام إلّا من كان صابرًا ووطن نفسه على لقاء الله مع الصبر وتحمّل شدّة العطش، وهجوم العدو، والثبات حتى الشهادة مع قلّة الناصر، بل كانوا في غاية الفرح والسرور، حتى أن بعضهم كان يمزح في تلك الساعة ويقول: إنّي والله مستبشر بما نحن لاقون.
هكذا علّمهم الحسين أنّ الصبر جسر للعبور إلى الجنّة، فهو يقول لهم: “صبراً بني الكرام، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائم” (نفس المهموم:135)، وعلّم درس الصبر حتى لأهل بيته وعياله، ودعاهم إلى الصبر والتحمل قائلاً: “انظروا إذا أنا قتلت فلا تشقّن عليَّ جيبًا ولا تخمشن وجهاً” (اللهوف:81)، وتحمّلت أخته زينب ثقل هذه المسؤولية. وحتى الكلمات الأخيرة التي تلفظ بها سيد الشهداء حين سقط على الأرض إنمّا تعكس هذه الروح من الصبر والصمود، إذ قال: “صبراً على قضائك” (مقتل الحسين للمقرم:357).
[1] سورة البقرة، الآيات 155 إلى 157
[2] سورة آل عمران، الآية 125.
[3] سورة القصص، الآية 54.
[4] سورة الزمر، الآية 10
[5] سورة العنكبوت، الآيات 1 إلى 3.
[6] سورة الانشراح، الآيتان 5 و6.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/7986/%d8%b9%d8%b4%d8%b1%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%b9%d8%a7%d8%b4%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a8%d8%b1/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.