النشيد وحركات التحرّر
يُفرِّق أهل الفن، وأهل الشرع، بين الإنشاد والغناء. كما إنهم يفرزون للابتهالات والتواشيح بابها الخاص. ويذهب المتشرّعة إلى اعتبار الإنشاد حلالًا جائزًا في الوقت الذي يحرِّمون فيه الغناء. ولمـّا كان المائز بين الاثنين – الغناء والإنشاد – أمرًا غير معلوم لدى غالبية المتشرّعين، فقد ذهب بعض الفقهاء لاعتبار الأمر على ذمة المكلَّف. وهو أمرٌ يشي بدلالات منها لا على سبيل الحصر:
- التداخل الواقع على مستوى اللحن والإيقاع، بين الأغنية والأنشودة.
- تطور السجيَّة الفنية في حركة الاجتهاد الفقهي، إلّا أنها لم تصل لمستوى أن يتحوَّل فيه الفقيه إلى خبير في اللحن والغناء، طبعًا.
- سعي الفقيه، أو المتشرّع، لإبراء ذمّته بتحديد كلّيات الحكم، وترك التحديد الجزئي على عهدة المكلَّف.
- إعطاء الثقة بالمكلَّف، باعتباره مستأمنًا على دينه. أي إن الفرد غير المجتهد، هو شخص – بحسب الفرض – متديّن، يخشى الله سبحانه، ويبتغي وجهه سبحانه، من هنا هو يحتاط في أمر دينه والتزاماته، باعتباره راشد العقل والإرادة، حريز الدين.
إلّا أنه وبرغم كل ذلك، فإن مشكلة الممارسة الفنية، وهي مسألة ضرورية لكل جماعة من الناس، لم تفضِ إلى خير، وذلك بسبب النزاع الحاد في الموقف الفني والشرعي من بعض الأعمال الفنية المتمثّلة بالموسيقى والغناء. وهذا وإن كان قد حمل كثيرًا من اللغط، إلّا أنه دفع الجميع للبحث حول الحل فيما يخص هذا اللغط. ما هي الأغنية؟ وهل يكفي في تحديدها؛ ما يمارسه أهل اللغو وأهل الفسوق؟ ثم ما هو النشيد وما مقوّماته وما ميزاته، وإلى من يتوجه، وما هي وظيفته وجمهوره الذي لا ينتسب للغو أو الفسوق؟ ومن هو ذاك المكلّف المؤتمن في تشخيص الغناء الحرام من الإنشاد؟ هل هو المتديّن أم صاحب الخبرة؟ وغيرها من الأسئلة.
وإني هنا أود الإشارة إلى أمرين:
الأمر الأول: لا أعتقد أن إلقاء المسؤولية على الفقيه في تحديد هل هذا غناء أم لا أمرٌ صحيح؟ لأن لكل أمر أهل اختصاص، وبلا شك هذا ليس اختصاص الفقيه، بل هو اختصاص أهل الخبرة.
لذا، إن أي كلام حول إلقاء اللوم على الفقيه هو بلا طائل.
يجب أن نثق بالخبير الفني خاصة إن كان يعرف الوجه الشرعي للأمور؛ ويجب أن تتكامل حلقة البناء المجتمعي للمسلمين بين المرجع، والمتشرّع والخبير، بحيث يسند كلٌ منهم الآخر في إدارة حركة هذه البيئة المحيطة.
الأمر الثاني: من الآن حتى ذاك الوقت، على الجهات والمؤسّسات التي يثق بها الناس أن تبادر لإدارة الأمور، بحيث لا توقف عملية البحث عن حل فقهي وعملي. حلٌ يدفع بعجلة التطور الفني نحو الأمام، ويزكّي المبادرات الشبابية الجادَّة، ويحفظ الأبعاد الشرعية في هذا المضمار، ولو بمقدار ما يدفع أي لغط أو شبهة متوقعة.
والسلام.