لماذا التعاند بين النص والعقل
الكلمات المفتاحية: .
السؤال رغم مباشرته وطبيعته التكرارية يستحق بعض التأمل، النص هنا لا نعني به كل ما هو مكتوب ومدون. بل ما نعنيه المعنى الخاص له. أولئك الذين حصروا العقل بالصور البرهانية البحتة، بل بالتحديد أولئك الذين اعتبروا أن العقل هو مولّد الحقائق وخالقها.
ذلك أن إعطاء العقل هذه المهمة هو بالحقيقة أمرٌ فيه كثير من اللطف والاستعلاء، لأن الأساس للعقل هو القدرة على اكتشاف المجهول، وانتزاع ما خفي من كليات مطوية بين الوقائع والوجودات الجزئية، أما الخلاقية فهي تحصين الحقيقة بمحاكاتها وتنقيتها عن كل وهم وخيالات. أما النص الديني فلما كان هو الآية الإلهية، وما الآية إلا الحقيقة المعبرة عن أصل كل حقيقة، فصار إطار العقل هو عين ما يستهدفه النص.
من هنا فإن التعاند المفترض بين النص والعقل هو افتراء أكثر منه إصابة للحقيقة. وفي أفضل الظنون فإن التعاند هو اعتقاد سائد عند البعض مفاده أن النص قائم على القداسة أي أنه لا يُمس، بينما العقل قائمٌ على النقدية وعدم الإقرار بأي مسلّم. وإذا كان روح النص قائم على التسليم والترويج، فإن روح العقل الرفض والحرية. وأنّى للتسليم والترويج أن يتلاءم مع الرفض والحرية؟!
وهذا الاعتقاد تحوّل إلى أيديولوجيا إعلامية، عملت على تأكيده مؤسسات من التيارات الثقافية، والفنية، والأدبية، والحزبية، وعاشت كلها تحت كنف الحداثة والتنوير، لتصاب هي عينها فيما بعد بداء الأدلجة والترويج الأيديولوجي. والمشكلة تكمن دومًا في هذا الانفصام الحاد للرافضين الدين والنص الديني، ممن حددوا وقوموا هواياتهم على أساس التعاند مع الدين. فأدى بهم الأمر إلى رفض الدين وتشويه العقل.
إن الإطار الذي يعمل عليه العقل من كشف وتحصين للواقع والحقيقة، هو الإطار الذي يمثله النص الديني، ككاشف وهادٍ للواقع والحقيقة. وهذا ما يُسقط فرضية التعاند بين الدين وكل عقل.