تكامل النفس بين شهر رمضان والحج
إنّ الزمن هو سيرٌ من الأحداث التي تقع في حياة الإنسان، لتثمر هويته في خصائص شخصيّته وموقعه ودوره، بل والمصير الذي سيؤول إليه.. وإذا كان للزمن مثل هذه الأهميّة.. فإنّ الزمن الأهمّ هو ذاك الزمن الأفعل والأقدس الذي أسماه رسول الله محمّد (ص): “شهر الله” والذي حدث عنه (ص) قائلًا: “شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات”… وبسبب هذا الفضل الأفضل الذي خصَّ الله فيه شهر رمضان، فلقد جعله موردًا لرزق إلهيّ استثنائيّ ” هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله”.. فالناس هنا مع هذا الزمن الأقدس هم ضيوف وافدون على الله، مكرَّمون في محضر قدسه سبحانه..
لذا فإنّ على الصائم العابد في شهر رمضان المبارك أن يستشعر أحاسيس وعواطف إضافيّة، تنبع من خصوصيّة وجدانه الإيمانيّ الذي سيجد مع الزمن الرمضانيّ نفحات وهبات رحمانيّة استثنائيّة تدفع به ليُرسخ شخصيّة متعدّدة القيم الفاعلة في حياته الروحيّة. ومن تلك القيم:
- الشعور الدائم برقابة الله وتدخّله في الحياة التفصيليّة عند الإنسان وهو المسمى بـ ” الإحسان”، والذي يبرز من خلال أمور عاديّة يُحوِّلها الكرم والإحسان الإلهيّ إلى عبادة ” أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة..” ويتّسع هذا الإحسان ليضمن المقبوليّة في الأمور التي سنّها الإسلام كسبل للصلة بين العبد وربّه سبحانه ” عملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب..”.
بل وليزيد في الإحسان فيحوّله إلى وعد قاطع بالجزاء الوفير ” ظهوركم ثقيلة من أوزانكم فخفّفوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أنّ الله تعالى ذكره أقسم بعزّته أن لا يعذّب المصلّين والساجدين، وأن لا يروّعهم في النار يوم يقوم الناس لربّ العالمين” والملفت هنا هو توجيه وعي الصائم إلى حقيقة المغفرة الإلهيّة بكلمة “واعلموا..” إشارة إلى ضرورة التيقّن والثقة بالله وبوعده سبحانه.
- التقيُّد بسلوك طريق التوبة بما هي فعل مجاهدة للنفس، وبما هي تكشف عن سبق الفضل والرحمة والامتنان الإلهيّ ” وتوبوا إليه من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم فإنّها أفضل الساعات، حيث ينظر الله عزّ وجل فيها بالرحمة إلى عباده يجيبهم إذا ناجوه ويستجيب لهم إذا دعوه..”.
وقد ورد في نصّ الحديث الشريف أنّ الله ينظر في هذه الأوقات إلى عباده بالرحمة، فإنّها غاية مقصد كلّ تائب…
- اعتبار أنّ العلاقة مع الناس، خاصّة منهم أهل الحاجة هي علاقة مع الله سبحانه وتعالى.. “تصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقّروا كباركم وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم.. وتحنّنوا على أيتام الناس يُتحنَّن على أيتامكم”.. ثمّ يعاود الحديث (ص) فيربط كلّ أمر معنويّ أو علاقة مع الناس بجزاء إلهيّ خاصّ ممّا يشكّل برنامجًا روحيًّا خاصًّا… “من حسَّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط.. ومن كفَّ فيه شرّه كفّ الله عنه غضبه.. ومن أكرم فيه يتيمًا أكرمه الله يوم يلقاه، ..”. وهذا ما يجعل للصلة بين أهل الولاء قيمة مقدّسة تربط أواصر الجماعة…
- الطموح نحو تأدية واجب الانضمام إلى الجماعة المسلمة العالميّة والدفاع عن قضاياها. ويبرز هذا الأمر بالأدعية الرمضانيّة الطامحة نحو نيل الشهادة بما تحمل الشهادة من معنى التصدّي لمسؤوليّة قضايا الأمّة والرسالة، والراغبة في حجّ بيت الله الحرام بما يحمل الحجّ من دلالات اجتماع الأمّة من كلّ فجٍ عميق على وحدة المقصد والشعار والتلبية ممّا يؤسّس لهويّة واحدة..
“فيما تقضي وتقدّر من الأمر المحتوم، وفيما تفرق من الأمر الحكيم في ليلة القدر أن تجعلني من حجّاج بيتك الحرام المبرور حجّهم المشكور سعيهم المغفور ذنوبهم”.
وأن يقع الدعاء الصادح بالرغبة في الحجّ بليلة القدر لعظمة المطلب وخطورة شأنه.. وهنا نشير إلى ما يلفت إليه بعض أهل المعرفة أنّ الداعي بشهر رمضان ربّه ليوفّقه إلى الحجّ، قد يشعر في أثناء دعائه لذّة المناجاة وقرب الاستجابة إذا صدق النيّة..