الاتصال الأخير
كان لاتصالنا الأخير وقعه الذي لا يُنسى، قويًّا عهدتك، مواجهًا تغوّل الحركات المناوئة للإسلام ورسالته، قويًّا عهدتك في إرساء مفهوم الحياة على وقع قاهرية الموت.
وكذا كان ذاك الاتصال…
لقد حملت عباراتك الجادّة كل عناوين الرحيل. حنونة، محبّة ناظرة إلى الشط الآخر من نهر الحياة. سعيتُ لثنيك عن ذاك الوداع. لكنك وكالعادة كنت أقوى. بل كنت أقوى من أي مرة عرفتك فيها. تتهيّأ للقاء الموت الذي خُطّ على وُلد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة. وفي نبرتك شوقًا وولهًا لأحبة آمنَت بهم معتقدًا مواليًا، فاستمهلوك إلى لحظة الذروة. إلى محرّم، بل إلى سير مولاتنا زينب (ع)، وولينا وإمامنا الذي لطالما ضجّت مجالسك بصحيفته السجاديّة.
استمهلوك، وفي لحظة الذروة إلى حيث مقامات القرب توجهت برفقتهم (ع). إلى حيث لا ترى فيه إلا جميلًا… ولا ترى العين أو تسمع الأذن أو يحضر في القلب إلا ما يتوقع الراجون من رجاءات ربهم التي لا تُحد.
شيخي، بل وأستاذي في قريتي التي عرفتك فيها إمام جماعتنا، ومعلّم أهالينا، لن أقول لك الوداع، بل سأنقل للملأ، ما أوصيتني به قبل الرحيل: (بلّغ الإخوة والأحبة أن يسامحوني).
سأكتب وأنقل ما طلبت مني بحبر الدم المنفطر ودمع العين المفجوعة على رحيلك…
والآن جاء دوري لأقول لك بإخلاص: ادعُ لي ربنا، والتمس لي شفاعة أئمتنا، أن يقبلوني في مسير الهجرة إلى الله، في الزمن الأقدس، وبالصورة التي أرضى معها بما يرضاه الله لي.
سلام عليك أيها البكّاء من خشية الله…
سلام عليك أيها الذاكر، الداعي، العابد، سماحة المغفور له المشمول برحمة ربه الشيخ حسين كوراني (قده)، سلام عليك. وإلى ملتقى قريب…
الشيخ شفيق جرادي
13/9/2019