أهمية البحث في الفلسفة والعرفان 3
السبب الثالث: تأثير الأبحاث الفلسفية والعرفانية على علم الكلام
لا زال الكلام في أهمية الأبحاث الفلسفية والعرفانية، وذكرناه أننا سنتعرّض لبيان أربعة أسباب لهذه الأهمية، هي:
-
الوظيفة الأساسية للفلسفة والعرفان
-
خدمة الأبحاث الفلسفية والعرفانية للدين
-
تأثير الأبحاث الفلسفية والعرفانية على علم الكلام
-
تأثير الأبحاث الفلسفية على العلوم الإنسانية وعلى الحضارة
وقد تقدّم الحديث في الحلقتين السابقتين عن السببين الأوّلين، وسنشرع فيما يلي في السبب الثالث:
السبب الثالث: تأثير الأبحاث الفلسفية والعرفانية على علم الكلام
علم الكلام هو علم هدفه الدفاع عن الدين وجعله مقبولا عند الناس وإقناعهم به. وليس له منهج خاص، بل يستفيد من أي منهج يخدمه، سواء كان منهجا عقليا أو شهوديا أو نقليا أو تجريبيا. وتُبحَث المسائل الكلامية في ثلاثة مستويات:
-
إثبات المسألة
-
بيان معقوليتها
-
بيان كونها مُحتمَلة، كما لو أنكر الطرف الآخر مسألة ما في المعاد مثلا، فقال باستحالتها، فلو قام علم الكلام بردّ هذه الاستحالة فإنه يكون أدّى مهمة من مهامه
وأما بلحاظ الموضوع، فيشمل علم الكلام كل القضايا الدينية، حتى لو كانت فقهية مثلا، لكنه يُعالجها من جهة عقائدية وهي جهة غير التي يُبحَث عنها في علم الفقه. مثلا، وجوب الحجاب مسألة فقهية، لكن لو وردت إشكالات تستهجن هذه المسألة، فبإمكان علم الكلام أن يتصدى ويبيّن وجها عقلانيا لهذه المسألة بحيث يرفع الاستهجان، وبالتالي يكون قد أدى جزءا من مهمته. والفرق بين الكلام القديم والجديد هو بلحاظ القضايا؛ فالكلام القديم كان يُعنى بالقضايا العقائدية فقطـ، أما الكلام الجديد فيبحث عن كل القضايا الدينية لكن من زواية عقائدية.
فمن خلال ملاحظة سعة موضوع علم الكلام ومنهجه، يتضح إمكانية استفادة من سائر العلوم، دون أن تتحوّل تلك العلوم إلى علم كلام، أو يتحوّل هو إليها. ومن هنا، تظهر لك أهمية الفلسفة والعرفان بالنسبة إليه. فهو من جهته، لا يجد مشكلة في الاستفادة من الفلسفة، بل يضطر للاستفادة منها في بعض الأحيان[1]. وهذا ما فعله نصير الدين الطوسي حيث استفاد من الأبحاث الفلسفية في علم الكلام، ولم يعترض عليه المتكلمون.
وتجدر الإشارة إلى أنه بإمكاننا النظر إلى الفلسفة الإسلامية بنظرة كلامية، فتكون مؤثرة جدا في علم الكلام ومحققة لأهدافه. وهكذا الأمر بالنسبة للعرفان الإسلامي؛ إذ يمكن قراءته بنظرة كلامية.
وبذلك نكون قد أنهينا الحديث في الأسباب الثلاثة الأولى، ونؤجّل الحديث في السبب الرابع إلى مقالة تالية حتى لا يطول الكلام كثيرًا.
والحمد لله ربّ العالمين.
[1] لا يخفى أن خطاب المتكلم يختلف من مخاطَب إلى آخر، فمع بعضهم قد يضطر للاستفادة من الفلسفة، ومع بعض آخر –كالأطفال مثلا- قد ينفعه الاستفادة من التمثيل الظني، وهكذا.
المقالات المرتبطة
الكائن الرّقمي
: إنّ التّمركزَ حولَ الذّات، واستغراقَ الإنسانِ في قيَمِ الفردانيّةِ والشّخصنةِ قد عملَتْ وسائلُ التّواصلِ الاجتماعيّ على تعزيزها، حيث زادَتْ “تضخّم الأنا” من خلال الابتعاد عن الأسرة والمجتمع، واللّجوء إلى إقامةِ علاقاتٍ افتراضيّةٍ ماهيّتُها الانفصالُ في الحقيقة
مشاريع فكرية 6 | الشيخ الدكتور علي رضا قائمي نيا
الشيخ قائمي نيا المواليد: 1963م في محافظة أرومية شمال إيران الدراسة الحوزوية: بدأ الدرس عام 1982م أساتذة الخارج: الشيح الوحيد
الفن في إدارة دفة الإعلام المقاوم والإعلام الإرهابي
البحث حول الفن والإعلام المقاوم المدافع عن الحق، والفن والإعلام المضاد المعتدي الإرهابي، والبصمات والآثار على علاقات الجمهورية …