الحب في الله
إن عنوان “الحب في الله – عز وجل – والبغض في الله – عز وجل –” عنوان واسع في تراث أهل البيت عليهم السلام، وكذلك القرآن الكريم، يطرح موضوع الحب في الله عز وجل، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ}[1].
عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليه السلام، أنه قال: “إذا جمع الله – عز وجل – الأولين والآخرين، قام مناد فنادى يسمع الناس، فيقول: أين المتحابون في الله؟” قال: “فيقوم عنق من الناس، فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنة بغير حساب”، قال: “فتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة بغير حساب”، قال: “فيقولون: فأي ضرب أنتم من الناس؟ فيقولون: نحن المتحابون في الله”، قال: “فيقولون: وأي شيء كانت أعمالكم؟ قالوا: كنا نحب في الله، ونبغض في الله”، قال: “فيقولون: نعم أجر العاملين”.
على أن الحب في الله أو حب الله، له شروط ومن هذه الشروط:
أولًا الحب المجرد: أي أن يكون حب الإنسان للطرف الآخر، مجردًا من أي عنوان، بحيث يكون حبه له، بمقدار ما لله – عز وجل – فيه من نصيب.
ثانيًا حب الله في الله: يقول تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}[2].. كذلك إن كنت تحب النبي صلى الله عليه وآله فاتبعه، وإن كنت تحب الحسين عليه السلام فاتبعه، وإن كنت تحب الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف فاتبعه، يقول تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}[3]، إذن، حبنا لله عز وجل، وحبنا للرسول صلى الله عليه وآله، وحبنا لآل البيت عليهم السلام؛ ليست مشاعر مجردة، بل لابد من تطبيق ذلك بالقول والفعل، ومن موجبات الوصول إلى هذه المرحلة؛ الدعاء الكثيف وبإلحاح، وخير دعاء يمكن أن يدعو به المؤمن: “اللهمّ! ارزقني حبّك، وحبّ من يحبّك، وحبّ كلّ عمل يوصلني إلى قربك”.
الحب والمودة :
نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى رجل يصلي وهو يبعث بلحيته قال: “لو خشع قلبك لخضعت جوارحك”
يتضح من هذه الرواية أن العلاقة بين الخشوع والخضوع هي علاقة مؤثر وأثر. فالخشوع مؤثر وهي صفة جوانحية قلبية أما الخضوع فهو الأثر الذي لا بد أن يظهر كأثر للخشوع. فالخضوع هو ظهور العامل الجوانحي على الجوارح. ولا يخفى أن العامل الجوانحي إذا كان حقيقيًا وصادقًا لا يمكن للأثر أن يتخلف عنه أبدًا. ومع التخلف وعدم ظهور أثر المؤثر على صفحة الوجود فإن ذلك دلالة على وجود خلل في المؤثر.
والعلاقة بين الحب والمودة هي من هذا القبيل. فالحب الحقيقي والصادق ينبغي أن يتجلى ويتجسد عملًا بمقتضى هذا الحب. ومن أمثلة تخلف الحب عن أثره قول الفرزدق عن أهل الكوفة: قلوبهم معك وسيوفهم عليك. فلو لم يكن ثمة خللًا واضحًا في حب هؤلاء لما تخلف حبهم عن نصرة الحسين عليه السلام.
ولذلك نجد أن رسول الله عندما أوصى أمته بأهل بيته فإنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما أوصاهم بالمودة لا بمجرد الحب .قال عز وجل: “قل لا أسالكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى”.
فالمودة إذن هو الحب الذي يتجسد عملًا بمتضى هذا الحب ولذلك نجد أن الإمام الصادق عليه السلام في حديث جنود العقل والجهل عندما عندما تحدث عن الحب والمودة جعل البغض ضد الحب أما المودة فضدها العداوة، ومن الواضح أو البعض حالة قلبية أما العداوة فهي ظهور البغض عملًا وفعلًا وأثرًا.
فالحب وحده غير كاف لذلك اشترط الله تعالى لكي يؤثر هذه الحب عند الطرف الآخر أن يكون مشفوعًا بالعمل: قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[4].
فالاتباع الذي هم عمل شرط ليعطي حب الله أثره وبالتالي أن تكون محبوبًا من الله أيضًا، ولا شك أن الحب مرتبط بالعلم أيضًا، فلكما عرف الإنسان المزيد من كمالات حبيبة ازداد تعلقًا به وحبًا له.
الحب وأصحاب الحسين عليه السلام
من هذا العلم انطلق أصحاب الإمام الحسين في نصرته. فقد عرفوا مزايا الإمام وسجاياه، فعشقوه وأحبوه حبًا ظهر في كل منزل وموقف. منذ خروجه من مكة حتى ليلة العاشر من محرم. وهو الذي أبلغهم أن من التحق بهم استشهد ومن تخلف عنه لم يبلغ الفتح. وأبلغهم أن من يريد السير معه يبنغبي أن يكون موطنًا نفسه على لقاء الله، وهكذا.
إلا أن حب أصحاب الحسين لإمامهم كان أكبر بكثير من أن يتخلون عنه ويخذلونه ويتخلفون عن نصرته. فعابس نزع درعه وقميصه وأخذ يقاتل حافيًا فلما قيل له أجننت؟ قال: حب الحسين أجنني، وها هو زهير بن القين يقول: فوالله للموت معه – الحسين عليه السلام – أحب إليّ من الخلد معكم.
هذا هو الحب الحقيقي والذي لا يمكن له أن يتخلف. فإن المحب لمن أحب مطيع. فكيف إذا كان الله قد أمر بطاعتهم ونصرتهم أيضًا.
[1] سورة البقرة، الآية 165.
[2] سورة آل عمران، الآية 31.
[3] سورة آل عمران، الآية 68.
[4] سورة آل عمران، الآية 31.