أيديولوجيا الإلحاد.. وأزمة الدعاة
هل فعلًا أن الفكر الديني يعاني اليوم من أزمة سببها الإلحاد؟ وهل فعلًا أن الإلحاد، وبشكل مفاجئ، صار ظاهرة كونية؟
يطيب للبعض أن يتغافل كل سياقات التاريخ، ويقفز فوق كل الحقائق، من أجل أن يصور المشهد على نحو يبرز فيه بطلًا جديدًا اسمه الإلحاد. علمًا أنّ الإلحاد ليس أمرًا بدأ مع العلم اليوم، والذين يذهبون لمعاصرته أو حداثته فإنما يسوقون حملاتهم الإعلانية، على أساس اقتران الإلحاد بالعلم، وكأن الإلحاد هو وليد العلم اليوم.
علمًا أن أسئلة قد تخطر بالبال منها:
ألم يؤسس فلاسفة إنسانويون للإلحاد من قبل، وبلغة فلسفية أو تحليلية؟ ألم يكن فرويد ونيتشه وأمثالهما من مداميك الإلحاد المعاصر والرجلان من المحتسبين على الفلسفة والتحليل النفسي؟ ألم يشهد القرن الثاني الهجري حركة الدهريين الإلحادية؟ وأشار القرآن إلى بعض المقولات الإلحادية التي تكشف عن تواطؤها البيّن مع العصر الجاهلي؟
ألم تشهد العهود اليونانية وما قبلها وما بعدها تيارات ونزعات إلحادية؟
والقاسم المشترك بين هذه النزعات الإلحادية إنما كان:
– الموقف السلبي من الدين والإيمان.
– النزوع نحو الشأن الدنيوي الصرف وأن يعيش المرء لذة اللحظة.
– تسويغ الموقف السلبي من الدين، والنزوع نحو اللحظة بمسوغات تلبس أحيانًا لغة السفسطة، أو لغة الفلسفة، وهي ليست بفلسفة، أو لغة المنطق، وهي ليست بمنطق، أو لغة العلم، وهي ليست بعلم… وغير ذلك مما لذّ عندهم وطاب.
– إنه اتجاه نقضي وظيفته الهدم وليس اتجاهًا منظوميًا أو متماسكًا، لذا هو أقرب ليكون أيديولوجيًا من أن يكون نظامًا معرفيًا.
بناءً عليه فإن ظهور النزعة الإلحادية اليوم ليست بسبب العلم والمعرفة، بل بسبب ما وصل إليه العصر من قدرة هائلة على تسويق وإبراز الأشكال المختلفة من النشاز، والموضة على أنواعها الثقافية وغير الثقافية. ولا يوجد استثناء في تأثير هذه النزعة على قناعات الناس الدينية إلا بمقدار ما تثيره من شبهات في أذهان شباب يتألمون من واقع بعض الحركات الدينية، الأمر الذي يستوجب على دعاة المسلمين، ولا أقول مفكريهم، للعمل على مواجهة هذا الواقع المأزوم.
أما لماذا أقول الدعاة وليس المفكرين؟ لأن المشكلة ليست فكرية، فعدة الإلحاد لا تستأهل جهدًا فكريًا بمقدار ما تحتاج إلى بيان وسلوك تبليغي واع وهادف ومعاصر، وكيف يواجه بالعلم من يتستر بلغة العلم من أصحاب أيديولوجيا الإلحاد؟