تمهيد

ليس خفيًّا على أحد ما توليه الشيعة من اهتمام بزيارة قبور النبيّ والأئمة من أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، وخصوصًا قبر سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع)، فقد دأب الشيعة منذ استشهاده إلى يومنا هذا بالمواظبة على زيارته، وبذل الغالي والنفيس في سبيل الوصول إلى مرقده الطاهر، فقصده القاصي والداني والصغير والكبير والسليم والسقيم، لم يمنعهم تعب ولا نصب، ولم يصدّهم خوف أو وجل، ولم تحل دونهم الأعذار والأخطار على مرِّ الأعوام والأعصار.

والتاريخ مليء بالقصص والروايات التي تحدثت عن محنة الشيعة ومعاناتهم، وما أصابهم من ظلم واضطهاد جراء زيارتهم لقبر الحسين (ع) ممّا لا مجال لذكره في المقام.

وقد تركّز الاهتمام بالزيارة في أوقات ومواسم خاصة، كيوم عرفة، ويوم العاشر من المحرم، والنصف من شعبان، وغيرها من المناسبات الأخرى التي أرشد إليها أئمة أهل البيت (ع).

ومن تلك المناسبات المعروفة “زيارة الأربعين” يوم العشرين من صفر لأربعين يومًا من مقتل الإمام الحسين (ع)، وهو ما سنتحدّث حوله في بحثنا هذا.

الشيعة وزيارة الأربعين.

واظب الشيعة على زيارة سيد الشهداء (ع) في يوم الأربعين، وجرت سيرتهم جيلًا بعد جيل على قصد حرمه الشريف فيه، يجتمعون هناك مجدّدين للحزن والبكاء، آمّين قبره الشريف يطوفون حول ذلك النور الذي أخرج الله تعالى ببركته الناس من الظلمات إلى النور.

يقول العلّامة الخطيب السيد جواد شبَّر: “يوم أربعين الحسين (ع) وهو يوم العشرين من صفر، من أضخم المؤتمرات الإسلامية يجتمع الناس فيه كاجتماعهم في مكة المكرمة، تلتقي هناك سائر الفئات من مختلف العناصر، ويعتنق شمال العراق بجنوبه، والوفود من بعض الأقطار الإسلامية، فهذا يردّد أنشودته باللغة العربية، وذلك باللغة التركية، وثالث بالفارسية، ورابع باللغة الأوردية، وهكذا….”[1].

وفي هذا السياق أيضًا، يقول العلّامة الحجة السيد هبة الدين الشهرستاني: “[…] تلبس مدن العتبات المقدّسة في العراق وإيران والمساجد المهمّة والأماكن المتبرّكة في الهند والباكستان وغيرها من الأقطار والمناطق […] حلة من السواد كشعار للحزن والحداد […] وتبتعد عن مظاهر الزينة والبهرجة ومباعث الأنس والإنشراح […] هذه هي الحالة في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام عند المسلمين بالنسبة لهذه الذكرى إن لم يكن الشهر كله من كل عام، ومن الأقطار الإسلامية كالعراق وإيران والهند والباكستان إلى ما بعد العشرين من صفر، حيث تستكمل هذه الذكرى يومها الأربعين، ولها زيارتها الخاصة ومراسيمها المختصة في كربلاء بالعراق […] حيث يؤمّها أكثر من مليون زائر في يوم واحد لزيارة قبر الحسين (ع) والطواف حول ضريحه في ذكرى أربعينه […] وتطوف المواكب الزاخرة حول مشهده لليمن والبركة” [2].

وفي هذه الأيام وبعد سقوط طاغية العراق الحديث، ازدادت أعداد الزائرين أضعافًا مضاعفة، وأصبحت زيارته في يوم الأربعين مناسبة خاصة مميّزة، حيث يجتمع في كل عام من البلاد والأقطار المختلفة ملايين المحبين والموالين لزيارته، تطوف بهم شوارع المدينة وأزقّتها والطرق المؤدّية إليها، على الرغم من القتل والتفجير والإجرام المستمر على هذا الشعب المظلوم من الفئة التكفيريّة الضالة والمنحرفة.

مراسم الزيارة الأربعينيّة.

احتوت زيارة الإمام الحسين (ع) يوم الأربعين على العديد من الأمور التي اعتاد المؤمنون والزائرون القيام بها إحياءً لأمر أهل البيت (ع)، من خدمة الزائرين بشتى أنواع الخدمات من الاستضافة وبذل الطعام والشراب، وتقديم المبيت ووسائل النقل… إلى غير ذلك من أمور شاهدناها وشاهدها العالم كله، وأدهشت الشرق والغرب، في مشهد قلّ نظيره بين التجمّعات الكبرى في العالم.

ولعلّ ذلك يرجع- فيما يرجع- إلى ما روي عنه (ع) أنه اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم، وتصدّق بها عليهم، وشرط عليهم أن يرشدوا إلى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثة أيام[3].

وقد شكر الأئمة (ع) شيعتهم على ما تحمّلوه من أعباء، وتجشّموه من عناء، في سبيل إحياء أمر زيارة سيّد الشهداء (ع)، وأثنوا على ذلك أحسن الثناء، ففي الرواية عن معاوية بن وهب، أنّه قال: استأذنت على أبي عبد الله (ع) فقيل لي: “ادخل”، فدخلت، فوجدته في مصلّاه في بيته، فجلست حتّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربّه وهو يقول: اللَّهمَّ يا من خصّنا بالكرامة، ووعدنا بالشّفاعة، وخصّنا بالوصيّة، وأعطانا عِلم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولإخواني، وزوّار قبر أبي عبد الله الحسين، الذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم، رغبة في بِرّنا، ورجاءً لما عندك في صلتنا، وسرورًا أدخلوه على نبيّك، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظًا أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك. فكافِهم عنّا بالرّضوان، واكلأهم بالليل والنّهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلّفوا بأحسن الخلف، واصحبهم، واكفهم شرّ كلّ جبّار عنيد، وكلّ ضعيف من خَلْقك وشديد، وشرّ شياطين الإنس والجنّ، وأعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم.

اللَّهمَّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشّخوص إلينا خلافًا منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشّمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلّب على حفرة أبي عبد الله الحسين (ع)، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا.

اللَّهمَّ إنّي أستودعك تلك الأبدان وتلك الأنفس، حتّى توافيهم من الحوض يوم العطش.

فما زال يدعو وهو ساجد بهذا الدعاء…[4].

ويقوم الزائرون في أيام الزيارة الأربعينية بالعديد من الشعائر التي حثّ الأئمة (ع) شيعتهم على القيام بها، ونشير فيما يلي إلى أمرين أساسيين من بينها:

  1. المشي إلى الزيارة.

يقوم الموالون والمحبون في أيام زيارة الأربعين بقصد مقامه الشريف مشيًا على الأقدام من أمكنة بعيدة يصل بعضها إلى أكثر من عشرة أيام، مواساة منهم لآل بيت رسول الله (ص) في سبيهم وسوقهم من بلد إلى بلد، وطلبًا للأجر والثواب الذي دلّت عليه روايات عديدة عن الأئمة من أهل البيت (ع)، فعن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة، قال: قال أبو عبد الله (ع): يا حسين، من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن عليّ (ع)، إن كان ماشيًا كتب الله له بكلّ خطوة[5] حسنة، ومحى عنه سيّئة، حتّى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين، حتّى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتّى إذا أراد الانصراف أتاه ملك، فقال: إنّ رسول الله (ص) يقرؤك السلام، ويقول لك: استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى[6].

وعن أبي سعيد القاضي، قال: دخلت على أبي عبد الله (ع) في غريفة له وعنده مرازم، فسمعت أبا عبد الله (ع) يقول: من أتى قبر الحسين (ع) ماشيًا كتب الله له بكلّ قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أتاه في سفينة فكفأت[7] بهم سفينتهم نادى مناد من السّماء: طِبتم وطابت لكم الجنّة[8].

وعن يحيى بن مساور، قال: كان جعفر بن محمّد (ع) جالسًا فأقبلت امرأة من العرب فقال: “ما لي لم أركِ منذ أمس؟”، قالت: كنت عند قبور الشّهداء، قال: “تركتِ سيّد الشّهداء عندكِ؟”، قالت: من هو؟، قال: “الحسين (ع)”، قالت: أزوره؟ قال: “نعم زوريه، فإنّه أفضل من حجّة وحجّة”، حتّى عدّ عشرًا. فقلت: فما لمن زاره ماشيًا؟ قال: “له بكلّ خطوة حجّة وعمرة”[9].

  1. الزيارة المأثورة.

كما يقوم الزائرون أيضًا بقراءة الزيارة الواردة عن الإمام الصادق (ع) في يوم الأربعين، وهي ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن صفوان بن مهران الجمال قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين: تزور عند ارتفاع النهار وتقول: السلام على ولي الله وحبيبه، السلام على خليل الله ونجيبه، السلام على صفي الله وابن صفيه، السلام على الحسين المظلوم الشهيد، السلام على أسير الكربات وقتيل العبرات، اللهمّ إني أشهد أنه وليك وابن وليك، وصفيك وابن صفيك، الفائز بكرامتك، أكرمته بالشهادة، وحبوته بالسعادة، واجتبيته بطيب الولادة، وجعلته سيدًا من السادة، وقائدًا من القادة، وذائدًا من الذادّة، وأعطيته مواريث الأنبياء، وجعلته حجة على خلقك من الأوصياء. فأعذر في الدعاء، ومنح النصح، وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة، وقد توازر عليه من غرّته الدنيا وباع حظه بالأرذل الأدنى، وشرى آخرته بالثمن الأوكس، وتغطرس وتردّى في هواه، وأسخط نبيك، وأطاع من عبادك أهل الشقاق والنفاق وحملة الأوزار المستوجبين النار، فجاهدهم فيك صابرًا محتسبًا، حتى سفك في طاعتك دمه واستبيح حريمه، اللهم فالعنهم لعنًا وبيلًا وعذّبهم عذابًا أليمًا.

السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا بن سيد الأوصياء، أشهد أنك أمين الله وابن أمينه، عشت سعيدًا، ومضيت حميدًا، ومتَّ فقيدًا مظلومًا شهيدًا، وأشهد أن الله منجز ما وعدك، ومُهلِك من خذلك، ومعذِّب من قتلك، وأشهد أنك وفيت بعهد الله، وجاهدت في سبيله حتى أتاك اليقين، فلعن الله من قتلك، ولعن الله من ظلمك، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به، اللهم إني أشهدك أني وليّ لمن والاه، وعدو لمن عاداه، بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله، أشهد أنك كنت نورًا في الأصلاب الشامخة والأرحام الطاهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك المدلهمات من ثيابها، وأشهد أنك من دعائم الدين، وأركان المسلمين، ومعقل المؤمنين، وأشهد أنك الإمام البر التقي الرضي الزكي الهادي المهدي، وأشهد أن الأئمة من ولدك كلمة التقوى، وأعلام الهدى، والعروة الوثقى، والحجة على أهل الدنيا، وأشهد أني بكم مؤمن، وبإيابكم موقن بشرائع ديني وخواتيم عملي، وقلبي لقلبكم سلم، وأمري لأمركم متبع، ونصرتي لكم معدّة حتى يأذن الله لكم، فمعكم معكم لا مع عدوكم، صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسادكم، وشاهدكم وغائبكم، وظاهركم وباطنكم، آمين رب العالمين. وتصلي ركعتين وتدعو بما أحببت وتنصرف[10].

زيارة الأربعين من علامات المؤمن.

وقد ترسّخت هذه الزيارة عند الشيعة الإمامية حتى باتت من العلامات التي يعرف بها الشيعي والموالي لهم (ع).

فقد روي عن أبي الحسن العسكري (ع)، أنه قال: “علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختّم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم”[11].

شبهة ورد.

وقد حاول بعضهم التشكيك في مدلول كلمة “الأربعين” الواردة في هذه الرواية، بدعوى أنه لا يراد منها زيارة الإمام الحسين (ع) يوم العشرين من صفر، بل المراد منها زيارة أربعين مؤمنًا.

لكن هذا التشكيك في غير محلّه، وذلك بملاحظة الأمور التالية:

أوّلًا: أن هذه العبارة وردت بعينها في الزيارة المروية عن الصادق (ع) الواردة في زيارته (ع) يوم العشرين من صفر[12]، كما تقدّم عن صفوان بن مهران الجمَّال، أنّه قال: “قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين…”[13].

ثانيًا: إنّ التعبير الوارد في الحديث وهو “زيارة الأربعين” لا يناسب الحمل على زيارة أربعين مؤمنًا، وذلك لعدم الدليل عليه أوّلًا، ولعدم مناسبته لذلك من الناحية اللفظية واللغوية، فلو أراد ذلك لكان عليه القول: زيارة أربعين، ولذا قال العلّامة المحقّق السيد عبد الرزاق المقرّم (قده): والتصرف في هذه الجملة “زيارة الأربعين” بالحمل على زيارة أربعين مؤمنًا، التواء في فهم الحديث، وتمحّل في الاستنتاج، يأباه الذوق السليم، مع خلوه عن القرينة الدالّة عليه، ولو كان الغرض هو الإرشاد إلى زيارة أربعين مؤمنًا لقال (ع): “وزيارة أربعين”، فالإتيان بالألف واللام العهدية للتنبيه على أن زيارة الأربعين من سنخ الأمثلة التي نصّ عليها الحديث بأنها من علائم الإيمان والموالاة للأئمة الإثني عشر[14].

ثالثًا: أن زيارة أربعين مؤمنًا ليست من علائم الإيمان، وإلقاء نظرة سريعة إلى نظائر هذه العبارة التي نصّ عليها الحديث كافٍ في حصول الاطمئنان بإرادة زيارة أربعين الإمام الحسين (ع)، منها:

  1. أمّا صلاة الإحدى وخمسين[15] فإنّها من مختصّات الإمامية، فإنهم وإن اتفقوا مع أهل السنة في عدد الفرائض، لكنهم اختلفوا معهم في عدد النوافل[16].

وهناك روايات تؤكّد على كون صلاة الإحدى وخمسين من علامات الشيعة منها: ما رواه أبو بصير عن الصادق (ع) في حديث يعدّد فيه أوصاف الشيعة: “[…] وأصحاب الإحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة […]”[17].

  1. وأما التختّم باليمين فقد كان شعارًا وعلامة للموالين لأهل البيت (ع) يعرفون به، تبعًا للنبي (ص) وأمير المؤمنين (ع) وأهل البيت (ع).

فقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن محمّد بن أبي عمير قال: قلت لأبي الحسن موسى (ع): أخبرني عن تختّم أمير المؤمنين (ع) بيمينه لأي شيء كان؟ فقال (ع): إنما كان يتختّم بيمينه لأنه إمام أصحاب اليمين بعد رسول الله (ص)، وقد مدح الله تعالى أصحاب اليمين وذمَّ أصحاب الشمال، وقد كان رسول الله (ص) يتختّم بيمينه، وهو علامة لشيعتنا يعرفون به […][18].

ونقل ابن شهر آشوب في مناقبه، عن الراغب في محاضراته: كان النبي وأصحابه يتختّمون في أيمانهم، وأوّل من تختم في يساره معاوية. ونقل عن نتف أبي عبد الله السلامي: أنّ النبي (ص) كان يتختّم في يمينه، والخلفاء الأربعة بعده، فنقلها معاوية إلى اليسار وأخذ الناس بذلك[19].

  1. وأما تعفير الجبين، فهو من مختصّات الإمامية أيضًا؛ إذ إن التعفير في اللغة وضع الشيء على العفر وهو التراب[20]، ولعل المراد به وضع الجبين على التراب في السجدة المستحبة، ويحتمل كونه كناية عن السجود على خصوص الأرض، لأنّ وضع الجبهة على الأرض يلازمه وضع الجبين وإن لم يكن السجود على نفس الجبين، ولم يلتزم أهل السنة بالسجود على خصوص الأرض كما يظهر بالمراجعة إلى كتبهم[21].

وقد روى الشيخ الصدوق بسنده عن الأصبغ بن نُباتة قال: “قال أمير المؤمنين (ع) ذات يوم على منبر الكوفة: أنا سيد الوصيين، ووصي سيد النبيين، أنا إمام المسلمين، وقائد المتقين، ومولى المؤمنين، وزوج سيدة نساء العالمين، أنا المتختّم باليمين، والمعفِّر للجبين…”، إلى آخر الخطبة[22].

  1. وأما الجهر بالبسملة فقد أوجبه الإمامية في الصلاة الجهرية وندبوا إليها استحبابًا في الصلاة الإخفاتية، تدينًا بروايات أئمة أهل البيت (ع)[23].

وترشدنا العديد من النصوص والروايات إلى ما لعلّه يكون سببًا في اختصاص المؤمنين به:

فعن سعيد بن المختار قال: سمعت جعفر بن محمّد (ع) يقول: “ما لهم قاتلهم الله! عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنه بدعة إذا أظهروها، وهي “بسم الله الرحمن الرحيم”.

وفي تفسير الفخر الرازي: “أنّ عليًّا (ع) كان يبالغ في الجهر بالتسمية، فلما وصلت الدولة إلى بني أمية بالغوا في المنع من الجهر، سعيًا في إبطال آثار عليّ (ع)”[24].

قال الشوكاني: وذكر البيهقي في الخلافيات أنه اجتمع آل رسول الله (ص) على الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، حكاه عن أبي جعفر الهاشمي، ومثله في الجامع الكافي وغيره من كتب العترة. وقد ذهب جماعة من أهل البيت إلى الجهر بها في الصلاة السرية والجهرية. وذكر الخطيب عن عكرمة أنه كان لا يصلي خلف من لا يجهر بالبسملة. وعن أبي جعفر الهاشمي مثله[25].

بل في بعض ما ورد عن الصادق (ع) أن: لا تقية في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم[26].

وينقل ابن طاووس بأن مذهب القوم كان هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، إلا أن تركه صار أحب إليهم، لأنه- بزعمهم- صار شعار أهل البدع[27].

وإذا اتضح ما ذكرنا من اختصاص هذه الفقرات بالشيعة، فلا ينبغي التوقف عن إرادة زيارة أربعين الإمام الحسين (ع) من تلك العبارة دون زيارة أربعين مؤمنًا، كما لم يتوقّف في ذلك أعاظم علمائنا (رض): كالشيخ المفيد في المزار، والشيخ الطوسي في التهذيب والمصباح، وابن المشهدي في المزار الكبير، والشيخ الكفعمي في المصباح، والعلّامة الحلّي في المنتهى في كتاب الزيارات، وابن طاووس في مصباح الزائر وإقبال الأعمال، والحر العاملي في وسائل الشيعة، والمجلسي في بحار الأنوار، والشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة، والشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان، وغيرهم من الأعلام.

[1]  جواد شبّر، أدب الطف، الجزء 1، الصفحة 41.

[2]  هبة الدين الشهرستاني، نهضة الحسين (ع)، الصفحة 118.

[3] الطريحي، مجمع البحرين، الجزء 4، الصفحة 29، مادة: كربل.

[4] ابن قولويه، كامل الزّيارات، الصفحات 227- 229.

[5] الخُطوة- بالضم- هي بُعد ما بين القدمين في المشي، وتجمع على خُطى وخُطوات، مثل غُرف وغُرفات، والخَطوة- بالفتح -: المرّة من الخطو، وتجمع على خَطوات، مثل شَهوة وشَهوات. وخطا خطوًا: مشى، ومنه قصّر الله خطوك، أي مشيك. (الطّريحي، مجمع البحرين، الجزء 1، الصفحة 667).

[6] ابن قولويه، كامل الزّيارات، الصفحتان  252 و 253.

[7] أي انقلبت.

[8] ابن قولويه، كامل الزّيارات، مصدر سابق، الصفحة 257.

[9] محمّد بن علي الشّجري، فضل زيارة الحسين (ع)، الصفحة 62.

[10] الطوسي، تهذيب الأحكام، الجزء 6، الصفحتان 113 و 114.

[11] نقل هذا الحديث جملة من الأعلام سيأتي ذكرهم، وقد وصف المحقّق النراقي هذه الرواية بالمستفيضة، انظر: مستند الشيعة، الجزء 5، الصفحة 171.

[12] سمعت ذلك من العلّامة المحقّق السيد جعفر مرتضى حفظه الله.

[13] الطوسي، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، الجزء 6، الصفحتان 113 و 114

[14] السيد عبد الرزاق المقرم، مقتل الحسين، الصفحة 386.

[15] وفي بعض الروايات ذكرت صلاة الخمسين، وذلك بإسقاط الوتيرة، فقد جاء عن الفضل بن شاذان عن الرضا (ع): “وإنما صارت العتمة مقصورة وليس تترك ركعتيها، لأن الركعتين ليستا من الخمسين، وإنما هي زيادة في الخمسين تطوعًا، ليتم بهما بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع”. (انظر: الصدوق، من لا يحضره الفقيه، الجزء 1، الصفحة 455). والتفصيل يطلب من مظانّه في الكتب الفقهيّة.

[16] السيد عبد الرزاق المقرم، مقتل الحسين، مصدر سابق، الصفحة 387.

[17] الحر العاملي، وسائل الشيعة، الجزء 4، باب 13 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها وما يناسبها، الحديث 26.

[18] محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الصدوق القمي، علل الشرائع، باب علة تختّم أمير المؤمنين (ع) في يمينه، الجزء 1، الصفحة 158.

[19] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، الجزء 3، الصفحة 87.

[20] ابن منظور، لسان العرب، الجزء 4، الصفحة 583، مادة عفر.

[21] السيد عبد الرزاق المقرم، مقتل الحسين، مصدر سابق، الصفحة 389.

[22] محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الصدوق القمي، الأمالي، الصفحة 77.

[23] السيد عبد الرزاق المقرم، مقتل الحسين، مصدر سابق، الصفحة 388.

[24] العلامة السيد جعفر مرتضى، الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، الجزء 1، الصفحة 178.

[25] الشوكاني، نيل الأوطار، الجزء 2، الصفحة 218.

[26] القاضي النعمان، دعائم الإسلام، الجزء1، الصفحة 110.

[27] ابن طاووس، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، الصفحة 553.


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقًا

قد يعجبك أيضاً


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.