تسبيحة السيدة الزهراء عليها السلام في روايات الأئمة (ع).

تسبيحة السيدة الزهراء عليها السلام في روايات الأئمة (ع).
تسبيحة الزهراء في روايات الأئمة (ع).
كان الأئمة الأطهار (ع) يحثون في الروايات الشريفة على ضرورة الإلزام بتسبيح الزهراء في موضوع الصلاة، وكانوا يأمرون به. وقد ورد عن الإمام الصادق (ع): “إنّا لنأمر صبياننا بتسبيح فاطمة (ع) كما نأمرهم بالصلاة فالزمْه فإنّه ما لزمه عبدٌ فشقي”. ونجد في حديث الإمام الصادق (ع) تأكيد واضح على استحباب هذا التسبيح والأجر فيه، وعلى دوره العبادي والتربوي، والموقف السياسي الذي كان قائمًا وما زال. ونجد فيه أيضًا أن التزام التسبيح هو مسلك تأديبي وتهذيبي في الارتباط بالله سبحانه وتعالى.
لكن مشكلة البعض مع هذا التسبيح أنّهم لا يدخلونه في برنامجهم اليومي، بل صارت المسألة تعتمد على همة العبد في أداء التعقيبات. في المقابل نجد أنّ الأئمة الأطهار (ع) قد أدخلوه في أصل برنامج الصلاة.
وتؤكد الروايات والأحكام الشرعية على حرمة أكل التراب والطين، بينما التربة الوحيدة التي يجوز لنا، بل يستحب أن نتناول منها هي تربة الإمام الحسين (ع) من أجل الشفاء. كما ورد للتداوي أيضًا الاستغاثة بالسيدة الزهراء (ع) التي تتبع تسبيح الزهراء، سواء كان التداوي لضيق أو حرج، أو لطلب حاجة من الله، أو رزق، وغيرها من الحوائج. لذلك ورد عن الإمام الصادق (ع): “إذا كانت لك حاجة إلى الله، وضقت بها ذرعًا فصلِّ ركعتين، فإذا سلمت كبّر ثلاثًا، وسبّح تسبيح فاطمة (ع) ثم اسجد، وقل مئة مرة (يا مولاتي فاطمة أغيثيني)، ثم ضع خدك الأيمن على الأرض، وقل مثل ذلك، ثم عد إلى السجود، وقل ذلك مئة وعشر مرات، واذكر حاجتك فإنّ الله يقضيها لك ببركة فاطمة الزهراء (ع)”.
من هنا، فإن هناك تأكيد في الروايات المروية عن النبي (ص) والأئمة (ع) على حالة التنظيم لشخصية الإنسان، فعندما يقول الإمام: اسجد مئة مرة وقل: يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني، في السجود الأول، ثم ضع الخد الأيمن على الأرض، ثم في السجود الثاني يقول مئة وعشر مرات، هذه الزيادة هي لسبب تربوي أولًا، وذلك لضبط النفس على الدقة والالتزام، فيما يتعلق بالتأثير الوضعي. وثانيًا، الانتظام في تأدية الأذكار بأعداد محدّدة حتى تتم.
معرفة معاني التسبيح مدخل إلى علو الأجر والمرتبة.
يتألف تسبيح الزهراء من ثلاث مقاطع، أولها: الله أكبر، وثانيها: الحمد لله، وثالثها: سبحان الله. ولكل مقطع منها أجره وثوابه ومعانيه الخاصة. وبقدر معرفتنا بهذه المعاني الخاصة بكل مقطع بمقدار علو الأجر والدرجات. من أهم معاني التسبيح عمومًا، أنه ينتمي إلى الذكر والحمد الكثير. وبما أنّ رسول الله هو صاحب الشفاعة الذي نال من ربه الرحمة التي لا حدّ لها، أوجد السبيل لمن لديه مشكلة جهل كي يرفعوا درجاتهم.
تتحدّث الكتب الأخلاقية عن شخص عادي، وكانت عبادته من صلاة وصوم عادية، ولا نعلم إن كان يذكر التسبيح أم لا، ولكن ما يهمنا من القصة هي العبرة. يقال: إنّ هذا الرجل لحظة بلحظة كان يكرر قول لا إله إلا الله، وبشكل يومي. تذكر الكتب أنّ هذا الرجل وقبل موته قال مرة واحدة وبإخلاص: لا إله إلا الله، ثم مات. فجاءه الحساب، وكان دفتر أعماله فارغًا من كل شيء. وقبل أن يصدر الحكم عليه وضعوا في ميزان أعماله قوله لا إله إلا الله عن إخلاص وعلم، وعن روح ارتبطت بربها مرة واحدة. وفي المقابل جمعت الملائكة صحائف أعمال العشرات بل المئات من أهل الخير، ووضعتها في الكفة الثانية، حتى وصلت إلى ما يساوي الجبال في علوها، فرجحت مقولة لا إله إلا الله من هذا الرجل لمرة واحدة، ودخل بسببها الجنة في مقام رضوان الله حتى أُسمي برجل الصحائف.
لقد كان هذا الذكر كثيرًا لكثرة خيره ونتائجه. لذلك حينما يُسأل الإمام (ع) عن معنى الذكر الكثير في (واذكروا الله كثيرًا) يجيب أنّ الذكر الكثير هو تسبيح فاطمة الزهراء (ع). علمًا أنّ هذا التسبيح لا يحتاج إلى وقت، وهو مطلوب ومستحب قبل النوم وبعد الصلاة، رغم ذلك لخيره الكثير سمّي بالذكر الكثير، وهو مصداق من مصاديق الذكر الكثير.
وفي ما يتعلق بموضوع “الحمد”؛ فهو عبارة عن عبادة للباري عز وجل، الذي لا يمكن لأحد الوصول إليها غيره. ففي بعض المرويات أنّ تسبيح فاطمة الزهراء من التحميد لله سبحانه، وهذا يدلّ أنّها بعموم معانيها هي هكذا. أما في التفاصيل، فعن الإمام الصادق (ع) قال: “قال أمير المؤمنين علي (ع) التسبيح نصف الميزان، والحمد لله يملأ الميزان، والله أكبر يملأ ما بين السماء والأرض”.
من الأحداث التي ستحصل يوم القيامة أنّ الله ينطق لسان الإنسان بما كان يقول، فلو أنّ لساني كان كثير الزلات سيدخلني إلى النار. وإذا كان هذا اللسان في نفس الوقت قد استخدم وتعامل مع تعبيرات بصدق هي (الله أكبر، الحمد لله، وسبحان الله) إذا كان هذا اللسان قد نطق في الحياة الدنيا بذكر الله، فيوم الآخرة قطعًا سينطق  بذكر ربه. كما ستُسأل الأيدي عما عملت. وفي التعبيرات القرآنية عندما يريد الله أن يواجه الظالمين بالذي فعلوه ويؤنبهم عليه، يقول: “بما كسبت أيديهم”. لذلك يمكنني أخذ القرار الآن بالاستغفار عمّا قمت به من ذنوب بيدي. ولكن يجب أن أقوم بشيء لأجعل هذه الأيدي تنقذني أثناء الورطة، فأذكر الله بمعاقد أصابعي، على نية أنّني حينما ألقى ربي، أرجوه بأن ألقاه بأصابع أيد قد ذكرت اسم الله بمعاقدها تيمّنًا بفاطمة الزهراء (ع).
وينبغي أن نلتزم السبحة رغم ثقافتنا المجتمعية كموالين لمحمد وآل محمد. وكلما كان تراب هذه السبحة من طين تراب أبي عبد الله الحسين، كلما كان الموقف أفضل.
كما وتذكر الأوساط الإسلامية رأيين في موضوع السبّحة:
 الرأي الأول: أنّ هذه السبّحة هي من الأمور التي تشبّه بها جماعات المسلمين بالهندوس والمسيحيين. ويقولون أيضًا لا يوجد عند المسلمين وفي تاريخهم ذكر للسبّحة، لا بعصر النبي ولا بعصر الصحابة ولا بعصر التابعين. وأنّ الذين أدخلوا السبحة إلى العالم الإسلامي هم الصوفية، والروافض.
والرأي الثاني: وهو رأي الموالين لمحمد وآله، قالوا: إنّ السلفية هم أصحاب هذه المقولة، وأول مسألة أرادوا إلغاءها أنّ رسول الله محمد (ص) وضع بين يدي فاطمة وفي أمانتها نِحلة عن ربه أي هدية من أجل أن تُعمّم لأسباب سيأتي الزمن عليها وينبئنا عنها.
ومن أجل التأكيد على نفي ما ورد، نقول كما في المروي: إنّ السيدة الزهراء أخذت حبلًا وعقدته بعدد التكبير والتحميد والتسبيح، ثم أتت قبر حمزة (ع) عم الرسول، وسيد الشهداء أيام رسول الله (ص) وشكّلت بعض الأحجار الصغيرة من الطين، وأدخلتها في الخيط وشكّلت سبّحتها. فاقترن ذكر (الله أكبر والحمد لله وسبحان الله) برمز الشهادة الذي يمثّله حمزة، ثم بعد الزهراء فاطمة، درج بين المسلمين اعتماد تربة رمز الشهادة التي نادى بها محمد، وهي تربة أبي عبد الله الحسين (ع).
بناءً عليه، فإنّ القول بأنّ السبّحة تشبّه بالكفار، ليس من باب البحث في التاريخ، بل لأجل نفي الحقائق التاريخية، وحقيقة أنّ السيدة الزهراء مركزية في كل شأننا العبادي. وبكل جرأة نقول: إذا كانت ولاية الإمام على الروح، وعلى الدم وعلى الحياة، والجسد، وفي إدارة شؤون المسلمين، فإنّ ولاية الزهراء بلا أدنى شك هي رمز عبادة، وروح كل مسلم ومسلمة يوالي محمدًا وآل محمد.
إنّ رواية السبّحة متعلقة برمزية السيدة الزهراء (ع)، وبالارتباط بين الذكر العبادي والشهادة، التي هي عنوان هوية التشيع الذي ينتمي لخط محمد وآل محمد. وإذا عرف الإنسان أهمية التسبيح، وأمسك بتربة الإمام الحسين، سيكون له مقابل ذلك من أجل الحث والتشجيع، والتأكيد على حقيقة ستحصل. ويقول الإمام الصادق (ع): “من أدار سبحة من تربة الحسين (ع) مرة واحدة، بالاستغفار أو غيره، كتب الله له سبعين مرة، وأنّ السجود عليها يخرق الحجب السبع”.
 
بالتالي، بمقدار معرفتك بمعاني التسبيح، بمقدار علو الأجر والمرتبة التي أنت فيها. لكن إن لم تكن لديك هذه المعرفة، فقد فتح الله لك بابًا إليه من خلال أهل البيت (ع)؛ مثال على ذلك، في الآداب الخاصة أنّك حينما تجلس متأدّبًا بين يدي ربك لتأدية هذا الذكر، أن تذكر كل مقطع فيه استنادًا إلى علو شأن الزهراء وعلى لسانها، وكأنّك تكرره أنت عنها، متابعة وتأسّيًا، ليكون لك الأجر الذي لا يعلمه إلا رب العزة سبحانه وتعالى، ولأنّك تكون قد وضعت نفسك في محضر فاطمة وتتحدث مع ربك بلسانها.
وينطبق هذا الأدب حتى على الأدعية، كدعاء كميل، فإن كان يريد الإنسان تحصيل أجر دعاء كميل عليه أن يعي معناه، ويكرر ما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بنية الولاية، ليحصل الأجر الكبير والجزيل.
كما ينبغي الالتفات إلى أن هذه السبحة وهذه التسبيحة تختصر أهم معنيين في الإسلام، ويرتبط كلاهما بالولاية، وهما: الذكر والشهادة. فكأنّما لا ذكر على نحو الحقيقة إلا بطريق نيل أمنية الشهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى، اقتداءً بما أسّسه رسول الله، وتأسّيًا بأبي عبد الله الحسين (ع). وكأنّما لا توجد سعادة إلا في الشهادة، ولا يصح ذلك إلا بولاية فاطمة وأهل البيت (ع).
ومن المفيد تعميم أمور ثقافية بين الناس عبارة عن نشاط أو مسابقة معينة ومن كان الأول بتميّز تعطى له جائزة عبارة عن بعض من تربة الإمام الحسين (ع)، ومن يحصل على مثل ذلك فليحتفظ فيه بقلبه. ففي الروايات أنّ بعض أئمتنا (ع) كانوا يخبئون بعضًا من تربة الإمام الحسين في أماكن سرية كي لا تضيع، وكان الموالون لهم إذا حصلوا على مثل ذلك خبأوه من أجل أن يمارسوا عبادة الذكر فيه حتى يكون قرينًا لهم، فإذا دخلوا قبورهم يلاقون به وجه أبي عبد الله الحسين، ووجه محمد وفاطمة، ووجه الله عز وجل.
أما في ما يتعلق بذكر (الله أكبر)، تقول بعض الروايات: إنّ عدد التكبير 33، ولكن روايات الإمامية تفيد أنّ العدد 34 مرة. ومن أهم المقاطع التي ينبغي أن نلتفت إليها ما هو موجود ما بين أول التسبيح وآخره، وهو “الله”؛ ما يعني أنّ في هذا التسبيح نظامًا يذكّرنا أنّ الله هو الأول وهو الآخر، وهو المـُبدئ وهو المعيد. فنظام كل حياة الذكر وحياة الروح والنفس وذكر اللسان والقلب والأبدان وكل ما يتعلق بعبادة ربنا، إذا صار في قلبك ووعيك وروحك لا يقاس به شيء، وفوق وقبل كل شيء وصلت إلى معاني معرفة تسبيح الزهراء (ع).
 

الشيخ شفيق جرادي

الشيخ شفيق جرادي

الاسم: الشيخ شفيق جرادي (لبنان) - خريج حوزة قُمّ المقدّسة وأستاذ بالفلسفة والعلوم العقلية والعرفان في الحوزة العلميّة. - مدير معهد المعارف الحكميّة (للدراسات الدّينيّة والفلسفيّة). - المشرف العام على مجلّة المحجة ومجلة العتبة. - شارك في العديد من المؤتمرات الفكريّة والعلميّة في لبنان والخارج. - بالإضافة إلى اهتمامه بالحوار الإسلامي –المسيحي. - له العديد من المساهمات البحثيّة المكتوبة والدراسات والمقالات في المجلّات الثقافيّة والعلميّة. - له العديد من المؤلّفات: * مقاربات منهجيّة في فلسفة الدين. * رشحات ولائيّة. * الإمام الخميني ونهج الاقتدار. * الشعائر الحسينيّة من المظلوميّة إلى النهوض. * إلهيات المعرفة: القيم التبادلية في معارف الإسلام والمسيحية. * الناحية المقدّسة. * العرفان (ألم استنارة ويقظة موت). * عرش الروح وإنسان الدهر. * مدخل إلى علم الأخلاق. * وعي المقاومة وقيمها. * الإسلام في مواجهة التكفيرية. * ابن الطين ومنافذ المصير. * مقولات في فلسفة الدين على ضوء الهيات المعرفة. * المعاد الجسماني إنسان ما بعد الموت.  تُرجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسيّة والفارسيّة، كما شارك في إعداد كتاب الأونيسكو حول الاحتفالات والأعياد الدينيّة في لبنان.



المقالات المرتبطة

النهج الفاطمي

تطرقنا سابقًا إلى موضوع التأسي، وقلنا إنّه علينا أن نبحث كثيرًا في كل ما يرتبط بخصوصيات السيدة الزهراء (ع) من أجل أن نتبعها ونقتدي بها

أسماء الله الحسنى عند الشيخ العارف محيي الدين ابن عربي وتابعيه

جدير بنا أن نفتتح الكلام بما ألفه ابن عربي حول أسماء الله الحسنى. والمعوّل في ذلك اختصاص العنوان بالأسماء، لا

المنهج التأويليّ للدكتور حسن حنفي في “النقل والإبداع”

نحن أمام عمل موسوعيّ مترامي الأطراف يتميّز بالعمق والغزارة والقوّة في التمسك بمنهج إعادة بناء العقل، عبر السفر فيما يمكن تسميته بعقل النقل ونقل العقل.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<