by إنعام حيدورة | مايو 11, 2020 9:14 ص
إنّ غاية البحث في المعارف القرآنيّة هو إيصال الإنسان إلى كماله المعنوي والمادي اللائق بعبودية الله تعالى.
ولا يمكن للإنسان أن يرتقي ماديًّا ومعنويًّا بالارتقاء المناسب لعبوديّته إلّا من خلال فهم القرآن وإدراك مضامينه من وظائف وحقائق ومعارف.
وللقرآن ظاهر وباطن وتخوم، وللتخوم تخوم، وفهم المعاني القرآنية هي غاية العلوم والمعارف التي تدور حولها الأبحاث في الحوزات العلمية، وهو ليس ميسّر لكلّ أحد ما لم يرتقِ في مستوى تفكّر يمكّنه من معرفة المراد من الآية التي يقرأ.
فكيف يفهم القرآن، وما هي طبيعة هذا الفهم؟…
عن الإمام الصادق عليه السلام: “كتاب الله عزّ وجلّ على أربعة أشياء: على العبارة، والإشارة، واللطائف والحقائق. فالعبارة للعوام، والإشارة للخواصّ، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء”[1][1].
إنّ المقدار الميسور للناس من هذه الدلالات هو دلالة العبارة أي فهم العبارة من القرآن الكريم. وأمّا دلالة الإشارة فهي من بعض خواصّ أهل العلم الذين صرفوا أعمارهم وبذلوا جهودًا كبيرة لأجل فهم معاني الكتاب وإشاراته.
وأمّا اللطائف والحقائق فهي متعسّرة، ولا تحصل لأيّ شخص، وتحتاج إلى طهارة قلبيّة وصفاء روحي، وغالبًا لا يتوفّر إلّا للأولياء والأنبياء لأنّها لا تتحقّق بالمعرفة الاكتسابية والعلم الحصولي فحسب، إنّما نحتاج إلى قداسة عالية تمكّن للإنسان بلوع مرتبة فهم وإدراك اللطيفة والحقيقة الذي يكون الأمر في حدّ ذاته بغاية الصعوبة، وغاية ما يصل إليه الباحث هو الرقيّ إلى مستوى فهم العبارة.
هناك رأيان حول مسألة فهم القرآن الكريم.
الرأي الأوّل: يقول بحجيّة ظواهر الكتاب العزيز.
والرأي الثاني: ينفي فهم الكتاب إلّا لمن خوطب به وأنّه لا يمسّه إلّا المطهّرون.
صحيح أنّ فهم الإشارة وفهم اللطيفة وفهم الحقيقة صعبٌ بعض الشيء، إلا أنّه يمكن الدمج بين القول بحجيّة الظواهر القرآنيّة وبين النفي بفهم القرآن العزيز. فالعبارة يمكن أن يفهمها كلّ من يعرف بأسانيد الكلام والمعاني في اللغة العربيّة، والإشارة واللطائف والحقائق يختصّ بها الأنبياء والأولياء (لا يمسّه إلّا المطهّرون)، وهكذا يتحقّق الجمع الدلالي بين القولين.
كما أنّ معاني الكتاب ليست على مرتبة واحدة، وإنما تقع على معانٍ متعدّدة ومتفاوتة، وحينما نبحث في المعاني القرآنية، فإنّ ما ندركه على قدرنا لا على قدرها، لأنّ عقولنا قاصرة من فهم مراد الباري سبحانه وتعالى إلّا ما أشارت إليه الروايات.
وإن كان البحث في المعارف القرآنيّة متعذّرًا من ناحية الإحاطة والشمول لكون البحث بمقدار ما يدركه العقل، لكنّه بالاستعانة بالأنبياء والأولياء يُسمح للباحث الاطلاع على اللطائف والحقائق بالقدر الذي تقدّمه له الرواية، إذ لا يمكن الاستغناء عن الرواية في فهم النصّ القرآني في فهم اللطائف والحقائق. وكذلك يوجد حاجة للرواية في فهم الإشارة والعبارة، لأنّ كلام المعصوم هو كلام الله تعالى بالواسطة، فربّما يكون دور المعصوم أن يخصّص كلام الله تعالى، أو أن يفسّره أو يقيده، أو يرفع الغموض عنه، وقد يكشف عن أسرار وجوديّة وعقليّة ومعرفيّة لا يمكن للدارس في علوم القران الاستغناء عنه في فهم الدلالات القرآنيّة.
ومن قال إنّ القرآن يفسّر بعضه ببعضه، فإنّ ذلك صحيح من وجه وباطل من وجه. فإذا أراد القائل بذلك أنّ القرآن ينحصر تفسيره ببعضه فهذا باطل، وقد ورد في الكتاب المجيد: ﴿ما آتأكم الرسول فخدوه﴾ وغيرها من الآيات التي تشير إلى أنّ كلام الرسول حجّة؛ ﴿وما ينطق عن الهدى إن هو إلّا وحي يوحى﴾.
فكلام المعصوم وكلام الله تعالى من حقيقة واحدة تجلّت في مظهرين؛ مظهر الكلام الإلهي، ومظهر كلام المعصوم، وأحدهما يفسّر الآخر.
فإذا أراد القائل بأنّ القرآن يفسّر القرآن بمعنى أنّ بعض الآيات القرآنيّة تفسّرها بعض الآيات الأخرى مع عدم الاستغناء عن الرواية فهذا أمر مقبول. وأمّا الذي يريد من هذه الدعوى الاستغناء عن الرواية في فهم القرآن… فهذا يكذّبه القرآن وتكذّبه السنّة والحديث.
من هنا، فإنّ القرآن لا يحيط به فكر الإنسان العادي، ولو كان من نوابغ البشر والكلّ ينحني أمام فهم حقيقة النصّ القرآني، لأنّ الإنسان العادي محدود والقرآن غير محدود. ولا يمكن للمحدود الإحاطة باللامحدود، ولا يمكن إدراك حقيقة القرآن إلا بواسطة الله تعالى والنبي والإمام، ومن دونهم يتحيّر العقل، ولا يمكنه أن يصل إلى هذه الحقيقة.
فكيف يمكن للمعصوم أن يساهم في إدراكٍ أعمق للآيات القرآنيّة، وما هو دور قارئ القرآن في ذلك؟
[1][2] محمّد الريشهري، ميزان الحكمة (دار الحديث، الطبعة1، 1416ه)، الجزء 3، الصفحة 2531.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/10127/koraan/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.