الشعائر الحسينية
مقدمة
عند أول سهم غدر، انطلق نحو معسكر الإمام الحسين(عليه السلام) في كربلاء،. ومع دخول قرار التصدي للظلم والفجور إلى حيّز المواجهة المعلنة والمفتوحة،. دخلت الشعائر الحسينية إلى قلب التاريخ والوجدان الإسلامي.
فصارت كل كلمة، وكل موقف، كل ذكر وصلاة وجهاد ووداع، جرت في كربلاء… وضمن الخط الذي رسمه الإمام الحسين(عليه السلام) تمثل علما ومعلماً من أعلام الحق والنهضة ومقاومة الباطل… بل صارت شعيرة يتعبّد من خلالها الأحرار روح الموقف الثابت في تحدي كل الصعوبات والمخاطر، نصرة لقيم العدالة، وقضايا الحق والتحرُّر…
فمن دم الحسين(عليه السلام) وإشراقة وجهه، وهو يكابد الموت وجلاوزة الطاغوت، ولدت شهادة الحياة… ومن يقين إيمان علي الأكبر بالحق، الذي يمثله الإمام الحسين (عليه السلام) انبعثت أطروحة”أولسنا على الحق، إذن لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا”… ومن ولاء الأصحاب الذين تمسكوا بولاية الإمام الحسين(ع)، كانت اندفاعة الثبات على صراط الرسالة، وجعل الدنيا قنطرة الآخرة، وحياة الخلود… ومن عطش الأطفال والنساء نبعت أنهار الحزن والأسى دفاقة” في القلوب والعيون جيلا بعد جيل… ومن بأس العباس ولد بأس كل مقاوم، ومن إيثاره تمخّضت روح الوفاء للأمة وقادة الأمة…
من التاريخ الذي تسطّر بعد شهادة الإمام(ع)، وسبي السيدة زينب(ع)؛ ومواقف العز التي أطلقتها من سرِّ الإيمان واليقين بالله الأحد المقتدر الذي منه يكون كل خير… وعنه لا يصدر إلا الجميل… انتفضت العقيدة والعبادة والإرادة، فكانت “شعائر حسينية” تحفظ الهدف والغاية، وتستحفظ في طيات معناها كل الشهادة والنهضة، ودوام الحياة، وذكر الإسلام. ب”إحياء الأمر”والإحياء فعلٌ متجدد ومستمر لبث الروح، مستديما من العبر والتأثيرات التي لا تنضب ولا تجف… ولجعل الواقعة رمزا يشير إلى دلالات لا تنتهي…
وقد أسّس القرآن الكريم لمثل هذا النهج من الإحياء لأمر الله، ] وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ[ (إبراهيم:5)….
فالفعل الإلهي هو إرسال موسى رسولا إلى الناس، يحمل آيات الله إليهم، كسبيل لإخراجهم من ظلمات القهر والجهل، إلى نور الإسلام والتحرر… أما فعل موسى فهو قيادة هذه العملية الرسولية الإنقاذية من جهة، وإرساء كل الأصول الدينية والنفسية والشعائرية لتذكيرهم بأيام الله، … والمقصود هنا من أيام الله؛… الأوقات والأحداث التي برز فيها التدخل الإلهي بشكل واضح بيّن، والتي شكلت منعطفاً في تاريخ الشعب والجماعة… وهي أيام أضاءت أرواح الناس وقلوبهم بنور الله… والقلب الذي يضاء بنور الله لا يمكن له أن يتقبل بعد ذلك ذلاً، أو ظلماً يلحق به أو بقومه وبأمته، بل لا يمكن له أن يقبل السكوت عن حيفٍ وجورٍ يصيب أي مخلوق… لذا فإن التذكير، أو الإحياء إنما يحفظ، ومن خلال الشعائر، هذا التألق للنور الإلهي في قلوب الناس، والذي انبعث فيهم أول ما انبعث عند حدوث الواقعة، وهو يقبل الديمومة والاستمرار بفعل الإحياء ولشعيرة الإحيائية… من هنا كانت الشعائر الحسينية هي شعيرة دينية قال فيها الأئمة(عليهم السلام)” إنها”إحياء الأمر”… وهذا الإحياء له دوره ووظيفته في نهضة وديمومة حياتها العزيزة والمجيدة… لذا يقول سبحانه… ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[(الأنفال:24)… وحياة أهل الإيمان على نوعين:
النوع الأول: وفيه تكون حياة القلوب بدوام الإيمان، وطلب القربى من الله ] قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[(الأنعام:162)
النوع الثاني: هو الحياة الاجتماعية التي تسودها قيم الولاية لله وحده، وبالتالي فهي حياة مفعمة بنور العدل والحق والهداية والحرية،] اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ[(البقرة:257).
فبالنوع الأول من حياة أهل الإيمان يكتشف الإنسان نفسه ويعرفها، حتى إذا ما عرفها عرف ربه، وإذا ما عرف ربه ووليه، كانت حياة النوع الثاني بالخروج من دائرة الظلمات التي يقبع فيها أهل الكفر، وعبيد الطاغوت… وذلك بنسيانهم ربهم وإيمانهم والذين نسوا الله، أنساهم أنفسهم… فإذا ما نسوا وغفلوا عن أنفسهم كانوا مرتهنين لحيف الحياة وظلم الجبابرة فيها… وما دور الشعيرة،… والشعائر الحسينية إلا أن توقظ في النفس كل عبر أيام الله….
عليه، فان هذا الكتاب ليس كتابا يؤرخ للشعائر والمراسم الحسينية، وإن استند إلى التاريخ أحيانا لاستجلاء معنىً من المعاني، أو مفهوماً من المفاهيم….
كما وأنه لن يعمل على مناقشة بعض الطروحات الافتراضية الجديدة التي اعتمدت على مناهج علم الاجتماع والنفس، لقراءة الشعائر والمراسم العاشورائية بما يخرجها عن هدفيتها الإسلامية… وإن كان النقاش مع مثل هذه الاتجاهات، من المواضيع التي يمكن لنا مستقبلا البحث فيها…
إن هذا الكتاب؛ يريد أن يستجلي البعد الإيماني في الإحياءات العاشورائية، كما ويريد التركيز على الدور النهضوي للشعائر الحسينية؛ وذلك عبر دراسة تتألف من ثلاثة فصول:
الفصل الأول: ويتناول معنى الشعيرة في الإسلام، وكيف تتفاعل مع البيئة الإجتماعية والثقافية فتنتج بعض المراسم الخاصة واللصيقة بها؛… ثم لندرس بعد ذلك الشعائر العاشورائية وعلاقتها بأصل الشعيرة في الإسلام، وما هي تأثيراتها الإيمانية والتاريخية … دارسين بنفس الوقت الخلفية التاريخية_ الدينية للشعائر الحسينية، والتي تتمثل بنهضة الإمام الحسين(ع) وأهدافها…
الفصل الثاني: ونستعرض فيه الشعائر الحسينية بصنوفها الثلاث… ودورها في إحداث التغيير النفسي لدى الملتزم بها، ثم كيف أنها تشكل الهوية الجمعية للمؤمنين بخط الإمام الحسين (ع) …ثم لنلحظ الهدفية الإبلاغية في الشعائر الحسينية. ومدى الانسجام المنظومي بين هذه الشعائر في رسم مسار النهوض الإسلامي.
الفصل الثالث: استعرضنا فيه بعض الاتجاهات التي كان لها آراؤها في السلوكيات الإحيائية للمراسم والشعائر العاشورائية،… وإننا بعد استعراضها عملنا على تبيان المائز التجديدي الذي طرحه الإمام الخميني (قده) في التفاعل النهضوي مع الشعائر العاشورائية .
مما يعني أن هذا الكتاب، يدخل في ما يمكن أن نصنفه ب”أدبيات النهوض” الإسلامي بوجهه العام، والنهوض الإسلامي المعاصر على وجه الخصوص. راجين من الله أن نكون قد قدمنا ما فيه بعض الفائدة في تناول أصل مركزي من أصول الصحوة أو النهضة الإسلامية المعاصرة….
المقالات المرتبطة
معرفة الحرب الناعمة
إسم الكاتب: الإمام السيّد عليّ الخامنئي
عدد الصفحات: 67 صفحة
سعر الكتاب: 5$
تاريخ الطبعة: 2016 م
ISBN: 978-614-440-057-9
فلسفة الأنوثة مقدّمة لحقوق المرأة في الإسلام
الناشر: دار المعارف الحكميّة عدد الصفحات: 216 للمزيد kansas payday loans
أخلاقيّات التولّي والتبرّي من مدرسة عاشوراء
▫️ إنّ الظروف التي نعيشها تحتّم علينا أن نقارب الأحاديث العاشورائيّة بعمق. بل إنّ مقاربة عاشوراء بحديث سطحيّ على أساس