إحياءات ولائية
أن يعيش المرء إحياءً دينيًّا كعاشوراء، يعني أن يحيا معنويًّا. والحياة المعنوية هي إعمار القلب بالتقوى وذكر الله سبحانه.
هذه السنة، وبرغم تراكم المشكلات والابتلاءات مما يفرض العديد من الموضوعات المؤهلة للطرح والتثقيف؛ إلا أنني أعتقد أن من أهم، إن لم يكن الأهم وعلى الإطلاق، هو بحث السلوك الولائي. وما أقصده هنا؛ هو أن الولاية في الإسلام تقوم على ركنين عمليين:
الركن الأول: هو ما اصطلح عليه بالتولّي. ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾[1].
والتولي؛ أي التسليم والاتباع والثقة الموجبة لتبنّي هوية أخلاقية وسياسية وإيمانية، تعود لمرجعية الله سبحانه ورسوله (ص)، والذين آمنوا، في الحياة الخاصة والعامة، بحيث يستلزم هذا النحو من التولّي تكتّلًا وتحزّبًا خاصًّا، واعتمادًا لسلوك جمعيٍّ قائم على هذا التولّي يرتكز على تباني مجموعة من الناس بشق طريق صعب في الحياة الرسالية؛ إذ توحّدهم هذه الرسالة المبنية على الولاية والتولي في مفاهيمهم ورؤاهم وعقائدهم وإيمانهم وسلوكياتهم الأخلاقية والحياتية. ويخوضون غمار الصعاب في الحياة الدنيا وفق هذه الرؤية (الولاية)، ووِفق سلوكيات محدّدة هي (التولّي) المفضي لحراك حزبي تكتّلي مؤمن وواع. والحزبية هنا تعني قرآنيًّا (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) في كل تجربتهم الجهادية الرسالية.
الركن الثاني: هو التبرّي ﴿بَرَاءةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[2]. إنها قذف الجسم السليم الصحيح لقاذورات ما يمكن أن يخالطه أو يعترضه. ولا صلاح أو إصلاح أو تولي؛ دون براءة من الشرك والظلم وجبهٍ للباطل والفساد.
فشرط صحة الجسم والنفس والقلب والروح أن يبرأ مما يفسده من أمراضهم.. فالله يأمر أهل الصلاح والإسلام بالبراءة من كل لون من ألوان التبعية والولاية للذين ظلموا.. واعتبر القرآن أن عُمُق التوحيد يُفضي حتمًا إلى البراءة من كل شِرْك عقائدي أو نفسي أو سياسي ﴿قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾[3].
﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾[4].
﴿فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾[5].
إن اتخاذ الموقف، وإعلان القرار في وجه الظالم والجائر والفاسد هي شروط واجبة لتحديد التبرّي ومما تبرّأنا منه.
وبمقتضى هذين الركنين (التولّي والتبرّي) نحصِّل الولاية وموجباتها، ومن ذلك ولايتنا لأبي عبد الله الحسين (ع).
فما من ولاية لله سبحانه إلا واستجلب تولٍّ لأمره وأمر نبيِّه وآل بيت نبيه الأطهار. وما من تولٍّ لهم إلا واستجلب تبرٍّ لكل من ظلمهم وعاداهم وسنَّ سنن الظلم والجور في العالم.
[1] سورة المائدة، الآية 56.
[2] سورة التوبة، الآية 1.
[3] سورة الأنعام، الآية 19.
[4] سورة هود، الآية 35.
[5] سورة الشعراء، الآية 216.
المقالات المرتبطة
حفريات الخطاب الغربي السلطة والمعرفة في العقيدة الإسرائيلية
نختم مع بحثنا هذا الرحلة الفكرية التي أخذنا فيها الدكتور بدر المقري إلى دراسة الخطاب الغربي في رؤيته للشرق
هل من رجال دينٍ في الإسلام؟!
يفترض المسلمون، علماء ومثقّفون أن لا وجود لمؤسسة دينية في الإسلام؛ وأن لا مكان للحديث حول رجال دين.