المؤسسة الدينية في ارتكازات الإسلام والمسلمين
هناك صيغتان تخطران بالبال فيما يخص المؤسسات الدينية:
* الصيغة الأولى: المؤسّسة المنضبطة بضوابط تشبه الصيغ العسكرية، حتى إذا ما حملت صبغةً دينية أكست نفسها طابع القداسة، بحيث إنّ المؤسّسة تأخذ غالبًا طابع العصمة، مما يجعل من مقرّراها وتفسيراتها إلهامًا إلهيًّا يُعبَّر عنه بروح القدس. بل في بعض هذه المؤسسات رتبٌ إذا ما نالها صاحبها، يسود الاعتقاد أنها منحة من الله، وما منحه الله لا يمكن للبشر أن يُسقطوه.
وبالغالب، فإن كل المؤسسات التي أُسمِيت بالدينية بمعنى “الثيوقراطية” انتمت إلى هذه الصيغة. بدءًا من الدولة الثيوقراطية، إلى مدينة الله، إلى الكنيسة، فرجال الدين، فالمقرّرات الرسمية، وهكذا…
والمشكلة أن هذه الصيغة صارت هي المعيار الذي بموجبه يتم الحديث عن أي مؤسسة دينية. وهو ما دعا المسلمين لرفض تسميتهم برجال الدين، أو المؤسسة الدينية؛ إذ يعتبرون أن مفهوم الإسلام للدين والعلماء والمؤسسة سواءً أكانت حكومية أو علمية يختلف تمامًا عمّا عليه الكنيسة.
* أما الصيغة الثانية، فهي المؤسّسة ذات الطابع الاعتباري، الذي يتواضع عليه البشر [من المواضعة]، والتي تتسم بالسمة المدنية. فلا أنظمة حديدية، الخروج عنها يعني كفرًا وجحودًا، إنما يعني في أفضل أحواله مسًّا بالأنظمة المرعية الإجراء. ثم إن المعاهد الدينية، هي أشبه بالأكاديميات الجامعية، فهي تأخذ احترامها من أن العلم بنفسه أمرٌ مبارك ومحترم، ومن كون البيئة المنتجة للعلم تنال أشرف الوجاهة حكمًا.. أما الاجتهاد فإنه منهجية علمية جدّية، ويغلب عليها طابع الإبداع الفردي والاكتشاف لأسرار العلوم النظرية والعملية. وبالتالي، رجل الدين هنا هو عالمٌ يراكم خبرته العلمية، وهو فقيه بالدرجة الأولى، ينتهج نهجًا علميًّا يخوِّله الاجتهاد المعمَّق في معرفة أحكام الشريعة. وهي معرفة خوَّلت الفقيه التصدّي لشؤون الحياة العامة، بحيث إن اجتهاده ينبغي أن يكون من الوسعة بحيث يدخل إلى كل تفاصيل الحياة الفردية والاجتماعية والسياسية. “إذ ما من واقعة إلا ولله فيها حكم”. لكن سلطته إنما تأتي من صفات ومميزات ثلاث، وهي الصفات التي تؤهّل الفقيه لتولي الأمور:
-
الخبرة القانونية والفكرية (الفقه والمعرفة بالإسلام).
-
الطبيعة الأخلاقية، والسيرة العملية السليمة المفضيان إلى العدالة في بناء النفس، وانعكاسات ذلك على التفاعل مع المجتمع والأولويات الحياتية، والقرارات المـُتخذة.
-
المقدّرات القيادية من حكمة، وتدبير، وشجاعة، وإيثار… طبعًا، يبقى أمرٌ أخير لا بدّ منه؛ في حال صار الفقيه “وليّ فقيه”؛ ألا وهو المعرفة بشؤون الواقع المحيط في عالم الصراعات والسياسات الدولية.
وهذا كله إنما يعود لأمرين اثنين:
الأمر الأول: أن الدين في الفهم الإسلامي، ليس هو ذاك الذي نراه عند الكنيسة، ولا هو ما أنتجته الذهنيات الحداثوية. وهو ما يلزم الحديث حوله مفصَّلًا.
الأمر الثاني: أن نطاق اشتغال الإسلام هو الحياة بسعتها الفردية، والجماعية، والسياسية، والتاريخية. وأن الإسلام يقدِّم رسالته باعتبارها بانية لما هو أخروي، كما وبناؤه لما هو أرضي دنيوي.
* رئيس معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية، بيروت – لبنان.
المقالات المرتبطة
نماذج من الدور القيادي للإمام الخامنئي في إدارة الأزمات
لا تخفى الصعوبات الجسيمة والمخاطر المـُحدِقة التي واجهت مخاض ولادة الثورة الإسلامية في إيران (1979م)، ولعلّ وصفها من قبل الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر بـ “حلم الأنبياء”
الإمام والمسيح عند هنري كوربان
مقدمة في تصوّر أوغوست كونت، صاحب النظريّة الوضعيّة لتاريخ الفكر البشريّ، أنّ الناس الأوائل، عندما شاهدوا الظواهر الطبيعيّة، تبادر إلى
ولاية الفقيه… فكرة إسلاميّة أم حالة مذهبيّة
فإنّنا نعيش عصرًا عصيبًا لا يُقيم وزنًا للمستضعفين ولا الضعفاء ولا يُحترم فيه إلّا المستقوون والأقوياء.