مباني فهم النّص عند الشهيد الصدر: الحلقة 3
المبنى الأول: إمكان فهم النص -1-
بعد بيان نتائج اللمحة التاريخية عن إشكالية فهم النص عند الأصوليين الشيعة، وعند الهرمنيوطيقيين الغربيين، اتّضح أن معالجة الأسئلة الهرمنيوطيقية عند الأصوليين الشيعة كانت خجولة جدًّا بالقياس إليها عند الغربيين. وقد ذكرنا في المقال السابق أهم الأسئلة الهرمنيوطيقية – المرتبطة بفهم النص- عند الغربيين، لنحاول في المقالات اللاحقة أن نستكشف الجواب عمّا يلي:
هل التفت السيد الشهيد محمد باقر الصدر إليها، كلًّا أو بعضًا؟
أم لم يلتفت إليها أساسًا إلا بنحو خجول كغيره ممن سبقه من الأصوليين؟
أم أنه التفت أيضًا إلى أسئلة جديدة؟ وما هي المعالجات التي قدّمها؟
وفي سبيل معرفة ذلك، كانت لي جولة مطالعة في كتابات الشهيد الصدر، فعثرتُ على المباني التالية، التي يمكن تقديمها كمفاتيح لحلّ إشكاليات فهم النص الديني؛ وهي:
-
إمكان فهم النص.
-
الظهور الذاتي والظهور الموضوعي.
-
ملاحظة المعصومين (عليهم السلام) على أنهم واحد.
-
القبليات الضرورية لفهم النص.
-
القبليات المضرّة في فهم النص.
-
الحوار بين المفسّر والنص.
وهذا ما سوف نستعرضه تباعًا – بنحو مختصَر- في المقالات الآتية. وسنكتفي في هذا المقال بعرض المبنى الأول.
المبنى الأول: إمكان فهم النص.
النص الديني الإسلامي مكوّن من أمرين: القرآن الكريم، وروايات المعصومين (عليهم السلام). أما بالنسبة للروايات، فقد اتفق العلماء، ومنهم الشهيد الصدر، على وجود المقتضي لفهمها[1]. وأما بالنسبة لإمكان فهم القرآن الكريم، فقد اختلفت كلمات علماء الشيعة؛ فذهب بعضهم إلى عدم إمكان الاستناد إلى الآيات القرآنية، لعدد من الأسباب ذكروها –كعدم انعقاد ظهور للآيات القرآنية، أو عدم حجيتها-؛ بينما ذهب بعض آخر إلى إمكان ذلك.
والشهيد الصدر هو من العلماء الذين قبِلوا إمكان الاستناد إلى الآيات القرآنية وفهمها، بل واستخراج النظريات منها. فمضافًا إلى استشهاده بالآيات القرآنية في كتاباته وأبحاثه[2]، تراه قد استدل على ذلك بعدد من الأدلة، نذكر منها:
-
روايات التدبر[3]: فالتدبّر في القرآن فرع فهمه، كما هو واضح.
-
هدف القرآن: يعتقد الشهيد الصدر أن التأمّل في أهداف القرآن الكريم ورسالته، يُفضي إلى ضرورة أن يكون هذا الكتاب السماوي ممكنَ الفهم[4].
-
إعجاب البلغاء العرب بالقرآن الكريم[5]: فهذا فرع فهمهم للقرآن الكريم، ولو في الجملة.
-
روايات العرض على القرآن الكريم[6]: فعرض الرواية على القرآن الكريم للأخذ بما يوافقه وردّ ما يخالفه، فرعُ إمكان فهم القرآن الكريم.
نعم، قد يُدّعى وجود مانعين في المقام، يمنعاننا من فهم الروايات –بل وبعض الآيات القرآنية- وهما: اختصاص الفهم بمن قُصد إفهامه، واختصاص الفهم بالمعاصر لزمن صدور النص.
[1] وإن كان قد يتوقّف البعض في فهم بعض الروايات فيردّ علمها إلى أهلها.
[2] على سبيل المثال، انظر: الصدر، محمد باقر، المدرسة القرآنية، إعداد وتحقيق: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، (قم: مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، الطبعة 5، 1435 ق)، الصفحات 258- 261.
[3] المصدر نفسه، الصفحة 216.
[4] المصدر نفسه، الصفحو 297.
[5] المصدر نفسه، الصفحة 315.
[6] الهاشمي، محمود، بحوث في علم الأصول، (قم: موسسه دائرة المعارف فقه اسلامى بر مذهب اهل بيت عليهم السلام، الطبعة 3، 1417 ق)، الجزء 7، الصفحة 333.
المقالات المرتبطة
مفهوم اليسار الإسلامي في فكر الدكتور حسن حنفي
بدأ مشروع المفكّر حسن حنفي – على ما نعلم – من الوجهة الأُعلومية (الإبستمولوجية) مع ترجمته لكتاب “سيبنوزا”
القدس: إطلالة على التاريخ والواقع المعاصر
تُعدّ القدس ظاهرةً حضاريّةً فذّةً، تنفرد فيها دون سواها من مدن العالم، فهي واحدة من أقدم وأقدس المدن على ظهر
الدين والدولة في القرآن الكريم
يتباين التعاطي مع النص القرآني تباينًا كبيرًا فيما يتعلق بمسألة السلطة والدولة. شأنه في ذلك شأن اختلاف المدارس في مقاربة