من هو الفيلسوف؟
عندما نتعامل مع ما يطرح حولنا سنجد أننا قد نتعامل أحيانًا مع مجالٍ محدّدٍ واضحٍ كالمجال الفلسفي، أو العلمي، أو الأيديولوجي، ولكن في كثير من الأحيان نتعامل مع “خليط”، أو “هجين” من كل ذلك، مما يؤثّر سلبًا على فهمنا لما يطرح حولنا، أو يؤثّر على تعاطينا/ تفاعلنا لما يطرح حولنا؛ لذا هناك حاجة لتمييز الفلسفي عن غيره كالعلمي أو الأيديولوجي.
وللتمييز بين الفلسفي، وما هو غير الفلسفي توجد عدة مداخل، ولكن ربما يكون سؤال من هو الفيلسوف؟ سؤالًا مدخليًّا مناسبًا لذلك، وإن صح التعبير أن استخدام سؤال “من هو الفيلسوف؟” هو سؤالٌ قبليٌ.
وقبل ذلك، لا بدّ من الإشارة إلى ثلاثة أمور:
-
هناك جدلٌ حول من هو الفيلسوف حتى داخل المدارس ذات الاتجاه الواحد -سيأتي الإشارة لذلك-
-
هناك فارق بين من يشتغل بالفلسفة (مدرّس، كاتب، قارئ) ومن هو فيلسوف.
-
هناك تقسيم تقليدي للمباحث الفلسفية، حيث تُقسّم إلى مباحث المعرفة والوجود والقيم والجمال، وهذا التقسيم نجده بوضوح في الشأن الأكاديمي تدريسًا وكتبًا ومقررات.
إنه، وبالرغم من وجود وجهات نظر متعدّدة تجيب على سؤال “من هو الفيلسوف؟”، إلا أنه سيتم اختيار/ تناول وجهتي نظر تقليديتين مختلفتين، وسيترك النقاش حول هل هما وجهتي نظر متقابلتين أم لا لمناسبة لاحقة.
عندما نأتي لوجهة النظر الأولى سنجد فلاسفة من قبيل سقراط أو أفلاطون أو حتى أرسطو -في قسمٍ من فلسفته- ومرورًا بفلاسفة في العصر الوسيط، حتى فلاسفة العصر الحديث ناقشوا قضايا مثل الحق والمعرفة والعدالة والفضيلة والجمهورية والسياسة، وفي العصر الحديث استمرارًا لهذا الاتجاه برزت فلسفات جديدة أخذت ليس فقط حيّزًا من النقاش الفلسفي، بل حيّزًا -كبيرًا يُعتدّ به- من التعليم الأكاديمي كفلسفة التاريخ، وفلسفة الفرد، وفلسفة المجتمع، وفلسفة حقوق الإنسان، وتعدّى ذلك إلى فلسفة التربية وفلسفة اللغة، بل وفلسفة الفن مثلًا.
وهنا نجد أن محور اشتغال هؤلاء الفلاسفة هو “ما ينبغي أن يكون عليه”، ففلسفة الدولة تٌعنى بسؤال ما ينبغي أن تكون عليه الدولة، وفلسفة المجتمع تُعنى بسؤال ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع، أو أن محور اشتغال هؤلاء الفلاسفة هو المبادئ العامة، ففلسفة التاريخ تُعنى بالمبادئ العامة التي يقوم عليها التاريخ، ومن هو محرك التاريخ، وهل يُعيد التاريخ نفسه ونحوه من مسائل، وفلسفة العلم تُعنى بالمبادئ العامة التي يقوم عليها العلم ومناهج العلم، وهل العلم موصل للحقيقة وأهداف العلم ونحوه من مسائل.
إلّا أنه يلزم التنويه، إلى أن الفيلسوف بهذا المعنى يكون في مقابل العالم -بمعناه الأوسع؛ أي العالم في المجال الإنساني أو الطبيعي- فالفيلسوف ينشغل بما ينبغي أن يكون، بينما العالم ينشغل بما هو كائن في الواقع الخارجي.
فمن يشتغل على/ أو “يُفلسف” قضايا الإنسان هو فيلسوف.
بينما عندما ننظر لوجهة النظر الثانية، سنجد فلاسفة من قبيل أرسطو وابن سينا والميرداماد وملا صدرا والطباطبائي، والفلاسفة المدرسيين في العصور الوسطي في أوروبا، نجد أن جزءًا كبيرًا من فلسفتهم تعتمد على أمور أهمها:
-
أن للفلسفة موضوعًا محدّدًا، أو هو أضيق مما يطرحه فلاسفة القسم السابق -حيث يتناولون كل قضايا الإنسان-، فمثلًا عند السيد الطباطبائي نجد أن موضوع الفلسفة هو الموجود بما هو موجود.
-
أن للفلسفة مسائل/ مباحث فلسفية محدّدة: كمباحث الوجود وأقسامه من العلة والمعلول والمادي والمجرد، ومباحث الأصالة والماهية، والوجود الذهني والوجود الخارجي.
-
أن للفلسفة قواعد فلسفية محدّدة: فالقواعد العقلية عديدة منها: القواعد الأصولية، والكلامية، والمنطقية، والفلسفية، مثلًا القواعد الأصولية نجدها في الدراسات الدينية في المجال الإسلامي، مثال للقواعد العقلية الفلسفية معطي الشيء لا يكون فاقدًا له، والعلة أقوى وجودًا من معلولها، وهنا يلزم التنويه لمسألة مهمة أن هناك من يرى “أن من يستخدم عقله فهو فيلسوفٌ”، وهذا توسعة لمفهوم الفيلسوف، يعني يمكن أن يدخل في الفلسفة من يستخدم عقله في مجال التربية أو مجال الإدارة، ولكن لا بدّ هناك من الإشارة على أن للعقل قوانين، وللعقل وظائف كالتحليل والتركيب والمقارنة، وهنا خلط بين وظائف العقل وبين العقل.
-
أن الفلسفة تعتمد على البرهان الفلسفي: فالبرهان الفلسفي بمعنى بسيط هو معيار، والمعيار يستخدم لتمييز السليم من السقيم، ومن دون المعيار أو البرهان يمكن أن يكون الكل يكون على حق.
إلا أنه يلزم التنويه، أنه في داخل دائرة المشتغلين بـ “الفلسفة الإسلامية” ثمة اختلافٌ حول “من هو الفيلسوف؟”، فهناك من يرى أن الفيلسوف هو من يستخدم العقل في مقام الثبوت، أي يتحصّل على المعارف والحقائق في مقام الثبوت باستخدام العقل فقط، بينما هناك من يرى أن الفيلسوف هو من يستخدم عقله في مقام الإثبات، أي من يُثبت المعارف والحقائق من خلال العقل فقط.
فمن يشتغل على قضايا الوجود والمعرفة وفقًا للأمور -المشار لها أعلاه- فهو فيلسوف.
الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الفلسفةفلسفة اللغةأفلاطونالوجودالفيلسوفسقراطفلسفة التربيةملا صدراالمعرفةالجمالالميرداماد المقالات المرتبطة
نقد المتن في التجربة الإماميّة
شهد النشاط الحديثيّ الشيعيّ الإماميّ، ومنذ القرون الأولى، حركةً في نقد المتن، تركّزت في النصوص العقديّة والتاريخيّة،
قراءة في كتاب “معرفى ونقد منابع عاشورا”
بَحثُ هذا الكتاب يدور حول مصادر واقعة الطف، حيث إن الكاتب “سيد عبد الله حسيني” قام بعملية مقارنة بين النصوص وقيّمها
ميتافيزيقا المحايدة الحياد حضور عارض والتحيُّز هو الأصل
تشير صورة المحايدة إلى قوعها في منتصف الطريق بين حيِّزين. ولو عايَّنا هذه الصورة لظهرت لنا قلقة وحائرة بين بداية الطريق ونهايتها.