السيدة الزهراء (ع).. الوديعة القدوة
لا ينبغي أن يُحجب عن نساء عصرنا نموذج الإسلام الفريد الذي قدمته السيدة الزهراء (ع) للقيادة المجتمعية والتزكية الأسرية، ففي قصير حياتها بليغ الدروس وعظيمه، وشعاع سيرتها متشعبٌ في شتى ميادين الحياة، وخصوصًا لناحية “وقف” حيّز عمل الكادر النسائي في مسيرة الإسلام العظيم.
شوّه المفترون الصورة الإلهية والدور السماوي للمرأة في المجتمع الإنساني، فجعل الله تعالى الوجود المبارك للسيدة الزهراء (ع) ميزانًا ومقوّمًا لذاك الفهم الخاطئ، وإعطاء الحق لتأدية الدور المنوط إلا ما استثناه الشرع بالنص كالقتال، أو ما يتنافى ودورها في إدارة البيت الرسالي.
شقّت الرسالة طريقها نحو قلوب نساء فجر الدعوة عبر الصوت الرسالي للسيدة الزهراء (ع) المعلّمة الأولى التي تفيض عليهن بما وعته من علمٍ، وتشجعهنّ على طلب العلم والمعرفة، وهكذا كان بيتها المدرسة الأولى في الإسلام للمرأة، إذ تمكّنت من قيادة المجتمع وبالأخص الشريحة النسوية من بيتها، وليس فقط لسان “فضة” الناطق بالقرآن يشهد على عمق التربية والتثقيف الذي أدته (ع).
ثم إنها (ع) انصرفت إلى توعية الجماهير وتثقيفهم، ولعلّ أبرز مثال هو خطبتها في مسجد النبي[1] (ص) أمام حشد من المهاجرين والأنصار، ودعوتها فيها إلى القيام على الظلم والجور، ونبذ الاستبداد، ودعوتهم للتمسك بحبل الله وتعاليم رسوله.
هذه الخطبة السياسية – الاجتماعية، بما حملت من أبعاد ومضامين عالية وتذكير للناس بما قد نسوا أو تناسوا كانت خطبة يُحتاج إليها ويهتدى بها، وقد اختصرت في خمس نقاط أساسية:
-
أنها حدّدت موقفها من الأحداث الطارئة والحادثة بعد وفاةالرسول الأكرم (ص)، لا سيّما في ما يخص الخط الإسلامي المتمثّل بالإمامة، وهذه الإمامة متمثلة بأمير المؤمنين (ع).
-
اختصرت أصول العقيدة بركنيها الأساسيين، وهما:التوحيد والنبوة، فقد تحدّثت عن صفات الله، ثم تحدّثت عن النبي الأكرم (ص) وخصاله ومعاناته في سبيل نشر دين الإسلام، كما وتحدثت عن الإمامة ودورها في انتظام الأمّة.
-
تحدثت بشكل مستفيض عن أسرار التشريعات الإسلامية وحكمها وخصائصها.
-
تكلّمت عن الواقع الذي حدث بعد رحيل الرسولالأكرم (ص)، وتوجهت إلى الأنصار الذين أحاطوا بالنبي ونصروه لتؤجج مشاعرهم، وتستنهض هممهم وتستنصرهم.
-
دخلت في قضية إرثها من رسول الله واستحقاقها فدكًا، وناقشت المسألة مناقشة علميّة تفسيرية بكل حجج القرآن ودقائقه وأسراره، ولم تناقشها مناقشة عاطفية، وإنما دخلت في الاحتجاج بالطريقة المميزة كامرأة عالمة واعية قويّة في الحجج وصلبة في المواقف.
أضف الى ذلك أنها (ع) كانت تدور على بيوت المهاجرين والأنصار في محاولة لهز ضمائرهم، ولحثّهم على الوقوف بوجه الظلم والطغيان.
إن الدور الذي أنيط بالحركة الفاطمية كان فتحًا في ثغور الجهل البشري، فبعد أن كانت المرأة مبعدةً عن الحركة السياسية والثقافية وحتى العبادية في الأمم السابقة [2]، فقد جاء الفتح الفاطمي ليقلع جذور الجهل وليحدث فتحًا في النظرة البشرية للمفهوم الأنثوي، وبالأخص في مجتمع شبه الجزيرة العربية الذي يكفيه خطاب الله ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾[3].
وهكذا جسّدت سيدة النساء (ع) دورها كمرأة تقف بوجه الظروف والأخطار الفكرية لتأدية واجبها القيادي-التبليغي وإعلاء كلمة الله تعالى.
وهذا الأداء الذي قدّمته (ع) يؤكّد أهليتها وتفوقها على أقرانها من النساء والرجال في العالمين، وميزة تجسيدها الإرادة الإلهية في أقوالها وأفعالها باعتبارها قدوة العابدين، وموضع نظر السالكين في الطريق إلى الله، من هنا كان رضا الله رضاها، وغضب الله غضبها، لأنها جسدت الإرادة الإلهية قولًا وفعلًا.
وهذا ليس إلا استكمالًا للدور العظيم للأب العظيم (ص)، من الصدع بالحق إلى الوقوف بوجه الظلم، وهي درع الولاية والصوت المدافع عنها، واللسان الناطق بالحجة والمنطق، والسند القوي بجانب أمير المؤمنين (ع) في أيام الفاقة والعوز إلى أيام تكاتف الظالمين بوجهه (ع)، وهو ما يحقّق لدى المرأة بشكل عام وبالأخص المرأة المسلمة، أبرز مثل الاقتداء وحافزًا كبيرًا في سلوك الطريق إلى الله ومشاركة رجال الإسلام بالتعاون والتكاتف بالمهمة العظمى.
وقد تنجلي أمامنا بعض تلك الصورة التي رأينا فيها أمير المؤمنين ناعيًا سيدة النساء (ع) وشاكيًا إلى رسول الله (ص) عظم الخطب وفداحة الرزية: يا رسول الله أمّا حزني فسَرمَد وأما ليلي فمسهّد، وهمٌّ لا يبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم…[4]، لا لأن السيدة الزهراء هي زوجته فقط، بل لأنها أمانة الرسول الأعظم (ص) لا من حيث النسب والقربى فقط، بل باعتبارها صوت القرآن الناطق والمدافع الاستشهادي عن الحق، ومشكاة طريق الحق، وقدوة شريحة كبرى من المجتمع ألا وهي الشريحة النسائية مع ما تؤثر هذه الشريحة في الأجيال الحاضرة والقادمة.
[1] من أقدم المصادر التي ذكرت خطبة الزهراء(ع) كتاب بلاغات النساء لابن طيفور، الصفحة 23، والاحتجاج، الجزء1، من الصفحة 97 إلى الصفحة107، طبع مشهد المقدسة 1403هـ. وراجع مسند فاطمة، الصفحة557. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، الجزء16، الصفحات 211 – 249. وعوالم الزهراء، الصفحة 467، وبحار الأنوار، الجزء43، الصفحة 148.
[2] في القرن الخامس للميلاد اجتمع مجمع (ماكون) للبحث في مسألة هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه؟ أم لها روح؟ فقرر المجتمعون أنها خلو من الروح الناجية (من عذاب جهنم)، ما عدا أم المسيح (ع). انظر: مصطفى السباعي، المرأة، الصفحة 24.
[3] سورة التكوير، الآيتان 8و 9.
[4] الكافي 1: 459. روضة الواعظين، باب وفاة فاطمة الزهراء: 152. مناقب ابن شهر آشوب، باب وفاتها وزيارتها 3: 364.
الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
خطبة السيدة زينبتسبيح السيدة الزهراءسيدة نساء العالمينالسيدة فاطمةخطبة السيدة فاطمةالسيدة الزهراء المقالات المرتبطة
مباني فهم النص عند الشهيد الصدر: الحلقة 8
تعرّض الشيخ حسنين الجمّال في هذه المقالة القصيرة لبيان قبليتين مضرتين في عملية فهم النص، وهما: اتخاذ موقف مسبَق من النص، والأنس بمطلب علمي.
السيادة الشعبيّة الدينيّة، الجمهوريّة الإسلاميّة
اليوم، ومع قيام الدولة الدينيّة في إيران، انصبّ سعي البعض على اتّهام الجمهوريّة الإسلاميّة بإضعاف الجمهوريّة في مقابل تقوية إسلاميّتها،
الإيمان في كتاب الكافي للكليني
تشكّل المعالجة التي بين أيدينا نحوًا من إجالة النظر في نصوص الكافي، وملاحظة الإيمان الذي يستبق مجمل النسبيّات اللاحقة