قراءة في كتاب: “خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء”
أوّلًا- الكتاب في سطور
اسم الكتاب: خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء
الكاتب: محمّد باقر الصدر
تحقيق: أحمد ماجد
الطبعة الأولى
دار النشر: دار المعارف الحكميّة
سنة النشر: 2014
عدد الصفحات: 95 صفحة
ثانيًا- قراءة في الكتاب
يقدّم هذا الكتاب قراءة جديدة للاجتماع الإنسانيّ. وهي، وإن كانت تشترك في القراءة الاجتماعيّة الغربيّة في مفصلين أساسيّين هما الإنسان والأرض، إلّا أنّهما تختلفان بشكل بنيويّ عندما ننتقل إلى الرؤية الكلّيّة الناظمة القائمة على أسس كونيّة توحيديّة. ممّا يعني أنّه لا سيّد ولا مالك ولا إله للكون وللحياة إلّا الله سبحانه وتعالى، وأنّ دور الإنسان في ممارسة حياته، إنّما هو دور الاستخلاف والاستئمان، وأيّ علاقة تنشأ بين الإنسان وأخيه الإنسان فهي علاقة استخلاف وتفاعل؛ بقدر ما يكون هذا الإنسان أو ذاك مؤدّيًا لواجب هذه الخلافة، وليست علاقة سيادة أو أُلوهيّة أو مالكيّة.
ينقسم الكتاب إلى مقدّمة وستّة فصول.
قدّم للكتاب سماحة الشيخ شفيق جرادي شارحًا أهميّة هذا الكتاب الذي، وبرغم صغر حجمه، إلّا أنّه يفيض بعمق الإشكاليّة وعمق المعالجة التي تحتضن مشروعًا فكريًّا خاصًّا طرحه الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) مبنيًّا على أساسين: محوريّة الإنسان، والولاية[1].
عرض الفصل الأوّل حياة الشهيد الصدر والبيئة السياسيّة والاجتماعيّة التي عاش فيها، ومؤلّفاته. كما تطرّق الفصل الثاني لأهميّة كتاب خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء، ومنهجيّته العلميّة حيث اعتمد الصدر على المنهج الموضوعي من جهة اختيار الموضوع، وتحديد الآيات التي اعتمدها في هيكل واضح المعالم، إضافة إلى ربط هذا الموضوع بالواقع المعاش. كما ناقش المحقّق منهجه في التحقيق لجهة العودة إلى مصدر الكتاب مع إضافة إشارات في حال زيادة بعض العناوين أو تبويبها بشكل يختلف عمّا جاء في كتاب الشهيد، وإضافة بعض الهوامش لتصحيح الأخطاء الواردة في النسخة المحقّقة أو لشرح المفردات الواردة في الكتاب.
حمل الفصل الثالث عنوان “الأساس الإسلامي لخطّي الخلافة والشهادة”، وبيّن المحقّق الفرق الجوهري بين مفهوم الخلافة والإمامة والسبب الذي دعا الصدر إلى اختيار مفردة الخلافة التي لها علاقة بالجانب السياسي والاجتماعي، وهذا ما يتوافق مع الشهيد مطهّري الذي اعتبر الخلافة لا تنظر إلّا إلى مرتبة واحدة من مراتب الإمامة المتمثّلة بالقيادة السياسيّة والسلطة الدنيويّة، وإدارة شؤون المسلمين[2].
أمّا الفصل الرابع “خطّ الخلافة وركائزه العامّة”، فيشير إلى أنّ الخلافة هي خلافة الله للجنس البشري لا خصوص شخص آدم (عليه السلام)، وهي تحمّل الإنسان أعباء وصفها الله تعالى بالأمانة العظيمة المكلَّفة برعاية الكون وتدبير الإنسان، والسير بالبشريّة في الطريق المرسوم للخلافة الربّانيّة[3]، وهي تستدعي مسؤوليّة ذات حدّين: الأوّل من ناحية التقيّد والارتباط بما حدّده الشارع المقدّس، والثاني الاختيار والحريّة اللذان سمح بهما الله للإنسان، وهما تتيحان له الإصلاح كما الإفساد.
وفي الفصل الخامس “مسار الخلافة على الأرض”، تحدّث (رضوان الله عليه) عن أنّ الخلافة حركة دائبة نحو قيم الخير والعدل والقوّة، لا تتوقّف متّجهة نحو المطلق اللامتناهي. ثمّ تحدّث عن خطّ الشهادة المتوازي مع خط الخلافة، والذي يمثّل التدخّل الربّاني من أجل صيانة الإنسان الخليفة من الانحراف، وتوجيهه نحو أهداف الخلافة الرشيدة[4]. والشهيد هو نبيّ أو إمام أو مرجع عالم عادل. وهذان الخطّان يندمجان في بعض مراحلهما، ويتجسّدان في محور واحد لتوفير جوّ العصمة المجتمعيّة الذي يتيح لذلك المجتمع أن يسمو نحو الله.
وفصّل الشهيد الصدر في الفصل السادس “مسار الخلافة الربّانيّة على الأرض” في وصف دار حضانة آدم الممثّل الأوّل للإنسانية الاستثنائيّة التي وفّرت له التجربة تربية الإحساس الخُلقي، وزرع الشعور بالمسؤوليّة وتعميقه عن طريق امتحانه بما يوجّه إليه من تكاليف وأوامر؛ ليصبح بذلك جاهزًا لتسلّم أعباء الخلافة على الأرض. ويذكر أيضًا المراحل التي يمرّ بها الإنسان في هذا المسار من مرحلة الفطرة من الخلافة، ثمّ تلتها مرحلة ثورة الأنبياء (عليهم السلام) لإعادة مجتمع التوحيد بعد أن تلوّثت فطرة الجماعة البشريّة، وهنا برزت دعوة الأنبياء لنوعين من الجهاد: الأكبر، وهو جهاد النفس لاكتساب الملكات الأخلاقيّة، والأصغر من أجل إزالة المستغلّين والظالمين عن مواقعهم. أمّا المرحلة الثالثة فهي وصاية الإمام بعد النبي على الثورة، وهي ظاهرة ربّانيّة ثابتة على مرّ التاريخ، والمرحلة الرابعة هي مرحلة المرجعيّة بعد غياب الإمام المعصوم، وهنا تميّز خطّ الشهادة عن خطّ الخلافة بعد أن كانا مندمجين في شخص النبي أو الإمام، وذلك لأنّ هذا الاندماج لا يصحّ إسلاميًّا إلّا في حالة وجود فرد معصوم قادر على أن يمارس هذين الخطّين معًا[5]. كما يتحمّل المرجع خطّ الشهادة مسؤوليّته على أساس أنّ المرجعيّة امتداد للنبوّة والإمامة على هذا الخطّ، ويلتزم بالحفاظ على الشريعة والرسالة، وقيادة الأمّة وفق ما يقرّره الشارع المقدّس إلى جادّة الصواب بالأمور السياسيّة والاجتماعيّة، ويحضّر المجتمع لانتظار الإمام المعصوم.
فالله تعالى بلطفه ومنّه على عباده لم يرد للجماعة البشريّة، وإن كانت باختيارها قد حادت عن أصل نقاء فطرتها، أن تُترك دون هادٍ ومرشد، وتعيدها – رغمًا عنها – بحبّ إلى ساحة رحمته سبحانه.
[1] خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء، الصفحة 1.
[2] المصدر نفسه، الصفحة 43.
[3] المصدر نفسه، الصفحة 55.
[4] المصدر نفسه، الصفحة 65.
[5] المصدر نفسه، الصفحة 93.
الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
محمد باقر الصدرالأنبياءدعوة الأنبياءالهدايةالخلافةالشهيد الصدرالإنسان المقالات المرتبطة
مطالعة في كتاب الفارابي، آراء أهل المدينة الفاضلة: نهوض السياسة المدنية على الميتافيزيقا عند الفارابي
ما زال الاهتمام به وبتصوراته راهنًا في زمن ازدهار مضادات مدينته، أي المدن الفاسقة والجاهلية والضالة والمتبدلة، وتهدف عودة الزميل،
مطالعة في كتاب رسالة الرد على الدهريين: كيف ردّ الأفغاني على نظرية داروين في أصل الأنواع؟
يصف الإمام محمد عبده الرسالة بأنها “جمعت لإرغام الضالين وتأييد عقائد المؤمنين، ما لم يجمعه مطوّل في طوله، وحوت من البراهين الدامغة، والحجج البالغة، ما لم يحوه مفصل على تفصيله”.
قراءة في كتاب “الموعظة الخالدة”
لم تكن الوصية صكًّا من معصوم لمعصوم يرثه في الخلافة وأمور المسلمين، بل كانت كتاب حياة يُخَطّ بماء من ذهب