أين نبحث عن الله؟

by الشيخ شفيق جرادي | فبراير 10, 2021 9:23 ص

من الأمور التي ينبغي على الإنسان أن يعيشها بكل كيانه هي اللجوء إلى الله والتقرب إليه والبحث عنه.

لقد كنا قبل مدة في محضر أحد العلماء الكبار أصحاب المعرفة والأخلاق والفلسفة والعرفان، وكان يحدثني عن بعض الأمور التي يعيشها، ومما قاله لي: إنّنا بعد هذا العمر الذي قضيناه ونحن نبحث في الألفاظ والكلمات والمفاهيم آن لنا أن نبحث عن الله سبحانه وتعالى.

أظن أن الإجابة البديهية لسؤال الواحد منّا كيف يبحث عن الله هي أنّ علينا أن نمتّن علاقتنا بكتاب الله، وبآل رسول الله محمد (ص). عندها يمكن للواحد منّا أن يبحث عن ربه ويتعرف عليه.

الإنسان عندما يطمئن لما وعده الله به من غفران وتوبة ورضوان، يسكن إلى صدق وعد الله ويلجأ إليه. لذا ورد في الدعاء “لثقتي بكرمك وسكوني إلى صدق وعدك ولجئي إلى الإيمان بتوحيدك ويقيني بمعرفتك مني أن لا رب لي غيرك”، والموالي يؤمن أنّ طلب الرزق والحياة والعيش يكون بمقتضى التوحيد. وأنّه لا يوجد من يعتمد عليه ويطرق بابه كإله إلا الله. هذا المنطق الربوبي الخالص الذي يستند إلى الله بالإخلاص، هو الذي يلجئنا إلى الباري سبحانه وتعالى.

يتبلور هذا النحو من الإيمان في حياة الإنسان العادي بجملة أمور، منها عظمة الله ورحمته ولطفه. إنّ صاحب الإيمان هو الذي ينظر إلى السماء والأرض وإلى النجوم والشمس والقمر نظرة استثناء بأنّ هناك خلق عظيم وإبداع.

ويرى صاحب النظرة الولائية بنور الله الحياة بطريقة مختلفة كما تصفها الأدعية “إلهي ربيتني بنعمك وإحسانك صغيرًا ونوّهت باسمي كبيرًا”. فينبغي أن يستشعر أي واحد منّا في عمق وجدانه وقلبه أنّ الله هو الذي أنشأه وربّاه وكبّره هو ولي النعمة، وهو ولي الإحسان. وطريقة أهل الولاء هي الاعتراف لله.

إنّ هذا التوحيد بالنسبة إلى المعصوم هو كل ما لديه، وهو في عمقه وامتداده وثماره عند محمد وآل محمد وعند السيدة الزهراء (ع). ولا شك بأنّه يمكن لنا أن نتحدث عن السيدة الزهراء (ع) وأن نشير إلى بعض فضائلها، ولكننا لا نعرف من هي فاطمة وما هي حقيقتها.

كان رسول الله محمد (ص) سر الله في كل الأنبياء. وهو الذي كان يقول “إذا اشتقت إلى الجنة شممت ريح فاطمة”، قد لا نعلم السر في ذلك، إلا أنّ إخلاصنا للسر وصاحبه، وإخلاصنا لولاية فاطمة وآل فاطمة لا شك إن شاء الله يجعلنا في محضر شفاعتها ولطفها ورعايتها (ع).

يُنصح لمن يريد من الزهراء (ع) حاجة أن يتأدب ويطلب الأمور التي ترتبط بالقرب من الله. ومقتضى الأدب حينما تستغيث بها هي بالأمور التي تخص الآخرة، ولحظة وقوفك بين يدي الله سبحانه وتعالى. وقد ورد أنّ يوم القيامة فاطمة الزهراء تؤمّ النساء اللواتي يدخلن الجنة، ونحن ندعو الله بحق الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها أن يشملنا في يوم الحشر بشفاعة الزهراء فاطمة بنت محمد (ص).

من الأمور التي يمكن أن تحجبنا عن التقرب إلى الله ثلاثة:

الأمر الأول: الشرك بالله، وأنّ الإنسان يرتبط في عمق داخله وفطرته بالله سبحانه وتعالى هذا أمرًا مقضيًّا.

الأمر الثاني: الإخلال بمبدأ الولاية في قسمَيها التولي والتبري. فمن يتولى الله يجب أن يتبرأ مما عداه، ومن يتولى محمدًا وآل محمد ينبغي أن يتبرأ ممن عادى وخاصم محمدًا وآل محمد. إنّ عدم التولي والتبري بالطريقة المناسبة التي تعلمناها من أهل البيت (ع) يبعدنا عن الله سبحانه وتعالى.

الأمر الثالث: الذنب والمعصية، فالأعمال التي تحجب الإنسان عن الله، تُبنى على الذنب والمعصية والحرام. وفي دعاء كميل يقول: “اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم”، والإنسان في فطرته هو في عصمة الله وحمى الله، بمعنى أنّه داخل حصن الله ورعايته الخاصة، فإذا أذنب هُتكت العِصم وأخرجه الله من حصنه والاهتمام به.

ويكمل في الدعاء “اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء”. إنّ الله سبحانه كريم إلى درجة أنّه يعطي دون أن تكون مستحقًا وبدون حساب، وسواء طلبت أو لم تطلب، هو أصلًا أعطاك قبل أن يخلقك من أزلية فضله سبحانه وتعالى، فهو دائم العطاء.

مفتاح أنّ الباري عز وجل يؤمّن لك أمورك الخاصة هو أن تدعوه، فالله عز وجل يعطي لأنه يحب العطاء، ولأنه هو الجواد. وعندما لم يعد يستجاب هذا الدعاء يعني أنّ هنالك أمرًا عظيمًا وخطيرًا حبس هذا الدعاء؛ والسبب في حبس الدعاء أنك لم تعد من المقربين، ولم تعد في مورد أن يلتفت الله إليك.

 الموارد التي يمكن أن نجد الله فيها، وهي أربعة:

المورد الأول: حسن الظن بالله، هو أفضل عملية إيمانية تربوية. وخير مثال على حسن الظن بالله هي السيدة زينب (ع) التي استشهد كل أهل بيتها وإخوتها ولكنها قالت (ما رأيت إلا جميلًا). يقول الله تعالى في الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي”، وكلما عمّقت حسن الظن بالله، كلما وجدت الله أكثر، واقتربت من الله أكثر.

المورد الثاني: أنّ الله موجود عند أصحاب القلوب المنكسرة. فمن ابتلي أو فتن بالحياة الدنيا إلا أنّ قلبه في كل لحظة يخاف الله ويتهدّم خشية من الله عز وجل، وينادي الله بدعاء الإمام زين العابدين (ع) “اللهم لا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي درجات”، لا يهمه إلا أن يطلب وجه ربه عز وجل، هؤلاء هم المنكسرة قلوبهم.

ومن الموارد التي يمكن أن نجد فيها الناس المنكسرة قلوبهم، أنّ بعض النساء اللواتي يقدمن في سبيل الله كل شيء، ولا يُردن إلا طلبًا واحدًا (اللهم بيّض وجهي عند فاطمة الزهراء (ع)). عند هؤلاء الناس يمكن أن نجد الله. وورد أيضًا عندما سأل موسى بن عمران “يا رب أين أبغيك؟ قال أنا عند المنكسرة قلوبهم”. وعن داوود أنّه سأل: “أين أجدك إذا طلبتك؟ قال عند المنكسرة قلوبهم من مخافتي”.

المورد الثالث: يمكن أن نجد الله في فطرتنا. والله يقول ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾[1][1]، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾[2][2]، يجب أن تتأمل في داخلك وفي إيمانك، وأن تثبّت هذا الإيمان، فالله موجود في قلوبنا. وفي بعض المرويات “لا تسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن”. من لا يهتم بالمؤمن وحقوقه قطعًا ليس له في حق الله أي رعاية. وأهل الإيمان هم الذين كانوا وما زالوا إلى الآن، وسيبقون متحلقين حول فاطمة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها حتى القائم من آل محمد (عج).

المورد الرابع: الذكر. إنّ ذكر الله بشكل دائم هو من المسائل التي تستجلب الروح لتكون في محضر ربها سبحانه وتعالى. لذا ورد “اللهم إني أتقرب إليك بذكرك”، ذكر الباري عز وجل هو من الموارد التي يمكن أن نبحث فيها عن الله راجين أن نجده ونعرفه ونتقرب إليه.

[1][3] سورة ق، الآية 16.

[2][4] سورة البقرة، الآية 186.

Endnotes:
  1. [1]: #_edn1
  2. [2]: #_edn2
  3. [1]: #_ednref1
  4. [2]: #_ednref2

Source URL: https://maarefhekmiya.org/11945/woujoud-allah/