مطالعة في كتاب الإسلاموقراطية: السلفية وامتحان الديمقراطية

مطالعة في كتاب الإسلاموقراطية: السلفية وامتحان الديمقراطية

الكتاب: الإسلاموقراطية.

الكاتب: غسان الخالد.

الناشر: بيروت، منتدى المعارف، 2013، في 158 صفحة.

ينطلق الخالد من “الربيع العربي” وتجلّياته ليُقرِّر أن ما نشهده من الديموقراطية هو مستواها الأول المتعلق بصناديق الاقتراع وتداول السلطة، في حين أنها ثقافة شاملة تقتضي حُريات عامة ومؤسسات دستورية ومساواة أمام القانون. وما يعوقها في البلدان العربية نزعات القبلية والعصبية التي استحكمت في البُنى الاجتماعية بدءًا من القرون التي تلت عهد الخلافة. فبحسبه قامت الدولة العربية الإسلامية في العصور الأولى وفق المبادىء الآتية: السلطة للجماعة، الإمامة واجبة بالشرع والعقل لإقامة العدل، الحاكم مسؤول أمام الأمة، حماية الرعية وصون حريتها فرض على الإمام، وما حصل لاحقًا هو انتقال السلطة من الأمة إلى “القبيلة السياسية”.

يقترح الكاتب تقديم قراءة سوسيولوجية في الفكر الديمقراطي للحركات الإسلامية، ويبدأ من تحديد “السلفية”، حيث يتبنّى فكرة أن معظمها سلفي على نحو ما مع تمييزات وفق المدارس والجغرافيا. وهذه الحركات نجحت في وضع مفاهيم مثل: البعث والأصالة والدهرية والجامعة الإسلامية. وهو يُقدِّر أن نشوء التيار السلفي أتى”محاولة للدفاع عن الاستمرارية التاريخية وإبراز مقوّمات الهوية الدينية للأمة”، في ظروف انهيار الدولة الإسلامية والاحتلال الغربي. وبالتالي، كان التيار بتلاوينه ومدارسه وشيوخه، بمتقدميه ومتأخريه صاحب مشروع سياسي “اتسم بمنزع دفاعي توفيقي”، لأن الهدف الأساس له هو “العودة إلى القرون الأولى والسلف الصالح”. كما يعتبر خالد السلفية مثابة وعي معين ورؤية فكرية تستند إلى “مقدّمات دينية، تحاول من خلالها تفسير التاريخ والمجتمع”، مع الأخذ في الحسبان وضع العالم الإسلامي وموقعه في مواجهة الآخر الغربي. والحال، كيف تناولت وتعاملت السلفية مع المسألة الديموقراطية؟ ذلك هو غرض الدراسة.

البداية مع موقف السلفية الجهادية أو “الديمقراطية غير المُشاركة”، والمثال “الديمقراطية دين” للشيخ أبو محمد عاصم المقدسي، استنادًا إلى كرّاس له يقع في 40 صفحة عدّ فيه الديمقراطية دين غير دين الله، وملة غير ملة التوحيد، وهي في نظره شِرك واضح. وأسباب الرفض ثلاثة، الأول، أنها حكم الطاغوت وليست حكم الله. وثانيًا، أن المرجعية هي للدستور وليست للقرآن الكريم. وثالثًا، أن الديمقراطية ثمرة العلمانية التي تدعو إلى فصل الدين عن الدولة، وبالتالي هي “مذهب كُفري”، ويدحض المقدسي في وريقاته كافة الحجج التي يقدّمها الإسلاميون لتسويغ الديمقراطية، ويميز بينها وبين الشورى التي هي نظام ومنهج رباني، ويتبنّى فكرة “المفاصلة”، أي القطيعة الكاملة مع الأنظمة التي لا تحكم بشرع الله ويسِمها بالكفر.

أما “السلفية المُشاركة” فقد أجازت المشاركة في الانتخابات في لبنان والأردن ومصر والجزائر. ويأخذ الباحث حزب النور المصري نموذجًا للفحص من خلال برنامجه الداعي إلى الإصلاح السياسي وقيام الدولة العصرية، في محاولة للمزاوجة بين النموذج الديني واللاديني. وإذ يتحدث الحزب عن الحقوق الأساسية والحُريات العامة فإنه يضعها في “إطار من الشريعة الإسلامية”، لكن الخالد يلاحظ إغفال البرنامج ذكر حقوق المرأة والإكثار من ذكر لفظ المجتمع وينسبه إلى رواسب الفكريّن القبلي والديني، وهو يرى الحزب يُقر بـ “العقد الاجتماع” الموروث من الفكر الغربي، الفرنسي تحديدًا، ويسعى للتقريب بين الشورى والديمقراطية مقتديًا بالحركة الإصلاحية التي قادها الأفغاني ومحمد عبده. كما يُثمّن نزعته الديمقراطية في منحه المجتمع الحق في تحديد توجهاته السياسية من خلال مؤسسات تمثيلية، وفي النص: “من الضروري احترام إرادة الشعب في اختيار هيئات السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، وعليه فإنه يجب اعتماد الانتخاب وسيلة لاختيار الممثلين للهيئات والمؤسسات المعُبِرة عن الجماعة الوطنية المصرية”.

يعرض الباحث موقف حزب التحرير الذي أسسه تقي الدين النبهاني، في سبيل الدعوة للخلافة الإسلامية، الذي ينظر إلى الدولة ككيان سياسي مهمته تنفيذ وتطبيق أحكام الإسلام، وبالتالي يعتبر أي فكر أو عقيدة خارج  هذا الإطار دخيلًا ومرفوضًا من قبيل القومية والوطنية والشيوعية والديمقراطية، وهذه الأخيرة في عرفه “نظام كفر يُحرم أخذها أو تطبيقها أو الدعوة اليها”، كما يقول عبد القديم زلوم، الذي تولى أمور الحزب بعد النبهاني، وقد بيَّن في كتاب له تعارضها مع الإسلام، مُستندًا إلى التناقض من حيث المصدر والعقيدة والأساس والأفكار التي انبثقت عنها. ويميل الباحث من قراءته لأدبيات حزب التحرير إلى اعتباره قريب من السلفية الجهادية، فكلاهما يرفع من شأن الخلافة ووجوب إقامتها، لتصبح بشكل أو بآخر ركنًا من أركان الدين، وأساسًا في التوحيد لا فرضًا من فروضه كما يتوصل إلى ذلك عبد الغني عماد في دراسته عن الحركات الإسلامية (2006). ومع رفض الحزب الشديد للديمقراطية إلا أنه نشر في العام 1992 بيانًا أوضح فيه الضوابط الشرعية التي يجب التقيد بها من أجل المشاركة في الانتخابات النيابية.

أخيرًا، يُبرز الكاتب موقف الإخوان المسلمين (مسثنيًا سيد قطب من القراءة)، فبالرغم من غياب الديمقراطية في حياة التنظيم الداخلية إلا أنه انخرط في الواقع السياسي وارتضى الديمقراطية شكلًا ومسارًا للوصول إلى السلطة. وهو يُركّز على تجربة الجماعة الإسلامية في لبنان ومشاركتها الحياة السياسية في مجتمع متعدد، الأمر الذي أثر في رؤيتها وفي أدبياتها التي تشي بانفتاحها وبراغماتيتها. وكذا الوضع في تونس، إذ ارتبطت الإسلامية فيها بالديمقراطية وبمحاولة تأصيلها على يدي راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة. ويُثمّن الخالد النقاش الدائر داخل الحركات الإسلامية حول الديمقراطية ويعتبره “ثورة فكرية”، كونه يشيع مناخات إيجابية من الحوار والجدل والتفاعل مع الواقع.

 

 


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الإسلاموقراطيةالسلفيّةالديمقراطيّة

المقالات المرتبطة

عـلـم الـكـلام الـجـديـد – إشكالية التأسيس عند قراملكي والسبحاني –

شهد المشهد الثقافي الإيراني ولادة معرفية جد هامّة زادت من حرارته في السنين الأخيرة، والأمر يتعلق بظهور دراسات دينية جديدة آلت على نفسها الجواب على بعض الإشكالات التي أغفلتها الأبحاث الكلامية المدرسية

عبيد الدنيا تجار الدين

يصف الإمام الحسين(ع) حال المجتمع الذي كان في زمانه؛ يعتبر أن أهله باتوا عبيدًا لدنياهم، وأن انتمائهم للدين، وحديثهم في أمور الدين صار سلعة تلوك الألسن الترويج لها، بغية استدراج العطايا من سلطان المال والسياسة.

ماذا.. ما بعد الغرب؟ معضلة الإستئناف الحضاري

لقد كشفت تقنية ما بعد الغرب الكلاسيكي عن مسار عام يسير نحو نزع الإنسانيّة، وانحطاط قِيَمِها وتهافُت معاييرها.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<