الفكر العربي الحديث والمعاصر | قراءة غورية في فكر زكي نجيب محمود وشخصيته (5)

by الدكتور أحمد ماجد | يوليو 8, 2021 12:44 م

أصرّ صديقي في حلقة حوارية حول زكي نجيب محمود على ضرورة التنبّه إلى مراحل حياة هذه الشخصية عند الحديث عنها، فهو قد مرّ بمراحل تفكيرية متعددة، كلّ مرحلة صبغته بلونها، وقال كيف يمكن أن تصنّف هذه الشخصية في إطار المدرسة الوضعية مع العلم أنّه غادرها في المرحلة الأخيرة من حياته الثقافية. أطرقت قليلًا علّني أهجر الإجابة، فهممت بالصمت على أن يكون الردّ تفصيليًّا، فهذه الشخصية لا يمكن أن تُبنى الإجابة عنها بقول عابر، فهي تحتاج إلى قراءة غورية، تعمل على تحليل من طبقات متعددة، تبدأ من الشخصية وصولًا إلى الفكر.

أولًا: في الكشف عن أبعاد الشخصية

آثر فيلسوفنا الأديب على أن يبدأ مذكراته بالحديث عن “تغريدة البجع”، وسوّغ اختياره بقوله: “هو عنوان ينطوي على دلالة غنية بمضموناتها. فأولًا هو عنوان يوحي بأنّ الكاتب حين يهم بكتابة هذا الكتاب، كان يضمر في نفسه أنّه يكتب آخر نتاج له، ثم يودع القلم… لأنّه قد عرف عن البجعة أنّها وهي تلفظ أواخر أنفاسها، تُخرِجُ نغمةً كأجمل ما تكون النغمات وقعًا في آذان البشر. إنّها على أرجح الظن تَئِن أنين الحي وهو على حافة النهاية التي ينتقل بها من الحياة إلى الموت”[1][1]، وهذا الاستحضار لم يكن عشوائيًّا عند فيلسوف يطلب الوضوح في كلّ قول ينطق به – أو على الأقل هكذا يقدم نفسه-  بالتالي لا يمكن أن يغرب عن ذاته المعاني التي يختزنها هذا الاختيار، والذي يدلّ على العفة والفن والجمال، فهي من أقدم الأسماء في اللغة الإنكليزية، قادمة من الأنجلو ساكسون، وتعكس القوة وطول العمر الممكن عندما نوقظ القوّة والجمال، وهذا ما ستفصح عنه حياته بكليته، فهو يرى في نفسه قوة الاقتدار التي ظلمت، ولم تعط حقها لأنّ: “أبناء آدم لا يأبهون بآلام البجعة المحتضرة في أنينها، إذ وقع ذلك الأنين في آذانهم وقع الأغرودة تطربهم بحلاوة أنغامها”[2][2]، فهو عندما جرد قلمه ليكتب سيرته الذاتية، وضع أمام القارىء مشهدية صاغها بالكلمات، وأراد لها أن تخبر عن ألمٍ يعتصره، عن اللاوعي فيه، الذي لم يستطع أن يفصح عنه، فلجأ إلى المواربة. وعند تحليل شخصيته لن نستغرق فيه، إلا بالمقدار الذي تقتضيه وتستفيد منه المقاربة التحليلية لفلسفته.

  1. 1. ملاحظة شكلية

يلاحظ القارىء لكتاب “حصاد السنين” ميل الكاتب إلى استخدام ضمير الغائب عند الحديث عن نفسه، قد يقول بعض الناس أنّ هذا يعود إلى اعتقاد الكاتب بعدم ثبات الإنسان على حال، فهو في كلّ مرحلة من حياته، يختلف عن ما سبقه، ويستشهد بالحديث التالي لمحمود: “من بين ما يروونه لي أنّي وُلِدْتُ في منزل من قرية، زرته فوجدته بيتًا نصفه الأسفل من حجر ونصفه الأعلى من قش وطين، لكنّهم إذ يحكون لي أنّي في هذه الغرفة التحتانية المعتمة ولدت، وفي تلك الغرفة الفوقانية المضيئة خُتنت، أحسّ كما لو كانوا يحكون لي تاريخ طفل لا شأن لي به الآن، فليس في جسدي خلية واحدة من خلاياه التي ولد بها، ولم تكن في رأسه عند ولادته فكرة واحدة مما هو في رأسي اليوم. إنّه لوهم غريب هذا الوهم الذي يوهم الإنسان باتصال شخصه من لحظة الميلاد إلى لحظته الراهنة”[3][3]، فهو يعتقد أنّ الإنسان لا يبقى على ما هو عليه منذ البداية!

الكلام السابق، يأخذنا بشكل طبيعي إلى الإنسان البيولوجي، الذي يتميّز دومًا بالتحوّل والتطور، ولكنّه قد يضعنا أيضًا أمام شخصية تحاول الهروب من ذاتها عبر بتر العلاقة بالذاكرة ومحمولاتها، وهذا يؤشر إلى طبيعة مرضية؛ تعاني من حالة اغتراب نفسي واضح المعالم، وإذا عُدنا إلى دائر المعارف البريطانية، نلاحظ الآتي:

*  يتضمن الشعور بالعجز وهو إحساس الفرد بأنّ مصيره متروك لغيره وتحدده مصادر خارجية.

* يتضمن الشعور باللامعنى؛ ويقصد به عدم الفهم الكامل، أو عدم وجود معنى الذات في أي مجال من مجالات العمل، وأن الحياة ليس لها معنى أو هدف.

* الشعور باللامعيارية؛ ويقصد به عدم الالتزام الكامل بالتقاليد والضوابط الاجتماعية.

* العزلة الاجتماعية؛ ويقصد بها الإحساس بالعزلة والوحدة في العلاقات الاجتماعية.

* العزلة الثقافية؛ ويعني شعور الفرد بأنّ القيم الموجودة في المجتمع غريبة عليه مثلما يحدث في تمرد الطلاب، أو التمرد الفكري ضد المؤسسات.

* الاغتراب عن الذات؛ وهو إحساس الفرد بأنّه غريب عن نفسه وليس متوافق معها[4][4].

فزكي نجيب محمود يعبر من خلال أسلوبه الكتابي في مذكراته من حالة اغتراب نفسي عميق، يُضاف إليها كثرة استشهاده بالقصص الرمزية التي تعطي لنصه جمالية، ولكنّها تخفي في طياتها رغبة بعدم الإفصاح المباشر عن ما يعانيه ويشعر به، وهذا يقتضي السير باتجاه الحديث عن العناصر التي شكلت شخصيته.

قد يقول صديقي في الجلسة أنت بدأت تُحمِّل فيلسوفنا ما لا يحتمل، وتُسقط عليه حمل مسبقاتك، وتستنطقه بما لا يبوح، وهو عندما تحدث عن حياته في “قصة عقل” قام بتقسيمها إلى مراحل بحسب جريان الأمور، بالتالي لا يمكن وصمه بهذه الصفة التي قلت عنها أنّها مرضية، فهو شهد تحوّلات جمة، أدّت إلى قفزات فكرية. فهو في مورد عرض “سيرته الذاتية”. صحيح، هذا ما قام به صاحبنا، ولكنّه كان يُدرك، كما يقول: “إنّ حرية الإنسان كما تصورتها هي حرية من خلال الظروف الخارجية بما فيها العوامل التي شكلت حياته الماضية؛ فهذه الظروف والعوامل كلّها هي بمثابة علة ضرورية للفعل الذي يؤديه الإنسان الحرّ، أو القول الذي يصدر عنه معبّرًا به عن نفسه”[5][5]؛ أي أنّ الإنسان محكوم لماضيه وما يختزنه من تجارب حياتية، وهي “ضرورية” لحدوث ما يحدث، وإن كان أردف بعد ذلك بقوله: “إلا أنها علة “غير كافية”؛ لأنّها وحدها لا تضمن أن يفعل الإنسان الحر ما يفعله أو أن يقول ما يقوله؛ إذ لا بدّ أن يضاف إليها جانب آخر من طبيعة الإنسان نفسه، وهو إرادته الحرة”[6][6]، وهنا يطرح سؤال أليست الإرادة محكومة للتجربة التي عاشها، بالتالي نحن لسنا أمام تحوّلات فكرية طرأت عليه، إنّما أمام تحوّلات في النسق ذاته، لا تطال الأصول المؤسسة التي تبقى محكومة لـ”اللاوعي” والمخبوء التي تظهر من خلال تحويل في العنونة وإضافات لا تُلغي ما قُرّر مسبقًا، وهذا ما قام به بالفعل، حين قام بتعديل عناوين كُتبه، تقول زوجة “محمود”: وأذكر العديد من المواقف الذي حدث له فيها نوعًا من التأزم النفسي والفكري خاصة عند خروج كتاب أو خروج فكرة، وعندما أقيمت عليه حملة هجوم من الناحية الدينية مبنية على سوء فهم من القارئين، وعند صدور كتاب “خرافة الميتافيزيقا” بما يحمله من رفض لفكرة الميتافيزيقا (ما وراء الأفكار) والذي اضطر لتغيير عنوانه فيما بعد إلى “موقف من الميتافيزيقا”… وكان دوري بالطبع ألا أزيد العبء عليه بمشاكلي أو شيء من هذا القبيل، وأن أهدّئ من روعه مع محاولة إقناعه بأن ما يحدث ليس إلا ظاهرة انفعالية من بعض الناس في المجتمع والمفروض ألا يعطيها كل هذا الاهتمام”[7][7]، وهذا ينطبق على كتب أخرى، بالتالي نحن مع “محمود” لسنا أمام تحوّلات جذرية، وهذا ما ظهر من خلال استعراض فلسفته، وكلّ ما قام به هو انتقال إلى مستوى آخر، بقي محكومًا للمنهج الذي اختطه لنفسه.

  1. صورة الأب وتداعياتها

الاغتراب الذي تحدثنا عنه عند “زكي نجيب محمود” قد تأسس على سيرة حياتية، لعبت فيها التجربة المعيوشة جزءًا كبيرًا منها، وهذه التجربة، تبدأ من مرحلة الطفولة حيث نلاحظ طفلًا صغيرًا، يعيش حالة اضطراب عائلي، يقول في مذكراته: “العجيب أنّي حينما أعود بالذاكرة إلى سِني الطفولة الأولى، فسرعان ما أصطدم بشخصية أبي تملأ مسرح الحوادث، ولكن مهما حاولت فلا أعثر على صورة ٍأمي عندئذٍ، فأين كانت؟ هل كانت من الخفاء والانطواء بحيث تنمحي من صفحة الذاكرة فلا يُسمَع لها صوت ولا يظهر لها أثر؟ فهو منبسط لا يكاد يُخفي من نفسه شيئًا، وهي منطوية لا تكاد تُظهر من نفسها شيئًا، هو لا يخشى الناس ولا يفر منهم، وهي تخشاهم وتفر، هو حريص على إثباتِ وجوده، وهي أحرص على إنكار وجودها، هو لا يضحي بنفسه إلا قليلًا، وهي تضحي بنفسها بحيث لا تُبقي لنفسها إلا قليلًا”[8][8]. فهذه الشخصية تمتلك صورة مشوهة للأب، الذي يشكّل عند الطفل المرجعية التي يتماهى معها، فهي تؤشر إلى جانب سلطوي يحجب الأم، ويجعلها غير موجودة.

فالأب بالنسبة إليه، يمثل صورة السلطة الغاشمة التي لا تميّز بقسوتها، ولا تتحرّى عن حقيقة الأمور فتقوم بإسقاط حكمها على الأشياء بظاهريتها، وهنا يستحضر حادثة: “كان والدي وكان أحد أصدقائه، وأحسبني قد زررت عيني اليمنى، حين قال ذلك  الصديق: “أتزر عينك منذ الآن يا بنيّ؟ فماذا أنت صانع إذن حينما تتقدم بك السنون؟” مع حرف النون الأخير في عبارته وقعت كف والدي على وجهي صافعةً، وهو يزجر: “افتح عينك حين تنظر”[9][9]، فبدل من أن يسأله عن سبب تزرير العين، قام بمعاقبته أمام الآخرين مع العلم، وهو دون شك سيؤدي إلى جرح نفسي، يؤثر على علاقته بالآخرين.

وهذه الصورة عن سلطة الأب وظلمه ستتكرر في مؤلفاته، حيث يروي قصة غلام في العاشرة: “سمع في الطريق العام بائعًا متجولًا يصرخ وهو في قبضة شرطي، قائلًا: هذا ظلم، ولم يكن الغلام قد سمع هذه الكلمة بعد، فلما عاد إلى منزله، سأل أباه: ماذا تعني كلمة “ظلم؟”، فأجابه أبوه بأنها تعني مجاوزة فرد من النَّاس لحدوده المشروعة فيؤذي آخرين، كأن تجلس خادمتنا على مقعد من مقاعدنا…فما هو إلا أن جاء الليل ونام أفراد الأسرة، ليستيقظوا في الصباح فيجدوا كلمة “ظلم” قد كتبت بالطباشير على قطع الأثاث كلها… [عَلِمَ الوالد] بأن ولده هو الفاعل، فنهره وزجره وأمره، لكن لم يمض إلا يوم واحد، ليجد الجيران أن مجهولًا قد عبث بأبواب منازلهم ودرجات السلم وفي كل بقعة تصلح للكتابة، إذ رأوا  كلمة “ظلم” قد كتبت بالفحم … فجعل عقابه هذه المرة ضربات أوجعت الصبي… فُوجئ بعد أيام قلائل بشرطي يدق على بابه، ممسكًا بالغلام، فعلم الوالد من الشرطي أن ابنه قد ضبط في ساعة مبكرة من الصباح، يلطخ أبواب المتاجر… بكلمة “ظلم” يكتبها بفرشاة… وهنا [أخذه إلى مكان] يستريح فيه ويهدأ، فسافر الوالد مع ولده إلى الإسكندرية بالقطار، وما كان أشد العجب يعجب به الوالد، حين سمع عجلات القطار تدمدم على القضبان وكأنها تقول: ظلم، ظلم، ظلم …”[10][10]، فبالنسبة إليه أنّ سلطة الأب تشكل هذا البعد التقليدي الحاجب عن بلوغ الحقيقة، والتي لا بدّ من أن يتعداها الإنسان، وهذا ما انعكس في مواقف متعددة:

  1. أ. رفضه للعمل السياسي.

 فهو يرى أنّ السلطة السياسية، تتماثل مع سلطة الأب، يقول: “والدكتاتور لا يسمي نفسه ولا يسميه أتباعه “دكتاتورًا”، بل يسمي نفسه ويُسمونه “زعيمًا”؛ ومن هنا تتوالى الكوارث. كتب صاحبنا يقول في ذلك: وفي هذا الزعيم تجتمع السلطة التنفيذية والتمثيل النيابي معًا، فهو الذي ينطق برغبات الشعب، وهو الذي ينفذ هذه الرغبات. وليته يقف عند هذا الظن بأنّه هو الذي يمثل أمته في زمانه وحده، بل تراه يتوهم أنه إنّما يمثلها على طول تاريخها؛ ففيه جوهرها لا فرق بين ماض وحاضر ومستقبل، فكأنه لم يعد شخصًا واحدًا ذا أجل محدود ببداية ونهاية، بل هو أقرب إلى الفكرة المجردة … بل هو الأب بحكم طبائع الأمور التي لا اختلاف عليها ولا نزاع، والعجب هو أنّ الزعيم وأتباعه يطلقون على هذه الصورة اسم ديمقراطية! ولكنها ديمقراطية من نوع جديد”[11][11]. فالموقف من السياسة موقف ينطلق من رفض كلّ سلطة تتماثل مع سلطة الأب. وهو وإن غلّف موقفه بعدم فاعلية الدول الصغيرة أمام سياسات الدول العظمى: “وأما مشكلات السياسة، فهي – أولًا- حكر على القوى العظمى في مجلس الأمن، وهي – ثانيًا – مما يمكن لدول صغرى أن تتمرد على ما يُوجه إليها من قرارات تلك الدول الكبرى نفسها، وكأن أمور النَّاس الحيوية قد تُركت لتصبح أقرب إلى لعبة شيطانية مكشوفة تسخر بها جماعة من الأبالسة على شعوب لا حول لها ولا سلطان”[12][12].

فالسياسة لا قيمة لها لأنّها سلطة تعبر عن ما هو سائد من موازين قوى، وهي لا تقدّم شيئًا جديدًا للناس، بل أنّها تقوم بتعميم ما هو سائد انطلاقًا من مصالحها، وتضحي بالآخرين من أجل استمرارها كما والده الذي لا يضحي بشيء من أجل مصلحته، بالتالي لا بد من تغيرها عبر التجديد في الإطار الفكري الذي يحكمها وإلا ستبقى مشدودة للقديم بكلّ ما فيه: “لأنّني ما وجدت في ألاعيب الساسة بعضهم على بعض إلا مهارة تشبه مهارة الحَواة، تُخرج الأرانب من قبعات خالية، فهم – مثلًا – يضعون صيغة معينة يحلون بها مشكلة معينة ويوافقون عليها بالإجماع، ثم ما هي إلا أن يحتدم الخلاف على تأويلها، وينهض من هنا خطيب ومن هناك خطيب، ومن هذا البلد فقيه ومن ذلك البلد فقيه، يبذلون كل ما في مواهبهم من ذكاء؛ لتأويل الصيغة المتفق عليها”[13][13].

إذًا، رفض زكي نجيب محمود للسياسة هو رفض لصورة الأب المسيطر: “فهي لا تقل ولا تزيد عن أن تكون للدولة القوية إرادة ما، جاءت بها إلى الاجتماع، وتكون المهارة السياسية بعد ذلك، هي في أن تُصاغ لتلك الإرادة صيغة لغوية مقبولة شكلًا عند الأطراف المتعارضة، أما إنها ستعمل على حل المشكلة المعروضة للحل، فمسألة لا هي واردة، ولا هي في حسبان الأقوياء من أصحاب الإرادات”[14][14]. فالأب في نهاية الأمر يفرض إرادته على الآخرين، الّذين لا بد لهم من الإذعان والموافقة على قراراته.

2.ب. الإذعان للآخرين مع التململ منهم

تنعكس صورة الأب والإذعان له في علاقاته مع الآخرين، فهو لا يتوانى عن الدخول في المشاريع الفكرية والثقافية، ولكنّه لا يلبث أن يقوم بنقدها، يقول وبضمير الغائب عن نفسه: “إنّ صاحب تلك النفس المنطوية على ضلوعها بكلّ ما يكمن وراء تلك الضلوع من ذكريات تسعده أو تشقيه، قد اتسعت له ساعات اللقاء مع خيرة البشر، أعني العلماء والأدباء الذين رصدوا في مؤلفاتهم ما قد دار في رؤوسهم من فكر، وفي قلوبهم وصدورهم من مشاعر”[15][15]، ولكنّه سرعان ما يستدرك: “لم يلبث صديقنا الشاب – وقد أدخلوه في أهل الذروة الثقافية ليكون من الوجهة الشكلية واحدًا منهم – أقول إنّه لم يلبث أن رأى – من الوجهة العملية أمرًا عجبًا، وهو أن تلك الصفوة الثقافية الممتازة لم تستطع أن تجعل معيار الرفع والخفض ثقافيًا خالصًا، ما داموا جمعية ثقافية في أساسها، بل لازمتهم عقدة “السلطة” التي هي داؤنا التاريخي”[16][16]… فهو عندما تنبه إلى السلطة تذكر سلطة الأب، وعمل على تغميم المنظر، وهنا لا نقول عمل على قتل الأب، لأنّ هذه الظواهر موجودة في المجتمعات العربية، ولكن أن يقوم مثقف بعرضها، فهذا يوضح مدى الضيق الذي يتعرض له من هذه السلوكيات التي تنشط الذاكرة لديه بما خبره في الوسط العائلي من خلال سلطة الأب، وإن كان يحاول أن يخفف من عبء المسؤولية من خلال تظهيرها كمشكلة اجتماعية عامة، تتمثل في تعظيم الناس لأصحاب المناصب العليا في الدولة، ويقول: “فمن كان ذا منصب أعلى بمقياس الدواوين الحكومية كان عندهم أعلى مرتبة”[17][17]، إلا أنّه سرعان ما يعرض لم هو أكثر جذرية في رأيه، فيقول: “أما صاحبنا، فيشهد شهادة صدق بناها على الخبرة مباشرة بأن روادنا من أعلام الجيل الماضي، برغم ما كانوا يعرضونه مبثوثًا في ثنايا ما يكتبونه من قيم الحرية والعدالة والمساواة… قد كانوا على الأعم الأغلب أحرص الناس على أن تبقى مسافات بعيدة بينهم وبين من يتعاملون معهم من سواد الناس”[18][18].

فيلسوفنا لا يرى في الشخصيات التي قابلها إلا صورة الأب التي يرفضها، والتي تحتاج لتعديل، فهم كما عاينهم في شبابه: “جبابرة الكلمة.. كانوا يكتبون بعقولهم، وأما قلوبهم وما تؤمن به، فكانت متخلفة هناك، تنبض بما كان سائدًا مما زعموا أنهم كتبوا ليغيروه”[19][19]، يعملون على عكس ما يكتبون عبيد لسلطة سياسية وتراتبية اجتماعية وتقاليد، يبخسون الناس حقوقهم، ولا يشيرون إلى إبداعات الأشخاص، لذلك قرر وقبل أن يطويه الموت أن يشير إلى أمر ساهم فيه، ولكن الناس لا تدركه: “وها هنا أريد أن أنقل الحديث من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم، وبدل أن أتحدث عن صاحبنا، أجعل الحديث منسوبًا إلى شخصي الراهن، فأقول: إنني كنت في كتاب “قصة الفلسفة الحديثة” صاحب فضل على المصطلح الفلسفي لم يذكره لي دارس واحد من دارسي الفلسفية، وأبى عليَّ خيالي أن أذكره بنفسي عن نفسي، وإذا لم أغلب هذا الحياءَ الآن ستموت الحقيقة مع موتي … إن الفلسفة الحديثة لم تظهر متكاملةً في كتاب عربي قبل كتابنا “قصة الفلسفة الحديثة””[20][20].

  1. نظرة سلبية تشاؤومية للحياة

 قد تكون صورة الأب هي إحدى مدخلات تكوين شخصية “محمود”، ولكن إذا عمقنا النظر، نرى بأنّه يجد صعوبة اندمامجية في المجتمع الذي ينتمي إليه، فهو يراها أمرًا مفروضًا عليه لا يمكن التخلص منه، ومن أجل إثبات ذلك روى في سيرته الذاتية هذه الأسطورة التي سماها دينية: “حكمت الآلهة على “أطلس” – في الأسطورة اليونانية – بأن يحمل السماء على كتفيه حتى لا ينقضُّ بناؤها، والسماء هي السماء بأنجمها الزواهر اللوامع؛ فهل رأيت واجبًا أسَمى وأمجد من أن تُكلَّف حمل السماء على كتفيك؟ وحملها “أطلس” ثم ناء بحملها، حتى إذا ما جاءه “هرقل” يسأله عن مخبأ التُّفُاحات الذهبية التي كلِّف بالبحث عنها في أركان الكون وبين جنباته، والتي قيل له عنها إن مخبأها [أراد أطلس انتهاز] الفرصة السانحة، ليتخلص من عبئه الذي أنقض ظهره، وقال لهرقل: لست بمستطيع أن تجدها بنفسك لأن منالها عسير، فاحمل عني هذه السماء لحظةً حتى أعود إليك بها، ورضي “هرقل” مسرورًا بحمل السماء حتى يحقق له “أطلس” بغيته التي لقي العناء في سبيل تحقيقها.[جلب أطلس التفاحات ولكنه أخذ يفكر] تُرى هل يفي بوعده ويعطي “هرقل” تفاحاته الذهبية ثم يعود هو إلى حيث كان تحت عبئه الباهظ؟ أو يَنْعم بهذه الحرية التي أتاحتها له الظروف فيتخلص من عبئه ذاك إلى الأبد؟ [أراد التحرر من العبء] وقال له: ابق حيث أنت حاملًا السماء على كتفيك، وسآخذ أنا هذه التُّفاحات الذهبية إلى حيث أردت أنت أخذها. فتظاهر “هرقل” بالقبول والرضا… لكنه طلب من “أطلس” أن يتفضل عليه بصنيع لحظةً قصرية، حتى يضع الوسائد على كتفيه.. فعل [أطلس] ما طلب إليه “هرقل”.. ولم يكد يزيح عن كاهله حمل السماء، حتى أخذ التفاحات ومضى تاركًا أطلس في مكانه القديم”[21][21]، هذا النص يضعنا أمام موقف” محمود” من الدنيا، فهو يراها حملًا ثقيلًا، فرض عليه تحمله، يقول: “التشاؤم والانطواء صفتان في حياتي بارزتان، فمن شأن المتشائم اعتقاده بأن نتائج الأشياء وأواخر الأحداث عبث كلها في عبث، اعتقاده بأن الحياة عملية معقدة من جمع وطرح وضرب وقسمة، فيها أعداد صحيحة وفيها كسور، وفيها ربح وفيها خسارة، لكن الناتج النهائي صفر دائمًا؛ لأن الناتج النهائي عدم محتوم”[22][22]. وهذا الموقف، قد يكون ناشئًا من ظروف موضوعية أنتجته، وإن كنا قد تحدثنا عن الشق المتعلق بصورة الأب، فهناك أمور أخرى لا بد من التطرق إليها:

3.أ. حالة النظر لديه

عاني “محمود” من البصر دون تنبه أحد إلى هذا الموضوع، بل أنّ رفاق الدراسة اتخذوا هذا الموضوع هزوًا فيما بينهم، الأمر الذي حفر في نفسه، وترك ندوبًا عميقة، ففي مدرسة غوردن ظهرت أول معالم هذه الأزمة: “ذلك أن صغار الزملاء قد أدركوا – ونحن بعد في أول المرحلة الابتدائية- ما في بصري من قصر ملحوظ في زري لعيني اليمنى كلما أردت النظر إلى شيءٍ، وأعجب العجب أني لم أكن أعلم قبلئذ أن بصري يَقْصر دون أبصار الناس، كلا ولم يكن يعلم ذلك أحد من أهلي، حتى وجدته”[23][23]. وهذا الأمر تعمق نتيجة عدم تقدير الأسرة أو عدم استيضاحها سبب هذه الظاهرة لديه، ووصلت هذه الحالة إلى ذروتها مع أستاذه، والتي يرويها في مذكراته، التي يقول فيها: “ولست أنسى يومًا – وكنت في السنة الثانية الابتدائية – حين “سرحت” عن الدرس، وسبَحت بنظري خلال النافذة شاخصًا إلى قطع السحاب تتسابق مع الريح، وتتخذ لنفسها أشكالًا عجيبة… ثم جاءت سحابة ضخمة تشبه وجه الرجل الكهل بلحية طويلة وشاربين كبيرين، وعلى الوجه جلال وعظمة، فقد رأيته وكأنه يأمر بقية السحاب فتجري بأمره وتقف بأمره، فمن ذا يكون هذا الآمر العظيم؟ آه لقد عرفت، إنه “الله”؛ فقد حكوا لي أنه يسكن السماء، يا سلام! هذا -إذن- هو “ربنا”!  هكذا كانت خواطري تجري وأنا أنظر إلى قطع السحاب، حين جاءتني ركلةٌ بالقدم في جنبي، وضربةٌ بجمع اليد في كتفي، ومجموعة الأولاد في الفصل تنفجر ضاحكة، ونظرت مذعورًا إلى الضارب، الذي هو المعلِّم وإذا به يكشر عن أسنانه اللوامع البيض: فيم زررت عينك يا أعور؟ وإلى أي شيء في السماء تنظر؟ وليت المعلم يعلم الآن أن العين العوراء ما زالت تنظر إلى السماء باحثةً عن الله  – لكنها هذه المرة تبحث عنه وراء قطع السحاب – سائلةً عن الكون ونشأته وعن الإنسان ومصيره”[24][24].

ما عانى منه “زكي” زرع في نفسه الألم، وجعله يشكك في عدالة هذا الكون الذي يعيش فيه، ودفع به إلى أن يبحث عن الله وراء السحاب، حيث أصبح غائبًا لا يتدخل في الحياة الأرضية التي أنيط تنظيمها بالإنسان، يقول: “أصبحت العين العوراء همًّا مقيمًا على صدري، لا ينزاح ولا يزول، تبعث في نفسي كل صنوف المخاوف مما قد تضرب به الأيام فتصيب مني مقتلًا، وإنما هي الشبح المخيف والظل الكئيب، الذي أراه مطروحًا أمامي في الطريق أينما سرت”[25][25]، فهذه الضربة كانت قاصمة بالنسبة إليه، فهي جعلته يفصل الله عن العالم، ولا يتدخل به، فهو وضع القوانين وجعلها مضطردة: “صاحبنا عندئذ يرى أنه لا بد من “تأويل” هذه “المعجزات” تأويلًا يبقي على الإيمان بما ورد في الكتب المنزلة، ويتفق – في الوقت نفسه – مع ما يتفق ومنطق العقل. أقول: إن صاحبنا كان قد اقتنع بأن قدرة الله سبحانه وتعالى إنما تتجلى في اطراد ِ قوانين الكون لا في إيقافها”[26][26].

3.ب. الواقع الاجتماعي

 حيث كان زكي نجيب محمود، يرى أنّ الواقع الذي تعيشه المجتمعات العربية لن يؤدي إلى أيّ عملية تحوّل حقيقي، فهذه المجتمعات تتصور نفسها بالنسبة إليه على طريق التطور والتقدم، وتتصور أنّ مجتمعاتها هي الجنة، ولكنّها لا تدرك أنّ الحقيقة مغايرة لهذا الأمر، يقول عن مقال كتبه: “وكان هذا العنوان “جنة العبيط” هو نفسه عنوان المقالة الأولى في ترتيب الكتابة، وقصدت به أن حياتنا في مصر عندئذ كثيرًا ما توصف عندنا بين عامة المتكلمين وكأنها حياة في الجنة، مع أنها في حقيقتها – بالقياس إلى حياة الناس كما رأيتها عند الآخرين – لا تكون جنة إلا في رأي “العبيط”. ولم أكن أريد بتلك المقارنة درجات الفقر والغنى، أو حتى درجات المعرفة والجهل، بقدر ما أردت “القيم” الخلُقية وحقوق الإنسان في التعامل مع سائر مواطنيه”[27][27]، فهذه المجتمعات تعاني من خلل قيمي لا يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التخلف والضعف، وهي تصرّ على امتلاك الحقيقة، لذلك تركن إلى ما لديها، وتحاول أن تُسقط عليه إنجازات العالم المعاصر: “فواعجبًا أن نرى الغيرة القديمة قد أخذت علماءنا المحدثين والمعاصرين، فاتجهوا بجهدهم أيضًا ليقولوا: إن ما قد جاءت به “العلوم” الحديثة، وارد في القرآن الكريم، وفي الرأي المتواضع لكاتب هذه السطور، أن “الدافع النفسي” في كلتا الحالتين لم يكن له ما يبرره، فإذا ظهرت فلسفات هناك، أو علوم هنا، فتلك وهذه ملك للإنسانية كلها، وواجبنا الصحيح هو المشاركة الإيجابيَّة الفعالة في هذه وتلك معًا، على قدم المساواة بيننا وبين سوانا، إذ ليس في الأمر ما يدعو أحدًا إلى هجوم ودفاع”[28][28].

فهذا الفيلسوف يعبر من خلال ما تقدم عن أزمة نفسية وحضارية عاش بها، تحكمت به وجعلته يبني نظرته للحياة على أساسها، فهو على يقين أنّ السابقين لم يديروا حياتهم بشكل سليم، حيث كانوا يريدون استرجاع الماضي، في حين أنّ مقتضى الأمر يستوجب إدارة: “حياتهم حول محور”التقدم” بالمعنى المراد بهذه الكلمة اليوم. وأول جانب من جوانب هذا المعنى، هو أن ينظر إلى كلّ مرحلة لاحقة من حياة الإنسان على أنّها لا بد لها من أن تكون أعلى درجة من أي مرحلة سبقتها في ذلك التاريخ. فالمرحلة اللاحقة – عند الأخذ بفكرة التقدم – أعلم، وأفضل، وأقدر، وأقرب، إلى الكمال كما يتصوره خيال الإنسان[…] فالإطار الفكري العام عند الإنسان إذا ترك لفطرته، هو أن يجعل “العصر الذهبي” فيما قد انقضى”[29][29]، وفي هذا الموضع لا بد من أن يتمّ الالتزام بإطار فكري جديد: “كان صاحبنا ينظر إلى مكونات الشخصيَّة العربيَّة نظرة والد سقراط كلما أراد أن ينحت قطعة من المرمر ليشكلها على أية صورة أراد، وقد سأله ابنه سقراط مرة، بعد أن وقف برهة ينظر إلى أبيه وهو ينحت المرمر ليخرج منه تمثال أسد: على أي أساس يا أبت تضرب الإزميل في الحجر ليخرج لك منه الأسد الذي أردت إخراجه؟ فأجابه أبوه قائلًا: إني أرى بعين الخيال ذلك الأسد رابضًا داخل الحجر، فأضرب الإزميل ضربات تشتد أو تضعف مهتديًا بالصورة التي يراها خيالي كامنة. وعلى هذا النهج نفسه ينظر صاحبنا إلى خواص النفس العربيَّة فيرى كامنًا في ثناياها ذلك المواطن العربي الجديد الذي يوقظ كوامن فطرته، فإذا هو أمام عربي جاء استمرارًا لآبائه في وقفتهم الدينيَّة العلمية من الكون، وجزءًا حيًّا نشيطًا فعالًا”[30][30]، هذا الإنسان الجديد وإن بقي مشدودًا للدين، ولكنّه في الاجتماع يتبنى الرؤية الغربية للنهضة: “لقد أدركت في تلك الحقبة من السنين سر النهضة العلمية التي نشأت في أوروبا إبَّان القرن السادس عشر، فتولَّد عنها العلم الحديث والحضارة الحديثة بأسرها، وهو نفسه السر الذي لم ينكشف لنا حتى اليوم انكشافًا كاملًا، فتلكأت بنا النهضة ولبثنا نواصل شيئًا من عصورنا الوسطى في عصرنا الحديث، وما ذلك السر العظيم إلا منهج جديد يحل محل منهج قديم، فبدل أن نقيم حلول مشكلاتنا على أقوال نستخرجها من الكتب القديمة، نقيمها على تحليلات دقيقة لعناصر المشكلات المراد حلها؛ لكي نصل إلى الطريقة الفعالة التي تحلها”[31][31].

فهو لم يغير جلده، إنّما قام بتلوينه، وهذا في الواقع يعود إلى الطبيعة النفسية لهذه الشخصية التي تعتبر أن الأصل هو الفكرة التي تسقط على الواقع والذي يعيش هواجسه وقلقه واغترابه، يذكر فؤاد زكريا أنّه في نهاية حياة زكي أخبر بمحاولة اغتيال نجيب محفوظ فلم يتمالك نفسه عن البكاء، ولعلّه كان يبكي مشروعه.

 

 

مصادر البحث:

[1][32]  زكي نجيب محمود، حصاد السنين، (القاهرة، دار الشروق، الطبعة1،  1997)، الصفحة 6.

[2][33]   المصدر نفسه، المعطيات نفسها.

[3][34]  زكي نجيب محمود، قصة نفس، (القاهرة، دار الشروق، الطبعة 4،  1993)، الصفحة 40.

[4][35]  سناء عادل إبراهيم كباجة، التغير القيمي وعلاقته بهوىة الذاث والاغتراب النفسي، رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة غزة، 2015، الصفحة 48.

[5][36]  زكي نجيب محمود، قصة عقل، (القاهرة، مؤسسة هنداوي، 2017)، الصفحة 37.

[6][37]  المصدر نفسه، المعطيات نفسها.

[7][38]  مقابلة مع الدكتورة منيرة حلمي زوجة زكي نجيب محمود على موقع:

https://www.maganin.com

[8][39]  زكي نجيب محمود، قصة نفس، مصدر سابق، الصفحة 41.

[9][40]  قصة نفس، مصدر سابق، الصفحة 63.

[10][41]  زكي نجيب محمود، حصاد السنين، (القاهرة، هنداوي، 2017)، الصفحة 74.

[11][42]  زكي نجيب محمود، قصة عقل، مصدر سابق، الصفحتان 21-22.

[12][43]  زكي نجيب محمود، حصاد السنين، مصدر سابق، الصفحة 67.

[13][44]  زكي نجيب محمود، قصة عقل، مصدر سابق، الصفحة 40.

[14][45]  زكي نجيب محمود، حصاد السنين، مصدر سابق، الصفحة 62.

[15][46]  حصاد السنين، مصدر سابق، الصفحة 25.

[16][47]  المصدر نفسه، طبعة دار الشروق، الصفحة 51.

[17][48]  المصدر نفسه، الصفحة 41.

[18][49]  المصدر نفسه، الصفحة 65.

[19][50]  المصدر نفسه، الصفحة 66.

[20][51] زكي نجيب محمود، قصة عقل، مصدر سابق، الصفحة 20.

[21][52] زكي نجيب محمود، قصة نفس، مصدر سابق، الصفحتان 11- 12.

[22][53]  قصة نفس، مصدر سابق، الصفحة 42.

[23][54]  زكي نجيب محمود، حصاد السنين، مصدر سابق، الصفحة 62.

[24][55]  زكي نجيب محمود، قصة نفس، مصدر سابق، الصفحتان 48- 49.

[25][56]  قصة نفس، مصدر سابق، الصفحة 49.

[26][57]  المصدر نفسه، الصفحة 18.

[27][58]  المصدر نفسه، الصفحة 29.

[28][59]  زكي نجيب محمود، حصاد السنين، (دار الشروق) مصدر سابق، الصفحة 125.

[29][60]  زكي نجيب محمود، حصاد السنين، (دار الشروق)، مصدر سابق، الصفحتان 39-40.

[30][61] المصدر نفسه، الصفحة 265.

[31][62]  حصاد السنين، (دار الشروق) مصدر سابق، الصفحة 35.

Endnotes:
  1. [1]: #_ftn1
  2. [2]: #_ftn2
  3. [3]: #_ftn3
  4. [4]: #_ftn4
  5. [5]: #_ftn5
  6. [6]: #_ftn6
  7. [7]: #_ftn7
  8. [8]: #_ftn8
  9. [9]: #_ftn9
  10. [10]: #_ftn10
  11. [11]: #_ftn11
  12. [12]: #_ftn12
  13. [13]: #_ftn13
  14. [14]: #_ftn14
  15. [15]: #_ftn15
  16. [16]: #_ftn16
  17. [17]: #_ftn17
  18. [18]: #_ftn18
  19. [19]: #_ftn19
  20. [20]: #_ftn20
  21. [21]: #_ftn21
  22. [22]: #_ftn22
  23. [23]: #_ftn23
  24. [24]: #_ftn24
  25. [25]: #_ftn25
  26. [26]: #_ftn26
  27. [27]: #_ftn27
  28. [28]: #_ftn28
  29. [29]: #_ftn29
  30. [30]: #_ftn30
  31. [31]: #_ftn31
  32. [1]: #_ftnref1
  33. [2]: #_ftnref2
  34. [3]: #_ftnref3
  35. [4]: #_ftnref4
  36. [5]: #_ftnref5
  37. [6]: #_ftnref6
  38. [7]: #_ftnref7
  39. [8]: #_ftnref8
  40. [9]: #_ftnref9
  41. [10]: #_ftnref10
  42. [11]: #_ftnref11
  43. [12]: #_ftnref12
  44. [13]: #_ftnref13
  45. [14]: #_ftnref14
  46. [15]: #_ftnref15
  47. [16]: #_ftnref16
  48. [17]: #_ftnref17
  49. [18]: #_ftnref18
  50. [19]: #_ftnref19
  51. [20]: #_ftnref20
  52. [21]: #_ftnref21
  53. [22]: #_ftnref22
  54. [23]: #_ftnref23
  55. [24]: #_ftnref24
  56. [25]: #_ftnref25
  57. [26]: #_ftnref26
  58. [27]: #_ftnref27
  59. [28]: #_ftnref28
  60. [29]: #_ftnref29
  61. [30]: #_ftnref30
  62. [31]: #_ftnref31

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13343/fekerarabi4/