مطالعة في كتاب توما الأكويني والإسلام: ما يدين به توما الأكويني لفلاسفة الإسلام

مطالعة في كتاب توما الأكويني والإسلام: ما يدين به توما الأكويني لفلاسفة الإسلام

الكتاب: توما الأكويني والإسلام.

الكاتب: لويس صليبا.

الناشر: دار ومكتبة بيبليون، لبنان، 2011. في 402 ص.

 

كرس لويس صليبا، أستاذ الأديان المقارنة في جامعة السوربون، موسوعة للقديس توما الأكويني (1225 – 1276)، وعنون الجزء الخامس منها  “توما الأكويني والإسلام” منقّبًا في مصادره الإسلامية، إذ  تعرّف في شكل مباشر إلى ابن سينا وابن رشد ومن خلالهما قرأ الكندي والفارابي والغزالي وابن باجة. فعرض لهذه الغاية البحوث التي تناولت المسألة شارحًا وناقدًا ومنافحًا عن “معلم معلمي الكنيسة”.

يبدأ صليبا بالمقارنة التي عقدتها زينب الخضيري بين الأكويني وابن سينا، وانتهت إلى عدّه فيلسوفًا، وإلى كونهما حقّقا كل من جانبه “ثورة في عالم الفلسفة”. أما المطران ميخائيل ضومط فقام بإبراز الفارق بين عمل الأكويني وعمل فلاسفة المسلمين في التوفيق بين الحكمة والشريعة. وعمد الأب بولس مسعد بدوره إلى تتبع المصادر الإسلامية  للنظرية التوماوية عند الفارابي وابن سينا وابن رشد، وأنجز دراسة مقارنة للوجود والماهية عند ابن سينا والأكويني ورأى التفاعل الكبير بينهما رغم اختلاف الدين والجنسية.

خلص أرنست رينان(1823 – 1892)  في “ابن رشد والرشدية” إلى كون الأكويني خصم فيلسوف قرطبة وتلميذه الأول ومدين له في كل شيء تقريبًا. أما النهضوي فرح أنطون في “ابن رشد وفلسفته” فقد شدّد على خصومة الأكويني لصاحب “فصل المقال”. وبحث التوماويان لويس غرديه والأب جورج قنواتي في “رشدية الأكويني” ونقداها. وكان محمود قاسم قد كتب “نظرية المعرفة عند ابن رشد وتأويلها لدى الأكويني” (القاهرة، 1969)، مُبينًا استعانة الأخير بأفكار أبو الوليد لحل المسائل اللاهوتية، ووصل إلى القول: إن “الأكويني نهب ابن رشد”. وهذا الأمر يثير حنق صليبا واستهجانه، وإذ يسلم به من غير اقتناع وبعد نقاش وتفنيد لأساس دعوى قاسم، فإنه يعتبر (في شكل عام ) أن قضايا النقل والسرقات الأدبية كانت مألوفة في العصر الوسيط “ولا يُعاب عليها”. وهو يستند إلى دراسات الأب قنواتي كي ينفي “رشدية الأكويني” (أو سينويته) بسبب اختلاف الدينين: ففي المسيحية أسرار وأمور فائقة الطبيعة لا يبلغها العقل، والإسلام خال من مثل تلك المسائل. وفي حين يُقر غارديه بحضور العناصر السيناوية والرشدية في التوماوية، إلا أنه يعتبرها غير محورية ولا توجد في صورتها الخام والخالصة. أما ماجد فخري فقد عاين الصلة في مسألة خلق العالم وانتهى إلى أن ابن رشد والأكويني اتفقا في نقطة: “وهي الخلق من لا شيء، مع احتمال أخذ الثاني عن الأول في هذه المسألة واختلفا في مسألة قدم العالم، وبالتالي، فكلاهما ترك أرسطو في المسألة الأولى في حين بقي ابن رشد على مشائيته في الثانية”.

أما جيل الروماني (1243 – 1316) فاهتم في “ضلالات الفلاسفة” بتتبع آراء الفلاسفة المسلمين ولا سيّما ابن سينا وأبو الوليد، وتابع عمل توما في بيان المآخذ على ابن رشد بزعم تهجمه على الدين المسيحي وعلى الشرائع كلها. ويُعدّد الروماني أخطاء قاضي القضاة الواردة في طيات تفاسيره لكتب أرسطو مثل إنكاره أن تكون الملائكة قادرة على تحريك أي شيء في هذا العالم: “لا شيء مفارق للمادة يُحرّك شيئًا مادّيًّا إلا بواسطة جسم غير فاسد…”، وقوله: إن الأشياء المختلفة والمتقابلة لا يمكن أن تصدر مباشرة من فاعل واحد. ونكرانه أن يكون لله اهتمام وعناية بالأفراد في هذه الدنيا، لكن الأدهى في نظر جيل، فهو إنكار ابن رشد عقيدة الثالوث ودحضها. إذ قال في شرحه لكتاب اللام لأرسطو: “ومن هنا غلطت النصارى فقالت بالتثليث في الجوهر”، كما قوله بوحدة العقل في جميع البشر. وكان الأكويني قد نقض هذه الفكرة في كتابه “وحدة العقل” نحو العام 1270، لأن القبول بها يُبطل الثواب والعقاب، فلكل فرد نفسًا وعقلًا يخصّانه وهو ما يتوافق أكثر مع عقائد التوحيد.

وفي مواجهة بعض الباحثين (عبد الرحمن بدوي، محمود قاسم …) الذين يُنكرون قول قاضي القضاة بـ “وحدة العقل” يقدّم صليبا ما يؤكد نسبتها إليه، ولا سيّما في الشرح الكبير  لكتاب النفس لأرسطو: “وبهذه الصفة نستطيع أن نقول: إن العقل النظري واحد للجميع” (ص 244 من طبعة تونس). ويُحصي جيل الروماني لابن رشد اثنتي عشرة ضلالة آخرها الاتحاد بالعقل الفعال، مستوحاة من مرسوم إدانة القضايا الرشدية الذي أصدره أسقف باريس عام 1270، وحرم فيه القول بثلاث عشرة قضية هي التالية: إن عقل جميع الناس واحد عددًا وهو هو للجميع. القول بأن الإنسان يدرك خطأ وعدم تدقيق. إن إرادة الإنسان تريد وتختار ضرورة. إن كل ما يحدث في العالم الأسفل خاضع لحكم الأجرام السماوية. إن العالم قديم. ليس ثمة إنسان أول. إن النفس التي هي صورة الإنسان بما هو إنسان تفسد بفساد الجسد. إن النفس المنفصلة بعد الموت لا تتألم بنار مادية. إن الحرية قوة سلبية تندفع ضرورة إلى ما يجذبها. إن الله لا يعلم الجزئيات. إن الله لا يعلم سواه. إن أعمال البشر لا تدبرها عناية الله. إن الله لا يستطيع أن يمنح الخلود وعدم الفساد كائنًا قابلًا للفساد والموت.

والحال، يأخذ صليبا على المصري محمود شاكر في كتابه “رسالة في الطريق إلى ثقافتنا” (القاهرة، 1987)، قلة معرفته بالتاريخ الأوروبي وتسليمه بالقول إن الأكويني مجرد ناقل عن فلاسفة الإسلام من دون تدقيق كاف في أفكاره. وفي المحصلة يمكن الزعم أن ما قام به الأكويني هو حوار فكري عقيدي نجد نظائر كثيرة له في الحضارات المتعاقبة.

 

 

 

 

 


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
فلاسفة الإسلامتوما الأكويني

المقالات المرتبطة

سيّدة الكساء

فالمناسبة إذن، هي فرحة بولادة السيدة الزهراء (ع)، وفرحة بأن يقول الله تعالى بأنّه اختصّهم كأهل البيت، وأبلغنا بأنّهم الأسوة التي يمكن أن نقتدي بها لنصل إلى مدارج الكمال التي من حقّنا الوصول إليها، فهي إذن، محفّز للعلوّ والارتقاء.

إشكاليّةُ المِتافيزيقا وأزمةُ تجاوزها في فلسفة العلم المعاصرة

فاقم انهيار اعتبارات الفيزياء الكلاسيكيّة، مع ظهور نظريّة الكوانتُم، من الحملة التي شنّها الريبيّون والكانتيّون على المِتافيزيقا كمبحثٍ شرعيّ في المعرفة الإنسانيّة.

الموت كتجلٍّ للمقدّس: في العلاقة بين الموت والمقدَّس

فالإنسان في هذه الدّنيا، يجب أن يتصوّر نفسه دائمًا كالمهاجر إلى الله، يقف على محطات متعدّدة، وهي عبارة عن ميتات، يبعث من بعدها من جديد.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<