نهج الاقتدار عند الإمام علي (ع)
هناك اتجاهان سادا في تقديم الإسلام.
الاتجاه الأول: وهو اتجاه العزلة النصوصية أو الروحية الذي عمل على أن يتفاعل مع الإسلام في عقائده وفقهه وأخلاقياته الصوفية باعتباره؛ أي الإسلام؛ دينًا يقدم للإنسان المؤمن بالله مادة ذهنية ومفاهيمية تعمل على إفحام الخصم سواءً أكان هذا الخصم دهريًّا ملحدًا، أم دينيًّا ينتمي إلى منظومة دينية أخرى، أو مذهبيًّا ينتمي إلى مذهبًا إسلاميًّا مختلفًا.
وقد يكون ما يعتقده أن الإسلام يقدم جملة مبانٍ شرعية فقهية تحفظ الفرد في طقوسه وعبادته، وتحفظ الجماعة في هويتين: المذهبية والعصبية، أو قد يكون يعتقد أن في الإسلام توقًا روحيًّا لبناء الفرد في روحه ونفسه التوّاقة للقاء ربه، ويتحوَّل عنده هذا التوق الروحي إلى جملة معارف فردية وجدانية مبنيَّة على السر والباطن العرفاني – الصوفي، الذي يضع العامل أو المرتاض بحال من السير والسلوك الفردي الذي لا يُعنى كثيرًا بالناس وهموم المجتمع وقضاياه.
الاتجاه الثاني: وهو الذي غلّب طابع التصدي للآخر سواءً من خلال العنف والقوة، أو من خلال تنظيمات وحركات سياسية اصطلح على مجموعها بجماعات الإسلام السياسي.
وهذه الجماعات إما استغرقت بسجالات وتنظيرات سياسية وفكرية وفلسفية غلبت على حركتها من خلال الكتب وحلقات التعلم الأيديولوجي، أو غلبت عليها حالة النزوع نحو العمل المسلّح على طريقة البؤر الثورية، والطرفان كانا مستغرقان في محيط حركات علمانية وسياسية وحكومية معينة استنزفتها بحيث إنها لم تستطع أن تبني مشروعها المجتمعي القائم على الإيمان بالمبدأ الذي تعتنقه.
إلى أن كان الاتجاه الثالث: وهو الذي أخذ يتبلور مع المنظومة النهضوية التي قدمها الإمام الخميني (قده) والتي نصطلح عليها بـ “نهج الاقتدار”.
ونقصد بنهج الاقتدار عملية البناء الذاتي للفرد على أصول من العرفان الاجتماعي السياسي وبناء الجماعة بتغيير ثقافتها ويقينها بالله سبحانه.
لتبدأ بشكل متوازٍ مع بناء الذات بخوض صراع مع قوى الظلم لبناء مجتمع العدالة الإلهية في المجتمع وذلك باليقين بالنصر، والصبر على البلاء، والثبات عند الزلازل بحيث لا يتراجع إذا ضعف عن موقفه ولا يطغى إذا حقق مشروعُهُ الانتصاراتِ الميدانية.
وهذا النهج هو الذي نعتقد أن المقاومة الإسلامية في لبنان قد تبنته في مشروعها الجهادي والاجتماعي والسياسي.
إلا أن السؤال هو كيف يمكن أن نتلمس نهج الاقتدار من إرشادات وتوجيهات وحكم أمير المؤمنين(ع) وهذا ما سنبينه بتقديم الخطوات المنهجية التالية:
الخطوة الأولى: إبرازه (ع) أن الظلم والضيم لا ينكشحان إلا بانتهاج نهج العزة “لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك الحق إلا بالجد”، وقوله (ع): “غُلب والله المتخاذلون.. والله إن امرءً يمكِّن عدوه من نفسه يعرُقُ لحمه (يأكله) ويهشم عظمه”.
الخطوة الثانية: تأكيده أن الأصل في تحقيق النصر هو الإخلاص لله والصبر على الرزايا “ولقد كنا مع رسول الله (ص) ما يزيدنا ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا ومضيًا على اللقم وصبرًا على مضض الألم وجدًّا في جهاد العدو، ولقد كان الرجل منّا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرَّة لنا من عدونا ومرَّة لعدونا منَّا، فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت، وأنزل علينا النصر”.
وهذا يقضي بضرورة التزام عملية تربوية تقوم على ما يقول الإمام فيه: “نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة ولا تقصر به عن طاعة ربه غاية”.
الخطوة الثالثة: التزام ولاية القيادة الصالحة التي تقود الأمة نحو صلاحها ومجدها، وأن لا يقوم الناس بخذلان القيادة “انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم (طريقتهم) واتبعوا أثرهم فإن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى. فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا”.
الخطوة الرابعة: تبيان الصراط الذي منه كان نهج الاقتدار والعزة “إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله سبحانه الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله، فإنه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة، وإقام الصلاة فإنها الملة”.
الخطوة الخامسة: وحدة الأمة “وإياكم والفرقة فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب، ألا من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه ولو كان تحت عمامتي هذه”.
الخطوة السادسة: أن يكون مقتدرًا فلا يحجبه ضعف موازين الصراع عن طلب الشهادة، كما ولا يدفع به النصر نحو البغي والتظلم.
“اللهم… إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي وسددنا للحق، وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة واعصمنا من الفتنة… العار وراءكم والجنة أمامكم”.
الخطوة السابعة: تأصيل العفو على العقاب، لأن العقاب لا يكون إلا بعد انسداد مجالات العفو… والعفو هو الرابط بين الإنسان وأخيه الإنسان كما يرجو أن يكون رباط العلاقة مع الله.. “اللهم إنك قد أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا. فاعفوا عنا”. “إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو شكرًا على قدرتك عليه”.
المقالات المرتبطة
الهوية من منظور فلسفة الأديان
نطرح مسألة الهوية (كإحدى مكونات شخصية أي شعب) أما استنادًا على مقياس إقليمي قومي
تلخيص كتاب أصلح الناس وأفسدهم في نهج البلاغة
هذا الكتاب هو عبارة عن واحد وعشرين محاضرة لسماحة الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي في شرح مقتطفات من خطب أمير
موضوع الفلسفة وتعريفها (2)
موضوع الفلسفة: يقول الشهرستاني: “الفلسفة باليونانية محبة الحكمة، والفيلسوف هو فيلاوسوفا. وفيلا philo هو المحب، وسوفيا sophia الحكمة