مفهوم الوجود المتعالي تأسيس عريق لرؤية مبتكرة
تمثّل فلسفة الوجود، كما أصّل لها ملا صدرا، انقلابًا، من حيث إنّها أطاحت بمكانة أصالة الماهية التي قال بها كل من الفارابي، وابن سينا، والسهروردي، وعدد كبير من أنصار “أصالة الماهية”. فقد غيّر – ملا صدرا – زاوية النظر، وهو ما مكّنه في تعليقه على كتاب السهروردي من إضفاء الصبغة “الوجودانية” على حكمة الإشراق.
Henry Corbin, en Islam Iranian, 1972.
إذا جاز الحديث عن تيّار وجودي بامتياز داخل حقل الثقافة العربية والإسلامية، فليس هناك من هو أجدر بهذا الوصف من الفيلسوف الشيرازي، الذي جعل إشكالية “الوجود” مدار فلسفته وانشغالاته المعمّقة، انطلاقًا من أنّ الوجود هو أشرف الأشياء عنده. وحتى نكون موضوعيّين يجب أنّ نضع فلسفة ملا صدرا، بخصوص إشكالية الوجود، في إطارها التاريخي، من حيث إنّها مثّلت ثمرة عمل لجيل كامل من الفلاسفة. غير أنّ هذه المسيرة من النظر في إشكالية الوجود لم تجد مخرجًا لها إلاّ مع مجيء ملا صدرا. إذًا، نحن – باستثناء السهروردي – نستطيع التحدّث عن مذهبية إمامية متجانسة في مجال البحث الوجودي، تلك التي دشّنها الخواجة نصير الدين الطوسي، وبلغت قمّة نضجها مع ملا صدرا. وأصبحت، بعد ذلك، تمثّل، وجهة النظر الفلسفية، الإمامية.
وتجدر الإشارة، هنا، إلى أنّ الفلسفة الوجودية، وإن في تألّقها المعاصر مع فلاسفة موهوبين أمثال هايدغر وروائعه في الزمانية والموجود، أو سارتر الذي أقام فتوحاته الوجودية على ظواهرية هوسرل والدازاين[1] DCMCCI الهايدغري، وهما أبرز الوجوديين الذين أوضحوا بمزيد من التوسّع هذه الإشكالية، إلى درجة أنّهم غطوا على نظرائهما السابقين، أو حتّى المعاصرين لهما، إنّهما لم يقدّما تفسيرًا جديدًا، ولم يفتحا فتحًا غير مسبوق في مضمار النظر إلى الوجود، بل ربّما حصل لهما نوع من الالتباس والغموض في استيعاب عدد من القضايا التي برع فيها هؤلاء الحكماء بكثير من الدقّة والعمق. إنّ ثمّة حلقةً أساسيةً في المباحث الوجودية، كان لها الفضل الكبير في هذه الوثبة المعرفية الكبرى، هي الفلسفة الوجودية الإمامية. وبالذات نظرية الوجود عند صدر المتألهين الشيرازي.
مفهوم الوجود والماهية
إنّ نظرية ملا صدرا حول الوجود يجب وضعها في سياق كامل من النظر كتمهيد لبحثه الجديد الذي جاء به بعد ذلك.
إنّ الفلاسفة الإمامية عمومًا – باستثناء السهروردي – يغلّبون النزعة المشّائية على مجمل أفكارهم الفلسفية. ويتضح ذلك من خلال لجوئهم إلى التقسيم المعتمد لدى المناطقة وحكماء المشّائية للعلوم في سبيل تحليلهم لمفهوم الوجود. هذا التقسيم الذي يتم بحسب قابلية القضايا للاستدلال، أي العلوم الضرورية التي تمثّلها المعقولات، وهي ما استغنى عن النظر والدليل، حيث يتحد الموضوع Object بالمحمول، فتندك بينهما الواسطة، ويقابل ذلك العلم النظري الذي يتوقّف النظر فيه على البراهين والأقيسة المنطقية. هذا بالإضافة إلى أنّ التعريف أو الحد Difinitio، الذي يعني نوعًا آخر من القياس المنطقي، يتألّف من مقدّمتين، إحداهما كبرى والثانية صغرى، وثمّة إلى جانبهما واسطة في الإثبات، أو ما يعرف عند جمهور المناطقة بـ”الحجّة”؛ لذا، لا يقوم للحد أو التعريف أي اعتبار حينما يتعلّق الأمر بالعلوم الضرورية والمعقولات الأولى أو القضايا البديهية. وفي ضوء هذا التقديم نتساءل عن حقيقة التعريف الذي يجدر تقديمه للوجود؟ ووفق أي قياس نستطيع تحديد مفهوم الوجود؟
هنا – تحديدًا – نجد موقفًا لدى فلاسفة الإمامية منذ الطوسي لحل النزاع في صميم تعريف الوجود. فقد اعتبروه من المفاهيم البديهية، الغنية عن التعريف التام. أمّا ما أعطي له من تعريفات من قبل القدماء من الفلاسفة، فإنّ الإمامية رأوا فيها مجرّد تعاريف لفظية، لا أكثر من ذلك. وهذا ما يعود بنا إلى الطوسي نفسه، حينما عالج هذه الإشكالية في ضوء ما قدّمنا له. فالمتكلّمون عرّفوا الوجود بالثابت العين، في حين عرّفه الفلاسفة بما يمكن الإخبار عنه. وهذا ينعكس في مقام تعريفهم للعدم، فيقولون إنّه منفي العين، أو ما لا يمكن الإخبار عنه. ويتضح، من هنا، أنّ التعريف لو أريد منه الحد أو التعريف “اللمي” أو “الهلي” – وهما اسمان صناعيان لسؤالي “ما”، و”هل” – غير التعريف باللفظ، لأدّى إلى دور؛ لأنّ الثابت العين يتوقّف تعريفه “هلّيًا”، و”لميًا” بالوجود. ويتوقّف تعريفه عليه مثل ما يقع في دائرة التعريف بما يمكن الإخبار عنه – أي تعريف الفلاسفة – فيكون إذًا التعريف هنا من باب الحد اللفظي لغرض الزيادة في الإيضاح. وهذا تحديدًا ما ينقلنا إليه نصير الدين الطوسي بقوله:
“وتحديدهما – أي الوجود والعدم – بالثابت العين والمنفي العين، أو الذي يمكن أنّ يخبر عنه ونقيضه، أو بغير ذلك، يشتمل على دور ظاهر”[2].
من هنا، فإنّ التعريف اللفظي للوجود ليس سوى نوع من تقريب المفهوم إلى الأذهان، وهو في كل الحالات مجرّد توتولوجيا[3] Tautologie.
ويأتي ملا صدرا ليعزو ملاك البداهة في تعريف الوجود إلى كونه أعم الأشياء، والأعم لا يعرّف؛ إذ مقتضى التعريف أن يكون المعرّف به أعم من المعرّف – بفتح الراء – فالتعريف وحسب المناطقة دائمًا يتم بالحد والرسم. والتعريف بالحد يعني التعريف بجميع ذاتيات المعرّف. وهذا يتم بالجنس والفصل.
وفي حالة التعريف بالرسم، لا نخرج عن هذا الاقتضاء؛ لأنّ التعريف بالرسم التام، وهو رتبة أعلى من الرسم الناقص – أضعف التعاريف – يشتمل على التعريف بالجنس، بالإضافة إلى الخاصّة.
ونلاحظ أنّ التعريفين كليهما لا يستغنيان عن الجنس والفصل، فالتعريف لا يتم إلا بهما، أو بالعرض العام والعرض الخاص، وكلّها من سنخ الماهيات. والوجود إذ ذاك عام لا شيء أعم منه، فهو غير ذي جنس ولا فصل، وليس هناك من هو أعرف منه، فلا يعرّف بغيره. على هذا الأساس يقرّر ملا صدرا:
“فمن رام بيان الوجود بأشياء […] أظهر منه، فقد أخطأ خطأً فاحشًا. ولمّا لم يكن للوجود حد فلا برهان عليه”[4].
وهو ما سيؤكّده بعد ذلك ملا هادي السبزواري في منظومته، وهو من كبار شرّاح فلسفة صدر المتألهين؛ إذ يقول:
“مفهومه – أي الوجود – من أعرف الأشياء، وكنهه في غاية الخفاء”.
وعلى هذا المذهب سار اللاحقون، حيث عمومية الوجود للأشياء، وظهوره، يمنعه من التعريف بواسطة معرّف أدنى منه في العمومية والأعرفية. أي إنّ لا جنسية الوجود ولا فصليته دليل على امتناعه عن الحد.
ولعل هناك من المتكلّمين من رام التنكّر لهذا التعليل، لبداهة الوجود، باختلاق ما يشكّك في عموميته، كاعتبارهم للشيئية في العدم للماهيات الممكنة المعدومة. فقد رأوا – وخلافًا للفلاسفة – أنّ للمعدومات ذواتًا ثابتةً في الأعيان. كما اعتبروا مفهوم “الحال” الذي يقع بين الموجود والمعدوم، ثابتًا.
وقد سبق أن ردّ على ذلك الخواجة الطوسي بنوع من الاستخفاف، قائلًا:
“ويساوق – أي الوجود – الشيئية، فلا تتحقّق بدونه. والمنازع مكابر مقتضى عقله”[5].
وسوف يواجه ملا صدرا – بالدرجة نفسها من الاستخفاف – رأي القائلين بالحال أو الواسطة بين الموجود والمعدوم، محتكمًا لمنطقهم نفسه – منطق المتكلّمين –، فلا يعقل في نظره، أن نشير إلى الماهية ما لم توجد؛ ذلك باعتبار “المعدوم لا يخبر عنه إلاّ بحسب اللفظ”[6]. إنّ ملا صدرا يتساءل إن كان غرض هذه “الطائفة من الناس”، غرضهم من مفهوم “الحال”، اصطلاحًا “تواضعوا عليه في التخاطب”، أو ذهولًا أصابهم فأبعدهم عن الأمور الذهنية. فلا خلاف معهم إن كانوا أرادوا بذلك أنّ المعدوم هو ما لم يوجد خارج العقل، ما دام جائزًا كون الشيء ثابتًا “في العقل، معدومًا في الخارج”. أمّا لو أرادوا أمرًا آخر، فهو باطل. بل إنّ ملا صدرا يزيد في مناقشتهم، مستندًا إلى طريقتهم، وكاشفًا عن تناقض استدلالاتهم.
“وممّا يوجب افتضاحهم أن يقال لهم: إذا كان الممكن معدومًا في الخارج، فوجوده هل هو ثابت أو منفي، فإنه باعترافهم لا يخرج الشيء من النفي والإثبات، فإن قالوا: وجود المعدوم الممكن منفي، وكل منفي عندهم ممتنع، فالوجود الممكن يصير ممتنعًا، وهو محال. وإن قالوا: إنّ الوجود ثابت له، وكل صفة ثابتة للشيء يجوز أنّ يوصف بها الشيء، فالمعدوم يصح أن يوصف في حالة العدم بالوجود، فيكون موجودًا ومعدومًا معًا، وهو محال. فإن منعوا اتصاف الشيء بالصفة الثابتة له، فالماهية المعدومة يجب أن لا يصح أن يقال لها أنّها شيء، فإنّ الشيئية ثابتة لها. وإن التزم أحد على هذا التقدير بأنّه لا يصح أن يوصف الشيء بأمر ثابت له فليس بشيء، وقد قال بأنّه شيء، وكذا الإمكان”[7].
علاقة الماهية بالوجود
إنّ تصديرًا مقتضبًا كهذا، أساسي؛ لبحث النزاع الدائر بخصوص إشكالية أخرى، ألا وهي أصالة الوجود. وهذا يفرض علينا استيعاب مفهوم الماهية، وبحث متعلّقاتها الإشكالية؛ تسهيلًا لفك ذلك النزاع. لقد ظلّت الفلسفة وعلم الكلام، يركّزان لفترة طويلة جدًا على الماهية دون الوجود، معتبرين تأصّل الأولى واعتبارية الثاني. فالماهية عند الأشاعرة والمتكلّمين أصيلة فيما الوجود اعتباري. بل إنّ الوجود في حقيقته هو ما هو موجود بالنسبة إلينا، وهو ما ينفي الموضوعية عن العالم. ولا ننكر أنّ الفلسفة منذ التوليفة التي أوجدها أبو نصر الفارابي، بين وجهتي النظر الأفلاطونية والمشّائية، كانت بدأت تعرف نوعًا من النضج، تطلّب أزيد من سبعة قرون، كي يتكامل بناؤه على قاعدة متينة وصلبة، لعلّها هي ما أوجد مقدّمات التفكير الإيجابي فيما بعد. فقد حاول هذا الفيلسوف الفارسي – الذي استطاع انتزاع لقب المعلم الثاني بجدارة – تغيير النظر الأنطلوجي السائد إلى جدلية الوجود والماهية، معتبرًا وبصورة تفتقر إلى الوضوح – لكنّها موجودة – أصالة الوجود واستقلاله.
ويعود سبب هذا الانعطاف في تاريخ النظر الأنطولوجي إلى ما حصل من انسداد في آفاق إشكالية علّة تشخّص الماهية وجزئيتها، وكذا مفهوم “الكلي الطبيعي”. وتيسيرًا لضبط هذه الإشكالية يتعيّن علينا الإجابة عن الأسئله التالية:
1 . ما هو مفهوم الماهية، وكيف ظلّت أصيلةً، وما علاقتها بالوجود؟
2 . ما هي الاعتبارات التي أعطيت للماهية، وكيف حل الفلاسفة الإماميون، وخصوصًا ملا صدرا، إشكالية تشخّص الماهيات؟
إنّ الماهية – إجمالًا – مصدر صناعي، مأخوذ من سؤال: ما هو؟ وهي ما به الشيء هو. وهي بمعنى الكلّي الذي يتكوّن في الذهن من خلال عملية تصوّرية استقرائية للجزئيات العيانية؛ لذا تعتبر من المعقولات الثانية التي توجد في الذهن، فيما تتحقّق مصاديقها الجزئية، كموضوعات خارجية. من هنا اعتبرت – لا أقل عند القائلين باعتبارية الماهية – ذات صبغة تصورية انتزاعية، لا تتشخّص إلاّ على نحو اعتباري عرضي، كما سنرى بعد ذلك.
وقد اعتبرها الفلاسفة القدماء أصيلةً فيما اعتبروا الوجود عارضًا اعتباريًا. واستمر النزاع في حدود الماهية نفسها واعتباراتها، حول ما إذا كانت الماهية في الخارج هي نفسها من حيث هي، أم أنّها اعتبارية في الخارج، ثابتة في الذهن. وحتّى يتمكّنوا من تحرير هذا النزاع، قسّموا الماهية إلى ثلاثة اعتبارات، بعضها له وجود في الخارج، وبعضها الآخر لا يبرح الذهن.
من هنا عمل الفلاسفة على تبيان تعرّف الذهن إلى الماهية من خلال التصنيف السابق لأنواع الاعتبارات المجعولة للماهية. فهناك الماهية المتعلّقة بالموجود الخارجي، وهي الماهية المقيّدة أو المخلوطة بالعوارض المشخّصة. والقسم الثاني يتعلّق بالماهية المجرّدة التي لا تتجاوز الذهن في تحقّقها. لقد سمّوا الاعتبار الأول “بالاعتبار بشرط”، وسمّوا الثاني “بالاعتبار بشرط لا”، وهناك اعتبار ثالث يسمّونه “بالاعتبار لا بشرط”، وهو الاعتبار الذي لا يتحدّد بحيثية ولا يختلط بعوارض. فهو يوجد في كلا الاعتبارين على وجه القسمة، ويسمّى أيضًا “الكلي الطبيعي”.
وعلى الرغم من أنّ هناك منكرين لوجود الكلي الطبيعي أصلًا، إلّا أنّ القائلين به حاولوا تفسيره قسميًا؛ إذ المقسم يوجد في أقسامه مثلما نقسم الذكورة بين الأطفال واليافعين. فالذكورة هنا توجد بكاملها في كلا القسمين. وبهذا الصدد ترد مواقف فلاسفة الإمامية.
فـالطوسي مثلًا يقرّر:
“وقد تؤخذ – أي الماهية – لا بشرط شيء، وهو كلي طبيعي موجود في الخارج، وهو جزء من الأشخاص وصادق على المجموع الحاصل منه ومما أضيف إليه” [8].
وقد استمر النزاع وسرى إلى المفهوم ذاته، إذا عرفنا أنّ وجود الكلي الطبيعي في الماهية المخلوطة المتحقّق في الخارج يلزم عنه وجود الخارجي أيضًا، مع أنّ هناك من لا يعتبر وجودًا حقيقيًا للماهية المخلوطة إلّا على وجه المجاز.
ومن ثمّة كانت الماهية بما هي، لا موجودة ولا معدومة، أو كما يقول ابن سينا: “الماهية من حيث هي ليست إلّا هي”.
خلفية البحث التاريخية
في خضم النزاع الدائر حول ما إذا كان وجود الفرد واسطةً لوجود الكلي الطبيعي على نحو الواسطة في الثبوت أو الواسطة في العروض، ظهر بيان الفارابي، الذي حوّل النظر – كما سبق القول – من الماهية، كمحط للنظر الأنطولوجي، إلى الوجود، معتبرًا التشخّص من لوازم الوجود العيني. وليس للماهية تشخّص إلّا من حيث هي متّحدة بالوجود العيني. وهي إذًا، بداية اعتبار أصالة الوجود مقابل اعتبارية الماهية، التي سوف تتوضّح بشكل كبير مع ملا صدرا، حين عبّر عن ذلك القلق، بقوله:
“وإنّي قد كنت شديد الذب عنهم في اعتبارية الوجود وتأصّل الماهيات، حتّى أن هداني ربّي وانكشف لي انكشافًا بيّنًا أنّ الأمر بعكس ذلك”[9].
وقد غدا الوجود بعد ذلك أصيلًا، فيما الماهية معتبرة؛ ليتحرّر النزاع بذلك حول تشخّص الماهية. هكذا يعبّر ملا هادي السبزواري من بعد الشيرازي، في المنظومة[10] :
إنّ الوجـود عندنـا أصيل | دليل من خالفنـا عـليل |
لأنّه منبع كل شرف | والفرق بين نحوي الكون يفي |
وكما ذكرنا سابقًا، فإنّ القول بأصالة الماهية ممّا شاع نسبته إلى الإشراقيين، فيما ينسب القول بأصالة الوجود إلى المشائية. غير أنّ ثمّة من نفى أن يكون هناك من تحدّث بصريح العبارة عن أصالة الوجود من قبل. فالمطهّري[11] من المعاصرين ينفي – في شرح المنظومة السبزوارية – وجود مثل هذا المفهوم عند أرسطو أو الفارابي أو أبي علي بن سينا، معلّلًا ذلك بأنّ قصارى ما هنالك عند ابن سينا كلام كثير يمكن أن يستفاد منه ما يعزز القولين معًا، أي أصالة الوجود وأصالة الماهية. واعتبر تاريخ نشأة مفهوم أصالة الوجود يتحدّد بمجيء ملا صدرا.
والمبرّر الآخر يظهر من خلال موقف ميرداماد أستاذ ملا صدرا، الذي كان من المنتسبين للمشّائية، ومع ذلك يرى أصالة الماهية. وقد كان تقرير ملا صدرا السابق حول انقلابه المذهبي من القول بأصالة الماهية إلى أصالة الوجود دليلًا صريحًا على أنّها كانت مذهبًا للمشّائية أيضًا.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ محدّدات الفلسفة الإشراقية والمشّائية لم تكن دقيقةً. كما أنّ حقيقة انتساب عدد من الفلاسفة المسلمين إلى المدرستين لم يكن أكثر من ذلك دقةً. نعم، لقد كان ملا صدرا أكثر التزامًا وتكاملًا في موقفه من أصالة الوجود. وربّما كان أوّل من أعاد بناء صرح الأنطولوجيا السينوية على أرضية أكثر وضوحًا وانسجامًا. وليس يسيرًا على المحقّق المحتاط القبول بهذا الرأي. خصوصًا وأنّ أصالة الوجود هي من القضايا الأساسية المميّزة لفلسفة أرسطو وجوهر الانقلاب المشّائي على الأفلاطونية. ربّما ظلّت المشّائية، منذ أرسطو حتّى الفارابي الذي زاد في توليفها، غير منسجمة في رؤيتها الوجودية، قبل ورود ملا صدرا الذي استطاع أن يخفّف من غلواء النزعات الإشراقية في نظرية الوجود. وكان الأقل تأثرّا بأيديولوجيا عصره، تلك التي كان واحدًا من أبرز ضحاياها.
إنّنا حينما نتحدّث عن موقف الفلاسفة المسلمين عمومًا من الفلسفة اليونانية، نواجه ظاهرتين بارزتين:
الظاهرة الأولى: تتعلّق بذلك “المشوار” المعرفي الطويل، الذي استكملوا نقائصه، عبر جملة من الابتكارات المهمّة.
الظاهرة الثانية: تخص الطريقة التي اقتفاها هؤلاء في سبيل انتقاء الموروث الإغريقي، على صعيد حل جملة من الإشكاليات المعرفية والثقافية التي ابتلي بها المجتمع العربي والإسلامي من خلال تفوّقه السياسي على القوى المتاخمة له.
وقد نجد هنا – وخلافًا لكثير من القراءات – صعوبةً في تفسير هذه التوترات الثقافية التي جاءت نتيجةً لصدمة الفكر اليوناني، من خلال مقترب سياسي محض، كما لو أنّ انتصار المشّائية الإسلامية لتأصّل الوجود واعتبارية الماهية فيه نوع من الإسقاط على النظام السياسي الواحدي أو الشمولي الذي عاصروه. خصوصًا بعد أن تبيّن أنّ هناك مَن دافع بقوة عن أصالة الماهية، من دون أن يكون منخرطًا في الاتجاه السياسي العام، وعكس ذلك أيضًا.
فالسهروردي الشهيد، وهو من أكبر المنافحين عن تأصّل الماهية، ظل رمزًا لتراث المعارضة، وظل فكره مصدر إزعاج للسلطة السياسية والاجتماعية حينئذ[12]. إذًا، نحن نرى أن ثمّة قلقًا معرفيًّا حقيقيًّا ظل جاثمًا ومتحكّمًا بصيرورة الفكر العربي والإسلامي، هو ما ينبغي أن نؤطّر به هذه التجربة الرائدة، ونجعله العامل الأكثر أهميةً في استيعاب ذلك الاضطراب. فإذا ما تفادينا بحث الإشكالية الرئيسية التي واكبت ذلك الاشتباه التاريخي لجملة من المصادر الفلسفية التي نسبت خطأً لأرسطو[13]، والتي جاءت عبر موروث متأخّر يتعلّق بالتراث الأفلوطيني تحديدًا، فإنّنا نقول إنّ المسلمين كانوا قد بذلوا جهدًا تاريخيًا كبيرًا لتجاوز هذه الأزمة المصدرية؛ ليتمكنوا في نهاية المطاف من القبض على أرسطو (فلاسفة الأندلس) من جهة، وعلى أفلاطون (فلاسفة إيران) من الجهة الأخرى. ففي خضم الاشتغال الفلسفي المبكر الذي فجّره فيلسوف العرب، الكندي، وبلغ ذروته مع كل من الفارابي وخلفه ابن سينا، كنّا أمام تيّار فلسفي ملتبس، تتقاطع فيه مفردات المثل الأفلاطونية بالفلسفة الأرسطية. من هنا كان الفاصل بين المدرستين شفافًا إلى أقصى الحدود.
أصالة الوجود أرسطيًا وامتدادها الإسلامي
ومن الناحية المعرفية الخالصة، نستطيع فهم الإشكالية الكبرى التي دارت بين أنصار تأصّل الماهية وأتباع أرسطو الذي كثيرًا ما انبهر به الفلاسفة العرب. وذلك من خلال وضعها في إطارها الإبستمولوجي، حيث واجه كل من أفلاطون وبعده أرسطو مشكلةً مزمنةً تتعلّق بالعلم وموضوع المعرفة. فالعلم الذي هو مناط المعرفة يتعلّق بالأجناس، أي الماهيات الكلية، فليس هناك علم إلّا بالكلي. “وهذا ما حمل أفلاطون على أن يجعل فوق الموجودات المتغيّرة، التي هي موضوعات للظن، ماهيات المثل الثابتة، وهي موضوعات للعلم، وهذا مخرج كان مسدودًا في وجه أرسطو الذي كان من جملة شواغله الرئيسية آنئذٍ أن يكشف عن العناصر الثابتة والدائمة المندرجة في قلب التغيّر ذاته”[14]. فإذا ما استحال على العلم إدراك الوجود بما هو موجود – الوجود في ذاته –، فمعنى ذلك أنّ العلم الموضوعي يغدو أمرًا خياليًّا.
ولا شك أنّ إشكاليةً كهذه، كم هي خطيرة، حينما نسلّم بموضوعية العالم وظاهراته. إنّ موقفًا أرسطيًا كهذا قد نجد له امتدادًا حيًّا في النومين الكانطي، ثاني أكبر انقلاب عقلاني في أوروبا بعد الديكارتية. أي ذلك الموقف المستقبح لدى جمهور التجريبيّين والماديّين المنكرين لمفهوم النومين الكانطي. نقول إنّنا أمام إشكالية كهذه، لا بد من أن ننكر مفهوم الشيء في ذاته، أو أن نصرف العلم إلى موضوع آخر غير الوجود. فنحوّل النظر الأنطولوجي إلى جدل معكوس على غرار ما فعل أفلاطون الذي حل إشكالية المعرفة بتقرير عالم المثل، وصرف العلم إلى الماهية الثابتة، الأصيلة.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ أرسطو، وهو أوّل من وضع الأرغانون في محاولة لضبط عملية التفكير، واستقراء قوانين الفكر الإنساني، يحاول عبر آلته المنطقية إنزال الفلسفة إلى العياني، وجعل القياس سبيلًا من العام إلى الخاص، ومن الكلي الذهني إلى الجزئي الواقعي. هكذا كان انتساب أرسطو لأصالة الوجود واضحًا، بل، لا نجازف بالقول لو قرّرنا أنّه مؤسّسها الرئيسي. وهي أولى المحاولات الناجحة نسبيًا في وضع خطوات الفكر الإنساني على طريق العلم الموضوعي، على الرغم من الثغرات المنهجية والعلمية التي انطوت عليها الفلسفة الأرسطية، تلك الثغرات التي لم نكن لنراها على حقيقتها إلّا بفضل الإنجازات التي يشهدها صرح العلم المعاصر، الذي هو مدين لذلك الانقلاب المعرفي-التاريخي الذي أحدثته الأرسطية، وهي ثورة حقيقية كانت قد بدأت في دنيا البحث الأنطلوجي وعلم الطبيعة.
إنّ القول بأصالة الوجود، الذي يساوق القول بموضوعية العالم واستقلاله، هو من روائع ما جاءت به الأرسطية. ولئِن استطاع فلاسفة الشيعة النجاح في بلورة هذا المنحى المعرفي، فذلك راجع إلى أنّهم مثّلوا، بجدارة، هذه المشّائية، أحسن تمثيل، وأكملوا بنيانها على أتم الوجوه.
كان أرسطو قد أولى أهميةً خاصةً للموجود، وأسبقية الطبيعة، حيث نعت الموجودات الجزئية العيانية بالجواهر الأولى، في حين أطلق على الكليات الذهنية الجواهر الثانية، وبذلك حدّد اتجاهًا واقعيًا للفلسفة، حيث نكاد نجد نزعةً ماديةً قريبةً من اتجاه المادية الجدلية التي تجعل من المفاهيم والتصورات الكلية ومجمل منظومة الأفكار مجرّد انعكاس سلبي للواقع العيني، وهي لذلك تمثّل البنية الفوقية، الثانوية.
إنّ النقوض التي وجّهها أرسطو لأستاذه أفلاطون في ما بعد الطبيعة كانت موجّهةً ضد مثالية هذا الأخير. كما أنّ مبرّرات أرسطو في تلك النقوض لا تجد مسوّغاتها إلّا في البعد المادي الذي تعتبر أصالة الوجود إحدى أهم ركائزه الفلسفية. ولم تكن مثالية أرسطو إلّا استجابة قهرية للمرحلة العلمية التي احتضنت انبثاق حركته النقدية، ونتيجة عجز معرفي ران على مجمل النظر الفلسفي في ذلك العصر.
فكما أنّ أصالة الوجود هي الأساس الذي بنى عليه أرسطو صرح نظره العلمي، فإنّ الفارابي الذي تقبّل الفيض الأفلوطيني من دون أن يُلزِم نفسه بمجمل الفلسفة الفيضية كان من المؤسّسين لأصالة الوجود في حقل الفلسفة العربية والإسلامية – ودائمًا – على الرغم من ظهور ما يناقضها في فلسفته التي تبقى قابلةً لأكثر من قراءة في ضوء مكوّنات عصره الثقافية، ونتيجةً للاشتباه التاريخي السابق الذكر حول المصادر الفكرية للمدرسة المشّائية. ومهما بلغ التناقض في البناء النظري للفيلسوف الفارابي، فإنّ ارتكازه على أصالة الوجود لا يحتاج إلى تأويل أو تعمّل مسرف؛ إذ يكفي الرجوع إلى بعض مواقفه الحاسمة التي أعطى فيها الأولوية للواقع الموضوعي وحقيقته. وكما سبق القول، فإنّ ما اعترى مذهب الفارابي الفلسفي من تناقضات بين مفاهيم مثالية أفلاطونية وأخرى واقعية أرسطية، راجع إلى عدم انسجام هذه الفلسفة التي أعلنت للوهلة الأولى عن استراتيجيا اختراقية، لتوليفة جامعة لآراء الحكيمين مع تغليب واضح للأرسطية في هذا المقام الإشكالي، فضلًا عن أنّ الفارابي لم يكن مؤهّلًا لتجاوز كل العوائق المعرفية التي لم يوفّق المعلم الأول في التغلّب عليها.
كما يمكن إرجاع جزء من ذلك الالتباس إلى التوليفة الأيديولوجية التي فرضها مجمل الوضع السياسي الذي عاصره الفارابي. مع ذلك نلاحظ أنّ الفارابي يقرّر بصورة حاسمة هذه الحقيقة، وهي أنّ العالم الخارجي واقع موضوعي ينعم باستقلاله وحقيقته. وإذا أردنا فعلًا القبض على ما يوليه الفارابي للموضوعات الحسية من أهمية، يجب أن لا نحاكمه بلجوئه المكثّف إلى المثل الأفلاطونية التي كانت بالنسبة إليه الملاذ الذي يأوي إليه لحظة عجزه عن فك نزاع فلسفي ما، استنادًا إلى أرسطو. هكذا، نجد أنّ موقف الفارابي من الموجود العياني هو تحديدًا موقف أرسطو، خصوصًا لمّا نتعرّف إلى موقفه من المعقولات الأولى، وتفسيره لعملية إدراك البديهيات، التي جعلها تبدأ من الجزئي الخاص إلى الكلي العام. وهذه المفردات الوجودية التي توحي باستناد الفارابي إلى أهمية الحسي، نستطيع القبض عليها في واحد من أكثر النصوص وضوحًا وحسمًا، حيث يقول:
“من البيّن الظاهر أنّ للطفل نفسًا عالمةً بالقوة، ولها الحواس آلات الإدراك. وإدراك الحواس إنّما يكون للجزئيات، وعن الجزئيات تحصل الكليات. والكليات هي التجارب على الحقيقة. غير أنّ من التجارب ما يحصل عن قصد. وقد جرت العادة بين الجمهور بأن يسمّي التي تحصل من الكليات عن قصد متقدّمة التجارب، فأمّا التي تحصل من الكليات للإنسان لا عن قصد، فإمّا أن لا يوجد لها اسم عند الجمهور؛ لأنّهم لا يعنونه، وإمّا أن يوجد لها اسم عند العلماء، فيسمّونها أوائل المعارف ومبادئ البرهان، وما أشبهها من الأسماء. وقد بيّن أرسطو في كتاب البرهان أنّ من فقد حسًّا ما فقد فقد علمًا ما. فالمعارف إنّما تحصل في النفس بطريق الحس. ولمّا كانت المعارف إنّما حصلت في النفس عن غير قصد أوّلًا فأوّلًا، فلم يتذكّر الإنسان، وقد حصل جزء منها. فلذلك قد يتوهّم أكثر الناس أنّها لم تزل في النفس، وأنّها تعلم طريقًا غير الحس. فإذا حصلت مثل هذه التجارب في النفس صارت النفس عاقلةً؛ إذ العقل ليس هو شيئًا غير التجارب، ومهما كانت التجارب أكثر كانت النفس أتم عقلًا”[15].
إنّ مصدر المعرفة، إذًا، وفي ضوء هذا النص، هو الحس. ونلاحظ أنّ الفارابي هنا لم يقف سلبيًّا أمام إشكالية انتقال الفكرة إلى الذهن، تلك التي توقّف عندها أرسطو حينما عزاها إلى الحدس العقلي الخالص، بل لقد حاول – الفارابي – أن يزيد في توضيح النزعة الموضوعية في الفلسفة الأرسطية، وذلك من خلال جعله الحس والتجربة أساسًا للمعرفة.
وهو المسار الذي سوف يشهد تكاملًا أكبر داخل البناء الفلسفي السينوي، حيث نواجه موقفًا واضحًا، يقرّ بالأولوية للموجود، واستقلال العالم الموضوعي عن الوعي؛ لذا يقرّر أنّ “لا متقدّم بالوجود قبل الوجود”[16]. فالماهية تأتي متأخّرةً عن الوجود، بل هي ذلك الكلي المجرّد الذي يتم عبر عملية انعكاس، تتّجه من العياني إلى الذهني، ومن الجزئي إلى الكلي.
وينقلنا إلى هذه الحقيقة نص آخر ورد في التعليقات لتلميذه بهمنيار، يقول فيه:
“ليس للإنسان أن يدرك معقولية الأشياء من دون وساطة محسوسيتها؛ وذلك لنقصان نفسه واحتياجه في إدراك الصور المعقولة إلى توسّط الصور المحسوسة […] ولكل شخص جزئي معقول مطابق لمحسوسه، والنفس الإنسانية تدرك ذلك المعقول بتوسّط محسوسه […] وحصول المعارف للإنسان تكون من جهة الحواس، وإدراكه للكليات من جهة إحساسه بالجزئيات […] والحواس هي الطرق التي تستفيد منها النفس الإنسانية المعارف”[17].
ويؤكّد مرّةً أخرى ذلك بمزيد من التوضيح:
“والجزء لا يحصل لنا العلم به إلّا بعد وجوده، ووجوده يكون جزئيًا لا محالة”[18].
إنّ هذه التقريرات التي لها نظيراتها في المتن السينوي تبيّن – بما فيه الكفاية – موقف أبي علي بن سينا الحاسم من مسألة موضوعية العالم واستقلاليته عن الوعي، ما دام أنّ “جميع هذه الموجودات، وجودها خارج عن ماهيّتها”[19]. ويتجلّى البعد الواقعي بوضوح في تحديده لكيفية انتقال الفكرة من المحسوس إلى الذهن بواسطه التعقل، أو بتعبيره: “إنّ السبب في أن يكون الشيء معقولًا، هو بأن يتجرّد عن المادة”[20]. هذا التجرّد هو وظيفة عقلية. وهو إجراء معرفي دقيق يعزّز حقيقة العالم الحسي.
فالتجريد عملية أساسية في تكوين الفكر، فلا مجال لإحراز المعرفة من دون وساطة التجريد، موقف سينوي سيتكرّر على مدار العصور لدى جميع التجريبيّين والواقعيّين.
إنّ هذا العرض الموجز لمعالم الفلسفة الأرسطية وامتدادها العربي والإسلامي عند كل من الفارابي وابن سينا يفيدنا في دحض الرأي المغالي، الذي يجعل أصالة الوجود من مبتكرات ملا صدرا، وعدم وجود آثارها عند الفلاسفة الثلاثة.
لقد أحدث القول بأصالة الوجود طفرةً جديدةً في التفكير الفلسفي لمسألة علّة تشخّص الماهية عند أنصار المشّائية؛ إذ ما إن شاع القول بخلاف هذه المسألة، مع انبعاث التيّار الأرسطي، حتّى تشعّب النقاش واستفحل النزاع في آثار أخرى للقول الوجودي، نظير مفهوم المشتق، وجعل العلّة، وكلية الماهية أو جزئيتها، وقضايا أخرى.
أصالة الوجود صدرائيًا
إذًا، كان الغرض من هذه الملاحظة هو وضع فكرة أصالة الوجود في سياقها التاريخي، الذي أفاده ملا صدرا من المتون السينوية والفارابية والأرسطية أيضًا، التي ظلّت في حيرة من أمرها أمام تقرير هذه الأصالة. إلّا أنّه لا ننكر أهمية ما توصل إليه فيلسوفنا، وهو ينظّم فكرة أصالة الوجود، ويؤسّس لها بوضوح تام. نقول، إذا كان ملا صدرا قد أولى أهميةً قصوى للوجود، فكيف نظر إلى علاقة الوجود بالماهية؟ ولمن الأسبقية والتأسيس؟
إنّ البناء الأنطولوجي الذي شيّده ملا صدرا، على الرغم من أنّه ينتهي إلى وصل الموجود العياني بالموجود الماورائي، فإنّه كان قد خطا خطوةً جبّارةً على سبيل التفكير الموضوعي للعالم. فأصالة الوجود كانت قد حلّت جملةً من الإشكاليات الأخرى، سواء ما تعلّق منها بعالم الموجود المحسوس أو بمجال الإلهيات. فالماهية بالنسبة لملا صدرا هي أمر انتزاعي لا حقيقة له إلّا من حيث هو موجود. وقبل وجوده لا اعتبار له سوى في الذهن. فعلى الرغم من أنّ الماهية قد تسبق الوجود هنا، إلّا أنّه واقعيًا تكون الأسبقية للوجود، ومنه تنتزع الماهية. فهذه الأخيرة في حد ذاتها معلولة واقعيًا للوجود. والمعلول يتأخّر رتبةً عن وجود علّته، فيغدو الوجود هو الأصل، وهو الأشرف. غير أنّ السؤال الذي ينتصب هنا، إذا كان وجود كل موجود هو حقيقته وليس ماهيته، فما هي حقيقة واجب الوجود؟
لا شك في أنّ ملا صدرا، وانطلاقًا من تقريره لأصالة الوجود، سيرى أنّ الماهية أمر عارض على الوجود، وهذا الأخير أمر زائد عليها. فكل وجود ذو ماهية، هو ممكن. وكل ممكن هو زائد الماهية. وهذا ما يعني أنّ واجب الوجود هو الوجود نفسه وماهيته عين وجوده. فالماهية الزائدة – إذًا – هي من خصائص الوجود الإمكاني.
إنّ أصالة الوجود سوف تمثّل بالتالي أرضيةً جديدةً لإعادة النظر في عدد من القضايا الفلسفية متفرعةً عن إشكالية الوجود. وهي عند ملا صدرا ستؤول إلى حبك نسق أنطولوجي ينتهي إلى تقرير وحدة الوجود في إطار آخر، يختلف عن مذاهب الحلول والاتحاد، كما يختلف عن مذاهب الوحدة المادية. وهذه الوحدة النسقية في النظر إلى إشكالية الوجود، تتوضّح أكثر من خلال نظريته في وحدة الوجود التي حاول أن يحل على أساسها مشكلة التكثّر في الوجود. لقد اعتبر ملا صدرا الوجود متأصّلًا، وهو الحقيقة الوحيدة للموجود، وبالتالي فهو الأسبق، وعلّة لوجود الماهية. وهو، أيضًا، ظاهر. أمّا من حيث الحقيقة فهو واحد، وبسيط، لا جنس له ولا فصل، كما تقدّم. وبسيط الحقيقة – كما يقرّر ملا صدرا – هو كل الأشياء. فإذا كان الوجود بسيطًا، وهو ما يعني بالاصطلاح الفلسفي ما ليس قابلًا للقسمة، وما تنحل إليه جميع الموجودات، فكيف تنشأ الكثرة في العالم؟
إنّ الفلاسفة السابقين لملا صدرا أتعبوا أنفسهم في حل هذه المعضلة. غير أنّ فيلسوفنا ينظر إليها بمنظار آخر. فقد فكّك إشكاليتها بأسلوب فريد للغاية.
إنّه طبيعي جدًّا حينما نقر بتأصّل الوجود أن نعتبر التكثّر نوعًا من الاعتبار المنطبق على الماهية، فالتكثّر هو من شأن الماهية. ولفهم ذلك، نقول: إنّ الموجودات الخارجية جميعها تخضع لعملية الإيجاد، فهي معلولة لعلل أقوى منها وأشرف. فكل معلول مفتقر إلى علّته، وهذه الأخيرة مستقلّة عنه. ومنشأ علاقتها بمعلولها هو عين هذه المعلولية. ثم إنّ هناك علّةً أعلى تكون موجدةً لهذه العلّة، وهكذا يتسلسل الأمر.
إنّ كل موجود هو في حاجة إلى علّة أشد منه في الوجود وأكمل. وما دام أنّ العالم خلو من وجود غاية في الكمال، فإنّ علّته النهائية تقع خارج عالم الطبيعة. من هنا، وتأسيسًا على تقسيم الوجود إلى واجب وممكن، سيقرّر ملا صدرا بأنّ حاجة الممكن إلى العلّة الموجودة راجع إلى ما أسماه “الفقر الوجودي”. فالوجود، إذًا، حاصل في جميع هذه الموجودات بصورة تشكّكية، أي إنّه يوجد بالتساوي مع فارق في درجات الشدة والضعف. فثمّة وجود أشد وآخر أضعف. والضعف هو علّة حاجة الممكن إلى موجده. وهذه الكثرة الظاهرة إنّما هي كثرة حاصلة بقيد الكثرة الماهوية. إنّها ليست كثرةً وهميةً – طبعًا – كما هو مذهب الوحدة المطلقة. بل هي كثرة خاضعة لوحدة من نوع آخر. وهذا يظهر من خلال نظريته في سريان الوجود والجعل البسيط للوجود.
إنّ الخاصية الرئيسية لوحدة الوجود، كما عرضها ملا صدرا، هي في التأكيد على موضوعية الموجود العياني. وكونه يصفها بالوجود، ليس من باب المجاز. بل هو طالما ظل يؤكّد على أنّ التشخّص من لوازم الوجود الفعلي. من هنا، فإنّ ملا صدرا سوف لا يقول بوحدة الوجود من حيث هي نفي لحقيقة الموجود، ما دام هو يؤكّد هذه الماهيات المتشخّصة بوجوداتها. ولا يرجِع الوحدة إلى واجب الوجود الأول من حيث لا وجود إلّا وجوده، والباقي اعتبارات وهمية، كما ذهب ابن عربي. وليس بجعله الوحدة في الوجود الطبيعي ونفي ما يفارقها كما سيقرّر بعد ذلك سبينوزا. إنّ ملا صدرا يقرّ بالوجود الواجب ووجود الممكن على السواء. وكونه كذلك، فهو يقرّ بالكثرة في الموجود الممكن. فكيف يتم إقرار هذه الوحدة إذًا؟
إنّ فيلسوفنا يعيد فكرة الإيجاد إلى ما أسماه بالجعل البسيط. وهو ما يعني به “إفاضة نفس الشيء متعلّق بذاته، مقدّس عن شوب تركيب”[21]، وأمّا الجعل الـ”مؤلّف، وهو جعل الشيء شيئًا وتصييره إيّاه، والأثر المترتّب عليه هو مفاد الهلية التركيبية الحملية”[22]. ومعناه أنّ الجعل البسيط هو جعل الشيء، وإعطاؤه الوجود. بينما يفترض في الجعل المركّب أو المؤلّف وجود الموضوع، وينحصر الجعل هنا في تصييره شيئًا. إنّ العالم في نظر ملا صدرا مجعول بالجعل البسيط. وهذا يُتوصّل إليه بوساطة تحليل علاقة العلّة بالمعلول.
فالعلّة في حالة البساطة لا يمكن أن تجعل غير نفسها، وإلا حصل التركيب، وأدّى الأمر إلى دور. فالجاعل البسيط يجعل الموجود بسيطًا، أي إنّ العلّة البسيطة لا توجد إلا ذاتها، كما أنّ مجعولها هو عين ذاته. فالعلّة وحدها الموجودة ما دام أنّ المجعول لا حقيقه له غير كونه مضافًا إلى علّته بنفسه.
فالجاعل يوجد وجود المجعول، وليس ماهيته. وهذا واضح عند ملا صدرا في ضوء تقريره لأصالة الوجود. والوجود من حيث هو بسيط، هو واحد. وبسيط أيضًا في الموجودات التي تتشخّص ماهياتها المتكثّرة بهذا الوجود. فالجعل، في نظر ملا صدرا، هو “جعل وجودي” وليس ماهويًا. من هنا نفهم أن لا إثنينية بين العلّة والمعلول من ناحية الجعلية، ما دام المجعول هو الوجود البسيط، الواحد.
إنّ الكثرة من خصائص الماهية، لكن الوجود وهو حقيقة الموجود، وحقيقة تشخّص الماهية نفسها، يبقى واحدًا. والعلاقة بين العلّة الموجدة والمعلول الموجود هي علاقة كثرة ووحدة في الوقت نفسه. كثرة باعتبار ماهياتها المتشخّصة بالوجود الساري من واجب الوجود إلى الموجودات الممكنة، بنحو يختلف عن الاتحاد والحلول والاتصال، بل نظير استيلاء الروح على البدن مع تنزّهها عنه. وهذا ما يسمية بـ”سريان الوجود”[23]. إذًا، لا بد من الإقرار بأهمية هذا التحليل الذي انتهى إليه صدر المتألهين، والذي يعتبر نتيجةً للقول بأصالة الوجود.
إنّ الوجودات العيانية تشترك في هذا الوجود البسيط، وإن ظل يسري فيها بصورة تشكّكية متفاوتة من حيث الشدّة والضعف. وهذا التشكّك هو ما يميّزها عن بعضها، فما به الامتياز، إذًا، يعود في نهاية المطاف إلى ما به الاشتراك؛ لأنّ الشدّة والضعف ليسا حكايةً عن تكثّر خارج حقيقة هذا الاشتراك؛ لأنّ الضعف والشدّة في الوجود لا تخرج عن حقيقة الوجود ذاته[24] .
هكذا تتقرّر نظرية ملا صدرا في وحدة الوجود، والتي تعرف بـ”الوحدة في عين الكثرة”. وبهذا يكون قد تفادى كلًا من نظرية المحقّق الدواني في وحدة الوجود وكثرة الموجود، ونظرية ابن عربي في وحدة الوجود والموجود المنحصرة في وجود الصانع وحده، كما تفادى مذاهب الاتصاليين والحلوليين. ولا يخفى أنّ ملا صدرا، وإن ألزم نفسه طريقة النظّار المشّائين في تحليل نظريته، فهو لا يغيب عنه تقريرها بوساطة الذوق. ويكفي أن يقرّر، في بداية الأسفار، الرحلة العقلية الأولى من الخلق إلى الحق، حيث يخرج السالك من الحجب الظلمانية والنورانية التي تسبّبها هذه الكثرة الظاهرة، كي يستقر في النهاية على حقيقة الوحدة، فيتم الفناء الأول. ولعل هذا الفناء كما ذكرنا، إذا لم يعقب بصحو، فقد يؤدّي إلى وحدة مطلقة، كتلك التي قال بها الحلاج أو ابن عربي. لكن المتأمّل في مجمل الأسفار الأخرى، يثبت أنّ هذا الفناء الذي قد يجعل الاعتقاد بالكثرة أمرًا متعسّرًا، يعقبه صحو آخر، أو فناء الفناء، حيث يعود السالك من مقام مشاهدة الوحدة إلى مقام مشاهدة الكثرة.
إنّ مذهب ملا صدرا بهذا الخصوص مذهب جدلي يصعب نسبته إلى القائلين بالوحدة، كما لا يجوز نسبته إلى القائلين بالكثرة. فهو بينهما يجترح رؤيةً جديدةً جعلت مخالفيه على درجة واحدة من القصور. في حين ظلّت نظريّته تمثّل الحقيقة الجامعة للطرفين. وعليه، لا نستطيع تصنيف ملا صدرا ضمن المذاهب المادية ذات المنزع الدهري، الكافرة بالمثل. كما لا نملك نسبته إلى المدرسة الأفلاطونية الخالصة.
هكذا يمكننا عزو ما نسب إليه من قبل عدد من دارسيه إلى نوع من الغلو والتكلّف. فهناك من حاول أن يؤسّس من خلال ملا صدرا نظريةً ماديةً خالصةً، كما اعتبره هنري كوربان فيلسوفًا إشراقيًا. والحقيقة أنّه اتبع طريقًا منفتحًا على قدر تعادلي بين النظر البرهاني، والمشهد الذوقي، بين المثل الإشراقي وأصالة الوجود. أي إنّه ظل موضوعيًّا حتّى في مجال الكشف الذوقي والإلهام العرفاني. وإشراقيًّا حتّى في مجال النظر البحثي. فإذا جاز أن ننسب نظرية ملا صدرا في الوجود إلى جهة ما، فإنّما إلى جوهر التصوّر الإسلامي الذي يثبت موضوعية العالم، ويقرّ بحقيقة الموجود، مع التأكيد على عالم المثل غير الخاضع لقانون الطبيعة؛ وهو عالم الروح. فلا ننسى أنّ ملا صدرا، كفيلسوف إمامي، كان متحرّجًا من نظرية وحدة الوجود بالمعنى الذي راج قبله، مخالفًا بذلك كل أسلافه كابن عربي، ومعرِضًا عن الفارابي وابن سينا. بل إنّ فكرة الجعل البسيط التي برهن بها على هذه الوحدة لم يقل بها ابن سينا من قبله، وهذا ما يؤكّد على استقلال فلسفته وبراعة نهجه النقدي!.
مصادر البحث:
[1] قام مارتن هايدغر بتأسيس معظم مصطلحاته التجريدية بنفسه، ولعل أشهرها مصطلح “الدازاين”، أو الآنية وفق ترجمة عبد الرحمن بدوي. ويرى هايدغر أن الاغتراب نتيجة لانزواء الدازاين وقصوره في أداء وجوده (في العالم) و(مع العالم)، وهذه الآنية مرتبطة بالزمان وشعورها به[*].
[2] نصير الدين الطوسي، كشف المراد فى شرح تجريد الاعتقاد، شرح ابن مطهر الحلي، تعليق: السيد إبراهيم الموسوي الزنجاني (قم: منشورات شكوري، 1413ه)، الصفحة 12.
[3] مصطلح إغريقي (ταυτολογία) بمعنى قول الشيء نفسه، أي لا جديد فيه[*].
[4] ملا صدرا، الأسفار، الجزء 1، الصفحة 26.
[5] كشف المراد فى شرح تجريد الاعتقاد، مصدر سابق، الصفحة 23.
[6] الأسفار، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 75.
[7] المصدر نفسه، الجزء 1، الصفحتان 76 و77.
[8] كشف المراد، مصدر سابق، الصفحة 82.
[9] الأسفار، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 49.
[10] المطهري، دروس فلسفية فى شرح المنظومة، ترجمة الشيخ مالك وهبي (بيروت: شركة شمس المشرق، الطبعة 1، 1414ه)، الجزء 1، الصفحة 43.
[11] ينسب العلامة كاشف الغطاء أصالة الوجود إلى مجموعة من الفلاسفة الذين تعاصروا فى إيران خلال القرن الحادي عشر؛ إذ يقول فى الفردوس الأعلى: ولكن فى القرن الحادي عشر الذي نبغت فيه أعاظم الحكماء كالسيد الداماد، وتلميذه ملا صدرا، وتلميذيه الفيض، واللاهيجي صاحب الشوارق الملقب بالفياض، انعكس الأمر، وأقيمت البراهين الساطعة على أصاله الوجود.
[12] والحقيقة أنّ أصالة الوجود هي ثمرة نظر دؤوب، أبدل الحكماء المشاؤون فيه وضعهم. وحتى وإن لم ترد مثل هذه العبارة فى متونهم، فهذا لا يعني أنّ كتابًا مثل ما بعد الطبيعة، أو الشفاء، خلا ممّا من شأنه التأكيد على فكرة أصالة الوجود. إنّما عبقرية ملا صدرا هنا تنحصر فى أنّه استطاع أن يفرد لها حيّزًا من اهتمامه. وأن يخرجها من عجزها والتباسها، ثم إقامة البراهين الحاسمة فى سبيل إثباتها. وما هو أهم من ذلك أنه بنى كل فلسفته على أساسها ما أكسبها قوةً ووضوحًا.
[13] ثمة علاقة وطيدة بين طبيعة النظام السياسي عصرئذ، ونظرية تأصل الماهية. فهذه الأخيرة تصرف الأنظار عن كل ما هو وجودي باعتبار الوجود أمرًا شبحيًا أو اعتباريًا منتزعًا من حقيقة متأصّلة هى الماهية. فإذا ثبت أنّ الماهية سابقة على الوجود، وأنّها تتحدّد قبله، فلا مجال بعد ذلك للحديث عن إصلاح الجور الذى يجري فى عالم الواقع. ومهما فعلنا، فهو تابع لماهيته المفارقة. وهذا الاعتقاد مساوق لعقيدة الجبر تمامًا.
[14] مثل كتاب الربوبية الذي انتقيت مقالاته من تاسوعات أفلوطين، وكتاب العلل، وهو منتقًى أيضًا من مبادئ الإلهيات لأبروقلس. راجع، إميل برهييه، تاريخ الفلسفة: العصر الوسيط والنهضة، ترجمة جورج طرابيشي (بيروت: دار الطليعة، الطبعة 1، 1983م)، الصفحتان 119 و120.
[15] المصدر نفسه، الصفحة 247.
[16] الجمع بين رأيي الحكيمين، بتوسّط حسين مروة، الصفحتان 98 و99؛ النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية، الجزء 2، الصفحة 522.
[17] المصدر نفسه، الجزء 2، الصفحة 22.
[18] ابن سينا، التعليقات، تحقيق: عبد الرحمن بدوي (قم: مكتب الإعلام الإسلامي، 1404ه)، الصفحة 23.
[19] المصدر نفسه، الصفحة 25.
[20] المصدر نفسه، الصفحة 189.
[21] الأسفار، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 396.
[22] المصدر نفسه، الجزء 1، الصفحة 396.
[23] يعني سريانه ووحدته باعتبار الوجود البسيط غير قابل للقسمة وبالتالي التكثر.
[24] إذًا، نحن أمام وحدة وجود، تتصل بطبيعة الوجود نفسه، أي وحدة سنخية.
المقالات المرتبطة
كلام في الروحانيّة (4)[1]
إنّ منظار العقل السلیم حادّ وقوي، وبمجرّد أن نضعه أمام أعیینا ونتوجّه إلى أعماق أنفسنا فإنّنا سنطلّع على مشاهد لم نعتد علیها ونحن مستغرقون في رغباتتا وحاجاتنا المادیة.
الفكر العربي الحديث والمعاصر | منهج أمين في دراسة التراث (3)
انشدّ عثمان أمين للتراث الإسلاميّ، وعمل عليه من أجل إظهار أهميته، لذلك نراه يربط بين جوّانيته والتراث الإسلاميّ ابتدءًا من القرآن الكريم والسنة النبوية وصولًا إلى اللغة والأخلاق
الفكر العربي الحديث والمعاصر | بعض القضايا الفلسفيّة عند بدوي (2)
لم تعد الفلسفة مع عبد الرحمن بدوي عملًا نظريًّا مجرّدًا، إنّما انتقلت إلى العيانيّ والمعيوش والمعاناة، أي إلى الوجود الفعليّ والتجربة الشخصيّة.