الفكر العربي الحديث والمعاصر | محمد عابد الجابري والمنهج البنيوي حياته ومؤلفاته

by الدكتور أحمد ماجد | نوفمبر 11, 2021 8:59 ص

عمل محمد عابد الجابري من أجل تقديم قراءة عقلانية للتراث العربي مستفيدًا من الدرس الإبستمولوجيّ وتكويناته في البنى المعاصرة، فتجديد العقل العربي بالنسبة إليه يستوجب إحداث قطيعة معرفية تامة مع بنية العقل العربي في مرحلة انحطاطه وامتداداتها إلى الفكر العربي الحديث والمعاصر، هذه القطيعة لا تتناول موضوع المعرفة، ولا بإلقاء التراث في المتحف، إنّها تتناول الفعل العقلي. بمعنى آخر، إنّها لا تعني القطيعة مع التراث، بل التخلي عن الفهم التراثي للتراث، يقول الجابري عن كيفية التعامل مع التراث من خلال: “امتلاكه ومن ثم تحقيقه وتجاوزه، ولن يتأتى ذلك إلا بإعادة بنائه بالشكل الذي يردّ إليه في وعينا تأريخيته ويبرز نسبية مفاهيمه ومقولاته”[1][1]، ولتحقيق ذلك لا بدّ من فصل التراث ووصله، وهاتان الخطوتان يستطيع من خلالهما الباحث إعادة ترتيب العلاقة بين الموضوع وذاتنا المعاصرة بتأسيس جديد.

أولًا: حياته

يُعتبر محمد عابد الجابري من أصحاب المشاريع الفكرية، التي تركت أثرها في الفكر الفلسفيّ العربيّ الإسلاميّ في نهاية القرن الماضي وبدايات القرن العشرين، فهو من القلائل الذين حاولوا أن يقدموا مشروعات فكرية، تركت أثرها في الحياة الفكرية، سواء وافق عليها الباحث أو رفضها، فهذا المشروع الذي اتكأ على البنيوية التكوينية بالإضافة إلى إنعاش قسم من التراث الإسلاميّ، رأى فيه أنّه يحمل بذورًا لنهضة فكرية.

ولد محمد عابد الجابري في 24 ديسمبر 1930 م في أسرة أمازيغية بمدينة فجيج قصر زناكة بقصر سيدي لحسن (جنوب شرق المغرب)، انفصلت أمه عن والده في مرحلة مبكرة، فترعرع عند أخواله مع البقاء على علاقة طيبة بوالده[2][2]، بدأ الجابري بتلقي تعليمه على يد جدّه من أمه، حيث تلقى بعض الصور القرآنية القصيرة  والأدعية، ثمّ عاد وألحقه فيما بعد بالكتّاب ليتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن. في سن السابعة حفظ ما يقارب ثلث القرآن، انتقل إلى كتّاب آخر. وكان شيخ الكتّاب هو من تزوج أمه، وبذلك تعلم على يد زوج أُمه لكن لفترة قصيرة، لأنّ عمه أراد إلحاقه بالمدرسة الفرنسية والرياضيات[3][3]… وهناك ظهرت سمات التفوق والذكاء عليه حيث برع في الرياضيات، كما أتقن القراءة باللغة الفرنسية.

حاولت عائلة الأم أن تثنيه عن الذهاب إلى تلك المدرسة على عادة الجزائريين في ذلك الحين، الذين كانوا ينظرون إلى الثقافة الفرنسية باعتبارها ثقافة استعمارية، ولكن عمّه أعاده إليها: “إنّ صاحبنا لم ينس قط تلك الصفعة الخفيفة والرمزية التي تلقاها من عمه على قفاه ذات صباح، وهو يقوده من دار أهله لأمه إلى المدرسة بعد أن تغيب عنها يومًا، ربما لأنّ أهله أثّروا فيه واقنعوه بترك مدرسة النصارى (= الأوروبيين)، والرجوع إلى الجامع (= المسيد)[4][4]. وأثناء الدراسة التقى الجابري بالحاج محمد فرج وهو من رجال السلفية بالمغرب، وهو من الذين جمعوا بين الإصلاح الدينيّ والكفاح الوطني والتحديث الاجتماعي والثقافي، والذي كان إمامًا بمسجد زناكة الجامع آنذاك، فواظب محمد عابد الجابري وهو لا يتجاوز سن العاشرة حضور دروسه بعد صلاة العصر. بعد ذلك فكر الشيخ محمد فرج في بناء مدرسة حرة وطنية تحمل اسم “النهضة المحمدية ” غير تابعة للسلطات الفرنسية ولا تطبق برامجها التعليمية، حيث كان رجال الحركة الوطنية هم الذين يشرفون عليها، وكانت بدورها مدرسة وتخرّج منها بعد أن حصل على شهادة الابتدائية سنة 1949.

وفي أكتوبر 1953م وبعد إغلاق السلك الثانوي بالمدرسة المحمدية بالدار البيضاء، التحق محمد عابد الجابري بنفس المدرسة معلّمًا في القسم التحضيري، فمارس مهنة التعليم في سنوات (1953-1957)، تابع بعد ذلك تلقيه للعلم على الرغم من انشغاله الوظيفيّ، فحصل على شهادة البكالوريا كمترشح حرّ، بعد ذلك سافر إلى سوريا لمتابعة تحصيله (1957-1958) وعمل مراسلًا لجريدة “العلم” المغربية، حيث كانت مراسلاته في الغالب ذات طابع ثقافي واجتماعي، إلى جانب تعرفه على فكرة “القومية العربية”، وأصبح من أشد المدافعين عنها، فقد شهد الجابري مرحلة ازدهار للفكر القوميّ نتيجة الأحداث التي أعقبها الإعلان عن الوحدة بين مصر وسوريا، وقيام الجمهورية العربية المتحدة، وقد عاش الجابري هذه المظاهر والوقائع متتبعًا ملاحظًا وأحيانًا منخرطًا[5][5].

عاد الجابري إلى المغرب عام 1958 والتحق كأستاذ بكلية الآداب قسم الفلسفة لمتابعة الدراسة الجامعية. كما التحق في نفس السنة بمعهد ليرميطاج بالدار البيضاء كقائم مقام مدير، وفي سنة 1960 توقف عن العمل به. سافر في ربيع 1971 إلى باريس بغرض الالتحاق بالسوربون، لكنه تخلى عن الفكرة. حصل الأستاذ على الإجازة في الفلسفة سنة 1961م. كما حصل على شهادة السنة الرابعة الإضافية سنة 1962م. نال شهادة الدبلوم بالدراسات العليا في الفلسفة من  كلية الآداب محمد الخامس الرباط1967، ودكتوراه الدولة في الفلسفة 1970.

عمل مراقبًا وموجهًا تربويًّا لأساتذة الفلسفة بالتعليم الثانويّ (1965- 1967)،  وأستاذًا للفلسفة والفكر الإسلامي بكلية الآداب محمد الخامس عام 1967[6][6]، بعد ذلك بدأت مرحلة بزوغ نجم هذا المفكر،كانت البداية الحقيقية له سنة 1970 م حين ظهر أول كتاب له، وهو أطروحته لدكتوراه الدولة باسم “العصبية والدولة معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربيّ الإسلاميّ”، التي نال على إثرها العديد من الجوائز، منها جائزة بغداد للثقافة العربية اليونسكو (حزيران1988)، الجائزة المغاربية للثقافة (أيار 1999)، جائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي مؤسسة BMI تحت رعاية اليونسكو في (14-11-2005)، جائزة الرواد مؤسسة الفكر العربي بيروت في (7-12-2005)، ميدالية ابن سينا من اليونسكو في حفل تكريم شاركت فيه الحكومة المغربية بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة الرباط/ الصخيرات في 16 تشرين الثاني 2006، جائزة ابن رشد للفكر الحر في برلين ألمانيا تشرين الأول 2007. وفي يوم الاثنين 3 أيار 2010 بالدار البيضاء، لقي المفكر المغربي محمد عابد الجابري ربه[7][7]. وذلك عن عمر يناهز 75 سنة، تاركًا خلفه العديد من المؤلفات التي تركت أثرها في العقل العربيّ.

السيرة التي نسجها الجابري عن نفسه، تحمل في طياتها الكثير من المعلومات التي تستحق الوقوف أمامها وتأملها بشكل دقيق، فهو عندما تحدث عن البيئة التي عاش فيها، ركز بشكل كبير على ما تحتويه من أساطير، يقول: “وبالجملة كانت الحياة زمن طفولة صاحبنا مجالًا يتقاسمه البشر والجن. كانت تربط بينهما علاقات لامرئية في المنازل والبساتين والأسواق، يعملون ويشترون ويبيعون تمامًا كما يفعل البشر”[8][8]، وهو ما سينعكس توجهًا عقلانيًا، سنرى انعكاساته في وقت لاحق. كما أنّ الكاتب عندما يميل باتجاه الحديث عن الشيخ محمد فرج كثيرًا ما يلجأ إلى امتداح التوجه الوهابيّ الذي ينتمي إليه، ويعتبره تيارًا إصلاحيًّا، وهو يقف إلى جانب توجهاته العامة، حتى أنّه يقف إلى جانبه بمقابل جدّه الذي ينتمي إلى التيارات الصوفية، وفي هذا الموضع يثير الجابري في ذهنية المُتلقي أسئلة عن سبب هذا الميل، هل هو موقف من العائلة التي ربته واعتنت به، وهذا الأمر قد يكون واردًا، خاصةً أنّه يشير إلى رفضه للزواج من ابنة خاله، والحديث عن أمه التي نهرته وهو ما زال رضيعًا، أم أنّ الموضوع له علاقة بنظرة أكثر، تتعلق بالانتماء الجهوي الذي ينتمي إليه، حيث كان الجابري من خلال هذه المذكرات، يسعى إلى ولادة جديدة، يكون فيه المغرب هو الأصل، لن نتوسع في التحليل في هذه المدخلية المختصة بحياته، ولكن سيتمّ العودة إلى الموضوع بوقت لاحق، أثناء تناول المناحي الفكرية لهذا المفكر.

ثانيًا: مؤلفاته

أثّر محمد عابد الجابري على الساحة الفكرية والثقافية العربية بالنقد والكتب والمناقشات، ونظرًا لاتساع إنتاجه الفكري، سنقوم بتصنيفها في أقسام:

2-أ- مؤلفات أطروحته الفكرية، وفيها نجد الكتب التالية:

2-ب- الكتب التحقيقية، وهي ترتبط بالقسم الأول مع خصوصية، تتمثل في نشر أعمال ابن رشد بعد تفسيرها:

2-ج – مؤلفاته وكتاباته في مجال الفكر العربي المعاصر والقضايا المعاصرة، والتي تؤسس إلى إعادة بناء مشروع النهضة العربية، وهي تركّب مقاربته لموضوع الحداثة. نذكر منها:

2-د – سيرة ذاتية

2-هـ- القرآنيات

 

[1][9]   محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985)، الصفحة 160.

[2][10]  محمد عابد الجابري، حفريات في الذاكرة من بعيد، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997)، الصفحات من 21-23.

[3][11] محمد عابد الجابري، حفريات في الذاكرة من بعيد، مصدر سابق، الصفحة 120.

[4][12]  المصدر نفسه، الصفحة 54.

[5][13]  المصدر نفسه، الصفحة 160.

[6][14]  محمد الشيخ، محمد عابد الجابري، مسارات مفكّر عربي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2011 م)، الصفحة 8.

[7][15]  المصدر نفسه، الصفحة 8.

[8][16]  محمد عابد الجابري، حفريات في الذاكرة من بعيد، مصدر سابق، الصفحة 18.

Endnotes:
  1. [1]: #_ftn1
  2. [2]: #_ftn2
  3. [3]: #_ftn3
  4. [4]: #_ftn4
  5. [5]: #_ftn5
  6. [6]: #_ftn6
  7. [7]: #_ftn7
  8. [8]: #_ftn8
  9. [1]: #_ftnref1
  10. [2]: #_ftnref2
  11. [3]: #_ftnref3
  12. [4]: #_ftnref4
  13. [5]: #_ftnref5
  14. [6]: #_ftnref6
  15. [7]: #_ftnref7
  16. [8]: #_ftnref8

Source URL: https://maarefhekmiya.org/13975/jabiri1/