الفكر العربي الحديث والمعاصر | التراث وماهيته عند حسين مروة

by الدكتور أحمد ماجد | يناير 6, 2022 11:56 ص

قبل الدخول إلى المنهج وآلية اشتغاله عند الدكتور حسين مروة، سنتوقف عند التراث وآلية التعامل معه، فكلّ عمل منهجي يقتضي قراءة نقدية للمشاريع السابقة، حتى يكتسب صاحب المشروع مشروعية في عمله، وهذا الأمر، سنجده عند مروة، حيث قدم مجموعة من الملاحظات على ما قُدِم في المشاريع السابقة قبل الدخول في تقديم وجهة نظره الخاصة، وفي هذا المجال، رأى حسين مروة أنّ جميع المعالجات السابقة لم تستطع أن تقدم مقاربة موضوعية للتراث، حيث بقيت حبيسة اللاتاريخية: “كانت السمة الغالبة على معظم الدراسات الحديثة فضلًا عن القديمة في التراث الوطني والقومي، سمة الانغلاق المطبق بينه وبين مجريات التاريخ سواء تاريخ المجتمع العربي الإسلامي أو تاريخ المجتمع البشري الأكبر. ولكأنّ هذا التراث نبت ونما وتطور من دون أرض، أو من غير هواء وماء، ودون ناس من الأحياء يتعاطون معه أسباب النشوء والنماء والتطور … تنظر إلى التراث كنصوص قائمة بذاتها، ثابتة ساكنة مفرغة من دلالاتها التي تصل هذه النصوص بحركة التاريخ العربي الإسلامي، وتاريخ الحضارة البشرية بعامة”[1][1]، وقبل الدخول في عملية تحليلية للتراث لديه، سنتوقف قليلًا مع ملاحظاته على المشاريع السابقة، في تصنيف المشاريع السابقة: على الرغم من رفض مروة للمشاريع السابقة إلا أنّنا سنلاحظ أنّه قام بعملية تصنيف لها، وقسمها إلى نمطين متداخلين ومتمايزين، الأول منهجي، والثاني توضيحي: “أما التصنيف الأول المنهجي، فيشمل جميع الفرقاء الداخلين في التصنيف الثاني التوضيحي. لأنّ هؤلاء جميعًا لا يخرج أحد منهم عن أن يكون منتهجًا أحد الأساليب الفكرية الأربعة الآتية”[2][2].

1- التصنيف المنهجي: يعتمد على تحليل مناهج الرؤية للتراث والأساليب الفكرية في معالجته، ويجمع مجموعة من الفرقاء، وفي هذا المجال نجد الأساليب التالية:

1- أ:  الأسلوب الشخصيّ المثاليّ: ويعتبر مروة أنّ أصحاب هذه الأساليب يتعاملون مع الأفكار انطلاقًا من كونها تعبيرات شخصية، فيضخمون أثر العامل الفرديّ والشخصيّ على حساب الشروط الموضوعية التي تنامى في خضمها فكر الفيلسوف: “أي دون النظر إلى صلة العملية الفكرية بعملية التفاعل بينها وبين مجموعة من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتاريخية”[3][3]، وكأنّ الأفراد يعيشون: “علاقات مجردة تجري مباشرة عبر هذه “العوالم” بذاتها وباستقلالها وانعزالها عن علاقات الواقع الاجتماعي… ومن الواضح أنّ أسلوب النظر هذا هو ضرب من التفكير المثالي”[4][4]. فهذا التيار بالنسبة إليه أحادي النظرة كتوكيد أثر بشاعة الجاحظ مثلًا في تكوين مزاجه وأسلوبه، وأثر عما أبي العلاء المعري في إبراز نزعة التشاؤم في فكره وفلسفته[5][5].

1- ب: الأسلوب الميكانيكي: تتبنى هذه المنهجية نظرة ميكانيكية صرفة وتبسيطية في النظر إلى علاقة التبادل بين ثقافات الشعوب بعضها مع بعض؛ إذ يرى أنه بمجرد أن ننقل ثقافة شعب إلى شعب آخر بطريقة ما حتى تصطبغ الثقافة المستقبلية بالثقافة الدخيلة، وتتصف بصفاتها، وتأخذ كافة أبعادها وتصبح صدى وانعكاس لها، ومجرد نسخة من نسخها. فيكون التأثر من  جانب واحد فقط، فهناك ثقافة خارجية وافدة تمثل المثير لتكتفي الثقافة المستقبلة بالاستجابة أو التأثر، مع العلم: “إنّ قضية العلاقة بين فكرين أو فلسفتين ينتميان إلى مجتمعين مختلفين قضية معقدة، لأنّها تخضع لعلمية معقدة ترفض مثل هذا النظر التبسيطيّ الميكانيكيّ. إنّها قضية العلاقة بين الداخليّ والخارجيّ من أشكال الوعيّ الاجتماعيّ، وهي علاقة تفاعل له قوانينه وديالكتيكه الحركيّ. إنّ السمة العامة الأساسية لقوانين هذه العلاقة هي أولًا كونها موضوعية وليست ذاتية إرادية، وهي ثانيًا كون الفكر الخارجيّ لا يمكن أن يكون فاعلًا ومؤثرًا في الفكر الداخليّ إلا عبر العلاقات الداخلية لهذا الأخير”[6][6]، بالنسبة إلى هذا التيار لم يفهم العلاقة الجدلية بين الداخلي والخارجي، والذي سمح للفكر اليوناني الاندماج بالحضارة الإسلامية نتيجة ظروف موضوعية، مرّت بها المجتمعات العربية- الإسلامية.

إنّ هذا الأسلوب الميكانيكي التبسيطي هو الذي حرم أصحابه من الولوج إلى أعماق التراث العربيّ الإسلاميّ وتمثل كنوزه الدفينة، وتجاهلوا أن شخصية الفيلسوف بجملتها وبتفاعلها تأخذ من الحياة وتعطي، تتأثر بالمجتمع وتؤثر فيه، تستنير به ثم تكّون من أنواره الهادية”[7][7]، وهذا الأسلوب بالنسبة إليه، جاء نتيجة النزعة الاستعمارية، التي تعمل على إبعاد الشعوب عن تراثها لمنعها من الوصول إلى كنوزها.

1-ج: الأسلوب العرقيّ: وهذا الأسلوب هو الأسوأ في معالجة قضايا الفكر البشريّ، لا من حيث كونه ضربًا من التفكير المثالي وحسب، بل لكونه: “ينطلق من أيديولوجية استعمارية فاشية تصنّف الشعوب تصنيفًا هرميًا، تحكمه نظرية الجنس التي قذف بها العلم إلى قرار سحيق منذ زمن”[8][8].

1– د: الأسلوب التاريخيّ: وهو الذي ينظر إلى التراث مشروطًا بتاريخيته، أي النظر إليه برؤية تضعه في صورته الموضوعية كما تحقق تاريخيًّا أي ضمن بيئتها التاريخية وزمنها التاريخي، أي أنّها: “رؤية العلاقة بين النتاج الفكريّ التراثيّ والظروف التاريخية التي أُنجز في إطارها هذا النتاج. ويأتي التفاوت بين هؤلاء من اختلافهم في فهم هذه العلاقة، ومدى تناولها من أبعاد جوهرية أو ثانوية أو شكلية”[9][9]. وقد تزعم حسين مروة الأخذ بالرؤية المادية التاريخية في تعامله مع التراث.

وهذه المنهجيات أو الأساليب الأربعة، كانت الأساس في التعامل مع التراث الإسلاميّ بشكل عام، ثلاث منها تتقاطع في نقطة مركزية، حيث إنّها: “تنطلق من منهج فكري واحد، رعم اختلافها أسلوبيًّا”[10][10]، فهي تتبع المنهج: “اللاتاريخي”[11][11]. الساكن الذي لا حركة له، أي لا صيرورة فيه، محرومًا من قابلية الوصول إلى الحاضر الذي يصبح بدوره، محرومًا من تاريخه، فعليه إذن أن يرتجل نفسه ويستجدي ثقافته من عابري الطريق أو من مستعبديه وناهبي خيراته.. وعلى العكس من ذلك رأى أن التراث في ضوء: “التصور العلميّ، فالأمر على العكس كليًا: فهنا التراث ليس تراثًا فحسب، ليس ماضيًا وحسب، وإنّما هو كائن حيّ متحرك بصيرورة دائمة، هي صيرورة الحياة الواقعية التي ينبثق منها ويحيا فيها ومعها، وهي يدورها تحيا فيه ومعه ولكن بشكل آخر”[12][12]، وهذا ما يجعل التاريخ حيويًا، يقوم على وحدة متماسكة بين الماضي والحاضر والمستقبل: “وهذه العلاقة الجدلية بين ماضي التراث وحاضره لم يستطع رؤيتها أو فهمها أولئك المبشرون بنظرية العودة إلى الأصل أي إلى الماضي مع رفض الحاضر إطلاقًا معتبرين ذلك نظرية ثورية (الإخوان المسلمون مثلًا)”[13][13]، فعلى أساس هذه العلاقة الجدلية: “يقوم تاريخ التراث الثقافي وتتوالد حيويته ويتعاظم شأنه. وعلى هذا الأساس ينهض، كذلك بناء وحدته المتماسكة بين الماضي والحاضر والمستقبل”[14][14].

قبل الانتقال نحو التصنيف التوضيحيّ لا بد من إيراد عدة ملاحظات على مقاربة الدكتور مروة للأساليب التي تستخدم في مقاربة موضوع التراث:

1- قد لا يكون العنصر الشخصيّ حاسمًا في نظرة الفيلسوف والمفكر، وقد يكون للواقع الاجتماعيّ دخالة فيما ينتج من أفكار، ولكن لا يمكن حصر رؤية الفيلسوف ببعدٍ واحد، بالتالي جعله مجرد آلة ناسخة للواقع الذي وُجِد فيه، وهذا يعني الوصول إلى تطابق بين مجموعة من الفلاسفة الّذين عاشوا في عصر واحد، وهذا ما لا يمكن أن نجده في تاريخ الفلسفة.

2- لم يوضح لنا الدكتور مروة، هل الأساليب هي المناهج، وإذا كانت مناهج، فكان الأجدى العمل على الأدوات التي تقوم بتشغيل المنهج، وتجعله قادرًا على الإنتاج، أما إذا كانت الأساليب أمرًا آخر، فما هو هذا الأمر، هل هي الأيديولوجيا؟ في هذه الحالة نحن أمام مقاربة أيديولوجية في مواجهة أيديولوجيات أخرى، ولعلّ هذا ما سعى إليه مروة، لذلك فالمقاربة التي لدينا، تنطلق من توجه حزبيّ، يريد نقد التوجهات المخالفة له، وهذا ما يفقد التحليل موضوعيته.

3- ما هي المعيارية التي نحكم فيها على التاريخ، هل هي أدوات المنهج التاريخيّ؟ وفي هذا المجال على الباحث أن يضع مقاييس الحكم، فلا يكفي أن نحكم على أسلوب بأنّه لاتاريخي مع العلم أنّه حتى استطاع أن يصل إلى نتيجة تتحدث عن تفوقه اعتمد المنهج التاريخي.

ب- التصنيف التوضيحي: بعد أن أنهى تصنيفه المنهجي، ينتقل مروة إلى تصنيف توضيحي من أجل وضع: “كلّ موقف في حدوده الخاصة تاريخيًّا وفكريًّا وأيديولوجيًّا”[15][15]، وعلى أساسه وضع ثلاثة أقسام من المؤرخين والباحثين، هم القدماء والمحدثون والمستشرقون.

1- ب: القدماء: رجع حسين مروة إلى أبعد الأزمنة، حيث لم يكن التراث قد أصبح تراثًا: “أي الزمن الذي كان لا يزال يولد فيه هذا التراث ويتوالد، وينمو ويتطور، يختصم فيه الناس ويختصم معهم، يثير فيهم المشكلات ويثيرون هم له المشكلات”[16][16]، وبدأ باستقصاء مواقف القدماء من العرب والشرقيين في المهد وفي أزمان تحولاته وانتقاله من الأشكال اللاهوتية الإسلامية، إلى الأشكال اللاهوتية العقلانية بظهور علم الكلام وحركة الاعتزال إلى البدايات الأولى للفلسفة عند الكندي، وصولًا إلى أشكاله الفلسفية الناضجة عند الفارابي، وهذا التفكير العقلاني بالنسبة إليه، يعود إلى تفاعل المجتمع مع ما ظهر من إنجازات علمية في الفيزياء والكيمياء والفلك والرياضيات.

الأمر الذي أثار السلطة العقائدية، فعملت على تطويقه، ومنع استساخ كتب الفلسفة، فهي عملت على تطويق هذا التيار العقلاني، يقول: “وبما كان لهذا التفاعل الجدليّ من آثار وجدت تجلياتها في ما نسميه بالنزعات المادية. فقد أصبح الاتجاه الغالي لتلك المواقف هو اتجاه الغزالي نفسه، وهو الذي سلط سيف الإرهاب الفكري الديني على الفلسفة والفلاسفة، وهو الذي حدد – إلى مدى بعيد – أشكال النظر الوحيد الجانب إلى هذا التراث في مباحث المتكلمين الأشعريين المتأخرين وغيرهم، وفي مؤلفات المؤرخين منهم. وقد نستثني من هذا الحكم اثنين من كبار مفكري الأشاعرة؛ الشهرستاني مؤرخ الفلسفة الأشهر، وابن خلدون. فإنّ الأول كان نموذج المؤرخ الأمين للحقيقة التاريخية لذاتها رغم احتفاظه بمذهبيته الأشعرية في ما يتصل بالرأي لا في ما يتصل بالتحقيق التاريخي. وأما ابن خلدون فهو يتميز بالنظرة ذات التوجه العلمي في فهم التاريخ”[17][17].

فبالنسبة له، “بعد أن أصبحت المعارف الفلسفية جزءًا عضويًا في البنية الفكرية العامة متذ القرن الثالث الهجري (التاسع)، أصبحت مواقف العداء للفلسفة تصدر عن إدراك صريح ووضوح معرفيّ يحدّدان أبعاد الخطر على الأيديولوجية المسيطرة من الاتجاهات الفلسفية الجديدة أساسًا لفهم العالم”[18][18]، ويتوسع في تحليله للتيارات التي عملت على تكميم الفلسفة من أشاعرة وسلفية بدءًا من ابن تيمية، وصولًا إلى ابن الصلاح، ليختم: “إنّ الطابع العام لمواقف القدماء من التراث الفكري الفلسفيّ، بعد ابن تيمية في زمن متأخر يتجاوز القرن السادس الميلادي، وهو طابع هذين التيارين [ السلفي والأشعري].. لكن التيار الأشعري ظل يحتفظ بمواقعه المسيطرة – بالأغلب – على النشاط الفكري في هذا المجال، فإنّ كثرة شرّاح الكتب الملامية والفلسفية البارزين ومؤرخي الفلسفة في المراحل المتأخرة، هي كثرة أشعرية، من ابن خلدون إلى طاش كبري زادة (936 هـ/ 1550م)”[19][19]. هذه المرحلة يصفها حسين مروة بالظلامية يمتزج خلالها الأوهام بالحقائق، حتى تصبح الأوهام هي الحقائق في الجيل اللاحق لابن النديم، وقد أساءت هذه النظرة للتراث وساهمت في تشويه صورته وطمس معالمه ودفن كنوزه بدلًا من الكشف عنها.

2- ب: المحدثين:  تميزت هذه المرحلة بالعودة إلى التراث من أجل إحيائه، ولكنّها تميّزت بطابعها الرومانسي، الذي يميل إلى العودة للأصول بدافع الحب والمجد والشوق وتمجيد الماضي، وهي لم تسع إلى إحياء التراث بقدر الاستلاب إلى ما تبقى فيه من حياة، وهذا الرجوع، امتاز: “بصفتين متناقضتين: برجعية مضمونها، وتقدمية دوافعها. فهي رجعية من حيث تمجيدها الماضي بوجه مطلق، وهي تقدمية من حيث كونها حافزًا للمشاعر القومية في سبيل انبعاث “الشخصية” العربية لمواجهة التحدي المزدوج: الطوراني العنصري التركي، والغربي الإمبريالي”[20][20].

وعرف المجتمع العربي في مصر وسوريا ولبنان شكلًا جديدًا لهذا الإحياء تمثل في نشر المؤلفات التراثية، بواسطة الطباعة الآلية، ورغم النقائص التي ميّزت هذه الحركة لانعدام التحقيق والمقارنة العلمية لما ينشر، تخلل هذه المرحلة ظهور مدرسة جمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده، التي توجهت إلى التراث بموقف نقدي: “يتخطى الموقف شبه الرومانسي الذي ساد تلك المرحلة. فقد توجهت مدرسة الأفغاني- عبده إلى التراث من موقف نقدي نسبيًّا. إذ رأى رائد هذه المدرسة حاجة بلدان الشرق في مرحلته تلك إلى التصدي للمطامع العربية الاستعمارية بسلاح الفكر المتحرر من أسر النظر “التقديسي” الجامد إلى الماضي وتراثه، لرؤية ما يتطلبه الحاضر من فهم جديد لأفكار التراث يساعد على المجتمعات الشرقية المهددة بخطر تفاقم السيطرة الاستعمارية على مواجهة هذا الخطر. من هذا المنطلق اندفع الأفغاني بدعوة هذه المجتمعات إلى نبذ ما تأخذ من أفكار وتقاليد متوارثة أخذًا جامدًا يحقنها بجراثيم الاسترخاء وروح الجبرية المطلقة الآتية إليها باسم القضاء والقدر”[21][21]. لقد عوّل الأفغاني كثيرًا على الشعب في مقاومة الغزو الأوروبي، ولم تكن معركته ضد الاستعمار الأوروبي مقتصرة على وطن، بل اتسعت لتشمل كل أوطان الشرق، وعني كثيرًا بمفهوم الأمة الإسلامية، التي وقف في وجهها حكامها المستبدين، ودعا جميع الشعوب الإسلامية من الهند إلى الجزائر للاتحاد والوقوف صفًا واحدًا في وجه الاستعمار الغربي، وأتباعه من عملاء.

ومن بعد الأفغاني، جاء محمد عبده ممثل الجناح العربي المصري لهذه المدرسة، ودعا إلى مقاربة التراث مقاربة اجتماعية، وإلى فهم تراث الإسلام: “فهمًا مستمدًا من واقع العصر المتغير جدًّا عن واقع العصر الوسيط. بروح هذه الدعوة نادى بأنّ: من سلك طريق الاجتهاد ولم يعول على التقليد في الاعتقاد ولم تجب عصمته فهو معرّض للخطأ، ولكن خطأه عند الله واقع موقع القبول، حيث كانت غايته من سيره ومقصده من تمحيص نظره، أن يصل إلى الحقّ ويدرك مستقر اليقين”[22][22]. إنّ محمد عبده ومن خلال مناقشاته للمصادر الكبرى في التشريع الإسلاميّ كالسنة والإجماع، جعل من العقل العالمي المصدر الرئيسي بعد القرآن. فقد اعتبر أن السياسة هي من اختصاص العقل وأن السلطة مدنية الطبع، وهي في كل الأحوال نتاج اجتماعي، فلقد سعى الإمام، هذا المفكر بحسب مروة، إلى تطهير الإسلام من التأثيرات والعادات الفاسدة، وإصلاح التعليم العالي الإسلامي، وإعادة وضع أسس العقيدة الإسلامية على ضوء الفكر الحديث والدفاع عن الإسلام ضد المؤثرات الأوربية: “على أنّ مدرسة الأفغاني – عبده، رغم أهيمتها في تصديع جدار التقديس المطلق للتراث، لم تضع منهجًا لدراسة التراث يغير من المناهج التقليدية الشائعة تغييرًا عميقًا. ذلك لارتباطها بالأسس الأيديولوجية نفسها التي قامت عليها تلك المناهج”[23][23].

وبتطور عوامل الصراع الطبقي والأيديولوجي في داخل حركة التحرر الوطني العربية، انقضت المرحلة الأولى لحركة العودة إلى التراث، بحيث أصبح النظر إلى التراث يكتسب مضمونًا نقديًّا من وجه، ويدخل معركة الصراع الأيديولوجي من وجه آخر. ساعد في تبلوره تطور في مستوى المعارف العلمية لدى الباحثين العرب واطلاعهم على مناهج البحث الأكاديمية المستخدمة في الجامعات الغربية وعلى أبحاث المستشرقين. وعلى المذاهب الفكرية والفلسفية الشائعة في المجتمعات الغربية. ويشير حسين مروة إلى أن تحديد مواقف الباحثين العرب من تراثنا الفكري يقتضي الرجوع إلى التصنيف المنهجي السابق لأساليب النظر في التراث والمتمثلة في:

3- ب: الاستشراق: عني حسين مروة بموضوع الاستشراق عناية خاصة، فهو قد لعب دورًا إيجابيًا في بعض المراحل من خلال: “حفظ الكثير من أصول تراثنا الثقافي ووقايته من الاندثار والضياع خلال عصور العزلة المظلمة… نشر الأصول التراثية بوسائل الطباعة الحديثة، وأحيانًا ترجمة بعضها إلى كثير من لغات الغرب الأوروبي…دراسة التراث”[25][25]، والنقطة الأخيرة هي الأقل إيجابية في عمل المستشرقين، وحتى يقوم بتحليلها قسّمها إلى أربعة أقسام:

1- الاتجاه الأول: يقوم عل أساس عرقي يميّز بين الشرق والغرب، فتكون ثقافة الغرب ثقافة عقلية، يختص بها الجنس الآري المتفوق بطبعه، في حين تكون ثقافة الشرق ثقافة روحية غيبية: “الأساس النظري لهذا الاتجاه، بمختلف افتراضاته، يمثل الوجه الأيديولوجي الأكثر عداء لتطور الشعوب، والأشد تحديًا لمطامحها القومية التحررية بمحاولة وضعها -فكريًّا – أمام جدار قدري حبري مغلق لا منفذ فيه لتغيير واقعها المتخلف إلى واقع متقدم، موحيًا إليها بأنّ هذا الجدار القدري تجسيد لطبيعتها العاجزة عجزًا تكوينيًا”[26][26]، ومن منظري هذا الاتجاه هنريش، بيكر، هيجل، رينان.

2- الاتجاه الثاني: يقوم على نظرية مركزية الفلسفة في الغرب، وهذا الاتجاه لا يختلف عن التصنيف الجنسي السابق؛ إذ يقوم على خلفيات اجتماعية وسياسية فقد كانت الرأسمالية في مرحلة تطورها إلى إمبريالية فاحتاجت إلى تبرير لسيطرتها في آسيا وأفريقيا ليكون مسوغًا فكريًّا وأيديولوجيًّا لسيطرتها السياسية على شعوب مستعمراتها. فتكون فكرة مركزية العقل والفلسفة في أوروبا قد منحت للأوروبي العقلاني “الحق الشرعي” في السيادة على الشرق الروحاني، مثلما للإنسان العاقل الحق في السيطرة على الحيوان، يقول هيغل معبرًا عن هذا التيار: “إنّ ما نطلق عليه اسم الفلسفة الشرقية يشكل بالأساس الطريقة الدينية للتصورات، والآراء الدينية، لدى الشعوب الشرقية، وهي التصورات والآراء التي تفهم لأول وهلة أنّها فلسفة”[27][27]، وهذا الكلام لهذا الفيلسوف، يشير إلى عدم إمكانية بلوغ الشرق مرحلة تجلي الروح المطلق، لأنّ الأفكار الدينية أدنى من الأفكار الفلسفية، بالتالي فالمجتمعات الشرقية أدنى مستوى من المجتمعات الغربية.

3- الاتجاه الثالث: وهو تيار محافظ: “يقصر عنايته على الجوانب الأكثر محافظة ورجعية وإغراقًا في الغيبيات وفي عالم المطلق، مع طمس الجوانب ذات النزعات المادية أو إخفاء الأبعاد الاجتماعية الكامنة حتى في الأشكال الغيبية كآثار التصوف الفلسفي عند أمثال الحلاج والسهروردي الشهيد. بل لقد حاول الكثير من هؤلاء المستشرقين توجيه المنظومات الفلسفية لأمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد توجيهًا يصرفها عن أبعادها المادية، ويفرغها من هذه الأبعاد لتصبح منظومات صوفية أو إشراقية أو دينية محضًا”[28][28].

4- الاتجاه الرابع: وهو الاتجاه الإيجابي مقابل الاتجاهات السلبية السابقة، حيث عملوا على إعطاء صورة مغايرة للمجتمعات الشرقية على أساس التحليل التاريخي، وفي هذا المجال أشاد حسين مروة بقيمة دراسات المستشرقين الماركسيين الذين لا ينطلقون من صيغ جاهزة أو جامدة في حكمهم على فصول التاريخ المختلفة حيث يقول: “أما المستشرقون الماركسيون فقد تفردوا بالتوجه إلى تراثنا الفكري من وجهة نظر ماركسية بالبداهة، أي على أساس مادي تاريخي من حيث المنهج، وعلى أساس الاشتراكية العلمية من حيث الأيديولوجيا؛ ذلك أننا لن نجد في دراساتهم لهذا التراث تلك الوجوه السلبية الجوهرية التي وجدناها لدى المستشرقين الغربيين أو لدى الباحثين العرب المحدثين الذين ينطلقون في دراساتهم من مواقف مثالية لا تاريخية منهجيًّا، ومن مواقع إمبريالية أو برجوازية أيديولوجيًّا”[29][29].

كما نلاحظ أنّ مروة في خياراته، يغلب الجانب الأيديولوجي في الحكم على المواقف، وهذا الأمر سيؤدي إلى تأويل الاتجاهات الفكرية وقولبتها بما يخدم الهدف، الذي يسعى إلى تأكيده، وهذا يخالف منطق البحث العلميّ، الذي يفترض التخلي عن كلّ المسبقات المعرفية والتعامل مع الظاهرة كما هي، واستعراضها بشكل موضوعي، فما نحن أمامه مجموعة من الأحكام والنتائج المعروفة مسبقًا، وكلّ ما سنقوم به استجلاب الشاهد عليها من الأحداث التاريخية لنثبت من خلالها صوابية الأطروحة التي نحملها. الدكتور كان مشغولًا بإثبات أحكام، وهذا الأمر لا يعني عدم وجود غنى في البحث الذي قدّمه.

 

 

ما هو التراث

بعد هذا الاستغراق في استعراض المواقف، يبدأ حسين مروة في تقديم تصوره للتراث، فهو بالنسبة إليه تكون في بيئة اجتماعية: “وفقًا لفعل القوانين التي تنظم حركة صيرورتها”[30][30]، بالتالي فصورة التراث في ضوء الرؤية التي يتحدث عنها حسين مروة فإنها تلك الصورة النابضة بحركة التاريخ نفسه: “الذي أبدع للمجتمع العربي الإسلامي تراثه الفكري”[31][31]، ولا يستطيع الإنسان أن يصل إلى فهمه بمعزل عن العودة إلى الارتباط الجدلي بين الفكر والزمن، حيث لا يجوز فصلهما، ولا ربطهما ربطًا ثابتًا سكونيًا بلحظة زمنية واحدة محددة. ومعنى ذلك أن التاريخ هو الماضي في بعده التطوري والتراث هو التطور في بعده التطوري موصولًا بالحاضر ومتداخلًا فيه ومتشابكًا معه. فالتراث فيه تجسيد للاستمرارية من الماضي إلى الحاضر، فاجتماع الماضي والحاضر في إطار تطوري يشكّل التراث[32][32].

فالتراث من خلال هذه الرؤية هو النتاج الفكري، الذي يعكس حركة الفكر في فترة زمنية محددة، وهو يؤشر إلى الظروف الموضوعية التي أدت إلى إنتاجه، بالإضافة إلى الفاعلين فيه، الذين يبرزون من خلال البعد الصراعيّ، لذلك لا يمكن النظر إليه ككلّ، فهو: “يمتاز بتعدده، الذي يعكس الصراع بين التيارات التي صنعت التاريخ[33][33]، وهو في حركية على متلقيه أن لا يتعامل معه بشكل جامد، لأنّ التراث: “ليس مجرد عملية تكرار آلية لفكرهم وبخصوصية مشكلاتهم التي جعلوا منها موضع بحث، بل الواجب هو النظر في فكر وكتب الأقدمين “حيًّا بلحمه ودمه” بكافة أبعاده الإنسانية ومن حركته وتاريخه[34][34].

بالتالي فما نحن أمامه والمسمى تراث، يُظهر هذه العلاقة المتداخلة والملتبسة بين الفكر والتاريخ، والتي أهملتها الدراسات النظرية السابقة، وأراد حسين مروة أن يوليها أهمية منهجية كبرى في قراءته للتراث، بدعوته إلى ضرورة الخروج من الطابع السكوني والعقيم الذي لا يرى في التراث سوى قضية الماضي لذاته، أو إسقاط للماضي على الحاضر إلى اعتبار التراث مسألة الحاضر الذي يتفاعل مع خبرات الماضي وممكنات المستقبل، أي قراءة التراث في سياقه التاريخي وفي جدلية علاقته بالواقع الراهن[35][35].

على أرضية هذا الفهم، اعتبر مروة أنّ المعركة الأساسية، هي في إظهار هذا التراث في الجانب الثوري العقلاني، وهذا ما يجعل منه جزءًا من الراهن لحياة القوى الثورية: “لتخطي الطرق السابقة لا سيما السلفية الرجعية”[36][36]، فمروة نظر للتراث انطلاقًا من موقعه الأيديولوجي، وعمل على تثمير محتواه أو جزء من هذا المحتوى في خدمة القوى الثورية: “أي القوى التي لها علاقة تاريخية موضوعية بالأساس الاجتماعي لإنتاج التراث الفكريّ في الماضي، نعني بها القوى الاجتماعية السابقة المنتجة للأسس المادية التي انعكست في أشكال الوعيّ الاجتماعي (الفلسفة، والعلم، والأدب، والفن) المكونة لهذا التراث”[37][37]، خاصة أنّ الدراسات السابقة عجزت عن التوغل في أعماق التراث لتحليل ما فيه من كنوز يمكن الاستفادة منها في المعركة الثورية والتحررية، ولذلك سجل بكل مرارة أن تلك الدراسات المثالية والغيبية التي كانت تبالغ في تصوير تأثير العامل الذاتي المحض في فكر العالم والفيلسوف غافلة عن أثر العوامل الاجتماعية التي كانت تطبع بيئة ذلك العالم أو الفيلسوف قد كانت سببًا في طمس التراث وحجب كنوزه عن الأجيال الحديثة وإحداث القطيعة بين هذه الأجيال وبين تراثها الزاخر”[38][38].

انطلاقًا من نظريته الماركسية اللينينية: التي تقول لا ثورة دون نظرية ثورية، تحرك مروة ليعتبر:” إن المنهج الماديّ التاريخيّ وحده القادر على كشف تلك العلاقة ورؤية التراث في حركيته التاريخية”[39][39]، فالمنهج المادي في تصوره هو الوحيد القادر على استيعاب التراث بكامل أبعاده، ورؤيته في حركيته التاريخية واستيعاب قيمته النسبية، وتحديد الأمور، التي لا تزال تحتفظ بقيمتها، والتي ما زالت ضرورية في بنائه وحضوره في عصرنا، وهي تمثل كشاهد على أصالة العلاقة الموضوعية بين العناصر التقدمية والديمقراطية في ثقافتنا القومية الحاضرة[40][40].

فما هي هذه النظرية الثورية، وكيف طبقها؟ هذا ما سنراه الأسبوع المقبل.

 

مصادر البحث:

[1][41]  حسين مروة، عناوين جديدة لوجوه قديمة، (بيروت، الدار العالمية، 1985)، الصفحة 6.

[2][42]  حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية، (بيروت، دار الفارابي، 2008)، الصفحة 55.

[3][43]  المصدر نفسه، الصفحة 55.

[4][44] حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية، مصدر سابق، الصفحة 56.

[5][45]  حسين مروة، تراثنا- كيف نعرفه؟ مصدر سابق، الصفحة 11.

[6][46]  حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية، مصدر سابق، الصفحة57.

[7][47]  حسين مروة، تراثنا- كيف نعرفه؟ مصدر سابق، الصفحة 11.

[8][48]  حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية، مصدر سابق، الصفحة59.

[9][49] حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية، مصدر سابق، الصفحة59

[10][50] المصدر نفسه، الصفحة 60.

[11][51]  المصدر نفسه، الصفحة 61.

[12][52]  حسين مروة، دراسات في الإسلام، مصدر سابق، الصفحة 43.

[13][53]  المصدر نفسه، الصفحة 43.

[14][54] المصدر نفسه، الصفحة 47.

[15][55] حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية، مصدر سابق، الصفحة 60.

[16][56]  المصدر نفسه، الصفحة 66.

[17][57] حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية، مصدر سابق، المعطيات السابقة.

[18][58]  المصدر نفسه، الصفحة 67.

[19][59]  المصدر نفسه، المعطيات نفسها.

[20][60]  المصدر نفسه، الصفحة 90.

[21][61] حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية، مصدر سابق، الصفحة 92.

[22][62]  المصدر نفسه، الصفحة 93.

[23][63]  المصدر نفسه، المعطيات نفسها.

[24][64]  حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية، مصدر سابق، الصفحة 94.

[25][65]  المصدر نفسه، الصفحة 135.

[26][66]  المصدر نفسه، الصفحة 142.

[27][67]  حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية، مصدر سابق، الصفحة 142.

[28][68] المصدر نفسه، الصفحة 145.

[29][69]–  المصدر نفسه، الصفحة 175.

[30][70]  حسين مروة، تراثنا كيف نعرفه؟ مصدر سابق، الصفحة7.

[31][71]  حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة العربية – الإسلامية، (بيروت، دار الفارابي،1981)، الصفحة 30.

[32][72]  حسين مروة، دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي، مصدر سابق، الصفحة 394.

[33][73]  حسين مروة، النزعات المادية، (1981)، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 24.

[34][74] المصدر نفسه، الجزء 1، الصفحة 28.

[35][75]  المصدر نفسه، الجزء 1، الصفحة 29.

[36][76]  حسين مروة، دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي، مصدر سابق، الصفحة 395.

[37][77]  حسين مروة، النزعات المادية،(1981)، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 24.

[38][78]  حسين مروة، عناوين جديدة لوجوه قديمة، (بيروت: الدار العالمية، 1985)، الصفحة 6.

[39][79]  حسين مروة، النزعات المادية، (1981)، مصدر سابق، الجزء1 الصفحة 6.

[40][80]  المصدر نفسه، الجزء 1، الصفحتان 5و  6.

Endnotes:
  1. [1]: #_ftn1
  2. [2]: #_ftn2
  3. [3]: #_ftn3
  4. [4]: #_ftn4
  5. [5]: #_ftn5
  6. [6]: #_ftn6
  7. [7]: #_ftn7
  8. [8]: #_ftn8
  9. [9]: #_ftn9
  10. [10]: #_ftn10
  11. [11]: #_ftn11
  12. [12]: #_ftn12
  13. [13]: #_ftn13
  14. [14]: #_ftn14
  15. [15]: #_ftn15
  16. [16]: #_ftn16
  17. [17]: #_ftn17
  18. [18]: #_ftn18
  19. [19]: #_ftn19
  20. [20]: #_ftn20
  21. [21]: #_ftn21
  22. [22]: #_ftn22
  23. [23]: #_ftn23
  24. [24]: #_ftn24
  25. [25]: #_ftn25
  26. [26]: #_ftn26
  27. [27]: #_ftn27
  28. [28]: #_ftn28
  29. [29]: #_ftn29
  30. [30]: #_ftn30
  31. [31]: #_ftn31
  32. [32]: #_ftn32
  33. [33]: #_ftn33
  34. [34]: #_ftn34
  35. [35]: #_ftn35
  36. [36]: #_ftn36
  37. [37]: #_ftn37
  38. [38]: #_ftn38
  39. [39]: #_ftn39
  40. [40]: #_ftn40
  41. [1]: #_ftnref1
  42. [2]: #_ftnref2
  43. [3]: #_ftnref3
  44. [4]: #_ftnref4
  45. [5]: #_ftnref5
  46. [6]: #_ftnref6
  47. [7]: #_ftnref7
  48. [8]: #_ftnref8
  49. [9]: #_ftnref9
  50. [10]: #_ftnref10
  51. [11]: #_ftnref11
  52. [12]: #_ftnref12
  53. [13]: #_ftnref13
  54. [14]: #_ftnref14
  55. [15]: #_ftnref15
  56. [16]: #_ftnref16
  57. [17]: #_ftnref17
  58. [18]: #_ftnref18
  59. [19]: #_ftnref19
  60. [20]: #_ftnref20
  61. [21]: #_ftnref21
  62. [22]: #_ftnref22
  63. [23]: #_ftnref23
  64. [24]: #_ftnref24
  65. [25]: #_ftnref25
  66. [26]: #_ftnref26
  67. [27]: #_ftnref27
  68. [28]: #_ftnref28
  69. [29]: #_ftnref29
  70. [30]: #_ftnref30
  71. [31]: #_ftnref31
  72. [32]: #_ftnref32
  73. [33]: #_ftnref33
  74. [34]: #_ftnref34
  75. [35]: #_ftnref35
  76. [36]: #_ftnref36
  77. [37]: #_ftnref37
  78. [38]: #_ftnref38
  79. [39]: #_ftnref39
  80. [40]: #_ftnref40

Source URL: https://maarefhekmiya.org/14292/husseinmroueh1/