by عبد العالي العبدوني | يناير 17, 2022 7:57 ص
محاولة التعاطي مع موضوع الفكر السلفي وارتكازاته المعرفية هي محاولة صعبة إلى حد ما، لأنها تستلزم إجراء دراسة جردية لمجموع ما خطه أعلام هذا الفكر، والقيام بحصر المرتكزات على أكثر من مستوى، وطبعًا الورقة التي نحن بصدد وضعها لا يمكنها القيام بهكذا قراءة وجرد، لذلك هي تحاول أن تتحيز في جنبة معينة وهي جنبة فهم النص الديني. محاولين تجاوز المعضلات التصديقية التي يخلقها هكذا فهم.
وسوف نعتمد الفهم القرآني بوصفه مناط الإعضال عند هذا البراديغم، لكن قبل ذلك لا بأس من تحديد ماذا نقصد بالبراديغم السلفي (عنوان أول)، قبل أن نعمل على تعقب تشخصاته في فهم النص القرآني، مجرين في نفس الآن نقدًا معرفيًّا له (العنوان الثاني)، منهين البحث بمعطى آفاقي.
العنوان الأول: ماهية البراديغم السلفي ومدماكيته
البراديغم هو المنطق الداخلي المتفق على حدوده ومحدداته في زمان ما ومكان ما، ويركن إليه في الغالب بدون وعي به لرسوخه في الأنفس كما العقيدة Doxa، لأنه طريق اليقين المبحوث عنه أو على الأقل هكذا يتصور، وهو على هذا الأساس يشكل الأرضية التحتية للبت بخصوص نقطة ما، لذلك كثيرًا ما يتم وصفه على أنه الأنموذج Type الكفيل بحل جميع المعضلات المعرفية على ضوئه.
وهو على هذا الأساس يتحول إلى عقل مركزي حاكم على مجموع الإنتاجات الفكرية وعلى جميع المستويات، متحكم في العقول الجهوية والفردية دون أن تعي هذه العقول بأنها تعمل داخل صواميل عملاقة حددت سلفًا.
قد يكون هذا الطرح يتفق في عدة جوانب مع النسقية الفوكالدية، لكن هذا ليس عيبًا ما دامت الأعمال الفوكالدية الصابة مبدئيًّا في نفس الاتجاه قد قدّمت الأدلة الكافية على صحة وجود نسق كبير متحكم في مجموع العطاءات الفكرية، بل حتى في الممارسات الأكثر حميمية.
لكن المدماكية لا تتجلى فقط في تحديد المعالم الكبرى للعقول الجهوية والفردية، بل تذهب إلى حدود تطويع هذه العقول والعطاءات بشكل يجعلها غير قادرة على التفكير خارجه، ربما هذا الكلام فيه كثير من التشييء للعقل الإنساني ولا تنقصه السوداوية، لكن لو صرحنا بأن البراديغم في حد ذاته أي بما هو هو ليس عيبًا لأنه موجود معرفي لا بدّ منه في تأثيث المشهد الفكري في عالم الشهادة قد ترتفع هذه السوداوية، وخصوصًا أن المعضلة هي في المحمول لا في الموضوع؛ أي أن العيوب المعرفية تهم مضمون البراديغم لا قالبه، والذي يظل في جميع الأحوال حياديًّا وحيويًّا في نفس الآن.
وما دمنا أوضحنا بأن المعضلة تهم المحمول فإنه يكون من المناسب محاولة إيجاد فهم ولو كبروي لهذا المحمول وهو المنظور السلفي. صراحة لا يمكن لأي باحث أن يجد تعريفًا موحدًا لمفهوم السلفية وحدوده، لأن هذه المفاهيم كما الكثير من المفاهيم تعرف تمظهرات كثيرة وتحديدات متناسلة يلغي بعضها البعض.
فهي عند الشيخ ابن تيمية تهم فئة معينة من الناس وهم “السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم” (1)، وبالتالي يكون المنظور السلفي هو الاستناد إلى أقوال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم. وبالتالي فإننا نكون شهودًا على تقطيع شخصي للسلف الصالح والتي تشكل آراءهم المنظور الديني الصحيح، ونحن وبغض النظر على الإشكالات التي يمكن أن يخلقها هذا التعريف فيما يخص التشخيص الصحيح لأئمة الهدى المجمع على هدايتهم ودرايتهم، لاستحالة تحقق ذلك في التاريخ الإسلامي، نقول بغض النظر عن هذه الأزمة التطبيقية، نكون أمام معضلة وهي تسلسل السلف الصالح، وبالتالي تسلسل أصول المعرفة الدينية، وهذا يناقض أصل الطرح.
ذلك أنه وعلى أساس التعريف التيمي السلف الصالح لا زالوا يعايشون الزمن الحديث، وبالتالي فإن باب أصول المعرفة الدينية لا زالت مفتوحة على مصراعيها، مما يجعل من الموضوع غير قادر على استيعاب المحمول.
مبدئيًّا نفس التعريف نجده عند الشيخ أحمد بن حجر العسقلاني وإن باختلاف تشخيصي للسلف بالمعنى الاصطلاحي “ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم وما كان عليه أعيان التابعين لهم بإحسان، وما كان عليه أتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة. وعرف عظيم شأنه في الدين وتلقى الناس لكلامهم خلفًا عن سلف. كالأئمة الأربعة والسفيانيين والليث بن سعد وابن المبارك النخعي، والبخاري ومسلم وسائر أصحاب السنن دون من رمي ببدعة أو شهر بلقب غير مرضي مثل الخوارج والروافض والمرجئة والخبرية، والجهمية، والمعتزلة وسائر الفرق الضالة” (2). فما يمكن أن نلاحظه بخصوص هذا التعريف أن ابن حجر العسقلاني وسع من المشخص وأزاح ما يمكن أن يخالطهم في التوصيف الزمني، حاصرًا إياهم بأئمة المذاهب الأربعة وبعض المحدثين والمشايخ الذين لم تترسخ مذهبيتم في التاريخ الإسلامي.
وهذا التعريف كما هو واضح يتخلص من معضلتين، أولاهما وقف تسلسل السلف الصالح إلى تاريخه والذي سبق أن أشكلنا به على ابن تيمية، وثانيهما أنه أخرج بعض الفرق من السلف الصالح والذي يظل قائمًا في تعريف ابن تيمية.
فهذين التعريفين يشكلان العمدة في تعريف المحمول أي السلفية، فهناك من يرى بعض العلماء المتأخرين سلفًا صالحًا، وهناك من يرى بأنهم علماء أجلّاء لا يرتفعون إلى درجة السلف الصالح.
وفقًا لهذه التعاريف، والتي لها المرجعية، نكون أمام سقف معرفي معين ومشخص على الأقل في عمومياته هو الذي يحدد معالم الفكر الديني الصحيح. لكنه وأمام تكثر الآراء الفقهية والعقدية عند الرعيل الأول في الإسلام يجعل هكذا حاكمية معرفية تتهاوى لأنها تحمل في ذاتها بذور موتها، فكيف نستطيع أن نحل إشكاليات التعارض الفقهي والعقدي عند الأوائل؟ هل نعتمد على المعيار الكمي أو المعيار الكيفي؟ وهل إذا اعتمدنا المعيار الكيفي ألا نكون نحن الخلف قد أسقطنا بعض السلف من الصالحية؟ وإن تيسر مثل هذا الطرح فكيف يستقيم القول بوجود سلف صالح، نعمل على رد آرائه إن بالجملة وإن على الجملة؟ هي تساؤلات كثيرة عانى منها علماء الأمة وخصوصًا أن بعض من اعتبروا سلفًا طعنوا في عقيدة البعض الآخر، بل حتى أنهم فسقوهم، مما دفع إلى تكون تيارين كبريين أحدهما أرثذوكسي قضى على هذه الإشكاليات بالانتصار لجهة في مقابل جهة أخرى، وتيار معتدل عمد إلى إجراء استقراء علمي للآراء مصوّبًا هذا على مستوى ما ورادًا رأيه على مستوى آخر، مما دفعه إلى أن يرى في السلف الصالح مرحلة تاريخية مباركة ليس إلّا (3).
طبعًا التيار المعتدل وإن كان سلفيًّا على العموم إلا أنه لا يمتاز بصفاء الانتماء كما عند التيار الأرثذوكسي، لذلك نجد بعض العلماء الأعلام يتخصصون في علم الكلام والفلسفة وغيرها من العلوم العقلية بخلاف أتباع التوجه الأرثذوكسي السلفي، الذين يرون هكذا علوم هي من باب الترف، بل حتى أنهم ينزلوها لدرجة الفسقيات.
ونحن على هذا الأساس نوضح بأن المقصود من البراديغم السلفي هو هذا التوجه الفكري الذي يحيل أو على الأقل يدعي بأنه يحيل على فئة معينة من السلف الصالح دون الغير الذي لا يخدم تصوره، ليكون هكذا أنموذج نقلي انتقائي، نقلي لأنه يعتمد آراء سابقيه في الحكم على الإشكالات الفكرية الدينية التي يتصدى للحسم فيها، وانتقائي لأنه لا يعتمد الآراء بالجملة، بل يرجع لما يخدم غرضه ضاربًا صفحًا عن غيرها من الآراء.
وخير تعريف يوضح هذا الغرض هو ما قاله الشيخ زهير شاويش عندما حرص على تشخيص من هم السلفيون قائلًا: “وتسمية (السلفية) لا بدّ لها من سلف يسبقها تنتهي إليه، وهي تكون خلفًا لسلف. وكان هذا السلف من تابعي التابعين. وقد تبع كل السلفيين وغيرهم من المذاهب من كل الفرق. بعضًا من التابعين. حتى أصبح الفقه، بل والعقيدة، وحتى الأخلاق، أنواعًا كثيرة جدًّا. وفي بعضها اختلاف ظاهر من اتباع الأثر. أو التمسك بالنص والدليل، أو الجنوح إلى الرأي ….والسلفيون ينكرون التأويل اللفظي والباطني. وقل على مثل ذلك كان هؤلاء السلفيون، مع أن كل المذاهب والفرق الباطنية. وحتى عند الديانات المنحرفة. وما أوجد الناس من أحزاب مخترعة.
ولا بدّ من صرف النظر عما كان من فرقة واختلافات بعد الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين. وما ترسب بين المسلمين من أقوال وفرق في مسائل الحكم، والعقائد، والفقه. وكان منهم عدد كبير من مختلف الفرق. وكان منهم من سمي: (السلفيون).
إذن، فالسلفية طريقة في المعتقد والفقه، مفادها: الرجوع إلى ما كان عليه الجيل الأول – السلف الصالح – في العقيدة، والعبادة، والأخلاق، والسلوك… والسلفية معتمدة على الصحيح الواضح من الكتاب والسنة، والوقوف عند اتفاق الصحابة. وما تتابع بعد ذلك بعمل وفهم التابعين من القرون الثلاثة التي شهد لها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالخيرية، وتتابعت بعد ذلك بأقوال أهل العلم، والمعتقد، والحديث، والدعوة”(4).
فالسلفية سلفيات إلا أن أفضلها التي رفضت التأويل بالجملة أما غيرها فباطلة.
طبعًا هذا التعريف يوضح لنا بما لا يدع مجالًا للشك بأن السلفية عندما تطلق فإنه يراد منها التي تفهم الدين فهمًا بدون تأويل، والتي تعتمد اتفاق الصحابة في الاستدلال، أي أن الاختلاف لا يكون موطن نقاش. لكن ما أغفله الشيخ شاويش هو أن السلفية لا ترى أن ثمة اختلاف معرفي عند الصحابة، بل ترى الاتفاق هو الأصل، وإذا ما صادفت اختلافًا رمته بالشذوذ، لتسقطه من الاعتبار. لأن التوجه السلفي واقعًا لا يمكنه بتاتًا أن يقف على مقتضى فكري ديني واحد ليس فيه اختلاف، لذلك تعمد إلى جبر الاختلاف بعدم الاستناد للرأي المخالف والذي يشكل نقصًا عدديًّا ليس إلّا.
مما يجعل من عملية التكميم وحشد الآراء رأس المسألة الاستنباطية عند التوجه السلفي الأرثذوكسي.
لكن ثمة إشكال يطرح بقوة وهو هل وصلنا مجموع آراء الصحابة؟ طبعًا الجواب يكون بالنفي، مما يدفعنا لسؤال معرفي آخر إذا لم يصلنا مجموع الطروحات فكيف لنا أن نحكم بشذوذ رأي ما، لأنه قد يكون قليل العدد فيما وصل إلينا ولكنه بالضرورة ليس كذلك واقعًا؟
حقيقة الطرح السلفي لا يجيب على هكذا أسئلة، لذلك كثيرًا ما نجد أقوال أعلام التوجه السلفي الأرثذوكسي يشيرون إلى الكثرة دون دليل معتبر، بل يتحدثون عن وقوع إجماع في قضية ما دون أن يتم إثبات هكذا إجماع، أي أن الإحالة تكون من باب المسلمات لا من باب القضايا الواجبة الإثبات أصلًا.
بل حتى أن بعض الأفكار الدينية المعتمدة عند التوجه السلفي نفسه، تكون مناقضة لطروحات سابقيه رغم قطعيته بسلفيتهم، ودائمًا وفق الإحالة المجهولة الوجهة.
مما يجعلنا نخلص إلى أن البراديغم السلفي هو نقلي انتقائي ظاهري، ذلك أنه ما دام نقليًّا فهو بالضرورة يكون ظاهريًّا لا يؤمن بالتأويل مما يدفعه إلى التطهر من التوجهات الفكرية المختلفة عنه، فمثلًا في مقام تبيان الجهة نجد الشيخ ابن تيمية حيث أثبت (حسب مدعاه) أن الله سبحانه وتعالى فوق ولا يمكن أن يكون في كل مكان لأنه مستوي على العرش حقيقة على أساس: “كتاب الله من أوله إلى آخره، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها، ثم عامة كلام الصحابة والتابعين، ثم كلام سائر الأئمة، مملوء بما هو إما نص وإما ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى، وهو فوق كل شيء، وهو على كل شيء، وأنه فوق العرش، وأنه فوق السماء”(5)، مؤكّدًا أن هذه العقيدة هي عقيدة جمع السلف الصالح، ذلك أن الباحث لن يجد خلاف ما تبناه الفقيه ابن تيمية فـ: “ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من سلف الأمة – لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف – حرف واحد يخالف ذلك، لا نصًّا ولا ظاهرًا” (6).
وأن المخالفين لعقيدة الفوقية والجهة والمعتمدين لما سماه التعطيل والتأويل هم على ثلاثة أضراب إلا أنهم في جميع الأحوال آخذين عن “تلامذة المشركين والصابئين واليهود، فكيف تطيب نفس مؤمن – بل نفس عاقل – أن يأخذ سبيل هؤلاء المغضوب عليهم أو الضالين، ويدع سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقيـن، والشهـداء، والصالحيـن؟”(7).
فهناك أهل التخييل وهم المتفلسفة ومن سار على دربهم من متكلم ومتصوف ومتفقه وهناك أهل التأويل الذين حملوا الخطاب على المجاز حيث يجب التنزيه (لاحظوا أن هذا أصل العقيدة الأشعرية)، وهناك أهل التجهيل وهم كثير من المنتسبين للسنة وأهل السلف حيث يصفون الرسول عليه الصلاة وآله والسلام بالجهل بمعاني الصفات.
وطبعًا جميع هذه الأضراب ضالة عن الحق بل أن الفقيه يصفــهـم بالـمــلاحــدة (8) وخصوصًا أهل التأويل وهم المتكلمة والجهمية والمعتزلة ومن سار على دربهم.
صحيح أن ابن تيمية أراد الاستعانة ببعض تصريحات المفكرين الإسلاميين الكبار للذب عن طرحه من بينهم أبي الحسن الأشعري، إلا أن الاستعانة بهذا المتكلم العظيم جاء من جهة التحريف لأقوال هذا الأخير كما سوف يتبين لنا أكثر عند نقاش هذه النقطة بالذات.
خلاصة الموضوع أن الترسيمة العقدية والتي اخترنا فقط منها فرع الفوقية وإثبات الجهة عند ابن تيمية هي تطهرية بمعنى أنها تضلل باقي الفرق الكلامية والتي تخالفها الطرح بل أنها تصف متبعيها بالملاحدة، هذا دون أن ننسى أن بعض هؤلاء الملاحدة مؤولين وهم من السلفية المعتدلة أيضًا.
فعلى هذا المستوى نستطيع أن نعاين بأن المنظور السلفي الأرثذوكسي هو منظور تطهري حتمًا.
الخلاصة إذًا هي أن واقعة أن الطابع النقلي الظاهري والانتقائي يؤدي بالضرورة إلى التطهر من الآراء المخالفة.
وهذا الكلام يناقض بالجملة تصريحات الشيخ زهير شاويش الذي حاول أن يلمع الصورة.
على أي نرى الاكتفاء بهذا القدر والذي كان ضروريًّا لمحاولة رسم خطاطة ولو مبدئية للتصور السلفي الذي رأينا تحديده في هذا الموضوع. والانتقال إلى بحث عملية فهم النص القرآني وفق هذا البراديغم.
العنوان الثاني: فهم النص القرآني وفق البراديغم السلفي
قراءة النص أي نص يعتمد مقاربتين أصيلتين ومقاربة عرضية توليفية تعتمدهما معًا في نفس الآن، إحدى المقاربات الأصيلة جوانية والأخرى برانية. والمقاربة الجوانية هي تلك المقاربة التي تعتمد الداخل الفكري الديني بلحاظ العلوم الآلية، والتي تساعد على التعاطي مع الخطاب بأوسع تصوراته من داخله وليس من خارجه، وعند العجز عن استقراء النص من الداخل يتم اعتماد الأقوال المعرفية الجوانية المتحوزة للحمولة القدسية.
أما المقاربة البرانية فهي تلك المقاربة التي تعتمد الخارج الفكري الديني بلحاظ تناسق المعرفة البشرية مع الوجود الإيماني، وبالتالي فهي تعتمد القراءة الخارجية والباردة للشأن الفكري الديني.
وهناك المقاربة التوليفية، وهي مقاربة تجمع بين الاستقراء الداخل الديني والاستناد للمعارف البشرية الخارج دينية في محاولة لفهم النص الديني، عند تعذر الارتكاز والاكتفاء بهكذا معارف حصرية جوانية.
المنظور السلفي كما نوهنا إلى بعض حدوده بما هو أنظومة معرفية لا يرى لزوم الاستناد إلى المقاربة الخارجية، بل نجده شن حربًا لا هوادة فيها على هكذا قراءات مشيرًا إلى أن فهم السلف الصالح هو أكمل الأفهام وأن كل فهم غير مستند لهم لا يمكن إلا أن يكون خاطئًا، وعلى هذا الأساس فعمدة الفهم في هذا البراديغم هو النقل السليم لآراء السلف، لكن وفي مقام خفاء السند النقلي يتم الاجتهاد باعتماد الرأي الشخصي، وهذا الرأي ينتقل بدوره من فهم إنساني اجتهادي إلى رأي سلفي مقدس واجب الاعتماد من جهة رأسية قائله ضمن هرم الفيض المعرفي السلفي، لينقلب بدوره إلى أصح الأفهام والتي لا يستقيم تجاوزها إلّا بفهم أكمل راجع إلى رأسية أعلى متراخية في الزمن، وطبعًا الرأسية العليا المتحدث عنها لا تحدّد إلا من قبل الأتباع بالمعنى الكمي للتابعية لا النوعي، بدون حاجة إلى تعقب الرأي الأصوب في إطار المصداق الخارجي.
في أحد أهم التفاسير السلفية والتي غدت أنموذجًا يتبع، نجد ابن كثير يعرف منهجيته في فهم النص القرآني موضحًا ذلك في مقدمة تفسيره الموسوم بـ “تفسير القرآن العظيم”.
“إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن …
والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: “بم تحكم؟”. قال: بكتاب الله. قال: “فإن لم تجد؟” قال: بسنة رسول الله. قال: “فإن لم تجد؟”. قال: أجتهد برأيي. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، وقال: “الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله عليه لما يرضى رسول الله”. وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد، كما هو مقرر في موضعه.
وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم، كالأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنه.
فبرجوعنا إلى المنهجية التي رسمها الشيخ ابن كثير يمكن لنا أن نبدي عليها مجموعة من الملاحظات:
الملاحظة الأولى: أن شرح القرآن بالقرآن ظلت منهجية- على صحتها مبدئيًّا – إلى حد ما غامضة، فالإطار المعرفي العام الذي يمكننا أن نحاكمها على ضوئه ظلت مغيبة، ولا يمكن تصويبها من عدمه إلا بالرجوع إلى الرأي الأعلى. والحال أن هكذا منهجية هي دوران في الفراغ ذلك أن العقل الكلي بوصفه حاكمًا على المنهجية هو مهمش في مقام العرض والمقاربة والقراءة، فأقصى ما يراه القوم من دور للعقل هو في حده الأدنى أي ذلك العقل المشترك بين الجميع (الطرح العقلائي للمسألة)، وطبعًا هكذا حدية في العقل تجعل منه غير متمكّن من آلية شرح القرآن بالقرآن لأن العقل الوحيد القادر على القيام بهذه المهمة هو العقل الصلب المتنزّه عن المشترك الإنساني العقل القطعي، مما يجعل القارئ العقلائي لا يمكنه إلا أن يكون موازنًا بين الآراء لا أقل ولا أكثر، دون أن يجري عليها قراءة نقدية عقلية للخلوص لصحة التفسير من عدمه.
وهذا ما حدث بالفعل، فأي قارئ عندما يريد أن يفهم آية كريمة يعود إلى هذه التفاسير رجوعًا تعبدّيًا*، غير قادر على نقضها ولو أنه عقلًا لا يقبلها، ذلك أنه يكفيه أن يكون المفسر هو الشيخ الفلاني المشهود له بالعلمية وربما الأعلمية، أو أن رأس الهرم المعرفي السلفي يقرر بأنه أصلب التفاسير. لكي يتقبلها قبول المسلمات، مما يؤدي إلى وجود تراتبية في التفاسير ينقض أعلاها أدناها، فعند الاستشكال يجب الرجوع إلى الأصلب في المقام المرجعي دون حتى أن ينتبه إلى موطن الخلل في الفهم.
إنها حاكمية المشهود له بالتمكن من الصنعة دون لحاظ أنه قد يخطئ في تفسير آية ما، وأن التفسير الأدنى منه في الهرمية هو المصيب، فالإحالة تكون كلية لا موضعية.
الملاحظة الثانية: أن التحدث عن تفسير القرآن بالقرآن رأسًا هو إهمال خطير لعملية الظهور العرفي للقرآن الكريم سواء على المستوى اللغوي الدلالي أو المستوى الملاكي الحكمي**، والحال أن هناك آيات كثيرة تتحدث عن تيسره للفهم.
وإغفال بهذا الثقل ليشكل نقيصة جد حساسة، ويظل غير مقبول، ذلك أن حتى عرض القرآن بعضه على بعض يقف على تشخيص الرابط وهكذا تشخيص لا يتحقق إلا بالفهم العرفي للآيات الكريمة، فيكون المنهج كما تم إيضاحه من قبل الشيخ ابن كثير مقلوبًا، صحيح أنه أعقب الإشارة بالمجمل والمفسر إلا أن هكذا ضميمة في الجملة لا تفي بالغرض لأن الإجمال والتفسير تستلزم الظهور العرفي لأحدهما وخصوصًا الآية الكريمة المستند إليها لرفع الإجمال، والحال أن الإشارة إلى الفهم الشخصي للقرآن الكريم هي مغفلة في التعريف.
صحيح أن ابن كثير على مستوى التفسير أشار إلى الفهم الشخصي ثم عضده بالروايات، إلا أن ذلك كان معكوسًا، بحيث إنه كان يتبنّى الرأي الوارد في الروايات المعتبرة لديه على المستوى الأول ثم يضع ما كون من خلاله قناعته في الأول قبل أن يورد الروايات وكأن الفهم المتبادر من الآية الكريمة يتفق مع فهم السلف الصالح، وهي لعبة جد مكشوفة لأنه لا ينفك أن يورد الروايات المعتبرة عنده في المقام الأول، ثم يورد الروايات المردودة مسبقًا على المستوى الثاني مع نوع من الإشارة التهوينية إليها، مما يجعله يجهز القارئ لقبول رأيه. كما لو أنه من الفهم المتبادر والمعضد بالروايات المعتبرة في المقام.
فتعريفه للطريق السليم للتفسير وإيراد منهجية تفسير القرآن بالقرآن، ثم بعدها بالسنة فروايات الصحابة وعلماء الأمة دون أن يورد ولو إلماحة للفهم الشخصي ينقض ما يحاول جبره في تفسيره عمليًّا، وهذه أيضًا من مصاديق انكشاف اللعبة المخاتلة.
بقيت الإشارة إلى أن رفع الإجمال على الأقل وفق الظاهر من التعريف هو بالرجوع إلى الآية المفسرة، وطبعًا هكذا تفسير لا يتأتّى إلا بالروايات مما يجعل أن المجمل من القرآن على الأقل عند الشيخ ابن كثير غير وارد فيه لا السنة النبوية ولا قول الصحابة، وهذا ينقض أصل منهجيته لأنه عندما يتحدث بالعرض يشير لزومًا إلى السنة وإلا كيف يفسر منهجه التفسير بالمأثور، فيجبر هكذا نقيصة بمورد آيوي آخر مشبع بالرواية أو رأي الصحابة، وهو لعمري انقلاب موردي.
فإما نقول بأن العمدة في عرض القرآن على القرآن هو الظهور العرفي للآية الكريمة وتعذرها في مقام آخر، عندها نقول بأن المنهجية هي استقراء الآيات القرآنية بمصداق الفهم اللغوي والعقلي. وإما نقول بأن العرض يكون على أساس السند الروائي، في هذه الحالة لا نقول بأن القرآن يفسر بعضه بعضًا، بل نقول بأننا نحتج بمورد روائي في آية قرآنية ونسقطها على آية قرآنية أخرى غير مفسرة روائيًّا، فتكون العملية عبارة عن انعكاس شرطي لا يؤدي الغرض بقدر ما يثير الكثير من الغموض على الآيات القرآنية، ولهذا نجد واقعًا بأن التفسير بالمأثور متكثر ومختلف رغم حصول إجماع المفسرين على جسم روائي واحد، إلا أنهم يختلفون كثيرًا في فهم الآية القرآنية.
وحتى ندلل على الانعكاس الشرطي والذي لا يمكن إلا أن يتحقق خلال عملية الفهم، نعود إلى مقدمة التفسير حيث نجد بأن الشيخ ابن كثير احتج في مقام اعتماد رأي الصحابة على الحديث الآتي: كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: “بم تحكم؟”. قال: بكتاب الله. قال: “فإن لم تجد؟”. قال: بسنة رسول الله. قال: “فإن لم تجد؟”. قال: أجتهد برأيى. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، وقال: “الحمد لله الذي وفَّق رَسُولَ رسولِ الله لما يرضى رسول الله”. فالقارئ العادي لهذا النص الروائي يعلم جيدًا – وبغض النظر عن صحته من عدمه – بأن الموضوع يهم القضاء بين الناس في المسائل الشرعية ولا مدخلية له بفهم القرآن الكريم. فهذا النص على وضوحه والذي لا علقة له بفهم النص القرآني، انقلب دليلًا للقول بصحة فهم الصحابة للقرآن الكريم وعمدتهم في هذا المقام عند تغيب السنة. لا أحد يعلم كيف تم التوسع في مدارك هذا النص النقلي ولا ما هي المداخل الفهمية التي تم اعتمادها. ولهي إحالة تجعل المرء يتخوف من الآن من الطريقة التي يرتضيها الشيخ في الإحالة في مقام فهم القرآن، لأن من عجز عن فهم النص الروائي ومناطه هو أعجز عن تطبيقه في فهم آية قرآنية.
كما أن أصل هذا النقل إذا ما جارينا الشيخ ابن كثير بخصوصه فسوف نجده ينقض أصل عملية العرض، فهل هو قائل بالمضمن؛ يعني بأن هناك بعض الآيات لا تفهم ولو بمصداق منهجية العرض لذلك نبحث لها عن حديث الرسول عليه الصلاة وآله، فإن لم نجد – وهذه طامة – نعود لرأي الصحابة. لأن المنهجية إذا عجزت عن تحقيق التكاملية هي منهجية ساقطة، بمعنى أنها لم تثرنا ولم تكفنا مؤونة البحث وتأسيس منهجية أخرى فإنها تسقط كمنهجية.
الملاحظة الثالثة: أن الإحالة على الصحابة كمنهجية داخل في الاجتهاد في الفهم، والحال أن هذه الإحالة تظل منقوضة ولا علقة لها بالاجتهاد في الفهم، وهنا اللعبة التي يريد أن يلعبها الشيخ ابن كثير وهو إفهام القارئ بأن الاجتهاد الشخصي لا يعدو أن يكون رجوعًا لرأي الصحابة.
كما أن النص المحتج به ينقض كلامه والخلاصة التي وصل إليها، وهي أزمة تطبيقية أخرى تنضاف إلى سابقتها، ذلك أن الحديث مضمنه بأن الاجتهاد الشخصي مكفول للمرء بوصفه إنسانًا عالمًا، وليس للصحابة خصوصًا.
لأنه يمكن ومن خلال نفس المنطق أن لا أجد في روايات الصحابة شيئًا عندها أقول بأنني أجتهد ولا آلو، إلا أن الشيخ ابن كثير يرفض هكذا خلاصة حتى لا تتفلت ناصية الفهم والإفهام من الصحابة فجعل الاجتهاد محصورًا في الصحابة ومن اتبعهم بإحسان من الأئمة المهديين، فالقارئ يظل متلقيًا من أول الخط إلى آخره إسناديًّا بامتياز، لا يجتهد حتى يصل مقام التقليد الكلي للسلف الصالح ويتحقق الإشباع من أفكارهم كما وصلته من الطرقية الإسنادية والتي لا تختلف بالضرورة مما يجعل أي تفكير يظل خاضعًا للسياج الفكري السلفي، وهو عين ما أسميناه البراديغم، ويجب أن يظل الفهم الجزئي مرتهنًا بفهم جزئي سلفي سابق وإلا سقط كفهم معتبر.
الملاحظة الرابعة: أنه وعلى مستوى المصداق لهذا المنهج كثيرًا ما نجد آراء حبر الأمة عبد الله بن عباس لا تعتبر في مقام التفسير، عندما تناقض رأيًا فكريًّا أو فقهيًّا مجمعًا عليه بين الأتباع.
ذلك لو أن المنظور الفقهي أو الفكري الديني المعتمد عند علماء المذهب السلفي تناقض مع رأي عبد الله بن عباس رمي هذا الأخير بالشذوذ، وهي طريقة تجعل من صدقية اعتماد رأي الصحابة في المحك، والأدلة على ذلك كثيرة جدًّا.
فالمنظور في الحقيقة تنازلي وليس تصاعديًّا؛ أي أن التصور يكون جاهزًا عند المفسر السلفي ثم يطفق بتعضيده بالروايات ولا بأس أن يرد رأي بعضهم بدعوى الشذوذ لأنها وببساطة لا تتفق مع التصور المجمع عليه داخل البراديغم السلفي.
طبعًا هذا النقد لا يتحوز نية قدحية في المجهود التفسيري لشيخ كابن كثير، بل بالعكس أهميته هي التي شكلت حافزًا لتصويب المنظور بخصوصه حتى يتسنى معاينة باقي التفاسير والموازنة بينها وإراءة باقي المناهج التفسيرية للوقوف على مواطن القوة والضعف لتحقيق التكامل والوصول إلى أقوى المناهج وتحقيق القراءة الأمثل للنص القرآني.
لذا ارتأينا محاولة إراءة المنهج التفسيري عند فطاحلة العلم القرآني في القرن العشرين وهو العلّامة محمد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان، إذ سوف يعاين القارئ مواطن التكامل في المنهجية وكيف تيسر تجاوز بعض المطبات المعرفية المتحققة في المنهج السابق.
قراءة آفاقية: الطباطبائي أنموذجًا
في مقام تبيان المرجعية العلمية الصلبة لفهم كتاب الله نجد العلّامة محمد حسين الطباطبائي في مقدمة تفسيره “الميزان في تفسير القرآن” يصرّح بالآتي:
“وهذا هو الذي دعى الناس أن لا يقتصروا على الفهم العادي والمصداق المأنوس به الذهن في فهم معاني الآيات كما كان غرض الاجتناب عن الخطأ والحصول على النتائج المجهولة هو الذي دعى الإنسان إلى أن يتمسك بذيل البحث العلمي، وهو أجاز ذلك للبحث أن يداخل في فهم حقائق القرآن وتشخيص مقاصده العالية، وذلك على أحد وجهين، أحدهما: أن نبحث بحثًا علميًّا وفلسفيًّا أو غير ذلك عن مسألة من المسائل التي تتعرض له الآية حتى نقف على الحق في المسألة، ثم نأتي بالآية ونحملها عليه، وهذه طريقة يرتضيها البحث النظري، غير أن القرآن لا يرتضيها كما عرفت، وثانيهما: أن نفسر القرآن بالقرآن ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبر المندوب إليه في نفس القرآن، ونشخص المصاديق ونتعرفها بالخواص التي تعطيها الآيات….
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب تفصيل وبيان وتحصيل وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكمة وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له نجوم وعلى نجومه نجوم، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه فيه مصابح الهدى ومنار الحكمة، ودليل على المعروف لمن عرف النصفة، فليرع رجل بصره، وليبلغ الصفة نظره ينجو من عطب ويخلص من نشب، فإن التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، يحسن التخلص ويقل التربص”.
وقال علي عليه السلام: يصف القرآن على ما في النهج “ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض”.
هذا هو الطريق المستقيم والصراط السوي الذي سلكه معلمو القرآن وهداته صلوات الله عليهم.
بعد أن صرح العلامة بأن الفهم المتبادر العرفي لا يسعف في جميع الأحوال أوضح بأن النهج السليم هو شرح القرآن بالقرآن، وهو نفس المنهج الذي أوضحه الشيخ ابن كثير لكن مع اختلاف كبير؛ ذلك أن الشيخ ابن كثير لا يرتضي الفهم الأولي من الأساس بل حتى أنه يراه متفلتًا يجب عقله بالمأثور، بخلاف منظور العلامة الطباطبائي الذي يقر بحجيته وإن بدويًّا غير مفيد للقطع فقط يكفل الاطمئنان للمعنى.
كما أن منهجية العلامة الطباطبائي في تفسير القرآن بالقرآن راجعة إلى استيضاح معنى الآية من نظيرتها بالتدبر المندوب إليه في نفس القرآن، وتشخيص المصاديق والتعرف بالخواص أي خصوصية كل آية على حدة.
فالظهور العرفي يظل هو الحاكم أولًا، ثم يأتي التدبر العقلي في الآيات القرآنية لتحديد المصداق ومعاينة الخصوصية حتى يتم تفسير القرآن بالقرآن، ولعل مقالة علي بن أبي طالب المشار إليها في موطن الاحتجاج توضح بشكل جيد هذه المسلكية، فبعضه ينطق ببعض يعني أنه ينسف الفهم المتبادر وهو ما صرحنا بأنه الفهم البدوي فيكون القرآن مفسرًا نفسه بنفسه بالمصداق القائم في الدرجة الأولى وذلك بعد تحقق التدبر العقلي في مجمل القرآن، ويشهد بعضه على بعض بمعنى أن القرآن يصحح الفهم المتبادر من آية قرآنية بآية قرآنية أخرى، فمدار التدبر العقلي متحقق في الجنبتين معًا، جنبة النطق وجنبة الشهادة.
وطبعًا هكذا منهجية لا يتيسر استيعابها إلا إذا علمنا بأن كتاب الله “له ظهر وبطن، فظاهره حكمة وباطنه علم” فمناط فهم الباطن هو العلم بما هو علم.
بعد هذه المنهجية الصلبة تأتي الروايات والنقولات لتوضيح المعنى في أجلى صوره، والتي تشكل دليلًا أو تأييدًا على الخلاصة الفهمية والتي تكون في الغالب الأعم موافقة للعقل القطعي.
كما أن من موجبات منهجه أنه يفرق بين المفهوم والمصداق، وبالتالي لم يكن يخلط بين التفسير والتطبيق، بخلاف التفسير بالمأثور والذي يظل خاضعًا لأزمة التفسير والتطبيق المجتمعين، فلو وقف على رواية تبين أسباب نزول الآية الكريمة فإنه مع الإشارة إلى حقيقة الجري، يرتفع إلى أعلى ليفسر الآية الكريمة بمعناها الجامع ومفهومها الكلي، وإلا بقينا أمام التطبيق دون التفسير وهو من المطبات الكثيرة التي يقع فيها التفسير بالمأثور، فتضيع الحكمة الإلهية من مناسبة النزول لتضحي الواقعة هي الحاكمة على الفهم للنص القرآني.
فالعلّامة يعتبر تنزيل القرآن الكريم بنحو التجلي لا التجافي، لذا كان شخص معارفه الطولية ويجعل كلًّا منها في رتبته الخاصة، ولم ير أيًّا منها مانعًا من الحمل على الظاهر وحجيته واعتباره. وكان يعطي الأصالة في التفسير للظاهر ولا يعتبر الباطن أصلًا في تفسير الآية المفهومي، بل كان يدخل الباطن عن طريق حفظ وحجية ظاهرها ويسلك من ذلك الباطن إلى باطن آخر.
أما فيما يخص التأويل وكيف يعتمد السيد الطباطبائي فهو رهين بالفهم الطولي للآية الكريمة محافظًا على ظهورها دون أن يتم تجاوزها إلى النقيض فعملية التأويل عنده تعميق نظر وإبصار في الحكم العميق لها (9).
وقد ألمح الأستاذ حيدر حب الله إلى هذه النكتة عندما أشار إلى أن “العلّامة لم يحضر النص في بحثه التفسيري، بل تعامل بروح أكاديمية صرفة مع تفسير النص مخضعًا عمله لقواعد التفسير نفسها، وعندما كان يأتي للبحث الروائي الذي كان يعقده في أواخر كل فصل تفسيري كان يكتفي بمجرد عرض النصوص دون أن يوحي لنا بأنه يركز نظره عليها كثيرًا ما لم تكن القضية من حيث أساسها روائية، وانطلاقًا من ذلك لم يكن الطباطبائي ليخشى النص الروائي بل كان يتعامل معه بروح فوقية – بالمعنى غير السلبي للكلمة -، أي أنه كان يرى هذا النص في درجة تالية منهجيًّا لما كان قد فرغ منه في تفسير الآيات سلفًا، ولهذا لم يكن ليتحفظ عن الإسراع في استبعاد نص روائي أحيانًا أو تجاهل آخر أحيانًا أخرى مبررًا ذلك بأنه لا يتوافق مع ما تقدم في تفسير الآية، ولم يكن لينظر إلى سند النصوص وتقييم تعارضها وغير ذلك، والشاهد الأهم هو فصل النص الروائي التفسيري عن القسم التفسيري نفسه، وهذا يدلّل منهجيًّا على تأخر رتبي للنص الروائي، وإلا لكان من الضروري استحضاره لدى تفسير النص نفسه” (10).
غير أنه لدينا بعض الملاحظات بخصوص هذا التصريح وهو أن الإشارة إلى النص الروائي بعد تفسير الآية الكريمة لم يكن من باب التوالي الرتبي بقدر ما كان ركون العلّامة إلى حاكمية ظاهر الآية الكريمة والتي لا يرى معها ضرورة للتوضيح الروائي لأن إعمال النص الروائي وخصوصًا فيما يخص أسباب النزول وجعلها رأس الفهم للآية الكريمة، كان العلّامة يعتبره تطبيقًا وليس تفسيرًا، وطبعًا هكذا اعتماد ينسف أصل مشروع التفسير الذي ارتضاه العلّامة، غير أنه وفي جميع الأحوال يترك لنفسه وللقارئ الكريم فرصة إجراء قراءة تطبيقية للآية الكريمة، وذلك بمنحه الأدلة النقلية التي يمكن أن يستعين بها ليطبق الآية الكريمة على الواقع والتي تظل في جميع الأحوال خارج مهمة التفسير التي أوضحها العلّامة في مقدمة كتابه.
كما أن الدافع الثاني والأساسي هو أن الأدلة النقلية على أهميتها تظل في العموم ظنية الورود تحمل نسبة من عدم صدورها عن المعصوم عليه السلام، وهذه النسبة قد تكبر وقد تتضاءل، فلم يكن ليعول عليها في مقام تفسير القرآن الكريم، مصداقًا للقاعدة الكبروية التي أوضحها العلّامة وهي أصالة البيان في القرآن، وحاكميته على النص الروائي مما يجعل من ظواهر القرآن مقوّمة للنص الروائي، وبالتالي لا يمكن أن تكون كاشفة للمعنى بالأولى إلا من جهة التعضيد لا من جهة التأسيس للفهم.
فـ “للعلّامة الطباطبائي في خصوص ظواهر القرآن الكريم رأي خاص، يقضي باعتبارها حجة وكاشفًا عن الواقع، ما لم تقم قرينة قطعية على خلافها كما هو الحال في معالجته مثلًا، لبداية الخلقة الإنسانية ورد نظرية داروين، والسبب في ذلك، أي امتياز الظواهر القرآنية عن مداليل الروايات، وحجية هذه الظواهر حتى في المجال العقدي والتكويني، يمكن أن يرجع:
أولًا: إلى أصالة النص القرآني ومرجعيته العامة حتى في تقويم الروايات وتمييز صحيحها من سقيمها.
ثانيًا: إلى مبدأ الوضوح القرآني، وأن هذا الكتاب في نفسه بيان ومبين وواضح في دلالته ومعانيه، أي مبدأ تفسير القرآن بالقرآن.
وثالثًا: وجود احتمال النقل بالمعنى في كثير من الروايات أو أغلبها، مما يفسح المجال لاحتمال تسرب وعي الناقل وثقافته ومحيطه الفكري وطاقاته الذهنية إلى داخل النص المنقول، مما يحدث فيه تصرفًا في الألفاظ والعبارات، على خلاف الحال في النص القرآني، إذ لا ريب في أنها عين الألفاظ التي أعلمها المولى سبحانه لنبيه الكريم.
ورابعًا: يقينية صدور النص الكتابي في مقابل ظنية صدور الروايات، وهو ما يحتمل أن تكون له علاقة أيضًا”(11).
لكن الظهور المتحدث عنه عند العلّامة الطباطبائي لا يشمل فقط البعد اللغوي الدلالي للكلمة، بل أيضًا البعد الملاكي الحكمي وهي جنبة معرفية تهتم كثيرًا بمحاولة استيعاب الحكمة من النص القرآني بمعاينة قواعد التفسير والتأويل مرتبطًا بالاتصال اللغوي وأطرافه وشروطه وقواعده وآثاره والدلالات الاستعمالية والكل مرتبطة بالتضمينات النظرية والمجال المعرفي الذي تتم فيه عملية التثوير والاكتناز، ودائمًا وفق المعول اللغوي بتوسع مجالي أكبر من المقام الدلالي الصرف، وهو ما أسماه الباحث مصطفوي بالأفهوم القرآني (12). والكل يبقى في إطار العنوان الكبروي المسمى التفسير، مع ضرورة الإشارة إلى أهمية العقل في هذا المقام.
فـ “انطلاقًا من البرهانية التي أكسبته إياها الفلسفة سيما المتعالية، فقد اعتبر السيد الطباطبائي أن ثمة خللًا منهجيًّا في التعاطي مع النصوص العقلية، وهذا الخلل يكمن في أن حجية النص وقيمته متفرعة عن العقل، وبالتالي فلا معنى لأن تكون النصوص حاكمة على العقل ونشاطه، ومن اعتبر الطباطبائي أن تقييد البحث الكلامي بموافقة الشرع تسبب في منع البحث الحر وطريقة التفكير الاستدلالي”(13). بل أن هكذا نهج هو وقوع في الدور ذلك “أن العقيدة التي يراد الاستدلال عليها لا تتبع في ثبوتها الاستدلال، لأنها شرط في ممارسة الاستدلال وإسباغ الشرعية عليه، فهي إذًا ثابتة في المرتبة الأولى وإلا لما كان يصلح أن تكون قيدًا لغيرها”(14)، فتنقلب الأمور فيصير “الاستدلال تابع للعقيدة في صحته”، والحال أن العكس هو الواجب.
وطبعًا التركيز على البعد الأفهومي في القرآن الكريم هو عين ما أشار إليه العلّامة السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني بالمعاني الكلية للألفاظ حيث صرح “ومن خصائص هذا التفسير أيضًا، رعاية المعاني الكلية للألفاظ الموضوعة، وليس خصوص المعاني الجزئية الطبيعية والمادية المأنوسة لذهن الإنسان، وأيضًا تحديد موارد الجري والانطباق وفصلها عن متن المدلول المطابقي للآيات” (15).
وحتى نلملم الموضوع جيدًا لا بأس من إظهار الخطوط العريضة لمنهجية التفسير عند العلّامة، ذلك أنه يعمد في إطار تفسيره للآية إلى سوق كل ما يتصل بها من آيات، مع بيان السورة والرقم لكل آية، ثم يستخلص المعنى الظاهر الذي دلت عليه مجموع الآيات، كما لو كانت في سياق واحد، لأن المفروض أن مصدر القرآن واحد، وأنه يعتمد القرائن المنفصلة تمامًا كالمتصلة. ثم يعزز المعنى الظاهر، ويدعمه بمنطق العقل، إن كان من الموضوعات العقلية، وإلا أقام الدليل على أنه لا يتعارض مع العقل في شيء، فإذا تم هذا انتقل بالمعنى القرآني إلى حياة المجتمع، وقارن بينه وبين عقائد الناس وأفعالهم وعاداتهم، على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، وأثبت أن من خالف القرآن في شيء من ذلك فقد تنكر لإنسانيته وتجافى عن الحياة الكريمة التي تتضمن له ولمجتمعه السعادة والهناء، ثم يلحق المؤلف بكل فصل من فصول الكتاب بابًا مستقلًّا يورد فيه طرفًا من أحاديث الرسول وأهل بيته(16). فالانتقال من الظهور العرفي الدلالي إلى الأفهوم القرآني الكريم من جهة الإحاطة بالمعارف الكلية بشاهدية القرآن على بعضه البعض، هذا كان إيضاحًا لمنهجية التفسير.
أما على مستوى التأويل بما هو تعميق نظر في الحكمة الإلهية فإن العلّامة يكون ملزمًا باعتماد النص الروائي إلى جانب المدركات العقلية والإثباتات الشهودية، لأنه يرى بأن بطون القرآن يساعد على تأييد ظواهره (17). وبالتالي لا تناقض في التفسير مع التأويل بقدر ما هو تعميق للنظر واستيعاب أقوى وأعمق للثمار المعرفية والمعنوية الموجودة في ثنايا الآيات الكريمة. ولعل هذا من مصاديق الرتبية لأن العلّامة لم يكن ينتقل للتأويل إلا بعد المرور من التفسير، فلو تيسر للأستاذ حيدر حب الله توضيح ذلك لما وجد نفسه ملزمًا بإقحام جملة “بالمعنى غير السلبي للكلمة” في موطن بيان المنهج.
فكما سوف يلاحظ القارئ الكريم بأن عمدة هذه المنهجية هي نفس النقيصة التي سبق وأوضحناها عند قراءتنا لمنهج الشيخ ابن كثير، أي جنبة التدبر العقلي التي ظلت مغيبة من الأول إلى الآخر، وحاكمية الرواية على النص القرآني وخصوصًا أن الرجوع إلى آراء السلف الصالح والتي قد تتناقض لا تشكل إلّا اجتهادًا بشريًّا في المقام، تجعل من مهمة المفسر – والذي هو مطبق بالضرورة – يوازن ويميل لما يعتقده سليمًا، فتكون المحصلة إدراج الفهم الشخصي للمفسر/ المطبق واقعًا وادعاء المأثور ظاهرًا، هذا بغض النظر على أن المأثور متنازع كثيرًا في صحة وروده، فالباحث عن حال الراوي من الطبقة الثانية والثالثة فما فوق يكاد لا يقف على راوي واحد لم يطعن فيه.
كما أن الاجتهاد المرهون بفهم الصحابة يجعل من التفاسير القرآنية التي أتت فيما بعد لا موجب لها، لأن الرؤية الإسنادية واحدة وهو كلام يجر إلى الجمود في فهم كتاب الله، بخلاف المنهجية الآفاقية التي أوضحناها بخفة في هذا المقام.
زبدة الكلام أن فهم الكتاب لا يمكن أن يتحقق إلا بإجراء تدبر عقلي معتبر يهم مقام الظهور الأولي لكلام الله بعدها ننتقل لإجراء قراءة كلية للقرآن الكريم من جهة أن بعضه ناطق بالبعض وأن بعضه شاهد على بعض، فبهكذا منهجية يستمر الفتح المعرفي في أقدس النصوص وأقوى النصوص وأهم النصوص وهو نص الحياة العبادية إلى آخر الزمان، ويظل الوحي عائش فينا ونحن عائشون به.
الهوامش:
1 – الشيخ ابن تيمية، الفتوى الحموية الكبرى، (المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع، الطبعة1، سنة 2001)، الصفحة 4.
2 – محمد الكثيري، السلفية بين أهل السنة والإمامية، (منشورات دار الغدير، الطبعة1، سنة 1997)، الصفحة 23.
3 – الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي، (نشر دار الفكر المعاصر، الطبعة 1، 2004).
4 – الشيخ زهير شاويش: السلفية حركة قائمة في وجه مخالفيها، ضمن كتاب السلفية “النشأة – المرتكزات – الهوية” أوراق حلقة بحثية، (منشور عن معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية، الطبعة 1، 2004)، الصفحة من 8 إلى 10 بتصرف.
5 – الشيخ ابن تيمية، مصدر سابق، الصفحة 9.
6 – الشيخ ابن تيمية، مصدر سابق، الصفحة 12.
7 – الشيخ ابن تيمية، مصدر سابق، الصفحة 19.
8 – الشيخ ابن تيمية، مصدر سابق، الصفحة 25.
* ما نقصد بالقراءة التعبّدية تلك القراءة التي تضفي نوعًا من القدسية على النص المقروء، وبالتالي لا ترى ضرورة بإجراء مقاربة نقدية لمبادئه أو خلاصاته، بل قد يصل بها الحد إلى اعتبار هذا العمل على الحد الشرك والكفر سواء.
** سوف يتم مناقشة هذين المستويين في مقام بسط تصور العلّامة في التفسير.
9 – مؤلف جماعي، سيرة العلّامة الطباطبائي، يرجى الرجوع إلى بحث منهج المرحوم العلّامة في التفسير. (منشورات دار الهادي، الطبعة 1، 2000)، الصفحات من 43 إلى 63.
10 – الشيخ الأستاذ حيدر حب الله، علم الكلام عند السيد محمد حسين طباطبائي قراءة في جدل العقل والنص، مجلة الكلمة، العدد 36، سنة 2002، الصفحة 52.
11 – الشيخ سعيد رحيميان، المدرسة التفكيكية والمدرسة الطباطبائية – قراءة نقدية مقارنة، ترجمة: الشيخ الأستاذ حيدر حب الله، مجلة نصوص معاصرة، العدد الثاني، السنة الأولى 2005، الصفحتان 101 و 102.
12 – السيد الأستاذ محمد مصطفوي، الأفهوم القرآني ونظريات تشكل الخطاب، مجلة الحياة الطيبة، العدد الثالث عشر، سنة 2003، الصفحة من 15 إلى 48. يرجى مراجعة البحث لأهميته وجديته، بالإضافة إلى مجمل البحوث المنشورة في ملف هذه المجلة.
13 – الشيخ الأستاذ حيدر حب الله، علم الكلام عند السيد محمد حسين طباطبائي قراءة في جدل العقل والنص، مصدر سابق، الصفحة 50.
14 – العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، رسالة التشيع في العالم المعاصر، ترجمة: الأستاذ جواد علي كسار، (نشر مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر، الطبعة 1، رجب 1418 هجري قمري)، الصفحة 115.
15 – العلّامة السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني، الشمس الساطعة، (منشورات دار المحجة البيضاء، الطبعة 1، سنة 1997)، الصفحة 60.
16 – العلّامة محمد جواد مغنية، ثلاث خصائص لتفسير الميزان، ضمن كتاب رسالة التشيع في العالم المعاصر، الصفحتان 502 و 503.
17 – الشيخ سعيد رحيميان، المدرسة التفكيكية والمدرسة الطباطبائية – قراءة نقدية مقارنة، مصدر سابق، الصفحة 102.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/14321/salafi/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.