النص على الإمام
إن منصب الإمامة هو استمرار للنبوة، فلذلك ما كان لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أن يترك المجتمع يعيش في فراغ بعد رحيله، حيث تقع فيه الخلافات والنزاعات ويرجع الناس إلى عهد الجاهلية، بل إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي بعث رحمة للعالمين وسيد العقلاء الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، كان قد نصّ على ولاية وإمامة علي عليه السلام في مناسبات كثيرة منذ انطلاق الدعوة الإسلامية، حيث ينقل لنا التاريخ تلك الحادثة المعروفة بحديث الدار عندما جمع عشيرته ولم يؤازره على أمره غير الإمام علي عليه السلام فقال عندها صلى الله عليه وآله وسلم: “أنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي”([1])، ثم أكّد على هذه الولاية في العديد من النصوص لاحقًا إلى أن وصل إلى حديث الغدير الذي أوردناه أولًا. هذا بالإضافة إلى الآيات الواردة في حق أمير المؤمنين عليه السلام التي منها:
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ امَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون﴾([2]).
وقد أجمع المفسرون من السنة والشيعة على أنها نزلت بحق أمير المؤمنين عليه السلام عندما تصدَّق بخاتمه أثناء الصلاة.
ومنها قوله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾([3]).
وفي أسباب نزول هذه الآية المباركة، روى الثعلبي الذي هو من المفسرين السنّة، أنه لما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي عليه السلام فقال من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ الحارث بن النعمان الفهري فأتى نحو النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ناقته حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته فأناخها وعقلها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في ملأ من أصحابه فقال: يا محمد أمرتنا من اللَّه أن نشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه ففعلناه، وأمرتنا أن نصلي خمسًا فقبلناه، وأمرتنا أن نصوم شهر رمضان فقبلناه، وأمرتنا أن نحج البيت فقبلناه، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بطبعي ابن عمك وفضَّلته علينا، وقلت من كنت مولاه فعلي مولاه، وهذا شيء منك أم من اللَّه؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والذي لا إله إلا هو، من اللَّه، فولَّى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقًّا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه ابن بحجر فسقط على هامته فقتله وأنزل اللَّه تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع﴾([4]).
وكذلك الحال بالنسبة للأئمة الإثني عشر، فبالنظر لأهمية موقع الإمامة وخطورته لم يكتفِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنص على أمير المؤمنين عليه السلام فقط، بل أشار إلى الأئمة الإثني عشر عليهم السلام في مناسبات عديدة وبصيغ مختلفة، منها: ما رواه جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “لا يزال الإسلام عزيزًا إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش”.
وفي رواية عن الصحابي الجليل جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال: لما أنزل اللَّه تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: “﴿يا أيها الذين امنوا أطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾، قلت يا رسول اللَّه قد عرفنا اللَّه ورسوله فمن أولي الأمر الذين قرن اللَّه طاعتهم؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: هم خلفائي وأئمة المسلمين بعدي أوّلهم: علي بن أبي طالب ثم الحسن والحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه عني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميّي وكنيّي حجة اللَّه في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي الذي يفتح اللَّه على يده مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته غيبة لا يثبت على القول في إمامته إلا من امتحن اللَّه قلبه بالإيمان”.
أما علم الإمام، فهو ينتقل إليه بعدة طرق، منها المباشر، ومنها بواسطة المعصوم السابق له، ومنها تحديث الملائكة، ومنها الإلهامات.
قال أبو الحسن عليه السلام: “الأئمة علماء صادقون مفهمون محدّثون”([5]).
وفي حديث عن الحارث بن المغيرة: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن علم عالمكم. قال: “وراثة من رسول الله ومن علي”. قال: قلت: إنا نتحدث أنه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم. قال: “أو ذاك”([6]).
وقال الإمام الصادق عليه السلام: “إن لله علمًا لا يعلمه أحد غيره، وعلمًا قد علمه ملائكته ورسله، فنحن نعلمه”([7]).
([1]) الشيخ المفيد، الإرشاد، الجزء1، الصفحة 50.
([4]) تفسير الفخر الرازي، الجزء8، الصفحة 292.
([5]) الكليني، أصول الكافي، الجزء1، الصفحة 270.
([6]) الكليني، أصول الكافي، الجزء1، الصفحة 264.
([7]) محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات، الصفحة 110.
المقالات المرتبطة
الحرب والرجاء
إنّها سوريا، هي المقصد. بما هي واسطة عقد الممانعة في المنطقة العربيّة. وهناك، على الضفة الأخرى، علت النداءات على صوت أجراس الكنائس تنادي المؤمنين في كلّ بقاع الأرض ليتداعوا إلى لصلاة برجاء السلام.
الأبعاد الاعتقادية في الدعاء وأهميتها
الأبعاد، جمع بُعد، أي المدى واتساع المسألة وأهميتها عمليًّا. والعقيدة، جمع، أو ربط بين أطراف الشيء، وهي القاعدة الفكرية
شفاعة الحاج قاسم سليماني
نحن لا نحتّم على الله، ولكن هذه ثقتنا وهذا رجاؤنا بشخصية هذا الرجل. داعين الله أن يشفع لنا بحبنا له.