by سيد حسين الأطاسي | مارس 21, 2022 11:39 ص
سمات الدين المميّزة
اصطدم المؤلفون، منذ القرن الثامن عشر ميلادي، عندما بدأت المحاولات الأولى لدراسة الدين دراسة علمية، بمشكلة تحديده، وهي مشكلة ستتعقد بقدر ترسّخ المذهب الإنسي الفلسفي، في أوروبا الغربية، الذي ينكر فكرة كل ما هو فوق الطبيعة. وما فتئ المذهب الإنسي أن عمّ المثقفين الذين أعاد بعضهم تحديد الدين فأدرجوا هذا المذهب في الدين. وأنا أعتزم أن أبيّن هنا أن إدراج فلسفة غير دينية في مفهوم الدين أمر رجعي، سواء من وجهة النظر العلمية، أو من وجهة نظر تصنيف الظواهر.
والبحث العلمي ليس جديرًا بهذا الاسم إن هو لم يساهم لا في الاستجابة لحاجات الإنسان فحسب، وإنما أيضًا إن هو لم يساهم في توضيح المشاكل الفلسفية والدينية التي ملكت على الإنسان اهتمامه منذ الأزمنة الغابرة، إن لم نقل في حلها. فليس للإنسان، في عالمنا إلا الاختيار بين طريقتين لتوجيه حياته وتنظيمها؛ أعني بذلك أن يحدّد لنفسه أهدافًا زمنية صرفًا، دون أن يقتصر، مع ذلك، على المشاغل النفعية، أو أن يأخذ في حسبانه الروحي وما هو فوق الطبيعة، من غير أن يهمل، أيضًا، بسبب ذلك، مقتضيات الحياة في العصر. ولا وجود لخيار ثالث، وكل ما ثمة هو درجات الالتزام بهذا الاختيار أو ذاك، إذ لا سبيل بالفعل، ليكون المرء مؤمنًا ملحدًا في ذات الوقت.
وقد اختارت الأغلبية الساحقة من بني البشر التوجه الروحي أصلًا، الذي سمّي، كما يبدو في المجتمعات، وفي مؤسّساتها وتصرفاتها الفردية، نمط الحياة الدينية. وبلغ تأثير الدين في المجتمعات البشرية من العمق والحضور ما جعل المختصين في العلوم الاجتماعية المعنية بالدين (كعلم النفس وعلم الاجتماع والأنتروبولوجيا والتاريخ وغيره) يكادون يجمعون على الإقرار بأن للدين، بصرف النظر عن حقيقته، قيمة وظيفية كبيرة. وعلى الرغم من أن كل علماء الاجتماع لا يؤمنون بدين، فإنهم يعترفون، جميعهم تقريبًا، بجدواه الاجتماعية.
والدين من بين ما يسمّى بالمقولات الكونية للثقافة[i][1]. وعامة ما نسلّم بأنه لا يوجد مجتمع لا دين له، حتى وإن أعلن بعض أفراده أنهم ملحدون، وقد كتب برغسون “نجد في الماضي، وقد نجد حتى اليوم مجتمعات ليس لها علم ولا فن ولا فلسفة، لكن ما كان ثمة أبدًا من مجتمع دون أن يكون له دين”[ii][2].
وقد جعل مالينوفسكي (Malinowski)، مع كثير من أهل الاختصاص بالعلوم الاجتماعية، السحر والعلم من بين المقولات التي نحن واجدوها في المجتمعات كافة، حيث قال: “لا توجد شعوب، مهما تكن بدائية، من دون دين أو سحر، مثلما لا توجد، ولنسارع بقول ذلك، أعراق متوحّشة يعوزها الموقف العلمي والعلم، رغم أننا غالبًا ما زعمنا خلاف ذلك، إذ يوجد حسب الملاحين الأكفّاء الجديرين بالثقة، في كل مجموعة بدائية ميدانان، على غاية من التمايز، هما المقدّس والدنيوي، هما بعبارة أخرى ميدان السحر والدين، وميدان العلم”[iii][3].
لكن السير جيمس فرازر (Sir James Frazer) لا يرى هذا الرأي. إذ يعتبر بالإمكان وجود مجتمعات بلا دين، وهو يرى أن الدين يعقب السحر على قدر تطور الذكاء البشري[iv][4]. وقد كان هذا التصور التطوري عرضة لنقد شديد. فعلاوة عن كون فرازر قد استظهر بملاحظات غير صحيحة، فإنه راعى المعطيات التي تدخل في الإطار المعد مسبقًا رغبة منه في تطبيق نظرية التطور التدريجي على أصل الدين وتطوره. وكل هذا لا يستند إلا إلى ضروب من التخمين. ولا يكون التفكير مقبولًا ولا الطريقة علمية إذا لم تكن العبارات والمفاهيم المستخدمة واضحة. ودراسة مؤسسة من المؤسسات، أو ظاهرة اجتماعية، مهما تكن، يجب أن تتضمن أربعة عناصر هي:
اتبع الرابط لمتابعة قراءة البحث: صعوبات_تحديد_الدين_سيد_حسين_الأطاسي[5]
[6]
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/14526/definingreligiondifficulties/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.