مقاربة تدبيرية للأرض

by ستيفن سايزر | أبريل 4, 2022 10:03 ص

ترجمة: طارق عسيلي

مقدمة

تعتبر التدبيرية واحدة من أكثر الأنظمة اللاهوتية تأثيرًا داخل الكنيسة، وهي حركة غير معترف بها وغير ملحوظة على نطاق واسع، فهي شكلت وبتزايد مطرد فرضيات التفكير الأصولي والتبشيري والعنصري المتعلق بإسرائيل وفلسطين على مر المئة وخمسين سنة الماضية.

يعتبر John Nelson Darby أبًا للتدبيرية وأعجوبتها الصهيونية المسيحية ويعود الفضل لـ   Cyrs scofield و D.L Moody في اجتذاب داربي من دائرة اللاهوت الطائفي إلى دائرة البروتستانتية الواسعة.

ويقر R.C.Sprof أن التدبيرية الآن هي “نظام لاهوتي يرجح أن تكون غالبية البروتستانت الأميركيين منتمية إليه”. وقد كان أغلب وعّاظ الراديو المتقدّمين في أميركا مكدونالد غرابي و Barnhons و Charles E Fuller و M.R Dehaan تدبيريين. وكل مبشري التلفزيون اليوم مثل Jerry Falwell و Jim Barker و Paul crou و Jimmy… و Billy graham هم أيضًا تدبيريون، وهناك أيضًا رواد الكتابة التدبيريون مثل Charles Ryrie و Bwhight Perteast و Jhon Walword و Eric swier و Charles Dyer و Tim lahage و Givant Joffry و Hal Lindsey. وهناك بعض السياسيين الداعمين للتدبيرية مثل جيمي كارتر ودونالد ريغن. وربما كان معهد Moody Bible ومعهد دالاس للاهوت، والسفارة المسيحية العالمية هي المؤسسات المسيحية الأكثر أهمية في مناصرة التدبيرية.

تعريف التدبيرية

النص الأساسي الذي ترتكز عليه التدبيرية هو الطبعة المجازة من تماوس 2 (2: 15) حيث يدعو بولس الرسول ليبين أنه مصدق من الله “اجتهد أن تقيم نفسك لله مزكى عاملًا لا مفصلًا كلمة الحق بالاستقامة”. لقد جعل سكوفيلد هذه الآية عنوانًا لكتابه الأول الذي هو دفاع هذه الطريقة في “تفصيل” الكتاب المقدس إلى تدبيرات غير مترابطة. ويصف Charles جوهلا التدبيرية الكلاسيكية كما يلي:

التدابير السبعة

يدعي التدبيريون أتباع Scofield و Darby أنهم وجدوا دلائل في الكتاب المقدس، لسبع تدبيرات متميزة. اختبرت خلالها البشرية بوحي غير متعلق بإرادة الله. وفي كل تدبير بما في ذلك التدبير السادس الحاضر للكنيسة، فإن الإنسانية لم تنجح بالاختبار. لقد بدأت هذه التدابير مع الخلق وسوف تبلغ أوجها في مملكة حصرية لليهود على الأرض.

ويقدم Charle Ryrie أوضح تفصيل للتدابير (جدول 1).

الجدول الأول التدابير السبعة.

الاسم الكتاب المسؤوليات الأحكام
البراءة تكوين 3: 1- 6: 3 احتفظ بالجنة اللعنات
الضمير تكوين 3: 7- 8: 14 إفعل الخير طوفان
حكومة مدنية 11: 9 إملأ الأرض تشتت قصري
حكم بابوي تكوين خروج البقاء في أرض الميعاد الاسترقاق المصري
الشريعة الموسوية خروج 19: 1- يوحنا 41: 30 المحافظة على القانون الأسر
النعمة أعمال 2: 1- وحي 21: 19 الإيمان بالمسيح الموت
الألفية وحي 20: 1- 15 إيمان وطاعة الموت

ينظر مؤيدو التدبيرية إلى هذه التدبيرات بأنها “تزودنا بجدول زمني ليرشدنا باتجاه التدبير السابع والأخير الذي سيتوج بالعودة القريبة ليسوع المسيح وذروة تاريخ العالم”.

تمييز بين إسرائيل والكنيسة.

يعتقد التدبيريون أن لله وسيلتين منفصلتين ولكن متوازيتين للعمل: واحدة عبر الكنيسة، والأخرى من خلال إسرائيل، والثانية بمثابة بديل عن الأولى، وهكذا سيكون دائمًا تمييز بين إسرائيل والعامة والكنيسة. (…….)

لم يكن Darby أول من ألح على التمييز الجذري بين إسرائيل والكنيسة. فقد أكد Marcion على الطبيعة الأصيلة للمسيحية في مقابل اليهودية ويوجد في لاهوته انقطاع تام بين العهدين أي بين إسرائيل والكنيسة، بل حتى بين إله العهد القديم وأب يسوع (…….)، وقد كان Darby أول من أصر على “عدم دخول الأمة اليهودية إلى الكنيسة” (………).

وقد طور Scofield هذه الفكرة إلى حد “أن المقارنة بين ما قيل عن إسرائيل والكنيسة في الكتاب المقدس نجد أنه في الأصل النداء، والوعد، والعبادة، ومبادئ السلوك، وقدر المستقبل كلها متعارضة” (……..).

وسع Lewis chafer – مؤسس معهد دالاس للاهوت وتلميذ Scofield من الهوة بين إسرائيل والكنيسة “يعتقد التدبيريون أنه على مر الزمن يسعى الله لتحقيق مقصدين: الأول يتعلق بالأرض يخص أناس أرضيين ومواضيع أرضية، وهو اليهودية، بينما يتعلق الآخر بالسماء وأناس سماويين ومواضيع سماوية، وتلك هي المسيحية، (………) فبالنسبة لـ Chafer إسرائيل أمة خالدة، لها أرض خالدة ومملكة خالدة يحكمها داوود من عرش أبدي. (…….) والذي سيكون على الأرض ويختلف عن الكنيسة التي ستكون في السماء.

التفسير الحرفي

ترتكز التدبيرية على المبدأ التأويلي الذي يقول: إن الكتاب المقدس يجب أن يفسر دائمًا حرفيًّا. ويمكن تلخيص مقاربة Darby بجملة واحدة يقول فيها: “أفضِّل الاقتباس من مقاطع عديدة على التوسعة في المعاني”. (……..) ويذهب سكوفيلد- الذي بسط لاهوت داربي بعيدًا في شرحه “لم يوجد للحظة واحدة تصبح إنجاز روحي للنبوءات… فأوروشاليم هي دائمًا أوروشاليم، وإسرائيل دائمًا إسرائيل، وصهيون هي دائمًا صهيون، ولا يمكن أبدًا روحنة النبوءات ولكنها دائمًا حرفية”. (…….)

ويؤكد Ryrie كذلك (بالتأكيد التفسير الحرفي /التاريخي/ النحوي ليس ما يملكه ويفعله التدبيريون فحسب، بل استخدامه المتناسق حيث يفسر الكتاب المقدس). (…….)

النتيجة المنطقية لتفسير التدبيريين الحرفي بحسب Duright pent east – عضو سابق آخر في معهد دالاس- هي أنه “لا يمكن لأحد أن يفهم الكتاب المقدس إلا إذا ميّز بوضوح بين البرنامج الإلهي لشعبه الأرضي إسرائيل وبين الكنيسة”. ويصر Donal Grey وهو من رواد التدبيرية “لقد كانت ساعة مأساوية عندما كتبت الكنائس الإصلاحية الوصايا العشر في معتقداتها وتعاليمها، وسعت لجلب المؤمنين العامة إلى الشريعة اليهودية، التي لم تكن أبدًا لا للأمميين ولا للكنيسة” (……..).

ويصر Chafer  بصراحة أن التدبيرية “غيَّرت الكتاب المقدس من مجرد مجموعة من النصوص المتصارعة إلى وحي مصنف وسهل الفهم لمقاصد الإله الأرضية والسماوية التي تمتد إلى الأبدية”. (……….)

ويلاحظ Ermest Sandeen ناقدًا أن للتدبيرية “نصًّا جامدًا تدعم كل كلمة فيه بنفس الثقل من السلطة الإلهية”(……….). وبارتكازهم على هذا المبدأ التفسيري يعتقد التدبيريون أن الوعد لإبراهيم، ومن خلاله لليهود ورغم تأجيله في عصر الكنيسة الحاضر هو أبدي وغير مشروط وهو ينتظر تحقيقًا في المستقبل طالما أنه لم يتحقق حرفيًّا بعد. مثلًا، يوجد بند في عقيدة التدبيرية المعيارية أن حدود الأرض الموعودة لإبراهيم وذريته هي من النيل إلى الفرات ستنشأ حرفيًّا، وأن يسوع المسيح سيعود إلى مملكة يهودية دينية مركزها المعبد المعاد بناؤه في أوروشاليم. وفي هكذا مخطط فإن الكنيسة على الأرض ستتنزل إلى مرتبة المرحلة المؤقتة “خطة ب”، وهامش يغاير المهمة الإلهية الرئيسية وهي خلاص إسرائيل العرقية الوطنية. (Hortom 1994).

الدنيوية الرؤيوية.

ما هو حاسم في القراءة النبؤية للكتاب المقدس عند التدبيريين هو الإيمان أن مرحلة البلاء والمحن أصبحت قريبة، وكذلك الفرح السري للكنيسة وإعادة بناء الهيكل اليهودي في مكان أو إلى جانب قبة الصخرة. وهذه ستكون الإشارة لعودة الرب ليعيد مملكة إسرائيل ومركزها أوروشاليم. وهذا الحدث المحوري ينظر إليه كشرارة لبدء معركة هرمجدون التي سيتألم ويموت فيها معظم سكان العالم (Lindsey 1983).

يعلِّق الملاحظون:

باعتقاد العديد من الإنجيليين أنه لا مفر من معركة هرمجدون النووية التي ستقع في سياق القضاء الإلهي، وقد التزموا بهذا السياق بملء إرادتهم، الذي سيقود مباشرة إلى مذبحة أكثر وحشية وامتدادًا، بشكل لا يوصف، من أي مجزرة يمكن بالعقل الإجرامي لأدولف هتلر أن يأتي بمثله. (……..).

وأصح إن نتائج هكذا آراء،- سواء أعلن عنها من قبل أكاديميين من معاهد لاهوتية محترمة كمعهد دالاس أو Moody Bible insts أو من قبل متطرفين يهود من باروخ بن يوسف وياشيفا جبل المعبد- لا يمكن إلا أن تكون مدمرة، خاصة أن التدبيريين لهم تأثير سياسي معتبر يسعون من خلاله إلى تحقيق أفكارهم التنبؤية بشأن المستقبل. وهذه الرؤية التدبيرية لا تزال شابة إذا ما قارناها مع عمر الكنيسة، لقد بدأت عام 1828 عندما كتب داربي كراسه الأول ضد التفاؤل السائد بالكنيسة الرسمية. (…….).

أبو التدبيرية Jhon Nelson Darby

ينظر إلى داربي بحق أنه أول من اعتنق التدبيرية كنظام لاهوتي متميز. والدور الذي لعبه كل من William Kelly و Edward Inving لم يكن صغيرًا في تجديد تأمّلات ما قبل الألفية التي نشأت منها تدبيرية داربي. (……..) لم يكن داربي أول من استعمل مصطلح “التدبر” لوصف مراحل من التاريخي الكتابي، ولا كان برنامجه مقبولًا على مستوى عالمي حتى داخل دائرة الإخوة. ورغم ذلك فإن داربي كان أول من ألح أن هذه التدبيرات كانت تقدمية وغير قابلة للإلغاء، معتقدًا أن دولة إسرائيل النامية ستحل محل الكنيسة.

يحاول Charles Rarie بطريقة غير مقنعة، أن يظهر أن أفكار داربي آخرها كتَّاب متقدمون من أمثال Pierre poinet (171- 1646)، والكانفي اللاألفي Jhon Edwards (1711- 1639)، وكاتب الترانيم Isaac Watts (1748- 1647) وهو على كل حال يسلم بأن داربي هو الذي نظم وبسّط فكرة التدبيرية.

لقد كان داربي صورة كارزمية، وشخصية مسيطرة، ومتحدث داعية، ومبشّر متحمس لاعتقاده التدبيري. وقد أسَّس شخصيًّا كنيسة الإخوان في ألمانيا، وسويسرا وفرنسا والولايات المتحدة، التي بدورها بعثت مبشرين إلى أفريقيا وجزر الهند الغربية أستراليا ونيوزلندا. وقبيل موته في 1885 كان هناك حوالي 1500 كنيسة أخوية انفصالية قد تأسست في العالم. يقول :Don Wagner أنه “كتب داربي خلال حياته ترانيمًا أكثر من Wesleys، وسافر أبعد من بولس الرسول وكان خبيرًا في اليونانية والعبرية. ملأت كتاباته أربعين مجلّدًا، فإذا كان Brightman أبًا للصهيونية المسيحية، فقد كان داربي أعظم رسلها ومبشريها (89: 9995).

أوضح تعبير عن تفكير داربي عن أن إيجاده في ” The Apostasy of the sencessive dispensation”، يلاحظ في هذا الكتاب أن آراء داربي غامضة ولا تزال جنينية إذا ما قورنت بالمحاولات المتأخرة لـ Scofield و Ryrieلتنظيم سبعة تدابير منفردة. ونجد اختلافًا مهمًّا بين تفسير Ryrie لتدابير داربي وبين كتابات داربي نفسها، ولكنها متناسبة أكثر وربما معتمد على Scofield. ويقلل Ryrie من قيمة مشروع داربي عندما يدعي أن المشروع “لا يدرك دائمًا بسهولة من خلال كتاباته”. (68: 1995).

ويبدو أن  Ryrie قرأ من كتابات Darby مشروعًا يناسب أهدافه هو. فمن أعمال داربي نفسها يمكن إعادة بناء جدوله الزمني للتدابير ومقارنته بتفسير Ryrie ونسخة 1909 لسكوفيلد. (جدول 2).

وقد دافع داربي عن تفسيره للتدبيرات على أرضيتين:

الأولى ادعى فيها أن الآخرين لم يدرسوا الكتاب المقدس بشكل صحيح. “العهد هو كلمة مشتركة في لغة القسم الكبير من الأساتذة المسيحيين… ولكن في تطورها وتفاصيلها، كمبادئ انكشافها يظهر كثيرًا من الإبهام ناشئ عن حاجة لانتباه بسيط إلى الكتاب المقدس”.

الثانية: “من جهتي، لو قصدت تلقي كل ما قاله الألفيون، لرفضت النظام كله، ولكن آراءهم وأقوالهم لا تساوي عندي وزن ريشة، ولكن هذا لا يعيقني.

جدول رقم 2: مقارنة بين داربي، Ryrie و Scofield

تدابير داربي

5: 9- 19

قراءة Ryrie لداربي

( 71، 68: 1995)

تدابير داربي

(1962، 5: 124-130)

1- البراءة (تك 28: 1).

2- الضمير.

3- الحكومة الإنسانية (تك 8: 20).

4- الوعد (تك 12: 1).

5- الشريعة (خروج 8: 19).

6- النعمة (يوحنا 17: 1).

7- المملكة.

1- الجنة.

2- نوح.

3- إبراهيم.

4- إسرائيل تحت حكم القانون.

تحت الرهبنة.

تحت الملكية.

5- الأمميون.

6- الروح.

7- الألفية.

 

1-              نوح (حكومة).

2-              موسى (قانون).

3-              هارون (رهبنة).

4-              منسّ (ملكية).

5-              الروح (الأمميون).

 

من البحث في تعاليم نفس الروح… لقد كشف لي الإله برحمته الواسعة ما له علاقة بتعامله مع الكنيسة.

حتى Roy Cood في تأريخه لحركة الإخوان، يذعن أنه (لقد تمت استعاضة الرؤية التوكيدية للوحي برؤية أخرى) (129: 1976). وحكم James Ba أقل قسوة يناقش أن التدبيرية “اخترعها  J.N. Darby  منفردًا ولفقها بتناقش تام مع التقاليد المسيحية الرسمية”.

لقد كان داربي مقتنعًا أن الكنيسة المرئية في أيامه هي كنيسة مرتدة. ويبدو أن هذه الفرضية شكلت إيمانه الناشئ الذي يعتقد أن مرحلة الكنيسة هي مجرد بديل مؤقت لليوم الأخير. ونظر داربي للكنيسة كمجرد تدبير آخر حكم القضاء الإلهي بالفشل. وبالضبط كما انتهت إسرائيل فكذلك سيكون مصير الكنيسة، وكما بقي أثر من إسرائيل فكذلك سيبقى أثر قليل من الكنيسة. وطبيعيًّا، الآثار المأخوذة من بقايا الكنيسة كانت أتباعه الإخوان “لقد سعت الكنيسة لتستقر هنا فليس لها مكان على الأرض…”. وهذا البديل المؤقت البناء لا يشكل جزءًا من النظام العادي لمقاصد الإله الأرضية ولكن مجرد إعاقة لها لتعطي معنى وخصوصية كاملة لليهود.

يعتقد داربي أن علاقة العهد بين الإله وإبراهيم ليس معلقًا إلى الأبد، وأن الوعود التي تخص أمة إسرائيل، التي لم تتحقق حتى الآن سوف تتحقق في فترة حكم المسيح على الأرض الذي سيمتد لألف عام. وعندما يتكلم داربي عن عودة اليهود القريبة إلى فلسطين فإن داربي يتنبأ:

الشيء الأول إذًا، الذي سيفعله الله هو تطهير أرضه (الأرض التي لليهود) من الظلمة، الفلسطينيين، السدونيين، Amo ، Edom، Moad- من كل الشريرين من النيل إلى الفرات. وسيتم هذا بقوة المسيح لصالح شعبه الذي أعاده بخيره. سيكون الناس آمنين في الأرض وسيجمع معًا كل أولئك الذين بقوا حتى ذلك الوقت.

كان داربي مستبعدًا لليهود، كاستبعاده للعرب، وهو لم يعلم أن الإله سوف يطهر العرب من بين الفرات والنيل وسيعطي الأرض لليهود فحسب، بل اعتقد أيضًا أن أكثرية اليهود ستكون في الطرف المعادي للمسيح.

ستكون حكومة المملكة الرابع موجودة، ولكن تحت تأثير وتوجيهات المسيح الدجال. وسوف يتوحد اليهود تحت لوائه، في حالة ثورة ليحاربوا المسالمين… وسوف يظهر الشيطان الذي سيوحد اليهود مع هذا الأمير المرتد ضد الله… سيبقى قليل من اليهود وسيدمر المسيح الدجال.

يلخص كليرنس باس الطبيعة الجديدة لموقف داربي اللاهوتي الناشئ:

المسألة ليست أن التفاسير السابقة لم تر العهد بين الإله وإسرائيل، أو العلاقة المستقبلية بين إسرائيل والمملكة الألفية، ولكن المسألة أنهم يظهرون الكنيسة كاستمرار للبرنامج الإلهي الوحيد للخلاص الذي يبدأ في إسرائيل.

إنه إلحاح التدبير القاسي على التمييز بين إسرائيل والكنيسة، واعتقادها بتحقيق غير مشروط للوعد الإبراهيمي، هو ما يبعدها عن إيمانها التاريخي بالكنيسة (27: 1960).

برغم محاولاته الهائلة كان ممكن لآراء داربي التدبيرية أن تبقى الحافظ القريب لجمعية الإخوان. وليس للجهود الكبيرة للأفراد أمثال William blackston و D.L.Mood ومع هذا كله فقد تكاثرت على يد Scofield الذي قدمها إلى جمهور أوسع في أميركا والعالم الناطق باللغة الإنكليزية من خلال Scofield Refrence bible .

مؤلف Syrus I. Scofield: Scofield Refrence Bible.

لقد كان نشر S.R.B مرجع سكوفيلد للكتاب المقدس. في 1909 من قبل Oxford University press كإنقلاب في عالم الكتابة. فللمرة الأولى تضاف ملاحظات تدبيرية واضحة إلى صفحات نص الكتاب المقدس. وقد كانت البرامج الزمنية المنظمة مجهولة قبل داربي وسكوفيلد. ولقد أصبح S.R.B الكتاب المقدس الأكثر استعمالًا من قبل الأميركيين الإنجيليين والأصوليين للستين سنة التي تلت. وبحلول عام 1945 كان قد طبع أكثر من مليوني نسخة في الولايات المتحدة لوحدها (…..) وبين عامي 1967و 1979 بيع مليون نسخة إضافية. وفي إطار جعل عمل سكوفيلد أكثر رواجًا طبع في عام 1984 نسخة مرتكزة على New international ..، ثم تلتها نسخة على  C D Room.

لقد اعتمدت ملاحظات سكوفيلد على كتابات داربي ويلحظ Gerstner أن التشابه بين داربي  وسكوفيلد “عميق ومنظم”. وعلى كل حال، فمن الأهمية بمكان ذكر أن سكوفيلد لم يعترف باقتباسه عن داربي لا في المقدمة ولا في أي ملاحظة ملحقة.

في مقدمة S.R.B يدعي أن واحدة “من النتائج الملاحظة على الدراسات الحديثة للأنبياء كانت استرداد الأجزاء التنبؤية الواضحة وذات الإيقاع المتماسك إلى الكنيسة”.

وقد حدد سكوفيلد تدبيراته كمرحلة زمنية “يختبر الإنسان خلالها لجهة طاعته للإرادة الإلهية من خلال بعض الإيحاءات الخاصة”.

تتميز التدبيرات بعرضها للنظام الناجح والمهيب للتعاطي الإلهي مع الإنسانية، و”المقاصد المتزايدة” التي تمر عبر العصور وتربطها ببعضها منذ بداية حياة الإنسان حتى النهاية في الأزل. قال أوغسطين: “ميِّز بين العصور، لكن الكتاب المقدس يؤلف بينها”.

بالطريقة التي عناها سكوفيلد في تدبيراته يبدو أن أوغسطين لم يفهم “العصور”. وعلى كل حال، يعتقد سكوفيلد أن برنامج السبعة طبيعة وظاهر بنفعه في الكتاب المقدس: “هناك نظام جميل في تدرج الكشف. فالماضي يبدو مقسمًا إلى مراحل تفصل بينها حدود مميزة وكل مرحلة تتميز عن الأخرى بشيء خاص بها، ومن خلال هذا يمكن أن نفهم أن في الكتاب المقدس تعاليمًا للعصور أو للتدبيرات”. (13: 1914).

وقد تطلب تمسك سكوفيلد الصلب بهذه التدبيرات، أن يؤكد من جديد على ما في كلامه من اتساق، فمثلًا في وصفه للانتقال من تدبيره الرابع حول الوعد إلى تدبيره الخامس حول الشريعة يدعي سكوفيلد:

على ذرية إبراهيم أن يعودوا إلى أرضهم ويسكنوها ليرثوا كل البركة… وقد انتهى تدبير الوعد عندما قبلت إسرائيل بالشريعة (خروج 19: 8)، وكانت العناية قد حضرت للإرسال (موسى) مزودًا بقربان للمذنبين، وبالقدرة الإلهية أخرجهم من العبودية (خروج 19: 4)، ولكنهم استبدلوا النعمة الإلهية بالشريعة (20: 1909).

ويوجد في مقدمة سكوفيلد للإنجيل ما يشبه هذا. فهو يفرض تقسيمًا صارمًا قبل وبعد الجمجمة مما دعاه للتأكيد على التالي: “لقد كانت رسالة المسيح بالدرجة الأولى لليهود الموعظة على الجبل شريعة وليست نعمة. وتعاليم النعمة يجب أن يبحث عنها في الرسائل وليس في الإنجيل” (989- 1909).

غريب أن يتجاهل سكوفيلد التقسيم الأوحد الواضح بين العهدين.

فماركوس 1: 1 تعلن نفسها مقوليًّا أنها “بداية إنجيل يسوع المسيح”.

ونقرأ في متى 11: 13 “لأنه جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا”.

ومع هذا فإن سكوفيلد يضع حياة ومقام المسيح ضمن تدابير الشريعة جنبًا إلى جنب مع يوحنا المعمدان وأنبياء العهد القديم. ويناقش تدبير النعمة السادس يبدأ فقط “عند موت وصلب المسيح” (1115: 1999). بالنسبة لسكوفيلد إن صلاة الرب خاصة مقطع “واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” (متى 6: 12) لا تنطبق على الكنيسة طالما أنها كما يسميها (الأساس الشرعي) وقد علم سكوفليد أن الخلاص بالعمل كان ممكنًا خلال تدبير الشريعة، وأن ارتداد الكنيسة يشير إلى نهاية تدبير النعمة.

لقد بدأت النعمة كتدبير مع موت وصلب المسيح (رومية 3، 24- 26)، ونقطة الاختبار لم تعد الطاعة الشرعية كشرط للخلاص ولكن أصبحت قبول أو رفض المسيح… والنهاية المتوقعة لاختبار البشر بالنعمة هو ارتداد الكنيسة المعترف بها.

وقد اعتقد سكوفيلد أن الأناجيل كانت بالأساس لليهود وهي غير ملائمة للكنيسة. فهو يدعي مثلًا في هامش على أفسس 3 “في كتابات بولس وحدها نجد تعاليمًا ومواقفًا، ومشيًا، ومصير الكنيسة”، وكذلك في تمييزه الدائم بين إسرائيل والكنيسة فإنه يدعي أن إسرائيل هي زوجة الإله الأرضية، وأن الكنيسة هي زوجة المسيح السماوية.

إن إسرائيل هي زوجة يهوه (أنظر 7، 16- 32) الآن مملوكة لغيره، لكنها سوف تستعاد. وهذه العلاقة لا يجب أن تقتصر على علاقة المسيح بالكنيسة (يوحنا 3: 29). وفي سر الثالوث المقدس فالقولان صحيحان، فالعهد الجديد يتكلم عن الكنيسة كعذراء اتخذت زوجًا (……) وهذا لا يمكن أن يسمى زوجة زانية ثم استردادها بالنعمة. فإسرائيل إذًا هي زوجة يهوه المستعادة والمغفور لها. والكنيسة هي العروس العذراء للحمل. (يوحنا 3: 29).

فإسرائيل هي زوجة يهوه الأرضية والكنيسة هي العروس السماوية للحمل.

يعد سكوفيلد مندوبًا، وفي نفس الوقت محور اهتمام حركة الألفيين والنبوئيين الأصولية المتزايدة النمو في شمال أميركا والمتأثرة بالإخوانيين.

والآراء التي انتشرت على يد سكوفيلد مؤخرًا شكّلت بسلسلة من المؤتمرات حول نبوءات الكتاب المقدس عقدت في شمال أميركا ابتداء من 1868، استتبعت بالنموذج الذي أسسه داربي وأيرفنغ و Albury و Powerscourt منذ1830، وكما يقول Shelly “تعد طريقة قراءة الكتاب المقدس” ومواضيع المؤتمرات تشير بقوة إلى أن التجمعات كانت نتيجة لأسفار داربي في الولايات المتحدة، وتأثيرات Plymouth Brethern.

وتزودنا القرارات التي تم تبنيها من قبل مؤتمر نياغارا عام 1878 بأدلة واضحة على تأثير تدبيرية داربي.

نحن نعتقد أن العالم لن يتحول خلال التدبير الحاضر ولكنه ينضح بسرعة للدينونة، بينما سيكون خوف من الارتداد في الجسم المسيحي الرسمي، وعندها سيأتي يسوع المسيح شخصيًّا ليقدم العصر الألفي، عندها ستعود إسرائيل لأرضها، وستكون الأرض مليئة بمعرفة الإله، وهذا المجيء الثاني هو الرجاء المبارك الموجود أمامنا في الإنجيل والذي علينا أن ننتظره بانسجام.

يقدِّم William Eox التدبيري السابق والناقد اللاحق تقييمًا لتراث سكوفيلد:

إن هوامش سكوفيلد وبرنامجه المنظم في التأويل يتذكره العديدون وهو ديني كآيات الإنجيلي. وإننا نسمع كثيرًا من أناس مؤمنين يتلون هوامشه وملاحظاته بعد كلمة “يقول الكتاب المقدس…”.

وقد خسر كثر من القساوسة تأثيرهم على العديد من أعضاء رعيته وصنفوا مع الليبراليين فقط لأنهم لم يستطيعوا أن يتفقوا بالرأي مع ملاحظات الدكتور سكوفيلد، حتى أن العديد من الكهنة يستعملون تعاليم سكوفيلد كاختبار للاستقامة في المعتقد.

يرى Graig Blaising أستاذ اللاهوت الأساسي في معهد دالاس للاهوت أن ” Scofield Refrence bible أصبح الكتاب المقدس للأصولية، ولاهوت الهوامش يقارب المنزلة الاعترافية في العديد من مدارس الكتاب المقدس والمعاهد والكليات التي أسست في العقود الأولى من هذا القرن”.

بدأ سكوفيلد في عام 1890 برنامجًا شاملًا من تعليم الكتاب المقدس عبر المراسلة حيث تعرَّف عشرات الآلاف من الطلاب حول العالم على التعاليم التدبيرية حول الكنيسة الفاشلة ومستقبل إسرائيل. وقد أدار سكوفيلد البرنامج حتى 1914 حيث استلم المهمة معهد Moody bible. وفي عام 1890 وعندما كان سكوفيلد راعيًا لأبرشية دالاس، كان مديرًا لمدرسة South west.. للكتاب المقدس.

وقد كان هذا نذيرًا لتأسيس معهد دالاس للاهوت الذي أسس عام 1924 على يد واحد من طلابه وأحد أكثرهم تأثيرًا وشرحًا لتعاليمه Lewis sperry Chafer. وقد كان لشافر في تاريخ التدبيرية ميزتان:

الميزة الأولى: أنه أسس وقاد المؤسسة التدبيرية الأكثر تثقيفًا خلال السنوات التأسيسية لوجودها.

الميزة الثانية: أنه أنتج أولًا لاهوت تأسيسي شامل ومحدد للتدبيرية.

فكتابه الضخم المؤلف من ثمان مجلدات هو تفصيل كامل للسكولفيدية المعيارية ولأشكال الفكر التدبيري، المرتبط بثبات بنصوص الكتاب المقدس والمعلومات التي تدعي أنها تستند عليها. ويبدو أن تأثيره كان كبيرًا جدًّا على كل معلمي التدبيرية منذ طبعته الأولى حتى اضمحلاله اليوم.

لقد كان كل عمل ونتاج Chafer بوضوح وانفتاح في التعاليم السكولفيليدية وقبل سنوات من موته، وبقائه مخلصًا حتى النهاية قال عن أهم إنجازاته الأكاديمية “علينا أن نسجل أن معهد دالاس للاهوت استخدم، ونصح ودافع عن كتاب سكوفيلد المقدس”.

الخط العريض في التدبيرية الأرثوذكسية واضح وتام من داربي إلى سكوفيلد إلى شافر إلى دالاس. وليس مفاجئًا ربما أن معهد Moody bible في شيكاغو ومعهد دالاس للاهوت بقيت من ذلك الوقت الأكثر دفعًا عن أفكار سكوفيلد التدبيرية وعن الصهيونية المسيحية بالخصوص.


اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/14597/earth/