فاتن أمل حربي جدل فقهي أزهري|شعبي يثيره مسلسل درامي في مصر

فاتن أمل حربي جدل فقهي أزهري|شعبي يثيره مسلسل درامي في مصر

أنا لست متخصصًا في النقد الفني السينمائي أو التليفزيوني، بل إنني متابع غير جيد للمسلسلات بصفة عامة، ولكن شد انتباهي في شهر رمضان المبارك الماضي 1443|2022 بيان من “لجنة الفتوى بالأزهر الشريف” ضد أحد المسلسلات الدرامية واسمه “فاتن أمل حربي”، وهو اسم شخصية بطلة المسلسل أو الرواية.

وقد دفعني الفضول لأشاهد عدة حلقات، وظننت أنه مثل بعض الأفلام التي ناقشت حقوق المرأة بصورة عامة مثل أفلام :- أريد حلًّا – الشقة من حق الزوجة – انتبهوا أيها السادة، والفيلم الأول “أريد حلًّا” في أواخر السبعينيات كان سببًا في تعديل بعض قانون الأحوال الشخصية في مصر لصالح المرأة.

وبالفعل شدني القضايا المطروحة في المسلسل، وجميعها تتحدث عن حقوق المرأة المطلقة والحاضنة، ولكنه تخطى حواجز تقليدية فقهية وحديثية بل وتفسيرية للقرآن، فمثلًا تسأل السيدة شيخا “هل هذا كلامك أم كلام الله”، فرد عليها “هذا حديث نبوي”، فترد مرة أخرى “وما أدراني أن الرسول قال ذلك الحديث وأين القرآن من ذلك”، فيوبخها الشيخ، فترفض فتاواه وتسأل غيره، لتصل إلى أن الشيوخ لا يمثلون سوى أنفسهم، ولا يقدمون كلمة الله كما يجب، وغير ذلك من الصدامات الفقهية الواقعية والخيالية.

المؤلف والمخرج والمراجع

وقد هاجم الكثيرون مؤلف الرواية وهو الكاتب والصحفي المثير للمشاغبات في كتبه وحواراته الإعلامية في الفضائيات، تم اتهامه بأنه علماني كافر، أو من جماعة القرآنيين.

ولكن آخرين قالوا إنه شيعي، فقد ألّف إبراهيم عيسى عدة كتب تناولت التاريخ المبكر للمسلمين وهي: “دم الحسين – رجال بعد الرسول – رحلة الدم … القتلة الأوائل”، وجميعها تنتقد بعض كبار الصحابة وتعري مواقف بعضهم ووصف عبد الرحمن بن ملجم بالإرهابي الأول، وخلال الشهور الماضية من أول عام 2022 أنكر قصة المعراج في برنامجه، وهو ما أثار عليه سخط الأغلبية، ورُفعت ضده قضايا، ثم جاء تأليفه لمسلسل “فاتن أمل حربي” ليصبّ البنزين على النار.

ولم يشفع له وجود اسم الدكتور “سعد الدين الهلالي” أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وأنه راجع كل المسلسل وقضايا الفقه فيه كلمة كلمة وحرف حرف، كما قال مخرج المسلسل “ماندو العدل”، لأن المخالفين لسعد الهلالي كثيرون، منهم الإمام الأكبر نفسه الدكتور أحمد الطيب، ويقولون إنه غير ملتزم بما يقوله الأزهر في كتبه ومناهجه التي يدرسها للتلاميذ والطلاب، وأنه لا ينكر على أحد أبدًا، سواء مسيحي أو يهودي أو مسلم شيعي أو سني أو إباضي، أو حتى  ملحد،  هو يعطي الفتوى من كل المذاهب ويترك للقارئ أو المستمع من يختار.

إذن طال التجريح مؤلف ومخرج ومراجع المسلسل، وهو الأمر الذي عقّب عليه “مركز الفتوى التابع للأزهر” على المسلسل.

وقال في بيانه: “إن الأزهر يدعم الإبداع المُستنير الواعي، لكنه يحذر من الاستهزاء بآيات القرآن وتشويه صورة رجل الدين. وإن الأزهر يحذر من الاستهزاء بآيات القرآن الكريم، وهدم مكانة السنة النبوية، وإذكاء الأفكار المتطرفة، وتشويه صورة عالِم الدّين في المجتمع، مؤكّدًا أن الضَّمائر اليقظة تدفع أصحابها نحو الإبداع المُستنير الواعي الذي يبني الأُمم، ويُحسِّن الأخلاق، ويُحقِّق أمن واستقرار المُجتمعات، ولا يصنع الصّراعات، وأن تشويه المفاهيم الدِّينية، بهدف إثارة الجَدَل، وزيادة الشُّهرة والمُشاهدات؛ أنانيَّة ونفعيَّة بغيضة، وتعمُّد تقديم عالِم الدّين الإسلامي بعمامته الأزهرية البيضاء في صورة الجاهل تنمُّرٌ مُستنكَر… الإسلام أعطى الأمَ حقَّ حضانة أولادها عند وقوع الانفصال، إذا لم يكن مانع من الحضانة، ولا ينبغي مطلقًا أن يكون الطفل بين يدي والديه أداة ضغط أو دليلَ انتصار”.

هذا مجوز البيان الأزهري، وهو كما نرى يدافع عن تراثه وفكره الذي استقاه قرنًا بعد قرن وجيلًا بعد جيل، ويمكن حصر مثالب المسلسل في بيان لجنة الفتوى بالأزهر، بما يلي: “الاستهزاء بالقرآن وتحريف معانيه – إنكار السنة النبوية والاعتداء عليها – الاعتداء على مقام النبي (ص) – هدم الإسلام – تشويه المفاهيم الدينية والشحن السلبي ضد الدين – تزيين المنكرات والفواحش – الخروج على إجماع العلماء – دعم الأفكار المتطرفة –  تشويه صورة رجل الدين الأزهري”، وهي كما نرى اتهامات مرسلة، كان الأفضل تجاهل المسلسل جميعه كما فعل مجمع البحوث الإسلامية أو دار الإفتاء.

المسلسل

تدور أحداث مسلسل “فاتن أمل حربى” حول “فاتن” الموظفة البسيطة التي تعمل موظفة في الشهر العقاري، وهى متزوجة ولديها أسرة صغيرة تتكوّن من زوج وطفلين وتعيش مع حماتها في منزل واحد، ودائمة الخلاف معها، ما يجعلها تطلب الانفصال، وأمام سلبية زوجها وسطوة والدته تفكر في طريقة أخرى للانتقام من زوجها.

ينتمي المسلسل لنوعية الدراما الاجتماعية، ويناقش العديد من القضايا، منها الزواج العرفي والزواج الرسمي، يتناول مسلسل فاتن أمل حربي الدرامي، عدة قضايا تتعرض لها المرأة المصرية بعد الطلاق، إذ يستعرض المسلسل قضايا: الولاية التعليمية للأطفال في حالة الطلاق، وحضانة الأم للأبناء في حال زواجها مرة أخرى، للأب أم للأم التي تزوجت مرة أخرى.

لأنه وبحسب قانون الأحوال الشخصية المصري، تفقد المطلّقة حقها في حضانة أطفالها بمجرد الزواج مجددًا، وهو ما يهاجمه المسلسل بضراوة، رغم أن الولاية على الطفل حسب القانون المصري تكون لأم الأم، ثم لأم الأب، وتظل البنت تحت ولاية أمها حتى تتزوج، ولكن ذلك في حال زواج الأم، وفي الحالة الأخيرة يعود الأطفال لوالدهم، وهو ما تدور حوله الأحداث من سعي الزوجة لحضانة أطفالها والمآسي التي تعانيها، بالإضافة إلى كراهية الأطفال للأم والأب معًا.

وقضية أخرى أثارها المسلسل، تتعلق بتعنت كثير من الفنادق المصرية مع النساء المصريات دون سن الأربعين، فلا يسمح لهن بحجز إقامة إلا في حال وجود رجل من أقاربهن: كالأب أو الأخ أو الزوج؛ أي لا بدّ من وجود محرم مع المرأة، عندما تريد المبيت في أحد الفنادق.

وتناولها المسلسل بجرأة جعلت “المجلس القومي للمرأة المصرية” يتدخل، ثمّ أصدر بيانًا عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، للرد على عدة نقاط تناولها مسلسل فاتن أمل حربي، وأكد مكتب شكاوى المجلس أن “منع السيدات من الإقامة بالفنادق بمفردهن، يعد مخالفة لمبادئ الدستور المصري، الذي يساوي بين المرأة والرجل في كل شيء بما فيه المبيت وحدها في أي مكان.

كما تناول سريعًا قضية ميراث الزوجة التي تعمل وتنفق على المنزل مع زوجها سنوات طوال، وعند طلاقها لا تأخذ شيئًا ولا ينصفها أحد، وكذلك في ميراثها من زوجها المتوفي لا تأخذ سوى ثُمن التركة، رغم أنها أضافت للثروة من مالها الخاص ومن عملها ومجهودها، بالإضافة إلى رعاية زوجها، تمامًا مثل ميراث البنات عندما لا يوجد ولد ذكر معهن، حيث تأخذ البنات الثلثين مهما كان عددهن، والباقي لأقرب رجل ذكر، وهو أمر جعل بعض الكتاب يرون الأخذ من المذهب الجعفري في قضية الميراث، كما أخذنا الوصية الواجبة لابن الابن من نفس المذهب.

كل هذا القضايا تم طرحها في أسلوب درامي، وهو أمر جعل بعض الشيوخ يفتون بأن للزوجة العاملة في ميراث زوجها المتوفي النصف من التركة، ثم الثمن لها من باقي النصف الثاني مع باقي الورثة، وهو ما نراه تأثيرًا غير مباشر في شأن فقهي وإنساني وقرآني قبل كل شيء.

 

الغضب الأزهري|الشعبي

ورغم أن كل ذلك من القضايا الفقهية التي اختلف حولها الفقهاء قديمًا وحديثًا، ولم يغضب أحد، وتساءلت لماذا كل هذا الغضب من قبل لجنة فتوى الأزهر الشريف.

نعود للمسلسل لنرى ما يغضب رجال الدين، وهو ما نراه في بعض الأحداث، فقد قدم الكاتب المؤلف إبراهيم عيسي صورًا متعددة لشيوخ الأزهر في المسلسل ما بين الشيخ الذي أفتى بإسقاط الحضانة عن المطلقة في حالة زواجها، وهو الرأي التقليدي.

وبين شيخ أزهري يدعى الشيخ “عبدالعظيم”، معروف عنه حبه لركوب الترند في وسائل الاتصال الفضائي، ومهاجمته للنساء، ويطلب بإلحاح من صديقه الشيخ يحيى، الرد على فاتن أمل حربي بالحجة في فيديوهات دينية، لا لشيء سوى رفع نسبة المشاهد والمشاهدة، فيحصلون على عوائد مالية كبيرة.

ونجد في المسلسل رجل دين أزهري يجلس بزيه المعروف يرتديه بأناقة مع السيدة البطلة، لتستفتيه، وهما جالسان على ضفة نهر النيل كأنهما عاشقان، لا شيخ وسيدة، أو رجل وإمراة.

ربما كانت صورة رجل الدين الأزهري في المسلسل هي التي أغصبت لجنة الفتوى، لا شيء آخر، ولو جاء شيخ مثلًا بالزي السلفي الوهابي، لما غضب رجال الأزهر، ولكنه الحصر المتعمد كما نرى من المؤلف والمخرج والدكتور سعد الهلالي.

كما أن كثيرين من الإعلاميين والصحفيين وروّاد وسائل التواصل الاجتماعي سخروا واستهزأوا من رجال الأزهر، وهو ما اعتبره بيان لجنة الفتوى تنمرًا بالدين ورجال الدين، كما أن المثقفين الرسميين مثل وزارة الثقافة ووزارة الإعلام والمجلس الأعلى للفنون والآداب، وقفوا جميعًا في صالح المسلسل، واعتبروه إبداعًا غير مسبوق.

المثير أن نسبة المشاهدة كانت عالية خلال شهر رمضان، كما عرفت من استطلاعات الرأي في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ورغم هذه المشاهدات العالية لم تقلل من نقمة العوام على المسلسل ورجاله، من مؤلف ومراجع وكاتب، يرون ويستمتعون، ولكنهم ينتقدون، لأنهم يسمعون بآذانهم في خطب المساجد من يهاجم المسلسل وأبطاله كلهم.

وتلك هي أزمة المسلمين، يسمعون ولا يقرأون، أهل رواية لا أهل دراية، نقل دون عقل، ولذلك كان السخط الشعبي عارمًا، رغم أنهم أحبوا المسلسل وشغفوا به، ولله في خلقه شؤون …

 



المقالات المرتبطة

الموت كتجلٍّ للمقدّس: في العلاقة بين الموت والمقدَّس

فالإنسان في هذه الدّنيا، يجب أن يتصوّر نفسه دائمًا كالمهاجر إلى الله، يقف على محطات متعدّدة، وهي عبارة عن ميتات، يبعث من بعدها من جديد.

شرح الفيزياء لتباطؤ الزمن وسرعة الضوء بمنظور المشيئة الإلهية

خلق الله سبحانه وتعالى الكون والمخلوقات بحكمته المتعالية بقوانين محكمة لا تحيد ولا تفنى، وأدرك الإنسان عبر أزمنة التطور خلال آلاف السنين بعض أسرار تلك القوانين

الإسلاميون ومسألة السلطة

لا شك بأن الجدل حول الإسلام والسلطة، جدلًا قديمًا نال حظًا وافرًا من البحث والنظريات

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<