مصطلحات عرفانية | الجزء 20

by الشيخ حسن بدران | يونيو 13, 2022 8:48 ص

ثناء

– الثناء: هو الوجود المنبسط على هياكل الممكنات وقوابل المهيات في مقام الفعل والإظهار؛ مما به تجمّله وبهاؤه بذاته لذاته – جل مجده – (انظر: شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 185).

جبر

– جابر: (من الأسماء) يكسر عادية الأضداد وسورتها، ثم يجبر كسرها بإيصالها إلى مقام القرب فيقرب هو أيضًا منها: “من تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا”، فيشاهد لها أن ذلك الكسر والصلح عين الصلاح فرضيت به أشد الرضا، ولذلك في أول الأمر وإن قال تعالى: ﴿ائتيا طوعًا أو كرهًا﴾ لكن في آخر الأمر ﴿قالتا أتينا طائعين﴾ وارتفعت الكراهة التي كانت بالنسبة إلى الأرض فإن أمامها راحة لا منتهى لها. وأيضًا يكسر القلوب بالخوف مرة ويجبرها بالرجاء أخرى ويكسرها بالقبض تارة، ويجبرها بالبسط أخرى ويكسرها بالهيبة كرة ويجبرها بالأنس أخرى. وأيضًا يكسر القلوب تارة بعدم المبالاة وابتلائها بالمباينة وأخرى يجبرها بالمنة باللقاء والمعاينة، كما قال: أنا عند المنكسرة قلوبهم (شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 423).

– جبار: (من الأسماء) من الجبر بمعنى التلافي والتدارك كالجبروت فكلما يتوجه الماهيات بمقتضى الليسية الذاتية إلى كتم العدم وبقعة الإمكان يتدارك ذلك ويتلافى بأن يوليها إلى حاق الوجود ومنصة الوجوب فيسد خللها ويكسوها الحلل ويجبر نقصاناتها ويبدلها إلى نعم البدل، وكذا كلما يتوجه المواد إلى البوار والهلاك من القوة الذاتية يجبرها بالانجرار إلى معمورة الفعلية الغيرية فلا يمكن عميم لطفه وسطوع نوره تطرق البيد وبروز الظلمة في الماهيات والمواد وكذا جرح قلوب عاشقيه بأنفاس متبركة يداويه (شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 615).

– الجبروت: يقال للوعاء الذي فيه موجودات عالم العقل؛ لجبر نقصانها ورفض إمكانها. (مصباح الهداية، خميني، الصفحة 83).

– العوالم كثيرة لا يعلم عددها إلاّ ربّ العالمين. وأصولها ترجع إلى نشئات ثلاث: عقليّة روحانيّة تسمّى بعالم الغيب والجبروت، وأصحابها السّابقون: ﴿أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾. وخياليّة مثاليّة تسمّى بعالم البرزخ والملكوت، وأصحابها أصحاب اليمين: ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ﴾. وحسيّة جسمانيّة تسمّى بعالم الشهادة والملك، وأصحابها أصحاب الشمال: ﴿فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ﴾. وهؤلاء إنّما يتعذّبون في دار أخرى هي من جنس النشأتين الأوليين خلقت بالعرض لا بالذات، بخلاف الأوّلَين؛ فإنّ السابقين يتنعّمون أينما كانوا. وأصحاب اليمين يتنعّمون في دارهم المختصّة بهم. وقد يطلق الغيب والملكوت على ما يشمل الأوليين، والجبروت على صفات الله وأسمائه، وتقيّد الملكوت بالأعلى والأسفل. (عين اليقين، الفيض، 1: 266).

جزاء

– الجزاء الذي يكون بحسب الأعمال وهو جنة الأعمال لقوله تعالى ﴿ووجدوا ما عملوا حاضرا﴾. كما أن الاستحقاق هو جنة الصفات والأخلاق التي يحصل بحصول الملكات الحسنة والهيئات النورية، وأشير إليه في الكتاب الإلهي بقوله ﴿ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين﴾. (تعليقة على الفصوص، خميني، الصفحة 194).

– أما الثواب والعقاب فهما من لوازم الأفاعيل الواقعة منا وثمراتها، ولواحق الأمور الموجودة فينا وتبعاتها، ليسا يردان علينا من خارج. فالمجازاة أيضًا هو إظهار ما كتب لنا أو علينا في القدر، وإبراز ما أودع فينا وغرز في طباعنا بالقوة، كما قال – سبحانه -: ﴿سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ﴾، وقال – عز وجل -: ﴿إِن جَهَنمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾. فمن أساء عمله أو أخطأ في اعتقاده فإنما ظلم نفسه بظلمة جوهره وسوء استعداده، فكان أهلًا للشقاوة في معاده. وليس ذلك لأن الله – سبحانه – يستولي عليه الغضب ويحدث له الانتقام – تعالى – عن ذلك، وإنما ورد أمثال ذلك في الشرع على نحو من التجوز. (عين اليقين، الفيض، 1: 423).

جسم

– الأجسام والجسمانيات كلها، من حيث وجوداتها الخارجية، ضعيفة الوجود جدًّا. وذلك؛ لأنها مركبة من مادة هي قوة وجوداتها، وصورة هي فعليتها، بالتركيب الاتحادي. والمادة أمر عدمي؛ لأنها قوة الوجود لا نفسه، وهذا حظها من الوجود. والصورة ليس وجودها لنفسها، وإلا لاستقلت بذاتها ولم تقم بالمادة، فهي إذن وجودها للمادة وقيامها بها على نحو من الاتحاد. والقائم بما يشبه المعدوم، المتحد معه، لا محالة يكون شبيهًا بالعدم، قريبًا منه. فالأجسام ليست إلا كظلال للموجودات القائمة بذواتها التي في عالم الغيب. ولهذا ترى كلًّا من أجزائها معدومًا عن الآخر، مفقودًا عنه، وليس له من الجمعية والتحصل قدر يمكن أن يجمع بعضه بعضًا، وكذا ليس له من البقاء ما يجمع أوله آخره، فأوله ينقطع عن آخره، وآخره يفوت أوله. بل كل بعض فرض منه فهو غائب عن بعض آخر. وكذا حكم بعض البعض منه بالقياس إلى بعض بعضه الآخر. فالكل غائب عن الكل، مفقود عنه. فهي: ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمْآنُ مَاء حَتى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئا﴾. نعم، لو كانت صورها موجودة لأنفسها، قائمة بذواتها، كما هي في عالم الغيب، أو كانت موجودة لشيء له وجود لنفسه، كوجوداتها لقوانا الحسية والخيالية والعقلية فهي إذن، وجودات خالصة لا يشوبها شوب عدم سوى العدم الذاتي الأصلي العام لما سوى الله. (عين اليقين، الفيض، 1: 79).

جعل

– ليس الجعل على طريقة أهل الله متعلقًا بالوجود فإن الوجود هو الحق بل الجعل متعلق بالماهية ولا فرق بينهما في الحضرة العلمية وغيرها، ولا يختص بالخارج فإن التجلي باسم الله أولًا وسائر الأسماء بالتبع في الحضرة العلمية يستتبع تعين المهيات وظهورها في الحضرة العلمية والتجلي بمقام الألوهية في الخارج يستتبع ظهورها في العين وبهذا الظهور الاستتباعي. يقال الجعل في بعض الاعتبارات، وأما التجليات الوجودية الأسمائية في العلم والعين فلا يطلق عليها المجعول والجعل الأعلى مشرب المحجوبين. (تعليقة على الفصوص، خميني، الصفحة 25).

– جاعل الظلمات: الأجسام، ويمكن أن يراد بالظلمات الماهيات كما في قوله تعالى: ﴿جاعل الظلمات والنور﴾.. أو أن يراد بالظلمة عدم ملكة الضوء. والجعل إما بسيط أو مركب، وإما بالذات أو بالعرض. فالجعل البسيط جعل الشيء، والجعل المركب جعل الشيء شيئًا. وبعبارة أخرى البسيط جعل الوجود المحمولي الذي هو مفاد كان التامة في الهليات البسيطة، والمركب جعل الوجود الرابط الذي هو مفاد كان الناقصة في الهليات المركبة. وبعبارة أخرى البسيط الجعل المتعدي لواحد، والمركب الجعل المتعدي لاثنين. والجعل بالذات أن يتعلق بشيء أولًا وبالأصالة وبلا واسطة في العروض، والجعل بالعرض أن يتعلق بشيء ثانيًا وبالتبع وبواسطة في العروض؛ على قياس الحركة الذاتية والعرضية، كنصب الشاخص والظل. إذا عرفت هذا فالظلمات التي هي الماهيات مجعولة لكن لا بالجعل التركيبي؛ إذ الجاعل ما جعل الظلمة ظلمة بل جعلها وأوجدها، بل بالجعل البسيط بالعرض لأنحاء الوجودات؛ فإن جعلها كتحققها تبع لجعل الوجود وتحققه كتبعية الظل الذي الظل والصدى للصوت بما هما ظل وعكس.. (شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 292).

جلال

– في جلاله عظيم: إنما كان هو تعالى في جلاله عظيمًا؛ لأن صفاته التنزيهية ونعوته السلبية التي هي جلاله تعالى ترجع إلى التنزيه عن النقائص وسلب السلوب؛ فإذا قلت: سبوح قدوس، فقد نزهته عن حدود الأكوان ونقائص عالم الكيان، لا عن سنخ كمالاتها وخيراتها، كيف والخير كله بيديه والكمالات فائضة من لديه، لا بأن يكون الأثر شيئًا على حياله؛ فإنه شرك، ولا بأن ينفصل منه شيء كانفصال الندا من البحر؛ فإنه توليد، بل بأن يفيض منه بحيث لا ينقص من كماله شيء، وإذا انعدم المستفيض لا يزيد على كماله شيء، وكل ما لذاته من الكمال لا يشاركه فيه غير ذاته، وكل ما لغيره منه فهو من جنابه كما هو مقتضى الإحاطة. وهكذا إذا قلت إنه ليس بجسم أو ليس بجوهر عاد السلب إلى نقص الجسم وحد الجوهر، وأما وجود الجسم واستقلال الجوهر فهما منه، فهو تعالى كلما يزاد في تنزيهه وسلب الأشياء عنه يزداد عظمة وإحاطة عند العقول، بخلاف غيره؛ فإن كل ما هو أكثر سلبًا منها أضيق وجودًا، فالعظمة في عين الجلال مختص به (شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 261).

– إن المقام قد يقتضي الأفراد وقد يقتضي الإضافة، وهذه الإضافة تشريفية، وفيه من الافتخار والالتذاذ للذاكر ما لا يخفى.. وكذا مثل هذه الإضافة الواقعة في قوله تعالى: ﴿وإن عليك لعنتي يوم الدين﴾ أسكرت إبليس اللعين حيث حمل على كاهله أوقار اللعنة إلى يوم الدين، فمحاه إلى يوم البعث الخمر المرة التي مزاجها الأنجبين حيث امتزجت مرارة اللعنة والطرد بحلاوة الإضافة التي له كالشهد فلم يصح قط عن هذا المحو ولن يفيق عوض عن هذا السكر، قال أمير المؤمنين (ع): سبحان من اتسعت رحمته لأوليائه في شدة نقمته واشتدت نقمته لأعدائه في سعة رحمته. قال أهل المعرفة: تحت كل جمال جلال ووراء كل جلال جمال. (شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 543).

– له جلال لا يكيّف: إذ السؤال بكيف هو إنما هو عما له المعاني والأحوال الزائدة على ذاته وجلاله عين جماله وهما عين ذاته فليس له كيفية زائدة (شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 649).

– لا طاقة لواحد من عوالم العقول المجردة والأنوار الأسفهبدية والمثل النورية والطبيعة السافلة أن يشاهد نور العظمة والجلال وأن ينظر إلى حضرة الكبرياء المتعال، فلو تجلى القهار لها بنور العظمة والهيبة لاندكت إنيات الكل في نور عظمته وقهره جل وعلا وتزلزلت أركان السماوات العلى وخرّت الموجودات لعظمته صعقًا. ويوم تجلي نور العظمة يهلك الكل في سطوع نور عظمته. وذلك يوم الرجوع التام وبروز الأحدية والمالكية المطلقة، فيقول: ﴿لمن الملك اليوم﴾ فلم يكن من مجيب يجيبه لسطوع نور الجلال وظهور السلطنة المطلقة، فأجاب نفسه بقوله: ﴿لله الواحد القهار﴾. (شرح دعاء السحر، خميني، الصفحة 31).

جمال – جلال

– كل صفة متعلق باللطف فهي صفة الجمال، وكل ما يتعلق بالقهر فهو من صفة الجلال. (شرح دعاء السحر، خميني، الصفحة 27).

– الجمال صفات اللطف والرحمة، والجلال صفات القهر والنقمة. وأيضًا الجمال صفات التشبيه والدنو والجلال صفات التنزيه والعلو. وأيضًا الجمال صفات ثبوتية والجلال صفات سلبية. والتفصيل: أنه كما أن لزيد مثلًا صفات سلبية ككونه ليس بحجر وليس بمدر، وصفات ثبوتية؛ إما إضافية محضة ككونه أبًا لعمرو وجارًا لبكر، وإما حقيقية؛ فإما محضة ككونه حيًّا، وإما حقيقية ذات إضافة كعلمه الملزوم للعالمية وقدرته الملزومة للقادرية، وهاتان اللازمتان مضافتان حقيقيتان. كذلك لمبدئه صفات سلبية كلها يرجع إلى سلب واحد هو سلب الإمكان عنه تعالى، وصفات إضافية محضة كمفهوم العلية والخالقية والرازقية، وصفات حقيقية محضة كوجوبه وحياته، وصفات حقيقية ذات إضافة كعلمه وقدرته، وجميع الإضافات يرجع إلى إضافة واحدة هي إضافة القيومية، وجميع الحقيقيات يرجع إلى وجوب الوجود الذي هو تأكد الوجود. وليست الصفات الحقيقية زائدة على ذاته كما زعمته الأشاعرة وإلا لزم تعدد القدماء، ولا الذات نائبة منابها كما زعمته المعتزلة؛ لأن حقيقة الصفات فيه تعالى ولا يصح سلبها عنه؛ إذ للصفات مراتب، ومرتبة منها ذات مستقلة واجبة. (شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 138).

– وكما قال العرفاء الشامخون: إن لجماله المطلق جلالًا هو قهاريته للكل عند تجليه بوجهه فلم يبق بإحدى حتى يراه وهو علو الجمال، وله دنو يدنو به منا وهو ظهوره في الكل، ولهذا الجمال جلال هو احتجاب نوره بتعينات الأكوان فلكل جمال جلال ووراء كل جلال جمال. (شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 522).

– يا باسط اليدين بالرحمة: لا تعطيل لهما عن الإفاضة ولا إمساك فيهما عن الجود كما قالت اليهود: ﴿يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء﴾، ويداه أسمائه الجلالية والجمالية أو أسمائه المتقابلة كالجميل والجليل واللطيف والقهار والنافع والضار. ولما كان آدم (ع) مظهر الجمال والجلال ومجمع الأسماء المتقابلة قال تعالى: خمرت طينة آدم بيدي. ووبخ إبليس بقوله تعالى: ﴿ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي﴾. ولما كان جلاله كجماله مرغوبًا وقهره كلطفه محبوبًا ورد: كلتا يدي ربي يمين (شرح الأسماء، سبزواري، الصفحة 282).

– جميع ما أعطى الله الموجودات والمخلوقات من العلوم والحقائق والكمالات والنقائص، لا يكون إلا على يديه، المعبر بصفتي الجلال والجمال، لقوله: ﴿بل يداه مبسوطتان﴾ ولقوله: ﴿خلقت بيدي﴾. (الأسرار، آملي، الصفحة 549).

– إن الصفات المتقابلة لاجتماعها في عين الوجود بنحو البساطة والتنزه عن الكثرة الكل منطو في الكل، وفي كل صفة جمال جلال، وفي كل جلال جمال، إلا أن بعض الصفات ظهور الجمال وبطون الجلال وبعضها بالعكس. فكل صفة كان الجمال فيها الظاهر فهي صفة الجمال، وكل ما كان الجلال فيه الظاهر فهو صفة الجلال. (شرح دعاء السحر، خميني، الصفحة 23).

– البهاء ظهور جمال الحق والجلال مختف فيه، والعقل ظهور جمال الحق والشيطان ظهور جلاله، والجنة ومقاماتها ظهور الجمال وبطون الجلال والنار ودركاتها بالعكس. (شرح دعاء السحر، خميني، الصفحة 23).

– في كل جمال جلال، وفي كل جلال جمال، وفي كل عظمة وهيبة أنس ورحمة، وفي كل أنس وجمال عظمة وهيبة. (تعليقة على الفصوص، خميني، الصفحة 67).

جمع

المقام الجمعي

– الجمع: وهو شهود الحق بلا خلق. والمراد به أن كل من شاهد الحق وذاته واحتجب به عن الخلق واعتبارهم، فهو محجوب بالحق عن الخلق. (الأسرار، آملي، الصفحة 218).

– أعظم المقامات وأشرفها الذي هو نهاية النهايات، أعني أحدية الجمع بعد الفرق. (الأسرار، آملي، الصفحة 342).

– مقام جمعية الجمع: التوحيد الوجودي هو مشاهدة الوجود الحق تعالى من حيث الإطلاق والتقييد والإجمال والتفصيل والجمع بينهما، بحيث لا يحتجب المشاهد بأحدهما عن الآخر، لأنه لو وقف على أحدهما، صار محجوبًا عن الآخر وخرج عن دائرة التوحيد. لأن كل من شاهد وجوده وذاته من حيث هو هو، منزهًا عن جميع القيود، مستغنيًا عن جميع الاعتبارات، وأطلقه بذلك وأجمله، وقال “ليس في الوجود إلا هو” لأن غيره عدم مطلق ولا شيء محض، فحينئذ احتجب بالوجود والذات عن الأسماء والصفات وكمالاتهما المفصلة والمجملة في مظاهرهما، وتقيد بقيد الإطلاق والإجمال، ورضي بنصف من المعرفة. وكذلك من شاهده في كل مظهر من مظاهر أسمائه وصفاته وأفعاله، وقال “هذا مظهر اللطف، وهذا مظهر القهر، وهذا مظهر الجلال، وهذا مظهر الجمال”، وما شاهده مجردًا عنها، أي عن هذه المظاهر، وما حصل له الفرق بين الظاهر والمظهر، وبين الذات والصفات، وقيده بذلك وفصله في مظاهره، وقال “هو الكل وليس في الوجود إلا هو”، فهو أيضًا احتجب بالمظاهر والمجالي، وتقيد بالتفصيل والتقييد، ورضي بنصف آخر من المعرفة. فأما إذا جمع بينهما وشاهده مطلقًا ومقيدًا، ومجملًا ومفصلًا، أي مطلقًا في عين المقيد، ومقيدًا في عين المطلق، ومجملًا في عين المفصل، ومفصلًا في عين المجمل، وما احتجب بأحدهما عن الآخر، (فقد) صار موحدًا عارفًا كاملًا مكملًا. وشاهد مشاهدة ذوق وعيان أنه ليس في الوجود سوى الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله، وعرف بالتحقيق أن الكل هو وبه ومنه وإليه، وقرأ صحيحًا بلسان الحال قوله تعالى: ﴿هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم﴾. وأطلع يقينًا على معنى قوله تعالى: ﴿الله نور السماوات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية﴾ الآية. رزقنا الله تعالى الوصول إلى هذا المقام بمحمد وآله الكرام. وبعبارة أخرى، هذا هو مشاهدة الحق من حيث الوحدة والكثرة والجمع والفرق، ومن حيث الجمع بينهما، لأنه لو شاهد وجودًا واحدًا عاريًا عن جميع الكثرات الأسمائية والفعلية، فحينئذ ما شاهده على ما هو عليه في حد ذاته، لأنه في حد ذاته موصوف بجميع الكمالات، أزلًا وأبدًا، ومن جملة كمالاته ظهوره بصور جميع الموجودات ومعانيهم، أزلًا وأبدًا، وصار بذلك محجوبًا بذاته عن كمالاته، وبوجوده عن خصوصياته. وإن شاهد وجودًا واحدًا متكثرًا بهذه الكثرات، متعينًا بهذه التعينات، وما حصل له بذلك الفرق بين الكثرة والوحدة والتمييز بين الفرق والجمع، فما شاهده لذلك على ما هو عليه من الوحدة والجمعية، لأنه في حد ذاته منزه عن الكثرة والتعينات مطلقًا، أعني الخارجي والذهني، بل ذلك كله من كمالاته الأسمائية والصفاتية، الراجعة إلى ذاته في مرتبة ثانية من مرتبة الوجود، وصار أيضًا محجوبًا بكمالاته الأسمائية عن الذات، وبخصوصياته الوصفية عن الوجود، وذلك غير محمود كالأول. فأما لو جمع بين المرتبتين بحيث لا يحتجب أحدهما عن الآخر، أعني لا يحتجب بالكثرة عن الوحدة وبالفرق عن الجمع، صار موحدًا عارفًا كاملًا.. (الأسرار، آملي، الصفحة 114).

– إلى مثل هذا التوحيد أشار الشيخ الأعظم محيي الدين (بن) العربي قدس الله سره في قوله: “إياكم والجمع والتفرقة، فإن الأول يورث الزندقة والإلحاد، والثاني تعطيل الفاعل المطلق. وعليكم بهما، فإن جامعهما موحد حقيقي وهو المسمّى بجمع الجمع، وجامع الجميع، وله المرتبة العليا والغاية القصوى”. وهذا الفرق والجمع من الفرق والجمع الثاني، الذي هو شهود قيام الخلق بالحق، ورؤية الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة من غير احتجاب صاحبه بأحدهما عن الآخر، لا (الفرق والجمع) الأول، الذي هو الاحتجاب بالخلق عن الحق، وبقاء الرسوم الخلقية بحالها. وفيه قيل أيضًا: “الجمع بلا تفرقة زندقة، والتفرقة بلا جمع تعطيل، والجمع مع التفرقة توحيد”. وإذا تحقق أن المراد بجمع الجمع أحدية الفرق بعد الجمع، فاعلم أن مقام الجمعية مقام عال، وليس مقام ولا مرتبة أعلى منه، ولا عروج لأحد من الأنبياء والأولياء عليهم السلام (أرقى) من هذا الدرج، لأنها النهاية، وفوق النهاية لا تكون نهاية، وإلا لا تكون النهاية نهاية. وهذا هو المراد بالمقام المحمود (أو أدنى) و”المعراج المعنوي” و”الوصول الحقيقي” وغير ذلك من الإشارات. وفيه قيل: “ليس وراء عبادان قرية”. وإلى هذا أشار أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: “لو كشف الغطاء ما ازددت يقينًا”. وفيه قال الشيخ الأعظم في فصوصه: “وإذ ذقت هذا، ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق. فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى أعلى من هذا الدرج، فما هو ثم أصلًا، وما بعده إلا العدم المحض”. وفيه قال أيضًا: “ما يعرف هذا إلا آحاد من أهل الله تعالى. فإذا رأيت من يعرف ذلك، فاعتمد عليه. فذلك عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله”. (الأسرار، آملي، الصفحة 117).

– المقام الجمعي: مقام الكمال الأعظم. (الأسرار، آملي، الصفحة 118).

– المقام الجمعي: مرتبة التكميل. (الأسرار، آملي، الصفحة 118).

– المقام المحمدي وأمته وتابعيه يقتضي الجامعية والمجموعية. وليس لغيرهم هذا، لقوله تعالى أيضًا: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطًا﴾. والوسط هو الحد الأوسط بين طرفي النقيض، المسمى بالمقام الجمعي. (الأسرار، آملي، الصفحة 300).

– ليس في الواقع جنة أعلى من هذه الجنة، أي مشاهدة الحق تعالى في مظاهره الآفاقية والأنفسية. المسماة بمقام الفرق بعد الجمع، الذي هو نهاية مراتب الإنسان. وهو المسمى بجمع الجمع، وجامع الجميع، وله المرتبة العليا والغاية القصوى”. (الأسرار، آملي، الصفحة 296).

– قال المحققون: إن هذا في الحقيقة، وإن كان من اقتضاء ترتيب الوجود، لكن لما كان وجود نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) جامعًا لجميع المراتب الكلية والجزئية، خصوصًا المراتب السلبية، كان هذا من اقتضاء كمالاته ومراتبه. أعني: لما اقتضت ذاته الاجتماع بين الأشياء والائتلاف بين الموجودات، كان غالبًا عليه وضع هذه الأوضاع، التي توجب هذا، أي الائتلاف والاجتماع الموجبان للمحبة الحقيقية، التي هي الغاية القصوى والمرتبة العليا. (الأسرار، آملي، الصفحة 285).

– كلام هذه الطائفة في الجمع، وجمع الجمع، والفرق بعد الجمع، مختلف، ليس على وتيرة واحدة. فبعضهم أراد بالجمع أحدية عين الذات، وبعضهم أحدية عين جمع الوجود، وهي شهود وحدة الذات في الحضرة الواحدية الأسمائية، أعني شهود وأحديتها المحيطة بجميع الأسماء والصفات. وكلاهما (أي كلا تعريفي الجمع المتقدمين يقتضي) شهود الحق بلا خلاف، لأن (التعريف) الأول هو شهود الذات وحدها، أي مع انتفاء شهود الأسماء والصفات، و(التعريف) الثاني هو شهود الذات مع أسمائها وصفاتها، وهو شهود الكثرة في الوحدة واستهلاك الكل بالكلية في الله. فجمع الجمع عند الأولين، (هو) شهود ما سوى الله قائمًا بالله تعالى. وعند الباقين، (هو) شهود الحق في الخلق. وقيل شهود الوحدة في الكثرة، والمعنى واحد، وهو بعينه الفرق بعد الجمع. وبعضهم يسمي شهود الوحدة في الكثرة هو الجمع، والاستهلاك المذكور جمع الجمع. وأما أحدية الجمع والفرق والجمع، فهي شهود الذات الأحدية المتجلية في صورها المختلفة المسماة بهياكل التوحيد. (الأسرار، آملي، الصفحة 340).

– قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “قبلتي ما بين المشرق والمغرب” أراد بذلك قيام الجمعية، لأن المشرق قبلة عيسى، والمغرب قبلة موسى، وما بينهما قبلته. فيكون هو جامعًا بين مقاميهما اللذين هما عبارة عن قبلتيهما. هذا بحسب الظاهر. فأما بحسب الباطن، فالمشرق عالم الأرواح والروحانيات مطلقًا، والمغرب عالم الأجسام والجسمانيات كذلك، أو عالم الظاهر وعالم الباطن، أو عالم الملك وعالم الملكوت، أو الأمر وعالم الخلق، وغير ذلك. وما بينهما البرزخ الجامع، الذي هو مقامه (ص) صورة ومعنى، كالحضرة الواحدية المخصوصة بالحقيقة الإنسانية وصورتها، كصورة الإنسان الجامع بين العالمين، أو عالم المثال المطلق والمقيد. (الأسرار، آملي، الصفحة 355).

– كمال موسى وأمته كان في الاطلاع على حقائق عالم الأجسام وصورها ومراتبها. وكمال عيسى وأمته، في الاطلاع على حقائق عالم الأرواح وصورها ومراتبها. وكمال محمد وأمته (كان في الاطلاع) على كليهما والجمع بينهما. ولهذا قال: ﴿أوتيت جوامع الكلم﴾. وقال تعالى في حقه: ﴿لا شرقية ولا غربية﴾. وقال في حق أمته: ﴿جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس﴾ الآية. (الأسرار، آملي، الصفحة 356).

– جاء موسى عليه السلام بتكميل الظواهر مطلقًا، مضافًا إلى تكميل بعض البواطن ويعرف هذا من ترتيب التوراة. وجاء عيسى عليه السلام بتكميل البواطن مطلقًا، مضافًا إلى تكميل بعض الظواهر ويعرف هذا من ترتيب الإنجيل. وجاء نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بتكميل الطرفين والجمع بين المرتبتين، لقوله “قبلتي ما بين المشرق والمغرب”. ويعرف هذا من ترتيب القرآن. (الأسرار، آملي، الصفحة 357).

– جمع الجمع: حفظ مقام العبودية والتوجه إلى الفقر والفاقة إن كان في الصحو الثاني فهو من أتم مراتب الإنسانية. المشار إليه بقوله صلى الله عليه وآله على ما حكي: “كان أخي موسى عليه السلام عينه اليمنى عمياء، وأخي عيسى عينه اليسرى عمياء، وأنا ذو العينين”. (شرح دعاء السحر، خميني، الصحفة 9).

– حفظ مقام الكثرة في الوحدة والوحدة في الكثرة لم يتيسر لأحد من الأنبياء المرسلين إلا لخاتمهم بالأصالة وأوصيائه بالتبعية صلى الله عليهم أجمعين. (شرح دعاء السحر، خميني، الصحفة 10).

– إن زعم القوى لنفسها الجمعية الإلهية ناشٍ: إما من ظهور الحضرة الإلهية الأسمائية فيها بمقامها الجمعية الإلهية وأحدية الجمع الاستهلاكي؛ فإن كل موجود من هذا الوجه له الجمعية، قال تعالى: ﴿ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها﴾. وإما من ظهور حضرة حقيقة الحقائق الجامعة لجميع الحقائق فيها، وحقيقة الحقائق عبارة عن التجلي العيني القيومي بالمقام الجمعي الأحدي الاستهلاكي. وإما من ظهور الطبيعة الكلية فيها وحظها منها، والطبيعة الكلية مظهر حضرة القابل المربوط بالفيض الأقدس في المقام الجمعي. ثم اعلم إن الجمعية الإلهية من هذه الوجوه، ومن الوجه الأحدي، ليست ميزان الخلافة الإلهية والمنصب العالي؛ فإن هذه لكل موجود دان أو عال، والتي هي ميزان الخلافة والولاية ما يكون بالطريق المستقيم وظهور الكثرات الأسمائية على ميزان الاعتدال. والقوى لما حجبت عن ذلك المقام زعمت ما زعمت. (تعليقة على الفصوص، خميني، الصفحة 57).

– حقيقة الوجود المجردة عن كافة التعلقات وعين الوحدة وصرف النورية لما كانت بسيطة الحقيقة وعين الوحدة وصرف النورية بلا شوب ظلمة العدم وكدورة النقص فهي كل الأشياء وليست بشيء منها. فالصفات المتقابلة موجودة في حضرتها بوجود واحد مقدس عن الكثرة العينية والعلمية منزه عن التعين الخارجي والذهني. فهي تعالى في ظهورها بطون وفي بطونها ظهور، في رحمتها غضب وفي غضبها رحمة. فهي اللطيف القاهر الضار النافع. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: سبحان من اتسعت رحمته لأوليائه في شدة نقمته واشتدت نقمته لأعدائه في سعة رحمته. فهو تعالى بحسب مقام الإلهية مستجمع للصفات المتقابلة، كالرحمة والغضب، والبطون والظهور، والأولية والآخرية، والسخط والرضا. (شرح دعاء السحر، خميني، الصحفة 26).

Source URL: https://maarefhekmiya.org/15006/irfan21/