الإسلام وصراع الحضارات: قضية سلمان رشدي

الإسلام وصراع الحضارات: قضية سلمان رشدي

بين رشدي ودوجين .. صراع الأدمغة على الأدمغة

في تقرير الأقليات[1] الصادر عن الكونجرس الأميركي بتاريخ 10 كانون ثاني/يناير 2018  يشرح النائب (بنجامين ل. كاردين) في مقدمة التقرير لزملائه: كيف أن “حكومة بوتين” تشن هجومًا “غير أخلاقي” بممارسة التضليل المعلوماتي من خلال دعم “مجموعات سياسية متطرفة”، وتستخدمها كأدوات لـ “الإسقاط المعنوي” لـ “قيم الديموقراطية والقانون”. ثم في آذار/مارس 2022  صرّح وزير الخارجية الأميركي أن الإدارة الأميركية أعدت قائمة بمن أسمتهم “النخب العاملة على البروباجندا بالتجهيل”، والتي تشمل عقوبات مالية ومقاطعة إعلامية. لاحقًا في يوليو 2022  أُضيف (ألكسندر دوجين) وابنته إلى هذه القائمة على خلفية ما أسماه التقرير: “إدارة الفيلسوف الروسي لبعض المدونات التي تروج للبروباجندا القومية المتطرفة التي تستهدف الجمهور الغربي والقيم الغربية”. يستطرد البيان المنشور[2] على مواقع جميع السفارات الأميركية أن هذه الإجراءات سببها ممارسة تلك الشخصيات “الانتقاد الشديد” بتوجيه من أجهزة مخابراتية وفي سياق حملة بروباجندا تستهدف أوكرانيا. بعد عدة أيام تناولت الإندبندت الأسترالية في عنوانها الرئيسي “دوجين” ووصفته بـ “الفاشيّ الذي أقنع بوتين بغزو أوكرانيا”[3]. إلى أن قامت الاستخبارات الأوكرانية في أغسطس/آب 2022 باستهداف المفكر الروسي بتفخيخ سيارته في الحادثة المعروفة التي راحت ضحيتها ابنته[4].

في العام 2014  أسست وزارة الخارجية الأميركية مكتب (مراقبة ومكافحة معاداة السامية[5])، وحسب المهام المنشورة على الموقع الرسمي، فالمكتب فضلًا عن العمل على رصد أي أفكار تشجع على معاداة السامية وإنكار الهولوكوست يعمل كذلك على رصد ومكافحة أي أفكار تعمل على “تجريد إسرائيل عن شرعيتها”. قبل عدة سنوات لم يكن المكتب موجودًا ليقيّم المخاطر “الفكرية” التي يمثّلها (ناجي العلي) على “شرعيّة إسرائيل”، وعلى “القيم الغربية”، ولكن قتل الفنان الكاريكاتوري بدا نتيجة طبيعية طبقًا لرسالة الباحث النيوزلندي (ستيفين و. سميث) المعنونة بـ “الكارتون ومعاداة السامية الجديدة”[6]، التي حلّل فيها أعمال (ناجي العلي) ليصل إلى نتيجة مفادها: “رسوماته تجاوزت خطوط الانتقاد لتحمل رسائل قويّة تزرع في مخيّلة الجمهور العربي أفكارًا تعادي السامية”، ليتلقّى (ناجي) بعد أن انتشرت أعماله على نحو واسع في (القبس الكويتية) أكثر من 100 رسالة تهديد بالقتل، رحّلته الكويت على إثرها إلى لندن بضغط من السعودية، ثم لاحقًا قتله الموساد[7] كما توقع هو بعد صدور قرار الترحيل[8]، ليدفن الفنان العربي في لندن خلافًا لوصيته أن يكون له شاهد في مخيم عين الحلوة بلبنان.

في معظم دول الاتحاد الأوروبي تُعتبر إهانة النسل الملكي وجعله موضع “شك” جريمةَ “خيانة” يعاقب عليها القانون بالسجن[9]. ولا يمكن لأحد هنا التساؤل حول “حرية التعبير”، فيقال له إن العقوبة ضد التعرض لرموز الدولة قد تبدو منطقية مثل شتم العلم أو النشيد الوطني أو التعرض لشخص قاضٍ كما نصّت عليه عقوبات “ازدراء المحكمة” في معظم الدول، ولكن ما يدعو للاستغراب هو سلوك الأنظمة الليبرالية الغربية اتجاه مجموعة من الأفكار المجردة، مثل “جريمة” نشر وترويج وتدريس الأفكار اليسارية على نحو الاعتناق في الولايات المتحدة، الفعل الذي يصنف -حتى الآن- على أنه “خيانة وطنية”، وبموجب هذا التجريم كانت تعمل لجان “مناهضة الحُمر” على اعتقال ومحاكمة -وأحيانًا إعدام- كل من يشتبه في انتمائه للحزب الشيوعي، في فترة ما عُرف لاحقًا في التاريخ الأميركي بـ “المكارثية”، كان أشهرها -وليس آخرها- إعدام الزوجين (يوليوس) و(إيثيل روزنبرغ) في حزيران/يونيو 1953[10] تحت دعاوى لا زالت حتى الآن قيد التحقيق والتشكيك.

في نفس السياق وبموجب (قانون سميث) تمت محاكمة 100 ضابط في الجيش الأميركي بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي الأميركي، حتى لم يجد هؤلاء الضباط محامين يمثلونهم بسبب التنكيل بالمحامين الذين دافعوا سابقًا عن متهمين من هذا النوع “غير الأميركي”، وفي المحاكمات التي تمت بموجب (قانون سميث) ومثل جميع المحاكمات الفكرية لم يكن الادعاء على المتهمين معززًا بأدلة على “أفعال” مجرّمة، ولكنها كانت -والكلام للمدعي العام الأميركي (جون مكغوي)-: “بسبب أن فلسفة الحزب الشيوعي الأمريكي تؤيد عمومًا الإطاحة العنيفة بالحكومات”[11].

لاحقًا في السبعينات وضمن ما عرف إعلاميًّا بـ “الاصطياد الأحمر”، وعكس ما يروّج له المفتونين بخطاب الحداثة والتنوير، لم يكن تعامل أميركا (الدولة) مع مواطنيها من الأقليات “المختلفة سياسيًّا” أفضل حالًا من طريقة عمل مجموعات “قنص الساحرات” في القرون الوسطى، فبمجرد أن شابت شبهة “التنظيم والتسييس” بعض احتجاجات عمال السكك الحديدية المضربين عن العمل، على خلفية ظروف العمل اللاإنسانية وعدم العدالة في الأجور، جرى اتهامهم باعتناق الأفكار الشيوعية، وهي التهمة الكفيلة بتجريدهم من “الوطنية”، وبالتالي من أي حقوق مدنية، وصولًا إلى المحاكمة والسجن والنسيان، تجربة كان تكرارها على نفس المنوال كفيلًا بتدمير الاتحادات العمالية في الولايات المتحدة، وتفتيت هويات فرعية وجماعات وظيفية لصالح نخبة من أصحاب رؤوس الأموال[12]، وإذا عدنا عدة سنوات أخرى للخلف وبعيدًا عن الأفكار اليسارية ستجد في كتب مثل “الأميركيون المقتلعون” لـ (ديلون ماير) أرشيف لحوادث مثل اعتقال مواطنين أميركيين على أساس اعتناق البوذية، وهي الأفكار التي -بحسب ما عرف إعلاميًّا بـ “التقرير الأصفر”[13]-: “تسهّل توظيفهم كعملاء لحكومة اليابان إبان الحرب العالمية الثانية”.

ولم تقتصر الانتقائية وازدواجية المعايير على الأفكار التي “تشجع على العنف”؛ ففي فرنسا “دولة الحرية والمساواة والإخاء” أقرّت الجمعية الوطنية الفرنسية في عام 1990م قانون (فابيوس جيسو)، أو قانون “مكافحة الرجعية” كما أطلق عليه مؤيدوه، الذي يحظر مجرد “التساؤل” عن حقيقة وقوع الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية، والذي أدى بالمفكر الفرنسي المسلم (روجيه جارودي) عام 1998م إلى الحكم عليه بالسجن والغرامة لارتكابه “جرائم ضد الإنسانية” بسبب كتابه (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية)، الذي لم ينف فيه (جارودي) المحرقة ولكن دَعا إلى المراجعة العلمية والتاريخية لدقة العدد المزعوم لضحايا محرقة الهولوكوست (6 مليون!)[14]، فضلًا عن الحكم بمنع كتاب (جارودي) من التداول في سويسرا، والحكم على ناشر الكتاب بالسجن، وبنفس القانون تم الحكم على أستاذ (جامعة برينستون) البروفيسور (برنارد لويس) بالسجن لأنه -طبقًا لمنطوق الحكم-: “إيمانه ضعيف بـ (إبادة الأرمن)”؛ أما دليل الإدانة فكان حواره مع صحيفة (اللوموند) الفرنسية حين وجّه له المحرر سؤال: “لماذا ترفض تركيا الاعتراف بأنها أبادت الأرمن؟”، قال: “أنت تقصد لماذا ترفض تركيا الاعتراف بوجهة النظر الأرمنية لما حدث؟”[15].

وفي أبريل 1994م أعلنت المحكمة الدستورية الألمانية أن أية محاولة لإنكار حدوث (الهولوكوست) لا تتمتع بحماية حق حرّية التعبير التي يمنحها الدستور الألماني، مما دفع البرلمان الألماني أن يسنّ قانونًا يجرّم أيّة محاولة لإنكار وقوع (الهولوكوست)، ويوقع بمرتكب هذه “الجريمة” عقوبة حُدّدت بالسجن لخمس سنوات بغض النظر عمَّا إذا كان المتحدّث ينكره أم لا[16].

وفي النمسا في العام 1992م تم تعديل قانون (إنكار غرف الغاز) ليطال التجريم أية محاولة تنكر أو تخفّف أو تمدح أو تبرّر أيًّا من جرائم النازية، سواء بالكلمة المكتوبة أو المذاعة، والذي بموجبه حُكم بالسجن ثلاث سنوات على المؤرخ البريطاني (ديفيد إيرفينغ) لمجرد أنه “أنكر” وجود غرف غاز لدى “الرايخ الثالث”[17].

(جوزيف لابيد) معلّق سياسي “إسرائيلي” استضافته شبكة التلفزيون الكندي صباح يوم 15/10/1994 للتعليق على نشر ضابط “الموساد” المتقاعد (فيكتور أوستروفسكي) كتابين كشف فيهما عن العمليات السريّة للموساد[18]، فما كان من (لابيد) إلا أن توجّه إلى اليهود في كندا طالبًا منهم اغتيال الضابط السابق مؤلف الكتاب[19]، ولم يُسمع وقتها أي اعتراض عن حق (أوستروفسكي) في التعبير مثلما سُمع عن (سلمان رشدي).

وقد لا يكون الكثير محظوظًا مثل صحفي الجزيرة (تيسير علوني) الذي انتهى به الأمر إلى السجن في إسبانيا بعد مقابلة أجراها مع أسامة بن لادن[20]، أو صحفي الجزيرة (سامي الحاج) المعتقل في غوانتنامو بسبب تغطيته الحرب في أفغانستان[21]، ففي كثير من الأحيان لا تقتصر ردود فعل الأنظمة الغربية اتجاه “التهديدات الفكرية والثقافية” على أروقة المحاكم، فقد تتكفل الـ F16 بعمل “اللازم” مثلما حدث مع الفنانة العراقية (ليلى العطار) بعدما رسمت وجه جورج بوش على أرضية مدخل فندق الرشيد، فتم استهداف منزلها وقضت مع زوجها في حزيران/يونيو 1993، أو مع صحفي الجزيرة (طارق أيوب)، الذي قُتل في بغداد حسب ما كشفته صحيفة (ديلي ميرور) البريطانية[22]، وتأكيد رئيس تحريرها (كيفين ماغواير) أن لدى صحيفته محاضر موثقة تكشف أن الرئيس الأميركي (جورج بوش) أبلغ رئيس وزراء بريطانيا (توني بلير) خطته قصف قناة (الجزيرة)، وحين تزايدت المطالبة الشعبية والإعلامية بكشف الحقيقة أُوعِز إلى النائب العام البريطاني بإصدار قرار يمنع الكشف عن الوثيقة أو نشرها[23]. (تم حذف صفحات الخبر من موقعيّ الديلي ميرور وقناة الجزيرة. ومرفق روابط الاسترداد من موقع أرشيف الإنترنت).

أفكار “خطرة”: الشيوعية، البوذية .. وأفكار أخرى.

في كتابها “دليل الشاشة للأميركيين” تقول (عين راند) في سياق التحذير من الأعمال “غير الأميركية”: “يجب الانتباه أن الغرض من بعض الأفلام غير السياسية هو إفساد مقدماتنا الأخلاقية، من خلال إدخال أجزاء صغيرة من الدعاية في القصص البريئة، وبالتالي جعل الناس يستوعبون المبادئ الأساسية للاشتراكية عن طريق المراوغة والتضمين! .. لذلك لا يجب أن تعمل مبادئ حرية التعبير لصالح الشيوعيين، ولا يجب دعمهم أو الدفاع عنهم أو منحهم وظائف تدمرنا على حسابنا!”[24]، واستشهدت (راند) بأمثلة لأفلام مشهورة وذات استحسان نقدي والتي احتوت في رأيها على “شيوعية خفية” على سبيل المثال شملت الأمثلة فيلم “أفضل سنوات حياتنا”؛ (لأنه صور رجال الأعمال بشكل سلبي، ولأنه اقترح على المصرفيين منح المحاربين القدامى قروضًا بدون ضمانات!). مثال آخر في دليل (راند) هو أغنية “لا تنسى” (لأن فيها يضحي شوبان بنفسه من أجل قضية وطنية بدلًا من تكريس نفسه لموسيقاه)[25].

في الستينات عيّن مجلس النواب الأميركي لجنة متخصصة للعمل على مكافحة الأنشطة “غير الأميركية” مهمتها الأساسية هو التحقيق في “عدم الولاء”، والأنشطة التخريبية التي يمكن أن يقوم بها أي فنان أو كاتب مشتبه في أن له روابط شيوعية أو فاشية[26]، لينتهي الأمر بتأسيس ما عُرف بـ “قائمة هوليوود السوداء” التي شملت الكوميدي المعروف (شارلي شابلن) حينما هاجم في فيلم (مسيو فيردو) الحروب والمستفيدين منها، حيث مثّل بطل الفيلم دور يرمز إلى الحضارة الغربية المزوّقة “المزيّفة”، وتم تقديم الدور على أن البطل (البنك/رأس المال) مجرم يعمل في أحد البنوك ويُغوي عددًا من النساء بكلامٍ معسول ثم يقتلهن ليستولي على أموالهن، واستمرّ التوجه العام لأعمال (شارلي شابلن) على نفس المنوال إلى أن انتقد بشكل صريح “المكارثية” فقاطعته معظم استوديوهات (هوليوود)، ثم لاحقًا -حسب مذكراته- أُلغيت إقامته وطُرد من الولايات المتحدة الأميركية[27].

ولا يتوقف الحظر على ما تعتبره “الأنظمة الغربية” أفكارًا أو فنًّا قد يشجع على “الإرهاب”، أو “التغيير بالعنف”، بل امتدت إلى ما يسمى رسميًّا “القوى الثقافية اللاعقلانية”، مثل علامات ورموز “حياة السود مهمة Black Lives Matters”، و “مناهضة حركات النازية القومية الأوكرانية”، “حركة مقاومة الفاشية/أنتيفا – Antifa”، ومجموعة “15 إم” البريطانية، وجماعة “ضد الاستهلاكية Anti-consumerist” الكندية، وحركة “احتلوا وول ستريت – Occupy Wall Street”، التي أشارت صحيفة الجارديان – وفقًا لبعض المستندات– أن المباحث الفيدرالية والأمن الداخلي قاما بمراقبتها من خلال قواتهم المشتركة لمكافحة “الإرهاب” رغم تصنيف الحركة على إنها حركة سلمية، وبسبب منع التعديل الأول من الدستور الأميركي من أي إجراء قانوني ضد هذه الحركات، فغالبًا ما تلجأ السلطات المحلية إلى افتعال شجار أو تخريب متعمّد لبعض المرافق لاتهامها به والقبض على العناصر النشطة، أو حتى اتهام أعضاء هذه الحركات بأنها عصابات لترويج المخدرات[28].

وصولًا إلى منع كل ما يناهض السياسة الخارجية الأميركية مثل الحجب من البث لوثائقي (من بيروت إلى البوسنة – From Beirut to Bosnia)، الذي أعدها الصحفي المخضرم (روبرت فيسك)؛ لأنه على حد تعبير رئيس لجنة (Primer): “يبثّ السموم إلى غرف معيشة الأميركيين”[29]. أما “السموم” التي يقصدها رئيس اللجنة فهي اتهام الوثائقي الصريح للصهيونية بأنها سبب نقمة المسلمين على الغرب[30]، وهو نفس السبب الذي أدّى لسحب كتاب (نعوم تشومسكي) (الهيمنة أم البقاء: سعي أميركا للسيطرة العالمية) بعد أن كان ضمن الكتب الأكثر مبيعًا في 2002[31]؛ حيث سرد تشومسكي في الكتاب الأدلة التاريخية أن كل تدخل أميركي في دول أخرى تحت ستار الإنسانية ما كان إلا محاولة لتعزيز قوة الرأسمالية الأميركية، وأن ما يتم التسويق له على أنه “حروب وقائية” ضد تهديدات ما هو إلا خطوة طبيعية في استراتيجياتها الإمبراطورية الأميركية من أجل الهيمنة[32].

الإسلام ضد حرية الإعلام، أم “حرية الإعلام” فقط ضد الإسلام؟

أما في أوروبا الأكثر تديُّنًا فلم تكن معارك “حرية التعبير” متعلقة بطموح استعماري مثل نظيرتها الأميركية، لكن ازدواجية المعايير ظهرت في سياق آخر يتعلق بالنظرة الفوقية للإسلام وللحضارات الشرقية عمومًا، لا زال حاضرًا في الذاكرة ما نشرته (جيلاندس بوستن) الدنماركية من 12 كاريكاتير مسيء لمقام النبي الأكرم (ص)، زعمت هيئة تحرير الصحيفة (وبعدها الجهات الرسمية في الدولة) أن نشرها هو تأكيد على حرية التعبير والانتقاد ومن أجل تطبيع موجات المهاجرين المسلمين على نمط العيش العلماني، وبالرغم من سلوك قطاع واسع من المسلمين في أوروبا طرق “ديموقراطية” للاحتجاج على الرسومات مثل التظاهر والاعتصام أمام مقر الجريدة، وحملات مقاطعة البضائع الدنماركية والتحركات الدبلوماسية، إلا أن رئيس تحرير الجريدة رفض مناشدات الجالية المسلمة بالتوقف عن النشر، بل ورفض حتى مقابلة ممثل عن الجالية! ما فجّر أزمة وقتها عن قضايا الإسلام وحريّة التعبير والمجال العام والمسلمين الجدد في المجتمعات الأوروبية، وقتها اختارت الأوساط الفنيّة “الليبرالية” في أوروبا مزيدًا من التصعيد، فقامت (مغازينات) النرويجية و (سوار) الفرنسية وعشر صحف أخرى واسعة الانتشار في أوروبا بإعادة نشر الرسومات المسيئة متضمنًا المقال المنشور معها، والذي جاء فيه: “إن بعض المسلمين يرفضون المجتمع العلماني ويطالبون بمنزلة خاصة من ناحية التعامل مع مشاعرهم الدينية الخاصة، وهذا لا يطابق المفاهيم الديمقراطية الحديثة وحرية التعبير عن الرأي التي تفرض على كل شخص أن يتقبل النقد والسخرية والتسخيف..”[33].

إلّا أن الخطاب العلماني وشعارات الحداثة والتقدمية وحرية التعبير لا تشمل الدين المسيحي، لاحقًا رفضت نفس الصحيفة نشر رسومات مسيئة إلى السيد المسيح (ع)؛ وعلّلت رفضها بـ “الخشية من ردود أفعال غاضبة”، حسب ما نشره الموقع الإلكتروني لصحيفة (الجارديان)[34]، حيث نقلت الصحيفة أنه في أبريل 2003  تبرّع الرسام الدنماركي (كريستوفر زيلر) لصحيفة (جينز كيسر) بسلسلة رسومات ساخرة تتعلق بفكرة بعث السيد المسيح من جديد، إلا أن الصحيفة لم تنشر العمل، ثم نقلت (الجارديان) عن الرسام أنه استلم رسالة بريد إلكتروني من رئيس التحرير تقول: “لا أعتقد أن قرّاء الصحيفة ستروق لهم هذه الرسوم، بل أعتقد أنها ستثير مشاعر الغضب لديهم، لذا فلن أنشر الرسوم”[35].

بعيدًا عن الصحافة عندما أعلن المخرج الدنماركي (جينز جورجي ثورسن) نيّته إخراج فيلم في إنجلترا يتناول الحياة الجنسية للسيد المسيح قام رئيس الوزراء البريطاني آنذاك (جيمس كالاهان) بالتحذير من أن أي محاولة لإخراج ذلك الفيلم في إنجلترا سوف تكون عرضة للمحاكمة تحت طائلة (قانون التجديف – Blasphemy Law). وهو نفس القانون الذي تم على أساسه مقاضاة صحيفة (News Gay) لنشرها تلميح جنسي مسيء عن السيد المسيح، المفارقة أن طلب المحاكمة جاء وقتها بناءً على طلب الملكة، بالإضافة إلى (اتحاد المشاهدين والمستمعين الإنجليز)، وهي المؤسسة التي تتولى “الرقابة الشعبية” على كل ما يُنشر في وسائل الإعلام والترفيه[36]. (لاحظ الرقابة الشعبية محترمة وممكَّنة ومنظمة بحكم القانون طالما كانت مسيحية/غربية/تقدمية).

وفي حالة الدين المسيحي لم تقتصر المصادرة والمنع على المواد الصحفية/الإعلامية التي تتضمن الإهانة الصريحة للدين أو الموجهة إلى الرموز الأساسية المقدسة، بل طال حتى مجرد احتمال التأويل أو التلميح، الذي قد يطال شخصيات ثانوية مثل “الرهبان”، على سبيل المثال وبناءً على (قانون التجديف) قامت هيئة الرقابة على المصنفات الفنية البريطانية بمنع عرض فيلم وثائقي عن الراهبة (تيريزا) على شاشات التلفزيون البريطاني، وجاء في بيان الهيئة أن: “محتوى الفيلم يمكن تأويله على أنه إهانة للدين المسيحي”[37].

وحتى اليوم في بولندا يعتبر الإساءة إلى الكنيسة الكاثوليكية ورئيس الدولة جريمة يعاقب عليها القانون، حيث تم الحكم بالسجن لمدة 6 أشهر على الفنان البولندي (دوروتا نيزنالسكا Dorota Nieznalska) في 18 يوليو 2003 للإساءة إلى الصليب، وتم تغريم الصحفي (جيرزي أوروبان) 5 آلاف يورو في 5 يناير 2005 لإساءته لشخص (يوحنا بولس الثاني).

وإذا اكتفينا بهذه الأمثلة من قوانين دول “العالم الأول”، وغضضنا الطرف عن أمثلة من دول “العالم الثالث” مثل تشريعات تجريم إهانة أتاتورك في تركيا، أو إهانة السمو الملكي أو الأميري في أيٍّ من دويلات الخليج، فإن ما سبق من أمثلة وغيرها دليل على أن مطالبة الدول والمؤسسات الدولية الغربية بـ “عدم عسكرة الثقافة وعدم تسييس الفن” ما هي إلا شعارات تُرفع في وجه كل ما هو غير “أورومركزي” أنجلوسكسوني، (أو كما يحبون تسميته بـ “العالم الأول/المتحضر”).

قد تفرض معايير “الصوابية السياسية” (اسم مخفف للنفاق السياسي) ترويج سردية أن هذه القوانين شُرِّعت للدفاع عن الأقليات وحماية السلم الاجتماعي، أو يُقال إن إجراءات الحجب ومنع النشر كانت في كثير من الحالات لأسباب مادية بحتة (مثل سحب الإعلانات أو ضغط اللوبيات أو الرقابة الشعبية)، ولكن ما يثير الدهشة -مما له علاقة بموضوع المقال- أن بريطانيا (الدولة) أصدرت قرارًا في العام 1998 بمنع عرض الفيلم الباكستاني (المقاومة الدولية – International Gorillay) الذي تضمن شخصية بها إسقاط فنّي وَجَدَت (اللجنة البريطانية لتصنيف الأفلام – BBFC) أن دور هذه الشخصية في الفيلم يتناول بشكل سلبي (سلمان رشدي) بما قد يعرّض سلامته للخطر، ولاحقًا منعت دخول الفيلم للبلاد -لمدة كافية- حتى تخفُت الدعاية حول الفيلم، ثم رفعت اللجنة الحظر حتى لا يشتهر الفيلم على قاعدة أن كل ممنوع مرغوب (حسب تعبير رشدي)[38].

“صراع الحضارات” على المجال العام!

قبل قرنين من الزمان استشرف الأناركي الروسي (ميخائيل بيوكانن) مصير المجتمعات في الديمقراطيات الليبرالية نتيجة خضوعها تحت رحمة التكنوقراط (التقنيين)، والخبراء الذين يحكمون باسم العلم والعقل والتسامح الإنساني إلى مجتمع تنتفي فيه الحريات الاجتماعية والسياسية بالضرورة[39]، حيث تصبح “اللاأيدولوجية” والبحث عن المنفعة هي أيديولوجية مقدّسة بحد ذاتها، وحيث تكون المجتمعات العلمانية التي تحتكم ظاهرًا إلى “العقل المحض” وإلى “العلم التجريبي” أسيرة دكتاتورية من نوع جديد، تكون فيها الدولة هي الإله، وأجهزتها التنفيذية هم الأنبياء الجدد، تخدم رسالة تفوّقها وتتمادى في إثبات أستاذيتها، وتضع أولوية الحفاظ على قوّتها وثروتها فوق كل اعتبار، وأنها في الأغلب تخضع لأجندات النخب المسيطرة على الإعلام والمال، أو حسب تعبير الفيلسوف الألماني (يورغن هابرماس) أن “قضايا المجتمع والسياسة لا يجب أن تصوّر على أنها مسائل علمية ورياضية بسيطة .. وما يُطرح بوصفه الحل التكنوقراطي أو الحل العلمي أو حتى الحل الأخلاقي غالبًا ما يكون نتيجة لتحيزات أيديولوجية ما، تدفعها مصالح اجتماعية وطبقية محددة”[40].

بعد الحرب العالمية الثانية ثم الحرب الباردة ترسخت النظريات الليبرالية لفلاسفة عصر النهضة في كافة المجالات، وفي المجال الثقافي أصبحت الليبرالية الثقافية دوجما مسلّم بها، وتم تناول الأفكار -أيّة أفكار- باعتبارها قيمة لذاتها لا تحتاج إلى أي رقابة من أي سلطة، سواء كانت سلطة إلهية فطرية أو تعاقدية منفعية، ومعها ترسخ مبدأ ما يمكن أن نسميه “الداروينية الثقافية”، أي أن سنن التدافع كفيلة بإسقاط الأفكار الرديئة، وأن عوامل الجمال والأخلاق في الأفكار البنّاءة كفيلة بانتشارها؛ كونها تحمل عوامل نجاحها بشكل ذاتي[41]، ولأسباب سياسية تتعلق بمشروع الهيمنة الغربي خفتت أصوات فلاسفة أوروبيين طرحوا نظريات أخرى تثبت أن هذه الحرية المطلقة في المجال الثقافي والفني ستؤدي -حتمًا- إلى التسافل الاجتماعي الأخلاقي وفساد الذوق العام، وبالتالي استنتجوا ضرورة حضور سلطة أخلاقية عليا ذات قوّة قاهرة على المجال العام، عن ذلك يقول (ماثيو أرنولد) في كتابه “الثقافة والفوضى”: إن الرقابة على المجال العام خطوة أساسية لتطوير المجتمعات نحو ثقافة مدنية متعالية؛ من أجل ترسيخ معالي الأخلاق ولكي يتجه الذوق العام -حسب تعبير (برنارد روسنبرك)- من “الثقافة الشعبوية” الجماهيرية إلى “ثقافة النُّخب”. وبغض النظر عن أن هذه السلطة على المجال العام (الرقابة) استخدمتها الدكتاتوريات في السيطرة على الناس والقضاء على المعارضة. لكن طبقًا لهذه المدرسة سيكون مفهومًا أن اجتهاد مرجعيات الإسلام السياسي وتنظيرهم لما أسموه “ولاية الفقيه على المجال العام”، أو “الولاية الثقافية” ليس بالضرورة رجعية دينية أو محض ضعف وخوف مقابل الفن.

من هنا يمكن ملاحظة أن سلوك النخبة الثقافية والإدارات الغربية اتجاه الأفكار المناوئة لها متناقض مرتين: المرة الأولى عندما تتناقض شعاراتها مع سلوكها القمعي ضد معارضي ثقافة الليبرالية الاجتماعية والحرية الفردية وخطاب “حرية التعبير”، والمرة الثانية عندما تعترض على سلوك حضارات (وفلسفات) أخرى أكثر تحفُّظًا ورقابة على المجال العام، حتى وإن كان ذلك متّسقًا مع معتقداتها وأفكارها، لخّص هذا التناقض (غونتر غراس) -عميد الأدباء الألمان- حين قال: “على الغرب المغرور والمفتون بذاته عدم الحديث عن حرية الصحافة قبل تحليل وضع هذه الحرية لديه هو، وإدراك أن مناطق أخرى في العالم ليس بها فصل بين الدين والدولة”[42].

هناك شبه إجماع لدى مفكري ومؤرخي المسلمين على أن النظرية الإسلامية في إدارة المجتمع والدولة تقول بمقاصد كبرى مثل: وجوب صيانة أفكار الجماعة المسلمة من الشبهات والأفكار المنحرفة، وحفظ الهوية الجماعية -بما تتضمنه من رموز وثوابت-[43]، وأن هذه الأخيرة مكوّن أساسيّ في أمن المجتمع الإسلامي (وأمن المستضعفين[44] بمفهومه الشامل)، خاصة الحضارات أو المجتمعات التي تعدّ معتقداتها ومنظومتها الأخلاقية بمثابة العمود الفقري لوجودها وأساس تماسكها وفعاليتها[45]؛ في تناوله لجدلية الفن والرقابة على الفن. يقول (السيد علي خامنئي): “إن الهوية الأخلاقية هي الهوية الحقيقية للمجتمع .. هذه هي فضائلنا الأخلاقية، وعلى الإذاعة والتلفاز أن تتكفل بنشرها. ويجب ألا يقتصر دور الرقابة على الإرشاد للحدود الشرعية [الفقه الظاهري] في العمل الإعلامي، بل أن تكون الرقابة شاملة للأفكار التي يمكن أن تمرر في الأعمال الإعلامية والتي تدخل عقول الناس بطرق غير مباشرة”[46]؛ فمهمة الصحافة الأولى هي تسييس الشعب، ولكن يجب الرقابة على الصحافة التي تمارس التضليل[47]، ولا تتوقف الرقابة على البرامج السياسية والمحتوى الخبري، ولكن تمتد إلى ما يعتبر فنًّا محضًا أو مواد للتسلية؛ فالثقافة الأجنبية المهاجِمة تستطيع التأثير على الأذهان عن طريق العروض الفنّية والبرامج المسلّية أكثر من التأثير عن طريق الحوار[48].

ولا تتفرد المرجعيات الدينية الإسلامية بطرح مفهوم أن جوهر الصراع مع الحضارة الغربية هو صراع روحي وثقافي، ففي جزء آخر من العالم – ومما له صلة وثيقة بما يجري الآن بين الجبهتين (الروسية – الغربية) على الأراضي الأوكرانية- يقول المفكر والفيلسوف الروسي ومستشار الرئاسة الروسية (ألكسندر دوجين): “في قلب المواجهة العالمية التي بدأت: يكمن [في أحد جوانبها] الجانب الروحي والديني. إن روسيا في حالة حرب مع حضارة معادية للدين تحارب الله وتقلب أسس القيم الروحية والأخلاقية: الله، والكنيسة، والعائلة، والجنس، والإنسان. ومع كل الاختلافات بين الأرثوذكسية والإسلام التقليدي واليهودية والهندوسية والبوذية، فإن جميع الأديان والثقافات المبنية عليها تخاطب الناس عن الحقيقة الإلهية والكرامة الروحية والأخلاقية العالية للإنسان وتكريم التقاليد والمؤسسات/الدولة/النظام، وقيمة الأسرة، وقيمة التواصل الاجتماعي. لقد ألغى الغرب الحديث كل هذا، واستبدله بالواقع الافتراضي، والفردية المتطرفة، وتدمير النوع الاجتماعي، والمراقبة الشاملة، و “ثقافة الإلغاء” الشمولية، ومجتمع ما بعد الحقيقة [ما بعد الحداثة!]. وهناك تزدهر الشيطانية المفتوحة والعنصرية الصريحة في أوكرانيا، والغرب يدعمها فقط”[49].

نفس الرؤية تكررت في الخطاب الرسمي الروسي وإن كان بشكل أكثر تركيزًا واختصارًا، في كلمته أمام المؤتمر الدولي الأول لمكافحة الفاشية يقول وزير الدفاع الروسي (سيرجي شويغو): “.. نحن لسنا في حرب مع أوكرانيا وحدها ولكن مع المجتمع والثقافة الغربيين ..”[50].

ازدواجية طارئة أم عسكرة للمجال العام؟

الازدواجية الغربية في التعامل مع الحضارات المستضعفة ليست شيئًا جديدًا، ففي مجالات الفن والثقافة والإعلام تُرفع شعارات حرية التعبير وحرية النشر والصحافة ما كانت القضايا محل النقاش بعيدة عن “ثوابتها الوطنية” وهويتها الأوروبية “التقدمية”، وفي مكان آخر نجد نفس هذه الإدارات تحظر تداول أفكار أو كلمات أو صور في وسائل التواصل الاجتماعي إلى حد فرض الحظر على شخصيات بعينها وكأنها محاولة لإلغاء هذه الشخصيات من التاريخ ومحوها من الذاكرة، فنشْر أي صورة أو اقتباس أو حتى ذكر اسم (حسن نصر الله)، أو (قاسم سليماني) كفيلٌ بتقييد حسابك (كنوع من التأديب والإنذار)، ثم تعطيل الحساب كليًّا إذا تكررت “الجريمة”، أما نشر أي محتوى لحركة “أنصار الله” أو قياداتها في موقع فيسبوك، فستنطبق عليه قوانين “ترويج محتوى إرهابي”، وهذا التوجّه مستمر حتى بعد حذف اسم الحركة من قائمة “التنظيمات الإرهابية”، لنفس الأسباب حجبت الإدارة الأميركية عام 2021 مواقع إلكترونية لعشرات القنوات الدينية والسياسية الإيرانية والعراقية واللبنانية[51]، ويبيّن تقرير (KeepItOn)[52]، لعام 2019، أن اليمن حاز أكبر نصيب من حيث عدد عمليات حجب الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط.

أما مع وسائل الإعلام التقليدية فالازدواجية الغربية أكثر وقاحةً، فعلى سبيل المثال لا الحصر حجبت شركة الأقمار الاصطناعية في مدار القمر المصري (نايل سات) قناة “المسيرة” اليمنية، 9 مرات على التوالي منذ بداية ثورة سبتمبر حتى عام 2018. وهي كانت القناة الرئيسة، التي تقدّم الرؤية المخالفة لما تحاول السعودية تعميمه بشأن عدوانها على اليمن، وتبنّت وسائل الإعلام الأجنبية والصحف البريطانية والأميركية، في مجملها، الرواية السعودية للحرب على اليمن. إلى درجة صرّحت مديرة معهد “شيللر” الدولي، (هيلغا زيب لاروش)، في معرض كلامها عن الموقف الإعلامي من حرب اليمن في الغرب[53]: “لم يفضح النفاق، الذي لا يُحتمل لمن يسمى الغربَ الحرَّ، شيئًا سوى الامتناع عن التغطية الإعلامية لجرائم الحرب التي تُرتكب يوميًّا ضد الشعب اليمني”[54]. سبق ذلك بعدة سنوات حجب بث قناة (المنار) من على الأقمار الأوروبية باعتبارها -حسب تعبير قرار المحكمة- “قناة معادية للسامية وتمثل تهديدًا محتملًا للنظام العام”[55]، وصولًا إلى وقتنا الحالي حيث تم حجب جميع قنوات (آر تي – RT) و (سبوتنيك) الرُّوسيتين سواءً على الأقمار الصناعية أو حتى على شبكات الإنترنت؛ لأن القناتين -حسب القرار المنشور في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي-: “أداتي تضليل إلى جانب موسكو لبثّ بروباجندا تنتشر بشكلٍ واسع”. أما بحسب “فرانس برس” فهما قناتا “أعمال دعائية” و”تشويه حقائق” لدى روسيا، و”تهددان بشكل مباشر وخطير الأمن العام والنظام في الاتحاد الأوروبي”[56].

وفي جانب آخر عند تعاطي الإعلام الغربي مع ما ورد في استراتيجية الأمن القومي الروسية التي اعتُمدت في عام 2015 بعد أزمة جزيرة القرم، وعندما قدمت الوثيقة الجديدة تصورًا مختلفًا عن التهديدات الغربية وشكل الاستجابة لها كان أبرز ما قدمته الوثيقة هو “التهديدات الثقافية”، وتحديدًا الأولوية الرابعة في الإعلان التي نصّت على “حفظ وتطوير القيم الروحية والأخلاقية والثقافية التقليدية الروسية”[57]، ساعتها قامت قيامة البروباجندا الغربية متهمة الاستراتيجية الروسية أنها “مريضة بجنون العظمة”، ومحذرة من عواقب “تكميم الأفواه”، و “كبت الحريات” و “إقصاء المرأة” التي ستؤدي حتمًا إلى “ثورة ملونة” جديدة[58].

وفي مثال آخر، غالبًا ما كان يسقط من حسابات “صراع الحضارات” باعتباره أزمة محلية هو قضية منع الحجاب في فرنسا، الذي كان -بحُسن نيّة- يتم تبسيط أسبابها في كونها أزمة “شعبوية” بسبب نزعة المجتمع الفرنسي للعلمانية المضادة للدين، أو محاولة ربط الأزمة بجذور السلوك الاستعماري للدولة اتجاه مواطنيها المسلمين، أو حسب تعبير (فرانز فانون) في تحليله لسلوك المستعمر الفرنسي: “إذا أردنا أن نُحطّم بنية المجتمع الجزائري وقدرته على المقاومة، فلا بدّ لنا أولًا من هزيمة النساء، ينبغي لنا أن نذهب إلى حيث يختبئن وراء الحجاب، وفي البيوت حيث يخفيهن الرجال عن الأنظار”[59]. إلا أن المتتبع لتصريحات المؤسسات الغربية الرسمية -حتى وقتنا الحالي- سيجد أن ما يسمّونه بـ “الراديكالية الإسلامية” بكافة تمظهراتها تشكل هاجسًا ثقافيًا وتهديدًا على “هوية الجمهورية”، وهو ما يذكره بشكل صريح (إيمانويل ماكرون) في خطابه بتاريخ 22 من تشرين الأول/أكتوبر 2020، يقول: “المسلمون قد يشكّلون مجتمعًا موازيًا داخل فرنسا .. ولا بدّ لنا من الإقرار بوجود نزعة إسلامية راديكالية تقود إلى إنكار الجمهورية”. الأمر الذي ينكره تمامًا المؤرخ والفيلسوف الفرنسي (مارسيل غوشيه) صاحب إحدى أهم الدراسات عن الحالة الدينية في فرنسا، في كتابه “الدين في الديمقراطية”، يقول: “ذلك كله يأتي في سبيل إضفاء بُعد نضالي على العلمانية ومَدِّها بالحيوية التي افتقدتها العلمانية الفرنسية بعد أن فقدت كل مصادرها الروحية الذاتية، وصارت العلمانية الفرنسية عبارة عن هوية قلقة مهووسة بنقيضها، تستدعيه طوال الوقت وتصارعه طول الوقت”[60].

الغرب لا يرى في سلوكه أي ازدواجية، فهو بالفعل يرى ثقافته وقيَمه ودينه تستحق العنف والخداع من أجلها، يقول (هنتنغتون) في كتابه الجدلي (صراع الحضارات): “استطاع الغرب أن يكسب العالم، ليس بسبب تطور أفكاره أو قيمه أو دينه (الذي تحول إليه عدد من الحضارات الأخرى)، وإنما بالأحرى بسبب تفوقه في تطبيق العنف المنظم”[61]. يؤكد (إدوارد سعيد) ظاهرة الاستعلاء الفكري الغربي على الإسلام في محاضرته عن كتاب (صراع الحضارات) فيقول: “يصدّر في كتابه تركيزه السلبي على الحضارة الإسلامية أكثر من أي حضارة أخرى بما فيها الغربية .. ويحاول رسم معالم العالم الجديد في الألفية الجديدة بعد نظرية نهاية التاريخ .. ليقدم إلى السياسيين وصانعي القرار تنظيره حول أن الصراع في المستقبل ليس عسكري ولا اقتصادي ولكن فكري ..”[62].

يطرح فلاسفة الحضارة الغربية فكرة “العقد الاجتماعي” كتصوّر تعاقدي للعلاقة بين أفراد المجتمع قائم على حفظ حقوق الحرية الفردية ونسبيّة الأحكام الأخلاقية ودافعية اللذة والمصلحة، وتبادل المنفعة وغياب مفهوم الـ “نحن” لصالح مفهوم الـ “أنا”، وإلغاء هويات المجتمعات، أو كما تقول (مارجريت تاتشر): “ليس ثمة شيء اسمه المجتمع، بل إن هناك أفرادًا فحسب”. وكان العمود الفقري لأفكار عصر التنوير هي ما رأوه قدرة الإنسان على الوصول إلى الحقيقة والمعرفة الموضوعية، عبر العلم وتحرير العقل الإنساني من “خرافات اللاهوت”، كل ذلك في إطار من العالمية تدعو إلى نشر الليبرالية والديموقراطية إلى أقصى الأرض، ولكن لن يجد مفكري الغرب أي حرج فيما قد يبدو تناقضًا بين ما تقدم، وبين السلوك الاستعلائي والازدواجية العنصرية لـ “النموذج الغربي” ضد الحضارات الأخرى؛ لأننا إذا فككنا الأساس التي قامت عليها فلسفات التنوير والحداثة والليبرالية لوجدنا محورية القوة والسيطرة والصراع، وأنها هي التي تشكّل الحقيقة والمعنى، وأنها المبرر الكافي لهيمنة هذه الأفكار/الحضارة، وأن القوة وحدها هي جوهر الحياة ومحركها الأساسي كما يقول بذلك (فريدريك نيتشه)، وفلاسفة ما بعد الحداثة مثل ميشيل فوكو وجاك دريدا. ليصلوا في النهاية إلى أن الأخلاق والفطرة الإنسانية والتاريخ هي مجموعة من الأصنام والتابوهات التي يجب نزع القداسة عنها وتحطيمها.

بالتالي، فليس هناك تناقض عندما يتوقف الحديث عن الحق في التعبير وحريات الصحافة والنشر عند القيم الحضارية الشرقية؛ ففضلًا عن ارتباط صورة الشرق لدى فلاسفة الغرب بالرجعية والدونية؛ نتيجة لما يعبر عنه أستاذ الأدب والنقد الثقافي (عبد الله الغذامي): “أبعاد أيدولوجية وسياسية متداخلة .. من منطق القوة”[63]. ففلاسفة ومفكري الغرب في سياق رؤيتهم لأنفسهم من خلال ما عُرف بـ “الحق الإلهي” للقوى الإمبريالية[64]، أو ما تم تبريره لاحقًا بـ “عبء الرجل الأبيض” وكلازمة من لوازم إنجاز عملية التفوّق ومكافحة واستئصال ما تراه الحضارة الغربية “خرافة/رجعية” تعطي لنفسها كل الحق في استخدام أساليب الخداع والازدواجية واستخدام القوة -إن لزم الأمر- لاقتلاع “الرجعية”؛ فثقافة الاستشراق وما يسمونه نظرية “المركز والأطراف” لا تعطي الحق فقط في انتهاك هذه الذوات الأقل إنسانية، بل ترتب مسؤولية “أخلاقية” على الأوروبي “المتمدّن المتحضر” في المركز أن يشن الحروب على “البرابرة المتوحشين” في أطراف العالم ليعلمهم الحضارة والديموقراطية! وهو ما أطلق عليه المفكر السوري الدكتور أحمد يوسف داوود: “البُعد الصهيوني في نظرية المركزية الأوروبية”[65].

أما الإسلام تحديدًا فقد كان للحضارة الغربية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فهم مختلف دعاها إلى استخدام مقاربة مختلفة عن تكتيكات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، الحدث الكبير الذي أثر على أسعار النفط عالميًّا، دفع الصحفيين وكتّاب الرأي أن يحلّلوا الظاهرة الأيديولوجية السياسية الجديدة، لخّصها مقال (جان دانييل) في صحيفة (لونوفيل أوبزرفاتير) في عددها الصادر يوم 26 نوفمبر 1979 عندما قال: “إن الولايات المتحدة تشعر أن الإسلام يحاصرها”، وصولًا إلى الصياغة النهائية لرؤية الغرب للحضارة والمنظومة الفكرية الإسلامية عمومًا (بعيدًا عن سلوك المسلمين) كما لخصها الفيلسوف والمؤرخ الإنجليزي – الأميركي (برنارد لويس) في عبارته الشهيرة: “جذور غضب المسلمين تقع في ثقافتهم ومجموعة الحقائق التي أُسست عليها حضارتهم”[66].

(برنارد لويس) إضافة إلى خبرته كضابط استخبارات بريطاني سابق وعمله كمؤرّخ وأستاذ دراسات الشرق الأوسط، فحسب ما يروي في مذكراته عمل كمستشار لمجلس العلاقات الخارجية الأميركية ومستشارًا مباشرًا لكل من (ديك تشيني)، و (كونداليزا رايس)، و (جورج بوش) قبيل غزو العراق، ويشرح (لويس) في مقاله المسمّى “جذور غضب المسلمين” -في حين لم تطأ قدمه أرضًا عربية ولا إسلامية- ما أسماه “مشكلة العالم الإسلامي الحالية” فيقول: “أصبح واضحًا من الآن أننا نشهد تحرّكًا في الإسلام، يتجاوز بكثير مستوى المشاكل والسياسات والحكومات التي تتبعها، فهذا ما هو إلا صدام حضارات، بأسباب تاريخية لاعقلانية ضد تراثنا اليهودي-المسيحي، وضد وجودنا العلماني، وضد التوسع العالمي لكليهما”[67].

في كتابه “تغطية الإسلام” بعد أن يسرد (إدوارد سعيد) عشرات الأمثلة على التشويه المتعمّد في الإعلام الغربي لكل ما يتعلق بثقافة ودين الإسلام، يحاول (سعيد) تفكيك أسباب ذلك واستكشاف آليات هذا الجهل المركّب ليصل إلى نتيجة مفادها: “أن ما رسّخ لدى الغرب فكرة أن الإسلام “دين شيطاني” هو الانغلاق الذي اتّسم به من يسمون بالخبراء والأكاديميون المتخصصون في الإسلام الذين دأبوا على التناول هذا الدين وشتى ثقافاته في إطار أيديولوجي اخترعوه، أو حددت الثقافة صورته، فامتلأ بالانفعال، وبالتعصب المعهود في الدفاع النفسي، وأحيانًا بالنفور، الذي جعل تفهُّم الإسلام بالنسبة للنخب الغربية أمرًا بالغ الصعوبة”. مرة أخرى تكمّم الأفواه ويؤدي هذا التحليل إلى التضييق على (إدوارد سعيد) في الإعلام الأميركي والعالمي بعدها وحتى وفاته في2003[68].

كان سلوك ما يسمّي نفسه “العالم الحر” بعد الحرب العالمية الثانية معبّرًا عن التصميم على عسكرة الفن والثقافة والإعلام، وفي قبال ذلك تحييد قوة الحضارات والثقافات الأخرى (خاصة الإسلام)، وبكثير من الأحيان عن طريق إنكار وجود ميدان “حرب ثقافية” من الأساس!

المقاومة والصوابية السياسية وعسكرة الفن.

الجديد والغريب في حُكم [فتوى] (الإمام الخميني) بحق (سلمان رشدي) أنه كان نموذجًا جديدًا خارج المعايير الغربية لـ “السلوك المشروع” وحالة شذوذ فريدة عن السطوة الأيديولوجية لخطاب الليبرالية بكافة تشكلاتها وتأثيراتها على الخطاب السياسي المعاصر، فهو أولًا فعل مقاومة علنيّ، وليس على غرار “النفاق السياسي” لأمثاله من أصحاب القرار الذين يمتلكون قدرة مدهشة على تغليف الازدواجية بمصطلحات ما يسمّى بـ “الصوابية السياسية”؛ بغرض التهرب من الانتقاد الأخلاقي والمسؤولية السياسية، حيث دأبَ هؤلاء على اتخاذ إجراءات مثل: “التصفية والابتزاز والإرهاب والإغراء وحتى السرقة”، حسب تعبير وزير الخارجية الأميركية السابق (مايك بومبيو)[69]. خلاف قيمهم “الحضارية” المعلنة؛ فالمهم والأولوية الأولى هو ألا يتم الإمساك بك وأن تحافظ على الصورة الذهنية والرأي العام.

ولولا أن محاولات اغتيال (فيدل كاسترو) و (معمر القذافي) خرجت من الأرشيف السري للإدارات الأميركية لم يظهر تناقض أفعال هذه الإدارات مع خطابها الرسمي المعلن حول “سيادة الدول”، هذه “السيادة” التي طالما كانت ثابتة وأصيلة لأميركا (وجنودها)، حتى فوق المؤسسات والمحاكم الدولية، ففي 7 ديسمبر/كانون الأول 2001، أقر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون مضاد للمحكمة الجنائية الدولية تقدم به السناتور (جيسي هيلمز)، ويعرف باسم “قانون حماية الجنود الأمريكيين”، يجيز للولايات المتحدة استخدام “كافة الوسائل الضرورية والملائمة” لإطلاق سراح أي مواطنين أمريكيين أو مواطنين من “دول حليفة” معتقلين لدى المحكمة الجنائية الدولية[70].

ويبرع ساسة الغرب في توظيف عشرات الوسائط من: مجالس متخصصة ولجان شعبية ومنظمات مجتمع مدنية ومؤسسات دولية وبيانات مليئة بالمصطلحات المزوّقة، التي تنتج في النهاية نفس الفعل ولكن مع إمكانية التهرب من المسؤولية السياسية، أما على الجانب الآخر فكانت “علانية” فتوى السيد الإمام الخميني المستند إلى مبدأ ونموذج “السياسة الأخلاقية” التي جعلت خياره في التعامل مع “التهديد الثقافي” خيارًا علنيًّا[71]. أو ما هو معروف في أدبيات الإسلام السياسي الثوري لدى محور المقاومة بثقافة “أداء التكليف الشرعي لا رضا الناس”، والتي تصل -في كثير من الأحيان- إلى درجة ألا يلقي الحاكم الشرعي بالًا لـ “الرأي العام”.

الأمر الثاني الجديد في الفتوى هو بُعد الجماهيرية (الشعبية)، فلأول مرة يطرق مسامع النخب الغربية خطاب “أممي” لا يلتزم بمعايير “القانون الدولي” ولا بالتعريفات النمطية لحدود الدولة الوطنية من حيث مراعاة مصالح شعب محدد داخل الحدود الجغرافية لهذه الدولة، فهناك فاعل جديد يتحدث باسم مصلحة “الأمة الإسلامية” ككل، وقادر على تحريك قوى “أممية” بفتوى كان التكليف فيها متوجّهًا إلى عموم المسلمين كأفراد بتنفيذ الحكم، وليس إلى هيئات إنفاذ القانون المتخصصة التي تحتكر العنف، فكانت هذه المرة الأولى التي يرى فيها المجتمع الغربي التأثير العملي لنظريات: “الأممية الإسلامية”، و “السيادة الشعبية الدينية” التي كانت أساس الثورة الإسلامية.

الأمر الثالث أن الحكم [الفتوى] كان مواجهة جريئة في أسلوبها وصادمة في توقيتها، فمواجهة “عسكرة الثقافة” بالردع الأمني العلني فضلًا عن أنه خطوة كاشفة لحالة “صراع الحضارات” مع الغرب بشكل مباشر، فهو كان في توقيته مخالف لكل الأصوات الإصلاحية التي كانت تدعو الثورة الإسلامية ومسؤوليها إلى “التهدئة” خوف انفراد الغرب بها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، سيما بعد خروج الجمهورية الوليدة منهكة من حرب السنوات الثماني مع نظام (صدّام)، إلا أن فترة الشهور الست كانت كافية للأجهزة الأمنية للثورة لتصل إلى نتيجة مفادها: أن “الآيات الشيطانية” عملٌ في ظاهره ثقافي وفني، وفي حقيقته أداة جديدة من أدوات الاستعمار يتم استخدامها في سياق عالمي يستهدف المجتمع الإسلامي في باكستان والهند خصوصًا، ويستهدف الهوية الإسلامية بوجه عام، أو حسب تعبير أستاذ فلسفة القانون والسياسة (غي هارشير) في كتابه (العلمانية): “إن فتوى الإمام الخميني كانت تبيان واجب الدولة في حماية الدين الإسلامي من التشهير الجارح بعمق والمسيء إلى كرامة جميع المنتمين إلى أمة الإسلام في العالم أجمع”[72].

الأمر الرابع، كان جديدًا على النخب الثقافية في العالم العربي والتي تكونت صورتها الذهنية عن “رجل الدين” باعتباره واعظًا ومصلحًا اجتماعيًّا يقتصر خطابه الديني على الفتاوى الشخصية المتعلقة بالعبادات والمعاملات الشخصية، وحتى مع النسخ الأكثر جذريّة من صورة “رجل الدين” فكان حدود صدام “الإسلام السياسي” مع الانحرافات المجتمعية أو حتى الأنظمة المستبدة ينتهي عند أدبيات المقاومة الفردية بـ “كلمة حق عند سلطان جائر”، أما أن يشتبك مرجع ديني مع شأن ثقافي/فني ثم يطلق حُكم [فتوى] على خلفية من “صراع الحضارات” وبمساعدة من أجهزة متخصصة لتشخيص حالة “تهديد ثقافي”. فقد كان أمرًا جديدًا.

جدليات: الدين والفن – التجريد والتجسيد – الاستبداد والتوحيد

الجمال -نظريًّا- في تعريف الدين واحد من الصفات الإلهية، وأحد وسائل تهذيب النفس واكتساب الكمالات المعنوية، ولكن الأكثر التباسًا في مفهوم الفن والجمال هل أنه وسيلة حاملة لقيم أخرى أم أن للفن والجمال قيمة في حد ذاته؟ بمعنى آخر هل ينبغي أن ترفع القيود عن الفن والجمال على إطلاقها؟ أم تقدّر بحسب هدفه وتأثيره النهائي على الفرد والمجتمع؟

في كتابه “الفن والأدب في التصوّر الإسلامي” يقول (السيد علي خامنئي): “لا حَظَّ لأية رسالة ودعوة وثورة وحضارة وثقافة من التأثير والانتشار والبقاء إذا لم تُطرح في شكلٍ فني، ولا فرق في ذلك بين الدعوات المحقة والباطلة”[73]. ولا يتردد (السيد الخامنئي) في توسيع هذا المفهوم حتى على الحقائق القرآنية باعتبارها ليست كافية في نفسها لأداء وظيفتها الأساسية -وهي الهداية- فعندما يتناول القرآن من زاوية فنيّة يقول: “القرآن هو ذروة الفن[74].. والفنّ وسيلةٌ ذات قيمة عالية، وهو أفضل وسيلة للرسالة الرحمانية أو التوجه الشيطاني .. الذين لديهم رسالة يريدون تبليغها للناس، سواء أكانت هذه الرسالة رحمانية أو شيطانية، فإنَّ أفضل وسيلة يستخدمونها هي وسيلة الفن. الشيء المهم جدًّا هو أنَّ استخدام الفن يجب أن يكون كباقي الأدوات والوسائل الحاملة للفكر، ذات اتجاه دقيق وواضح وصحيح جدًّا، ولا يكون اتجاهه خاطئًا. لذلك يُستخدم الفن في العالم اليوم لتصوير أكثر الآراء باطلًا على أنَّها حقٌّ في أذهان جماعة كبيرة من الناس، وهذا غير ممكن من دون الفن، لكنَّهم يجعلونه ممكنًا بالفن وبالأدوات الفنية. خذوا مثلًا فن السينما والتلفزيون حيث يستخدمون أنواع الأساليب الفنية ليستطيعوا إيصال رسالة باطلة إلى أذهان الناس على أنَّها حق”[75].

في الجهة المقابلة ما يطلق عليه “الفن لذاته”، أو الفن المستقل عن الأخلاق، والذي يتم التنظير له على أساس أنه “يتطابق في ذاته مع الخير”[76] بلا حاجة إلى تقييمه بالنسبة إلى الهدف أو الرسالة، فغالبًا ما كان هذا النوع من الفن تأثيره على مستوى الفرد هو تقوية ما يسمّى في علم الأخلاق الإسلامي “قوى النفس المظلمة”، أي كل ما يستهدف إشباع اللذات الحسية وإثارة الشهوات النفسية، ما أدى -ضمن سياقات تاريخية واجتماعية أخرى- إلى وجود تصور للعلاقة بين الفقيه والفنان في إطار من التنافس وأحيانًا التخاصم، فالفقيه أدواته: (العقل والفلسفة والاتصال بالوحي) وغايته: “التكامل الفردي والاجتماعي من خلال تقييد السلوك البشري والسيطرة على الغرائز الأنانية وتقييم سلوك الإنسان بمعايير الأخلاق”، في حين أن “الفنان” أدواته الأساسية هي: “إثارة الخيال وتحريك الحواس”، وغايته النهائية “التحرر من القيود وإمتاع الحواس وإشباع غريزة البقاء”؛ (سقراط) على سبيل المثال، كان يرى أن الفن لا بدّ أن يحث على الفضيلة، أي لا بد أن ينطوي على قيمة أخلاقية، وإلا أصبح الفن ذاته لا قيمة له. (أفلاطون) أيضًا تحدث عن وجوب حذف مقامات موسيقية معينة، بحجة أنها فيها من الليونة ما يمكن أن يُفسد أخلاق الشباب الذين ينبغي أن يتحلوا بالشجاعة، التي إن غابت فيمكن أن تضع (أثينا) تحت رحمة أعدائها.

أما تأثير “الفن لذاته” على المجتمعات فكان بأشكال أكثر تعقيدًا وعمقًا أدّت في كثير من الأحيان لترسيخ الاستبداد؛ ربما بسبب اقتران هذا النوع من الفن بالسلطة الفرعونية، التي استخدمته لخلق الأسطورة وزخرفة الأيديولوجيا وحشد الناس؛ صاغ تركيب هذه العلاقة أستاذ الاجتماع السوري في جامعة دمشق (إسعاف حمد) عندما قال: “بشكل تقليدي غالبًا ما كان يعيش الفنان في علاقته مع السلطة  صراعًا داخليًّا، فهو من جهة يرغب في تبيين الحقيقة وقولها، لكنه إذا اختار هذا الطريق عاش منبوذًا ومهانًا، أما إذا جعل مواهبه في خدمة السلطة فإنه سيحقق المكانة والرفاهية”[77]. وكنتيجة طبيعية لهشاشة الفن وحاجته إلى الدعم والحماية نشأ تحالف بين الفن وبين السلطة (الفرعون/الملك/رأس المال).

النتيجة كانت توظيف “الفن” كأفضل أداة لدى السلطة للتحكم بالجماهير، لإثارة العواطف عند الحاجة، والتخدير والإلهاء عند الحاجة، والإجابة عن أسئلة ما بعد الموت وطمأنة خوف الإنسان من العدم واللامعنى، والأهم: هو السيطرة على المخيال الجمعي وتشكيل هوية مجتمع بديلة تنافس دعوات الأنبياء والأولياء والفقهاء، كان الفن المتحالف مع السلطة تحدّيًا حاضرًا في التاريخ الديني ابتداءً من قصة موسى مقابل سحرة فرعون، مرورًا بقصّاصي جيش معاوية مقابل معسكر الإمام علي[78]، وصولًا إلى نماذج معاصرة مثل الإعلام الخليجي، وهي الظاهرة التي عبّر عنها (إدوارد سعيد) في كتابه “المثقّف والسلطة” بأنهم عبيد لـ “آلهة دائبة الخذلان” طالما كانت توظّفهم لاكتساب شرعيتها مثيرةً لطمعهم في أبوّتها وحمايتها ثم كانت -ولا زالت- تلقي بهم في بئر الخذلان، وكانوا بالنسبة لها كأفراد أشياء قابلة للاستبدال، إلا أنهم كانوا -وسيظلون- كجماعة وظيفية في نفس أهمية أجهزة الجيش والشرطة باعتبارهم الوسيلة الأسهل لتأكيد شرعية هذه السلطة في خيال عوام الناس، يقول المتنبي: (إذا كان بعض الناس سيفًا لدولةٍ * ففي الناس أبواقٌ لها وطبولُ).

أولى الإشارات لخطورة “الفن لذاته” كأداة غواية وتضليل ورَدَت في أهم المصادر الإسلامية -القرآن الكريم- في قوله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ * إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ…﴾. (سورة الشعراء، الآيات 224- 227). تبعت ذلك حوادث مشهورة في التاريخ الإسلامي مثل أحكام قتل بعض الشعراء والمغنّين في فتح مكة -وإن تعلقوا بأستار الكعبة-، ومثل تحريم بعض التصاوير والمنحوتات، ما فسره بعض المؤرخين أنه لم يكن تحريمًا في نفسه وإنما حكمٌ مؤقت مرتبط بترويج رموز وثنية أو مسيحية كانت رائجة في هذه الأعمال الفنية، ثم لاحقًا وبالتدريج أمكن في فنون النحت والرسم والتصوير – وبعد اكتساب المسلمين الثروة والخبرة- أمكن استبدال فن الأشكال الهندسية وفنون الخط العربي بالمحاكاة الوثنية والإغريقية، وأمكن تحويل “التجسيد الحسّي” أو التشخيص في الهيئة المادية -كإحدى أهم خصائص الفن المسيحي- إلى تجريد الصورة وترميزها، ما منح الفن الإسلامي آنذاك القوة على حمل فكرة التوحيد. الحدث الذي يعتبر حسب المسيري[79] أحد أهم آثار إسلامية المعرفة على الفن.

بعد قيام الثورة الإسلامية وإعلان هدفها النهائي بتأسيس “دولة حديثة” وحاجة منظريها إلى إثبات قدرة اجتهاداتهم الفقهية على تقديم نموذج لدولة ناجحة، فرض الواقع الاجتماعي على رجال الثورة من علماء الدين الاشتباك مع المجال العام الفني، وكان الشعور بخطورة الفن حاضرًا بصراحة في كلام رجال الثورة، يقول (السيد علي خامنئي): “للأسف يستغل أعداء الإسلام وإيران وأعداء شرفنا وعزَّتنا الفن ولا زالوا يستغلّونه. يستغلّون الشعر والرسم والقصة والأفلام والمسرحيات وباقي الفروع الفنية كأدواتٍ لسحق الفضيلة، ومحق الحقائق والفضائل المعنوية والإسلامية، ودفع الناس نحو المادية واللهو واللعب المادي .. السينما فنّ جد متقدّم ومتطور، وتوجد اليوم أبرز وأقدر منظومة سينمائية في العالم في هوليوود. لاحظوا لخدمة أي شيء تعمل هوليوود اليوم، ومن الذي تخدمه، وما هي الأفكار والاتجاهات التي تخدمها هوليوود؟ إنها تخدم إشاعة الفحشاء والعبث وانعدام الهوية لدى الإنسان، وتخدم العنف، وإلهاء عامة الشعوب ببعضهم لكي تستطيع الطبقات الراقية الحياة بدون منغصات وهموم. هذه المؤسسة السينمائية العملاقة التي تجتمع فيها عشرات الشركات الكبرى لإنتاج الأفلام بما فيها من فنانين ومخرجين وممثلين وكتاب مسرحيات وسيناريوهات ومستثمرين، تعمل لخدمة هدف معين. والهدف هو في الحقيقة أهداف السياسة الاستكبارية للحكومة الأمريكية. هذا ليس بالشيء القليل”[80]. ومن اليوم الأول لانتصار الثورة الإسلامية اشتعل ميدان المواجهة بين المعسكرين.

الفن والسيطرة الحديثة والاستعمار

الفن إذًا سلاحٌ ذو حدّين، قد يكون أداة للتهذيب والهداية والتنوير والتحرير، أو قد يكون كما يقول الفيلسوف (مصطفى حجازي): “من آلات الحرب.. وأدوات السيطرة.. وسلاح استعماري.. وظيفته التلاعب بالعقول والقلوب والأنفس البشرية، من خلال إدارة الإدراك الجمعي يجعل الآخر يفكر كما تريد، وبالتالي سوف يتصرف كما تريد”. لكنه بحسب تعبير (أنطونيو غرامشي): “سيتعدى حفظ المصالح الاقتصادية إلى ممارسة القيادة الفكرية والأخلاقية”. وعندها لن يتوقف طمع الاستعمار أو شراهة الدكتاتوريات المحلية عن استخدام الفن عند حدود إدارة الإدراك الجمعي بما يحفظ مصالحهم الاقتصادية، بل سيستمر حتى الوصول إلى السيطرة على الإنسان وامتلاك القيادة الفكرية والأخلاقية والاجتماعية.

كان الاسم الكودي في أرشيف CIA لعملية توظيف الفن في صراع الحضارات “Long Leash” أي “اللجام البعيد”[81]. واختيار الاسم يؤشّر بدقة على طبيعة العمليات ضمن هذا الملف، فهي تستهدف -في نظرهم- مجموعة من الدوابّ التي تحتاج إلى “لجام” وفي نفس الوقت يجب أن تكون السيطرة من بعيد وغير محسوسة ويكون اللجام “طويل”، وحصل أن تطوّع بعض الباحثين إلى جمع تفاصيل عملية وأدلة علمية ووثائق من أرشيف العمليات جمعها في كتابه “من يدفع للزمار، الحرب الباردة الثقافية” (ف. س. سوندرز)، وترجمة (عاصم الدسوقي)، حيث جمع تفاصيل حول توظيف وكالة الاستخبارات الأميركية CIA لموسيقيين ورسامين وممثلين وروائيين، وأمكن الوكالة توظيفهم ضمن خطة طويلة الأمد كأداة استعمارية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية من أجل “تطهير” ألمانيا من بقايا النازية ومكافحة الفكر اليساري في ألمانيا الشرقية في نفس الوقت.

يتناول تشومسكي في كتابه “الاستراتيجيات العشر للتلاعب بالمجتمع” مسألة توظيف الفن بشكل أكثر عمقًا وتحليلًا لآلية عمله، فهو يرى أن “التركيز على الجانب العاطفي إحدى التقنيات الكلاسيكية التي تهدف إلى منع التحليل العقلي والتفكير الفردي السليم، إضافة إلى أن مخاطبة الجانب العاطفي تفتح الأبواب والمداخل إلى اللاوعي، وتمكننا من غرس الأيديولوجيات والاحتياجات والمخاوف وعدم الاطمئنان وأساليب التعامل التي نختار في اللاوعي”. وفي كتاب (الفريق بشير الوندي) “موسوعة الاستخبارات”[82] في الفصل المنشور على الإنترنت “الاستخبارات وتدوير المجتمعات”[83]، فإن أول أهداف أجهزة الأمن المعادية في الحرب النفسية أو الثقافية ضد مجتمع بحسب تعبيره هي: “ضرب مرتكزات الفكر التعبوية والتنظيمية والفكرية بوسائل الجدال والسخرية وإبرازها كقيود لا تليق بحرية الإنسان، وإحداث مناورات فكرية لإلهاء الفكر المستهدف من خلال مشاكل، كالإلحاد أو المثلية؛ لتصبح قنابل دخان ملهية لتشغل الجميع عن المخططات الحقيقية، ثم ضرب حصانة المقدسات الفكرية من خلال بيئات دولية ومحلية والتجرؤ عليها واتهامها بالتخلف أو بالفساد وبكنز الأموال أو تبذيرها، وقبل ضرب المرتكزات الفكرية ورموزها تجري الأجهزة الاستخبارية المعادية دراسة دقيقة لتحديد مدى تشكيل الفكر وفاعليته لدى المجتمع المستهدف ومساحة الإشعاع الفكري للفكر المستهدف، وهل يقف عند طبقة ما، أو في منطقة جغرافية معينة أو وسط طائفة معينة؟ كذلك يتم تقييم قوة الفكر وأساسياتها هل هي تاريخية أم فكرية أم اقتصادية أم تعبوية؟ ثم دراسة ارتباط الفكر بخارج الخارطة الوطنية أو القومية أو المجموعاتية المستهدفة، ثم ضرب القيم المجتمعية باعتبارها مصدر منعة وقوة المجتمع كالشرع، الحرام والحلال، الأخلاق، ومفهوم العيب، وصولًا إلى مرحلة تستطيع من خلالها نشر مفاهيم لا أخلاقية ما كان للمجتمع أن يفكر مجرد تفكير في قبولها”.

من الناحية الاستراتيجية يحاول الإعلام الليبرالي ترسيخ “الفن لذاته” كلازمة مسلم بها للحداثة، ما يفضي بشكل تلقائي إلى تحصينه من أي محاسبة طبقًا لاعتبارات الذوق العام أو النقد العلمي؛ تارةً من خلال المغالطات المفاهيمية مثل تصوير العفة والحياء باعتبارها قيم رجعية، وتارة أُخرى من خلال تسييل المفاهيم مثل ترويج البذاءة والإباحية تحت ستار “الواقعية الفنيّة”، وتارةً أُخرى من خلال تهريب أي عمل “إبداعي” من المواجهة النقدية بذريعة أن الفانتازيا والعوالم والشخصيات الخيالية -حتى وإن كانت تقتبس أو تحاكي وقائع تاريخية وشخصيات مقدسة- لا يمكن وضعها تحت طائلة التدقيق العلمي، لأنها في النهاية “خيال”. عند ذلك تكون مهمة الفقيه أو الرقيب على المجال العام مهمة انتحارية في طريق مزروع بالألغام، فهو لو حاكم النص الأدبي محاكمة علمية ومن ثم قرّر منع نشره لاعترضت عليه النخب المحلية بزعم أن فعله هو “ادعاء لامتلاك الحق والحقيقة” -اللذان هما نسبيان- وبالتالي فإن امتلاك الحقيقة والتصرف على أساس ذلك يعتبر رجعية و “جريمة بحق الفن والحرية”.

وهكذا يلعب أمثال (رشدي) في مساحة رمادية تتأرجح بين التأريخ والخيال الذي يطلق قلم صاحبه في تنفيذ أجندات سياسية ثقافية مع حصانة من أي مطارحة علمية حول المكتوب. وقد يبدو هذا الاتهام كتعصّب صادر من بروباجندا إسلامية محمّلة بنظرية المؤامرة، لكن هذا الاتهام بتمامه وُجّه إلى رشدي وإلى “الآيات الشيطانية” في جريدة التايمز اللندنية من (اللورد وليام شوكروس) -الصحفي ومحرر السيرة الرسمية للملكة إليزابيث-، حيث قال إن الرواية -وأقتبس نص كلامه- “تزوّر سجلات التاريخ الثابتة”[84]، وهي الشهادة التي تتطابق مع تقييم الرواية بواسطة كبير حاخامات بريطانيا (اللورد إيمانويل جاكوبفيتز).

يدافع بعض المثقفين عن هذه الحالة فيقول: إن اعتزال الفن للواقع وتجاوزاته في بعض الأحيان تخدم خيرًا أكبر، أو حسب تعبير (بيكاسو) إن “الفن كذبة نفهم بواسطتها الحقيقةّ”، إلا أن كذبات (رشدي) لم تؤدِ يومًا لأي فهم فضلًا عن تصوّر لأي حقيقة أو خير أو حق.

ماذا حدث؟ ولماذا؟

الزمان: الثمانينات، وقت كان الاتحاد السوفياتي متّجهًا نحو التفكك، في الناحية الأخرى كان الأميركيون والبريطانيون شديدي الاعتزاز بالإنجاز العظيم المتمثل في “انتصار الديمقراطية ذات الأصول اليهودية – المسيحية”، وبخيلاء الخطاب الليبرالي المنتصر والراغب في إثبات تفوّق المؤسسات الغربية بدأ الحديث عن الاستعداد لـ “الخصم الأخير” من خصوم “الحضارة الغربية” الأيديولوجيين (النُّظم الشيوعية والحضارات الآسيوية والحضارات الإسلامية)، فيما عُرف تاريخيًّا بـ “الموجة الثالثة للديمقراطية”، الخصم الذي عُرّف -بحسب تعبير (صامويل هنتنغتون)-: “الإسلام الذي يملك تخومًا دمويّةً”، وقتها بدا أن النظام السياسي الغربي الحديث بحاجة إلى استهداف خصمه الحضاري الأخير (الإسلامّ) لتأهيله للدخول في النظام العالمي الجديد، بداية من الخطوة الأولى: “الفضاء العام”، ضمن التسلسل الطبيعي الذي يعبر عنه (ميشيل فوكو) بـ “الممارسة الاجتماعية [ثقافية فنية] التي تتطلبها ممارسة السلطة لإنتاج أنواع خاصة من العقول”.

المكان: شبه الجزيرة الهندية، آخر المستعمرات الأنجلوسكسونية، والتي انقسمت إثر أزماتها الداخلية إلى دولة علمانية هندوسية وأخرى إسلامية (باكستان)، وتكوّن مارد مسلم آخر إلى جوار إيران “الثورة الإسلامية”، التي لتوّها قد انتصرت في حرب السنوات الثماني.

كان (رشدي) قد حقق نجاحًا باهرًا برواية (أطفال منتصف الليل) التي حصدت “جائزة البوكر”، ثم “جائزة رواية العام”، أتبعها بروايته (العار) التي دخلت القائمة القصيرة لـ “جائزة البوكر” وحصلت على جائزة أفضل كتاب أجنبي في فرنسا. ما مثّل أداة مثالية إذا قرر أحد ما في “الغرف المغلقة” أن يستخدم هذا النوع من “الفن” -ضمن مقدمات أخرى مثل الصدمات الاقتصادية والكوارث الاجتماعية- لممارسة القيادة والسيطرة الفكرية والإخضاع على المجتمعات الإسلامية.

لماذا (الآيات الشيطانية)؟

في الآيات الشيطانية لجأ رشدي إلى لعبة الوصف المطوّل والمضخّم لحياة (صلاح الدين شامشوالا / الهند)، و (جبريل فاريشا/ باكستان)؛ ميلادهما، أصولهما، تربيتهما، نشاطاتهما، مغامراتهما، أسفارهما – كمقدمة للتعبير عن حقيقة اصطدام الهند وباكستان أو العلمانية والإسلام بتيار الحداثة الأوروبية الجارف[85]. ولم يكن تصدير صورة التفاهة والعبثية عن رسالة الإسلام والهوية الجامعة لمهاجري شبه القارة الهندية المسلمين (الباكستانيين لاحقًا) منعزلًا عن الصراع “الإسلامي – العلماني” في شبه القارة الهندية إبان انفصال باكستان عن الهند، الوطن الذي يرجع إليه (صلاح الدين شامشاوالا) بعد تصالحه النهائي مع والده ومع مدينته بومباي ومع عشيقة صباه (زينات وكيل/ “زينة الحياة الدنيا”)، في قِبال البطل الآخر (جبريل فاريشا)، الذي لم يتمكن من شفاء نفسه من “مرض الغربة/الانفصال/ العزلة”، وبالتالي لم يتصالح مع مدينته (ومع هويته الهندية وثقافة الحداثة الأوروبية)، فانتهى به الحال إلى الانهيار النفسي والعقلي التام ومن ثم الجنون والموت انتحارًا.

ثم يصور رشدي في (الآيات الشيطانية) -بتهكم- الحياة في مدن باكستان عمومًا وبعض مدن الهند ذات الأغلبية المسلمة خصوصًا (بومباي): أنها حياة تحت سيطرة شرائح اجتماعية لما يسميها بـ “البرجوازية الآسيوية الإسلامية” التي ليس لها هم سوى جمع المال وإنفاقه، أو بحسب تعبيره: “لا تعرف من الأخلاق إلا الأنانية الضيقة والمصلحة الطبقية الفجّة، ومن الدين إلا التعصب الأحمق للمصلحة، ولا من المواطنة إلا الشوفينية الانغلاقية الجوفاء، ومن القيم إلا الاستهلاك ونفاق التسلّق إلى أعلى، ومن الحياة المدنية إلا التسلية العامة في البذخ والتنافس على الإسراف، ومن السياسة إلا القمع والتسلط”.

ثم يحشر رشدي مسلمي الهند في إطار الصراع الطبقي ليوجّه سهامه إلى تلك “البورجوازية الآسيوية الإسلامية” ضمن ما أسماه جدل الصراع بين الطبقات والجماهير (Masses and Classes)، ولم ينف (رشدي) أن أفكاره المطروحة في “رواياته” عمومًا كانت خارطة طريق وغطاء أخلاقي للسياسيين نحو توجّه معيّن، يقول: “لا سبيل للأدب إلا الدخول في النزاعات السياسية والاجتماعية، لأن المتنازع عليه ما هو إلا الواقع بحد ذاته. ما هي الحقيقة؟ وما هو الخيال؟ إذا ترك الكُتّاب مهمة رسم العالم لرجالات السياسة يقترفون بذلك (أي الكُتّاب) واحدًا من أكثر أعمال الاستسلام خِسّة في التاريخ”[86]. أما ما يتعلق بـ “الآيات الشيطانية” تحديدًا فقد اعترف رشدي في رسالة وجهها إلى رئيس الوزراء الهندي آنذاك (راجيف غاندي) بأن “الآيات الشيطانية” كتاب يهمّ الهند بالدرجة الأولى و “يعمل لمصلحتها”[87].

النتيجة: أن الهجمات الدموية على المسلمين في الهند كانت تقع غالبًا في المناطق التي يميل فيها وضعهم الاقتصادي والتجاري إلى الازدهار، ووضعهم الاجتماعي والسياسي إلى الصعود.

حُسن النيّة من حُسن الفطن، وهل المتهم بريء حتى تثبت إدانته؟

(أحمد سلمان رشدي) ابن إقليم (كشمير)، أحد أكثر أقاليم الهند قابلية للاشتعال بسبب التركيبة العرقية والدينية، والذي عايش عشرات الأزمات بسبب نشر أعمال تسيء لمقدسات، كان آخرها قبل سفره إلى (لندن) قصة قصيرة تسيء للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) في صحيفة (الدِكان هيرالد) والتي أفضت إلى أحداث شغب قُتل فيها خمسون شخصًا[88]، هل كان من الصعب أن يستنتج بنفسه ما قاله له صراحة (كوشوانت سنج) مستشار دار بنجون للنشر -وفق ما نشرت النيويورك تايمز- أنه قام بتحذير الناشر من أن نشر (الآيات الشيطانية) سيؤدي لاضطرابات في الهند؟ لاحقًا نقلت الجريدة عن (زمير أنصاري) -ممثل دار بنجون في الهند- تأكيده وصول ذلك التحذير إلى رشدي[89].

يدعي من يدافع عن (سلمان رشدي) أنه ضحية وقاتل في الوقت نفسه، فهو ضحية تراث “الإسلام الأموي” بكل ما تحتويه مدوناته من “تصورات بدوية” عن الكمال مثل “طواف النبي على زوجاته في اليوم”، أو “تشكيك السيدة عائشة بالوحي”، أو “تلاعب الحجاج بنص القرآن”، أو “حادثة الغرانيق” وغيرها من الخرافات الأموية، وأن رشدي -كما يذكر صادق جلال العظم في “ذهنية التحريم”- لم يفعل شيئًا سوى أنه نقل رواية (الطبري) عن حادثة الغرانيق وحوّلها إلى “قالب درامي حواري”، وأن تحدي رشدي للمقدسات لا يختلف كثيرًا عن تحدي الخليفة الأموي (الوليد بن يزيد) للمصحف كرمز لـ “النص المتحجر” وتمزيقه[90]. ثم إنه كان ضحية مرة أخرى لديكتاتورية عسكرية في باكستان تسترت على استبدادها باسم الإسلام، ثم أهانت الإسلام مرة أخرى حين تحالفت باسمه مع أميركا.

هنا تبرز مجموعة من الأسئلة المحملة بسوء الظن المشروع:

  • هل أن ابن إقليم كشمير والباحث والصحفي ولاحقًا الروائي العالمي لا يستطيع التفريق بين التراث الأموي وجوهر الإسلام الأصيل؟!
  • هل ضاقت الرموز والشخصيات ليركِّب (رشدي) روايته “الخيالية” على شخص النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) دون غيره؟
  • هل ضاقت سيرة النبي إلا عن مجموعة المواقف والمفاهيم المدسوسة والروايات الضعيفة التي يحلو للمستشرقين أن يعرّفوا الإسلام بها؟
  • هل تطوير “الهوية الجمعية للمسلمين” ممكن من خلال السخرية والانتقاص؟ وهل يمكن فعلًا إصلاح ثقافة عظيمة عبر إهانتها؟
  • هل أن كل الدعم المادي والإعلامي والسياسي الغربي لـ (الآيات الشيطانية) بما فيها الترجمة والنشر على أوسع نطاق، والتغطية الإعلامية وإثارة الجدل هي أعمال تتعلق بـ “حرية التعبير”؟

الباحث المنصف عن إجابة لهذه الأسئلة قد يجدها لدى (إدوارد سعيد) في محاضرته: “خرافة صدام الحضارات”[91]، ولاحقًا بتوسّع أكثر في كتابه “الثقافة والإمبريالية: الأسس الثقافية الإمبريالية لتوظيف الثقافة”، تحدث (سعيد) عن العمل الروائي في القرن 18 ضمن ما أنتجه الروائيين الأوروبيين من “فن” استُخدم لاحقًا كمبرر لاستعمار ما أطلقوا عليه وقتها “العالم الثالث”، ويكشف (سعيد) في الكتاب آليات التفكير للمركزية الأوروبية المفعمة بترويج روحية الاستعلاء بين الجنود والمجتمع كمقدمة للغزو العسكري، أو بحسب تعبيره: “لم يستفيدوا فقط من قوتهم بل استفادوا من النظريات والروايات التي تضفي شرعية على استعمارهم”. وفي نفس سياق الفن والإمبريالية يشير (سعيد) أيضًا لـ (الآيات الشيطانية) كأداة استعمارية ويشير لفتوى (السيد الإمام الخميني).

الاستنتاج النهائي أن (الآيات الشيطانية) كانت أداة لاستهداف الإسلام بشكل ممنهج لم تتوقف عند استهداف الهوية والمقدسات ضمن حرب ثقافية طويلة الأمد، بل وصل تأثيرها إلى فعل التمهيد للغزو أو ما يعبر عنه في العلوم العسكرية بـ dehumanization[92] كتمهيد نفسي ضروري يُمارَس على الجنود الغزاة كمقدمة قبل إعطاء الأوامر بالقتل والتدمير، أو يمارس على المجتمعات المركبة والمعقدة (مثل الهند) قبل إثارة مكوّناتها، وهو الذي ما زالت آثاره تتكرر حتى الآن مع كل اعتداء داخل وخارج الهند.

الفقيه والولاية على المجال العام

استغرق الأمر مئات السنوات حتى أمكن الحكم بوضوح على شخصيات مثل: (كعب الأحبار)، و(تميم الداري)، و(وهب بن منبّه)، واستغرق الأمر جهد مئات الباحثين حتى أمكن معرفة أثر ما عُرف بـ “القصاصين” وحكاياتهم المحملة بالإسرائيليات واختراقها التراث الإسلامي[93]، على الجانب الآخر وبحسب الاجتهاد الفقهي الشيعي فإن “الجهاد الثقافي” والردّ على شبهات الكفّار وأعداء الدين كان أحد التكليفات الشرعية في الخطاب المتوجه إلى النبيّ الأكرم (ص) في قوله تعالى: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾[94] حسب تفسير العلّامة الطبرسي للآية[95]. فلولا تحمّل نخبة ثقافية متخصصة للمسؤولية فقد يستغرق الأمر عقودًا أخرى لمعرفة تأثير إنتاجات: (سلمان رشدي)، و(أدونيس)، و(أحمد سعد زايد) وغيرهم.

وعلى عكس الثورات التي يتسابق رجالها على مواقع النفوذ داخل الدولة العميقة وفي مفاصل المؤسسات الأمنية ومسارات تدفق الثروة، فإن البعد الفني والثقافي كان هو الهاجس الأكبر لمسؤولي الثورة الإسلامية في إيران، كان هذا الهاجس الثقافي والفني حاضرًا منذ الأيام الأولى للثورة وحتى إبان المواجهة العسكرية بين إيران والعراق. يقول (السيد علي خامنئي) في ذكرياته عن الحرب المفروضة: “كان القلق والاضطراب والهواجس تعتريني منذ أوائل الثورة وحتّى الآن من جرّاء قضيّة الثقافة، وذلك بسبب الأهمّيّة الخاصّة التي أؤمن بوجودها في هذا المضمار، وفي النفوذ الثقافيّ والشخصيّة الثقافيّة والعمل الذي يمكن لكلّ من الأعداء والأصدقاء أن يقوموا به”[96].

كانت أولوية (السيد الإمام الخميني) ورجال الثورة هي بناء الهوية والثقافة الإسلامية حتى قبل التحديات الاقتصادية والعسكرية، عن ذلك يقول السيد علي خامنئي في كتابه “النفوذ” الصادر أخيرًا في مايو/أيار 2022: “بعبارة مختصرة أقول: يا أعزائي! إن الثقافة أهم من الاقتصاد. لماذا؟ لأن الثقافة هي بمثابة الهواء الذي نتنفسه؛ أنتم مضطرون للتنفس شئتم أم أبيتم؛ إن كان هذا الهواء نظيفًا، فإن له آثار على أجسادكم؛ وإن كان ملوثًا، فله آثار مختلفة .. لا يمكننا التغافل عن حضور الأعداء في المسائل الثقافية، هكذا كان الوضع حاليًّا، وهكذا كان منذ الأيام الأولى للثورة؛ ألقت الأجهزة الإعلامية [المعادية للثورة] بكل ثقلها، وعملت بكل ما تملك من قوة؛ كي يتراجع الناس عن اعتقادهم بأسس هذه الثورة، هذا عمل ثقافي؟! لقد تم استهداف إيمان الناس والهجوم عليه، إنهم يهاجمون الاعتقادات القلبية للناس، لا يمكن للإنسان تجاهل هذا الأمر .. إن وجد في البلاد أشخاص يجهدون لاقتلاع إيمان الشباب من جذوره؛ لا يصحّ التفرج على هذا الأمر باعتباره حريّة”[97].

عن ذلك يقول الإمام الخميني في (الوصايا السياسية الإلهية): “من جملة المخطّطات التي تركت -وللأسف- أثرها الكبير في مختلف البلدان وفي بلدنا العزيز -والتي ما زالت بعض آثارها باقية بنسب كبيرة- هي جعل الدول المستعمرَة تعيش حالة فقدان الهوية والانبهار بالغرب والشرق، إلى درجة تجعل هذه البلدان تحتقر ماضيها وثقافاتها وقدراتها، وتعتبر الغرب والشرق القطبين المقتدرين والعنصرين المتفوّقين أولي الثقافة الأسمى وأنّهما قبلة العالم وتجعل من الارتباط بأحدهما أمرًا مفروضًا لا يمكن الفرار منه… بل إن الأمر بلغ حدًّا جعل الكتاب والخطباء الجهلة المأسورين للغرب أو الشرق يتناولون بالانتقاد والسخرية ويدمّرون كلّ ما لدينا من الثقافة والأدب والصناعة والإبداع للقضاء على فكرنا وإمكاناتنا الذاتية وزرع اليأس والقنوط لدينا، مروّجين -بدلًا من ذلك- للعادات والتقاليد الأجنبية -رغم انحطاطها وابتذالها- وذلك بالقول والكتابة والسلوك العملي”.

لم تكن فتوى الإمام موجهة ضد إلحاد شخص بعينه؛ ففي إيران هناك مرتدّون ولا أدريون مثل كل بلدان العالم، في حين لم يصدر فتوى ضدهم ولم يفتّش أحد عن نواياهم أو عن مدى التزامهم الديني مثلما تفعله هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أفغانستان والسعودية، فما دام أن رؤية الإنسان للحياة لم تخرج عن حدود الاعتقاد الشخصي إلى المجال العام فهو خارج سلطة الدين والرقابة والولاية الثقافية، بل إن (سلمان رشدي) نفسه -قبل أن يستخدم فنَّه كأداة إضلال وتسقيط خدمة لأجندات أجنبية- كانت وزارة شؤون النشر في إيران الثورة قد نشرت له روايتي “العار” و”أطفال منتصف الليل” بعد ترجمتهما للفارسية، ثم حدث أن وافقت اللجنة الوزارية العليا في البلاد على منح (جائزة الدولة المرصودة لترجمات الأعمال الأجنبية إلى الفارسية) إلى رواية “العار”[98]، ولكن الحقيقة التي تراكمت عليها الأحداث والتفاصيل كان ما ذكره المرجع الشيعي المعروف (السيد محمد حسين فضل الله) حين علّقَ على أسباب الفتوى فقال: إن (رشدي) “يمثل خلفية استعمارية لإثارة الجوّ ضد الإسلام والمسلمين، وأنه كان محمّلًا بالخطط الاستعمارية الغربية ضد الإسلام وهو بذلك من المفسدين في الأرض”[99].

التوقيت .. وماذا بعد؟

في عالمٍ آخر موازي تتفاقم فيه مظاهر الاستغفال قرر نقاد عرب[100]، منهم أكاديميين وباحثين، التجاوز عن أي احتمال لوجود صراع بين الأيديولوجيا الليبرالية الصهيونية الغربية وبين الإسلام، ونسوا (أو تناسوا) تاريخ أي جدل بين الفكر المادي والإلهي الأخلاقي، ثم قفزوا على مدارس تحليل التاريخ بين منظوريّ الأورومركزي والشرقي، وتفتّقت أذهانهم عن تبني سردية ألمعية جديدة، وهي فكرة أن تصدير رشدي لأفكار اليسار التروتيسكي (يسار اليسار) واستعمال مفردات “التنوير” وخطاب العدالة الاجتماعية ودعمه حركات تحرر مثل منظمة التحرير الفلسطينية والساندنيستا في نيكارغوا، لم يكن إلا غطاء لتشيعه! وأن فتوى الإمام الخميني ما كانت إلا مناورة سياسية ثقافية لترويج الرواية وانتحال دور المدافع عن الإسلام السني، وأنهما (الخميني – رشدي) اجتمعا على هدف واحد هو إسقاط التحالف الإسلامي في باكستان (حزب الرابطة الإسلامية)! عزز هذه الرواية أن مسببات الحكم الواردة في بيان الإمام الخميني اقتصرت على “إهانة النبي والإسلام والقرآن” كمسببات للحكم، ولم تتضمن إشارة إلى إهانة رشدي لمقام زوجات النبي[101].

فريق آخر من “التنويريين العرب” رأى أن فتوى السيد الإمام كانت في سياق التسابق بين المدرسة الوهابية بقيادة السعودية، والمدرسة الشيعية بقيادة إيران على قيادة الأمة الإسلامية. للمفارقة أنه وبعد أيام قليلة فقط من زيارة (ديبورا ليبستاد) مبعوثة (مكتب مكافحة معاداة السامية) إلى السعودية وتصريحها عبر “قناة الحرة”: “أن الفئات الشبابية في السعودية أصبحت أقل معاداة للسامية لأنها أصبحت أقل تديُّنًا وأكثر انفتاحًا ثقافيًا على الغرب، ما يمثّل تفوقًا لليبرالية الأميركية على أفكار أخرى منها العلمانية الفرنسية”[102]. أقدم فتى شيعي أميركي من أصول جنوب لبنانية وأنفذ حكم مرجع شيعي إيراني ليترك أصحاب نظريات “المسرحية والمؤامرة” في حالة ذهول، ليس فقط بسبب سخافة نظرياتهم ولكن أيضًا أمام جديّة وفعالية قطب جديد: (محور المقاومة).

إذا عزلنا تأثير البروباجندا الليبرالية الداعمة لـ (رشدي) وجهود تبرئته بدعوى حرية الفن وعدم عسكرة الثقافة وحرية النشر والتعبير، و”إنسانوية وحداثوية”، “الآيات الشيطانية”، فإن (سلمان رشدي) وبالتعريف العسكري/الأمني كان ولا يزال “جنديًّا” في جيش عدو، انضمّ إلى فرقة اغتيالات متخصصة، واستهدف أرواح وثروات جماعة واسعة من الأمة الإسلامية. وسواء قام جيش العدو بعملٍ مماثل أو لم يقُم، فسيبدو أن قتل رشدي أمر طبيعي وبديهي مثل قتل أي مجرم معتدٍ أبرم اعتداءه بوعي تام ومع سبق الإصرار والتعمُّد.

نظرة الإسلام إلى الحياة تجعل فكرة التدخل بالقَصاص العادل أكثر رحمة من الانسحاب لترك المجتمع أمام مصيره مع عدوّ يعسكر كل شيء وأي شيء، أو أن يتفاعل المجتمع من تلقاء نفسه مع الاعتداء عليه بشكل غير منضبط وعشوائي، الذي أدى سابقًا إلى اعتداء على مؤسسات إعلامية أو سفارات أو كنائس أو إحراق الإنجيل، كردود فعل غاضبة -لا شك محرمة شرعًا- في قبال الاعتداء على رموز إسلامية. ولولا تعزير المجرم -كحالة فردية- وردع أمثاله وتفريغ الاحتقان داخل المجتمعات الإسلامية، فلا أحد يدري إلى أين كان يمكن أن تصل كرة النار.

ولا يمكن أن نسقط احتمال أن توقيت إرخاء القبضة الأمنية حول (رشدي) كان بترتيب استخباراتي من جناح الجمهوريين في الدولة العميقة، بهدف تفويت الفرصة على الديموقراطيين، الذي أرادوا تحييد إيران كعدو محتمل في العقل الجمعي الأميركي قبل أن يجلسوا معها على طاولة المفاوضات ويوقعوا اتفاقًا لحل أزماتهم الاقتصادية قبل شتاء 2023، ولكن رب ضارة نافعة؛ فلربما صار الآن التغلغل الإسلامي في المجتمعات الغربية نقطة قوة جيواستراتيجية كقوة شعبية لا تقل أهمية عن الفصائل المسلحة وحركات التحرر المنتشرة في البلدان العربية والإسلامية كجزء من محور المقاومة. فيكفي أن يصرّح (السيد حسن نصر الله) في خطاب تأبين (الشهيد قاسم سليماني) أن: “محبيه هم من سينتقمون له”. حتى تتحول حياة كل من ساهم باغتياله إلى كابوس.

هوامش

[1] https://www.govinfo.gov/content/pkg/CPRT-115SPRT28110/html/CPRT-115SPRT28110.htm

[2] https://lb.usembassy.gov/targeting-russian-elites-disinformation-outlets-defense-enterprises

[3] https://independentaustralia.net/politics/politics-display/alexander-dugin-a-russian-fascist-who-helped-convinced-putin-to-invade,16145

[4]https://www.aa.com.tr/ar/%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A/%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88-%D8%AA%D8%AA%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%AA%D8%AF%D8%A8%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%A7%D8%A8%D9%86%D8%A9-%D8%A3%D9%84%D9%83%D8%B3%D9%86%D8%AF%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D8%BA%D9%8A%D9%86-/2666778

[5] https://www.state.gov/about-us-special-envoy-to-monitor-and-combat-antisemitism

[6] https://mro.massey.ac.nz/bitstream/handle/10179/3257/01_front.pdf

[7] https://www.youtube.com/watch?v=LP-_NPGdKDk

[8] https://www.youtube.com/watch?v=fEQQBlElUFY

[9] https://www.politico.eu/article/european-countries-where-insulting-head-of-state-can-land-prison-belgium-denmark-france-germany/

[10] https://www.lepoint.fr/c-est-arrive-aujourd-hui/19-juin-1953-le-jour-ou-les-epoux-rosenberg-grillent-sur-la-chaise-electrique-19-06-2019-2319724_494.php

[11] Belknap (1994), p 214. Belknap quotes an editorial from the left-leaning ذا نيو ريببلك, written after the prosecution rested on May 19, 1949: “[the prosecution] failed to make out the overwhelming case that many people anticipated before the trial began”.

[12] ينظر: ناعوم تشومسكي، السيطرة على الإعلام.

[13] ماير، ديلون. س. الأمريكيون المقتلعون. توكسون: مطبعة جامعة أريزونا، 1971، الصفحة 19.

[14] https://www.liberation.fr/societe/1998/02/28/garaudy-condamne-120-000-francs-pour-contestation-de-crimes-contre-l-humanite_228506/

[15]https://web.archive.org/web/20171201080921/http://www.voltairenet.org/article14133.html   [ACCESED ON 26/06/2017]

[16] https://nationalpost.com/pmn/news-pmn/canada-news-pmn/alberta-holocaust-denier-guilty-of-inciting-hatred-in-german-court [ACCESED ON 16/09/2022]

[17]https://www.aljazeera.net/news/international/2006/9/4/%D9%85%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9-%D9%86%D9%85%D8%B3%D8%A7%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AB%D8%A8%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%AC%D9%86-%D8%A8%D8%AD%D9%82-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D9%81%D9%8A%D9%86%D8%BA [ACCESED ON 16/09/2022]

[18] https://www.wrmea.org/1990-december/onversations-with-victor-ostrovsky-the-man-who-blew-the-whistle-on-mossad.html [ACCESED ON 16/09/2022]

[19] https://www.wrmea.org/1990-december/onversations-with-victor-ostrovsky-the-man-who-blew-the-whistle-on-mossad.html  [ACCESED ON 16/09/2022]

[20] http://news.bbc.co.uk/2/hi/europe/4283328.stm [ACCESED ON 16/09/2022]

[21]https://web.archive.org/web/20161201221050/https://www.theguardian.com/media/2009/jul/17/guantanamo-bay-al-jazeera [ACCESED ON 16/09/2022]

[22]https://web.archive.org/web/20051125045437/http://www.mirror.co.uk/news/tm_objectid=16397937&method=full&siteid=94762&headline=exclusive–bush-plot-to-bomb-his-arab-ally-name_page.html [ACCESED ON 16/09/2022]

[23]https://web.archive.org/web/20051211115824/http://www.aljazeera.net/NR/exeres/82AA1AD3-053B-4A5E-9B29-43D0BA5F9810.htm  [ACCESED ON 16/09/2022]

[24] بيكر، شاروت ب. تايلور وفرانسيس، موسوعة الأخلاق، الصفحة 1441.

[25]  مجلات آين راند، الفصل 10.

[26] فينكلمان، بول (10 أكتوبر 2006). موسوعة الحريات المدنية الأمريكية. اضغط CRC. الصفحة 780. رقم ISBN  978-0-415-94342-0. تم الاسترجاع 25 مايو، 2011.

https://web.archive.org/web/20100529011543/http://www.nps.gov/archive/elro/glossary/huac.htm

[27] Jerome Larcher, Charlie Chaplin, 2007, p.p. 62 – 89.

[28] https://www.bbc.com/arabic/world-52872266

[29]http://primerct.org/index.php?content=unger/beyondbias&title=Beyond%20Bias

[30] https://al-vefagh.ir/News/354346.html [ACCESED ON 16/09/2022]

[31] https://www.youtube.com/watch?v=7lIZQN0DA4M [ACCESED ON 16/09/2022]

[32] ينظر: نعوم تشومسكي، الهيمنة أم البقاء، دار الكتاب العربي.

[33] https://aiu.dk/avisnet/show.php?id=812  [SAVED COPY ON WAYBACK MISSION: https://web.archive.org/web/20200426030543/https://aiu.dk/avisnet/show.php?id=812] RETRIEVED ON 26/04/2020

[34] أحمد فتحي، جيلاندز بوستن رفضت نشر رسوم مسيئة للمسيح، إسلام اونلاين.نت 8/2/2006 على موقع الإنترنت: Www.Islaminline.Net

[35]https://alqabas.com/article/38705-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%85%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D9%81%D8%B6-%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%85-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84

[36] صحيفة The Free Lance-Star عدد 16/9/1976.

https://news.google.com/newspapers?nid=1298&dat=19760916&id=QOZLAAAAIBAJ&sjid=A4wDAAAAIBAJ&pg=2695,2174396

[37] https://apnews.com/article/b1299214046ef698923abc6f62468746 accessed on: 2022/09/14

[38] http://www.screenonline.org.uk/film/id/460938/index.html [ACCESED ON 16/09/2022]

[39] انظر: ميخائيل بيوكانن، وفاة الغرب.

[40] عبد الوهاب الكيالي،  (1985)، موسوعة السياسة، الجزء الأول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الصفحة 781.

[41] ينظر: ثلاث كتب لـ (جون ستيوارت ميل): “عن الحرية”، و “مذهب المنفعة”، و “أسس الليبرالية السياسية”.

[42][RETRIEVED FROM WAYBACK MISSION ARCHIVE: https://web.archive.org/web/20060217215440/http://www.aljazeera.net/NR/exeres/C1E1F885-7CD8-4F0A-B289-AF644B3295ED.htm on 26/10/2016]

[43]https://www.almaaref.org/maarefdetails.php?id=604&subcatid=134&cid=6&supcat=0  [ACCESED ON 16/09/2022]

[44] مصطلح “أمن المستضعفين” ورد في دراسة حديثة بنفس العنوان للكاتب أ. هادي قبيسي.

[45] محمد عطوان، 2007. دور المتعين الرمزي في الثقافات: مراجعة نقدية في استعمال رمزية النبي من خلال رسوم الكاريكاتير. العلوم السياسية، مجلد 18، ع. 34، الصفحتان 104 و 127.

[46] في خطاب بمناسبة لقاء سماحة الإمام الخامنئي (حفظه الله) مع رئيس ومدراء منظمة الإذاعة والتلفزيون.

[47] خطاب السيد علي الخامنئي إلى أصحاب الجرائد والعاملين في الحقل الإعلامي. الزمان: 3 ـ 12 ـ 1414هـ.

[48] في خطاب بمناسبة تعيين (علي لاريجاني) رئيسًا لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون.

[49]https://www.farsnews.ir/ar/news/14010631000193/%D8%A3%D9%84%D9%83%D8%B3%D9%86%D8%AF%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D8%BA%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B4%D9%81%D8%A7-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A9

[50] https://www.unews.com.lb/ar/archives/20/08/2022/40519/

[51]https://www.almayadeen.net/news/politics/1489865/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D9%8A%D8%AD%D8%AC%D8%A8-%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D8%A5%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D9%84%D9%82%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A5%D9%8A%D8%B1 [ACCESED ON 16/09/2022]

[52] https://www.accessnow.org/keepiton/ [ACCESED ON 16/09/2022]

[53] في كلمتها، المقدَّمة إلى مؤتمر برلين الّذي عُقد في الـ25 من شباط/فبراير 2017، تحت شعار “جرائم الحرب المنسية في اليمن”.

[54]https://www.almayadeen.net/articles/blog/1421490/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A–%D8%A8%D9%88%D8%B1%D8%B5%D8%A9–%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A [ACCESED ON 16/09/2022]

[55]https://www.aljazeera.net/news/arabic/2005/3/18/%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%B5%D9%81-%D8%AD%D8%B8%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7

[56]https://www.alaraby.co.uk/entertainment_media/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D9%8A%D8%AD%D8%B8%D8%B1-%22%D8%A2%D8%B1-%D8%AA%D9%8A%22-%D9%88%22%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%86%D9%8A%D9%83%22-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%91%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9

[57]https://arabic.rt.com/russia/1248035-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%8A%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%82-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D9%86-%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9/# [ACCESED ON 16/09/2022]

[58]https://www.defenseone.com/technology/2021/07/information-warfare-looms-larger-russias-new-security-strategy/183717/  [ACCESED ON 16/09/2022]

[59] مقالة “الجزائر تلقي الحجاب” للمحلل النفسي المارتينيكي فرانز فانون، الذي انضم إلى صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائرية في العام 1955، وناضل معهم وكان محررًا لجريدة “المجاهد” التي أصدرتها الجبهة. فرانز فانون، العام الخامس للثورة الجزائرية، ترجمة: ذوقان قرقوط، دار الفارابي، 2004.

[60] مارسيل غوشيه، الدين في الديمقراطية، مسار العلمنة، ترجمة: شفيق محسن، مراجعة: بسام بركة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، الطبعة 1، 2007م، الصفحة 66.

[61] صمويل هنتنغتون، صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي الجديد، ترجمة: طلعت الشايب، الصفحة 85.

[62]Edward Said – The Myth of the ‘Clash of Civilization [11/11/2013],

https://youtu.be/rd4iEncXkew?t=168

[63] عبد الله الغذامي، النقد الثقافي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة 2ـ، 2001 ، الصفحة 35.

[64] بيل أشكروفت وبال أهلواليا، (إدوارد سعيد – مفارقة الهوية)، ترجمة: سهيل نجم، مراجعة: حيدر سعيد، دمشق، دار نينوى للنشر والتوزيع، 2002، الصفحة 124.

[65] أحمد يوسف داوود، البُعد الصهيوني في نظرية المركزية الأوروبية، مجلة نزوى، مسقط، عدد 33،  سنة 2004.

[66] Bernard Lewis, “The Roots of Muslim Rage,” The Atlantic Monthly (September 1990): 47-60.

[67] مجلة الأتلانتيك الشهرية عدد سبتمبر ١٩٩٩

[68]https://www.independentarabia.com/node/163056/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/%D8%A5%D8%AF%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D9%88%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D9%88%D8%B1%D8%AB-%D8%A3%D8%B1%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%8A%D8%A9.

[69]https://www.youtube.com/watch?v=6RmEsPE7iq0

[70] https://www.hrw.org/legacy/arabic/update/2002/jan.htm

[71] نددت الفيلسوفة البنيوية جوليا كريستيفا بالصوابية السياسية، ولعبت كريستيفا دورًا أساسيًّا في وضع الأساس الفلسفي حول فكرة الصوابية السياسية في أمريكا، حيث ذكرت في عام 2001 في صحيفة نيويورك تايمز تنديدها بالصوابية السياسية، وقالت: إن أعمالها تعرضت للتشويه من قبل الأميركيين. ووصفت سياسات الهوية والصوابية السياسية بصفة عامة بأنها شمولية، انظر:

https://www.nytimes.com.

[72] نقلًا عن: غي هارشير، العلمانية، ترجمة: رشا الصباغ، مراجعة: د. جمال شحيد، دمشق، دار المدى للنشر والتوزيع، 2005، الصفحة 98.

[73] علي الخامنئي، الفن والأدب في التصوّر الإسلامي، مؤسسة البلاغ المبين، الفصل الأول، الصفحة 2.

[74] موقع دار الولاية للثقافة والإعلام 25/4/2010.

[75] موقع دار الولاية للثقافة والإعلام 25/4/2010.

[76] ينظر: أنطون حبيب، التربية العامة.

[77] إسعاف حمد،  (2014)، المثقف العربي: إشكالية الدور الفاعل، مجلة جامعة دمشق، دمشق، مجلد 3، الصفحة 347.

[78] ينظر: الشيخ كاظم آل ياسين، تاريخ سيد الأوصياء.

[79] ينظر: عبد الوهاب المسيري، إشكالية التحيز: في الفن والعمارة.

[80] موقع دار الولاية للثقافة والإعلام 25/4/2010.

[81] https://www.independent.co.uk/news/world/modern-art-was-cia-weapon-1578808.html

[82] تحت الطبع.

[83] منشور بتاريخ 15/11/2020.

[84] عدد 3/3/1989.

[85] صادق جلال العضم، ذهنية التحريم، الصفحة 256.

[86] سلمان رشدي، أوطان خيالية، الصفحة 100.

[87] نيويورك تايمز 19/10/1989.

[88] H. V. Ravinder, New York Times, 26 February 1989. “The Week in Review”, p. 22..

[89] علي الأمين مزروعي، القوى الثقافية في السياسة العالمية، الصفحة 155.

[90] ذهنية التحريم، صادق جلال العظم، الصفحة 224.

[91] https://youtu.be/rd4iEncXkew?t=920

[92] ينظر: صنع العدو أو كيف تقتل بضمير مرتاح، بيار كونيسا.

[93] ينظر: الشيخ كاظم آل ياسين، تاريخ سيد الأوصياء.

[94] سورة الفرقان، الآية 52.

[95] مجمع البيان، للشيخ الطبرسي، الجزء7، الصفحة 175.

[96] ينظر: علي الخامنئي، الهواجس الثقافية في المشروع الحضاري المعاصر، إعداد وتدوين: مركز صهبا، ترجمة: علي الحاج حسن، دار المعارف الحكمية. الصفحتان 97 و98.

[97] علي الخامنئي، النفوذ، دار الوفاء للثقافة والإعلام، الصفحات 78- 81.

[98] حسب ما ورد في (كيهان الثقافي) عدد 9/12/1988.

[99] خطبة جمعة مسجد الإمام الرضا (ع)، بئر العبد – بيروت، (24/2/1989).

[100] ينظر: زهير علي شاكر، الغراب الأبيض، الصفحات 93- 96.

[101] المصدر السابق، الصفحة 138.

[102]https://www.alhurra.com/different-angle/2022/06/24/%D9%85%D8%A8%D8%B9%D9%88%D8%AB%D8%A9-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
سلمان رشديالإسلام وصراع الحضارات

المقالات المرتبطة

الحقيقة العرفانية بين الظاهر والباطن

يقوم علم الدلالة على العلاقة القائمة بين اللفظ والمعنى، ويبحث في طبيعة الارتباط بين ما هو مادي تنتظم به الدلالة بوصفه دالًّا لفظيًّا أو كتابيًّا

إرجاع العلم الحصولي إلى العلم الحضوري من وجهة نظر العلامة الطباطبائي

جرت عادة الفلسفة الإسلامية بشكل واضح وبارز على تقسيم العلم إلى حضوري وحصولي، وتقسيم العلم الحصولي إلى تصوّر وتصديق، وتقسيم التصوّر الكلّي إلى: ماهوي، وفلسفي، ومنطقي، على المنوال نفسه.

مقدمة الأفق النظري والإطار المنهجي

يخوض البحث الراهن في استطلاع التجربة الاجتماعية الثقافية التي عاشها مجتمع محلّي قروي أثناء حقبة الحرب اللبنانية وما عقبها من عودة المهجرين إلى ديارهم.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<