الإمام العسكري(ع) وسياسة التمهيد للغيبة المهدوية

الإمام العسكري(ع) وسياسة التمهيد للغيبة المهدوية

مقدمة

طينة واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض، خلقكم الله أنوارًا وجعلكم بعرشه محدقين حتى منّ علينا بكم فجعلكم في بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه. الكثير منا لا يعرف من حياة الأئمة (ع) إلاّ اليسير، فكيف بنا نستضيء بهذه الأنوار النورانية في حياتنا؟ لقد شهدت مرحلة إمامة الإمام الحسن العسكري(ع) ذروة الانحراف في المجتمع، فقد تكاثرت فيها عوامل الانهيار، ولولا تصدي الأئمة (ع) للدفاع عن قيم الحق والعدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لتلاشت الحضارة الإسلامية وتهاوت قيمها بفعل تحول الترف والمجون والجهل لمزاج مجتمعيٍ عام، فقد أوغلت السلطات المتعاقبة التي حكمت الأمة بالتسلط والقوة، حتى أصبح الإرهاب والقمع أسس الحفاظ على السلطة، فضلًا عن التنكيل في البيت السلطوي الواحد.

وقد خاض الإمام الحسن العسكري (ع) كآبائه الكرام (ع) ملحمة الكفاح السياسي للحفاظ على أصول الشريعة والقيم الرسالية، وأبرز وأهم مهمة إلهية أُوكلت إليه كانت التمهيد لعصر الغيبة الحتميّة والضروريّة بعدما آلت إليه الأمة من انهيار على كافة الأصعدة، هذا ما دفعنا لنطرح إشكاليتنا التالية:

بالرغم من حراجة الظروف السياسية التي عاصر فيها الإمام (ع) مدة إمامته القصيرة جدًّا كلًّا من: المعتز والمهتدي والمعتمد العباسي، ولاقى منهم أشدّ العنت والتضييق والملاحقة والإرهاب، وتعرّض للاعتقال عدّة مرّات، ومما ازداد غيض المعتمد، إجماع الأمة، سنّة وشيعة على تعظيم الإمام (ع) وتبجيله وتقديمه بالفضل على جميع العلويين والعباسيين في الوقت الذي كان المعتمد خليفةً، غير مرغوب فيه لدى الأمة. ففي هذا السياق السياسي، كيف تمحور الدور السياسي للإمام العسكري (ع) الذي نستلهمه من سيرته العطرة وإرثه الفكري؟

من السهل أن تؤول الإشكالية في سياق تسويغ بعض التساؤلات، ولكن مدى تطابق الفرضيات هو ما يعكس الصوابية في التحليل والربط، التي يشار إليها بفكرة تأسيسية. وتبقى عملية قراءة وفهم الوقائع التاريخية، السياسية منها والدينية هي التي تسهم في حسم الصورة المعرفية، ما يجعلنا نتوقف عند عدة فرضيات:

الفرضية الأولى: استكمل الإمام العسكري(ع) سياسة التقية حفاظًا على سلامة النخبة الخلص من الشيعة أصحاب الإمام الرضا(ع)، والأعيان الباقية المتبقية، وكانت السبيل للحفاظ على التشيّع المحمّدي الأصيل.

الفرضية الثانية: إن تحديد موقف الإمام العسكري(ع) المعارض لثوراتٍ انطوت تحت مسميات التشيع، من بصيرته السياسية التي واجه بها مداهنة الحكّام العباسيين، في نفس الوقت الذي لزم فيه تحديد موقفه المعارض للحكم العباسي، بدعوته النخب الشيعية لعدم التغرر من محاولة الحكام العباسيين في سياسة الدمج بين الإمامة والحكم، وبتصديه (ع) لشبهات المنحرفين من قبيل موقفه من الكندي، مما أدى إلى صون العقيدة من الانحراف.

الفرضية الثالثة: إن التمهيد وتحضير الأمة للغيبة الكبرى للإمام المهدي (عج) شكّلت محطة مفصلية في التاريخ الاجتماعي السياسي للتشيع، لا تقل خطورة وأهمية عن المحطة المفصلية الكربلائية وما اعتلاها من نواتج سياسية واجتماعية على المجتمع الشيعي.

أهداف الموضوع وعلاقته بالمحاور

طرح إشكاليتنا محاولة لكشف بعض الملابسات التاريخية، كما يهدف إلى حفظ إرث أهل البيت(ع) الاجتماعي والسياسي، وهو النموذج الكامل للإنسان، لأنه خليفة الله على على وجه الأرض، القدوة والأسوة للأجيال القادمة.

المنهج

لجأنا إلى المنهج التاريخي في معايشة الوقائع زمانًا ومكانًا، وهذا ما يساعد الباحث الاجتماعي في التعرف على ماضي الظاهرة وتحليلها وتفسيرها علميًّا على ضوء الزمان والمكان الذي حدثت فيه.

خطة البحث

من مقدمة وثلاث مطالب:

المطلب الأول: مفهوم السياسة وعلاقتها بالإمامة.

المطلب الثاني: الإمام العسكري(ع): النسب والإمامة وإرثه الفكري.

المطلب الثالث: أدوار الإمام (ع) السياسية.

الخاتمة ونتائج البحث.

 

 

الأول: مفهوم السياسة وعلاقتها بالإمامة

أولًا: مفهوم السياسة العلائقي

السياسة لغةً، تعني ساسة الناس وتدبير شؤونهم الحياتية، و”الولاية” اشتق لفظها من تولي شؤون العباد العامة والخاصة، وأُنيطت بالولي والقائد المتمثل بالرسول (ص)، من هنا ارتبطت الولاية بالسياسة بعلاقة تلازمية، التي تختلف من حيث قيمها التي تُعرف بها حديثًا بأنها فن الممكن.

واصطلاحًا، لم تكن السياسة بالشأن الجديد أو المستجد، إذ إن المصادر التاريخية تشير إلى تعاطٍ سياسيٍّ محلّي، باختلاف المراحل التاريخية، بمسمّيات مختلفة “ثورات، انتفاضات، معارك…”، تلازمت وحركات سياسية: تحالفات، معاهدات، مؤتمرات ..، داخلية وخارجية. داخلية، بين التنظيمات الاجتماعية السياسية من قبائل وعشائر. وخارجية، خارج الكيانات العربية والإسلامية والأعجمية.

إنّ إشكالية الفكر السّياسي الإسلامي تمحورت مع إشكالية الواقع منذ وفاة الرسول محمد (ص). فالمجتمعات البشرية تتأثر بثلاث عوامل أساسية في إنتاج الفكر والسلوك الاجتماعيين:

  1. الأيديولوجيا الدينية أو الفكرية.
  2. الأعراف والتقاليد، التي تأتي غالبًا نتيجةً لتراكم الحضارات والثقافات وتفاعلها حينًا، وتضاربها أو تنازعها أحيانًا، كما تكمن أهمية الهوية إلى جانب العادات والتقاليد، بما تشكله من ذاكرة جمعية، تختزن الكثير من ذكريات الماضي ووقائع التّاريخ في حياة الشعوب، ولكنها ليست أحداثًا جامدةً كمدونات التّاريخ، إنما هي موروثات ثقافية، تستند إلى الكثير من العناصر المتوالفة والمتراكمة على مدى الأجيال، فهي تختزن الكثير من القدرة على الحضور، بيد أنّها تشكلت من ماضٍ قريبٍ مشفوعٍ بالمآسي والهزيمة، وربما بالقليل من النجاحات، ما أبقاها حيةً في الوجدان والعقل، يستدعيانها في مواجهة التحديات والتّحولات المستجدة، فضلًا عن كونها إحدى أساسيات التّضامن واللحمة والوشائجية بين الجماعات.
  3. النظام السياسي الحاكم بما يحمله من رؤى اجتماعيةٍ تؤثر في المجتمع عبر القوانين والأحكام الملزمة لأبناء المجتمع، فتثبت إنتاج ثقافي وتربوي منسجم مع مبادىء وخلفيات هذا النظام، سواء كانت مادية قبلية جاهلية أو روحية إنسانية منفتحة.

ثانيًا: الولاية والإمامة

الولاية لغة: مأخوذة من الفعل الثلاثي (ولى)، يقال: ولي الشيء وولي عليه وَلاية وولاية، والواو واللام والياء: أصل صحيح يدل على القرب والدنو، يقال: تباعد بعد وَلْي، أي: قُرْب، وجلس مما يليني، أي يقاربني[1].

واصطلاحًا، تُستخدم بمعنى القرب الخاصّ الذي يفيد القرب واللصق، وما كان مرادفًا وردفًا للغير من دون حاجب وفاصل، فالولاء والتوالي هو أن يحصل شيئان فصاعدًا حصولًا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد.

﴿إنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسولُهُ وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسولَهُ وَالَّذينَ آمَنوا فَإنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغالِبونَ﴾[2].

ترد الولاية هنا بمعنى التقرّب إلى الله سبحانه في مقام المحبّة والطاعة، فوليّ الله المحبّ لله، والواله فيه، والمطيع له، والمتابع له فيما يحبّه ويرضاه، ويبغضه ويسخطه. والنبيّ (ص) وليّ المؤمنين، تأتي هنا بمعنى الحكومة عليهم، وأنّه أولى بهم في التصرّف، فهو حاكم من حيث التدبير والتوجيه والإرشاد والتعليم والتربية، كما هذا المعنى يصدق على الإمام المعصوم (ع)، الذي يستخلف النبيّ (ص) في حفظ الرسالة من الضياع والعدم، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

من هنا ارتبط مفهوم الولاية والإمامة بلفظ الشيعة والتشيع للإمام المعصوم.

 الشيعة لغةً: أتت من لفظ شايع أي تبع، ويقال شايع فلان فلانًا، بمعنى والاه وتابعه على أمر، وهو من شيعته، فارتبط لفظ الشيعة بالولاية من والاه من الولي أو الولاء.

 واصطلاحًا: في البداية لم تحمل فكرة الشيعة بعدًا مذهبيًّا، بل أخذت بعدًا سياسيًّا عبّر عن رفض موقف سياسي حصل عشية وفاة الرسول(ص)، وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى عليًّا وأهل بيته حتى صار لهم اسمًا خاصًّا، وسواء فسرت لفظة “شيعة” بالأتباع والأنصار، أو بالمشايعة والمطاوعة أو الموالاة لآل البيت (ع)، فإن هذه اللفظة ظهرت في عهد الرسول (ص) وكانت لقب للأربعة من الصحابة هم “أبو ذر الغفاري، المقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي”، إلى أن اشتهرت بين موالي الإمام علي (ع)، في واقعة “صفين”. فمصطلح الشيعة لم ينشأ بعد وفاة الرسول، بل كان يتم تداول استخدامه في حياته. هذا ما جعل “المؤرخ جعفر المهاجر” يخرج عن التمحيص اللغوي بنتيجة اعتبر فيها أن كلمة “الشيعة” تحمل معنى جَمع المتشابهين في الاتباع حصرًا، دون الالتفات إلى ما بينهم من فروق، مما يكون بين كل الأفراد في الجماعة، دلالة على الطابع المزجي[3]، مستندًا إلى أنّ مصطلح “الشيعة” استخدم كمفهوم سياسي يدل على اتباع اتجاه أو حركة سياسية لفرد أو جماعة.

كما أنّه بالتحليل المقارن لحادثة (سقيفة بني ساعدة) نجد بأن الاختلاف على الخليفة يوم ارتحل الرسول (ص) لم يكن حول القاعدة الدينية، فهم لم يتبعوا شروط ومقتديات الشورى (كمفهوم ديني إسلامي)، لأن أهل بيت الرسول (ص)، وبعض الصحابة الكوادر ولفيف من شيعة علي(ع)، كانوا بعيدين عن السقيفة وما جرى فيها، مشغولين بتجهيز الرسول (ص)، والسمة الاجتماعية التي اتسمت بها هذه الجلسة تقوم على مفارقات عصبية أكثر منها جدلية دينية حول النص أو الشورى. فالأنصار كانوا يرون أنفسهم أولى بإدارة الأمور، لأنهم آووا النبي (ص) ونصروه. والمهاجرون يرون أنفسهم أولى بها لأنهم أصل النبي (ص) وعشيرته، من دون أن يبحث أو يختلف أحد الطرفين على القاعدة الدينية، بل كانت من الأمور المغفول عنها وكان الهدف من الاجتماع هو تسلم منصّة الخلافة، وتداول كرتها بين أبنائهم وعشيرتهم هذا من جهة، ومن جهة ثانية أن الاختلاف في الإمامة بعد أيام الخلفاء تحول إلى اختلافٍ كلامي (النص أو الشورى) مع نشوء الخلافات الفكرية، ثم برز الاختلاف المذهبي في العهد العباسي بعد تعدد المذاهب. هذه الإشارة وغيرها من المدلولات التي تشير إلى أن الخلاف في بدايته اختلافٌ سياسيٌ محض اجتمعت فيه كل عناصر السياسة (القوة والسلطة والعصبية)، وليس مذهبي[4]. كما تدل المرحلة العباسية على حقيقتين تاريخيتين:

الحقيقة الأولى: الخلفية الفكرية لتوجس السلطات العباسية بفعل أصالة الفكرة المهدوية في وجدان المجتمع الإسلامي وفي فكر السلاطين أنفسهم مع اقتراب ولادة القائم من آل محمد (ص)، وحتمية دولة العدالة المهدوية التي تهدد سلطانهم.

والحقيقة الثانية: هو توجسهم من القوة الشيعية، الذّي انعكس هواجس من الوجود الشيعي في منطقة الشام والعراق، الذّي بلغ من الواقعية والقوة ما يستلزم توجس الخلافة العباسية منه على سلطانهم، بعدما أصبح هوية جامعة لكثير من عناصرها المجتمعية.

الثاني: الإمام العسكري(ع): النسب، الإمامة، ظرفه السياسي وإرثه الفكري.

تمهيد

استقدم الخليفة العباسي الإمام الهادي (ع)، إلى سامراء ليبقى تحت نظره خوفًا على سلطانه من حق الأئمة بالولاية، وقضى عشرين سنة، حيث كان يمتلك مزرعة يعيش ويعمل فيها، وابنه الإمام العسكري (ع) الذي كان له من العمر خمس سنوات.

أولًا: نسبه (ع)

يعود نسبه إلى الإمام الحسين (ع) من أبناء فاطمة الزهراء(ع) وأمير المؤمنين علي بن أبن طالب (ع).

والده: الإمام علي الهادي(ع)[5].

والدته: السيدة سوسن (رض)[6]. كانت إحدى الوسائط بين الإمام الحجّة (ع) وبين شيعته، فهي المفزع للشيعة بعد وفاة الإمام العسكري (ع) وستر الإمام المهدي(ع) عن الناس، وعندما سُئلت السيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد(ع): “فإلى مَن تفزع الشيعة؟ قالت: إلى الجدّة أُمّ أبي محمّد(ع)”[7]. فكانت من النماذج النسوية في حركة التشيّع، التي شهد لها الأئمة(ع) بمناقبيتها واطلاعها الفقهي والسياسي، وشكّلت مصدر ثقة المعصوم في رسالته للأمة، فهي من أعلام القرن الثالث الهجري، ودُفنت بجوار مرقد الإمامينِ العسكريين(ع) في مدينة سامراء.

أولاده: إن المشهور بين الشيعة الإمامية، أن الإمام العسكري (ع) لم يكن له من الولد سوى الإمام محمد المهدي المنتظر (عج)، ويدل عليه ما أشار إليه الشيخ المفيد (رض)، حيث قال: أما الحسن بن علي العسكري (ع)، فلم يكن له ولد سوى صاحب الزمان (عج)، ولم يخلّف ولدًا غيره ظاهرًا أو باطنًا[8].

ثانيًا: إمامته

إن النص على الإمام اللاحق من الإمام السابق هو إتمامًا للحجة وبيانًا للحقيقة، وإنقاذًا للناس من الجهالة وحيرة الضلالة، وتمثل هذه النصوص وثائق تتضمن الإعلان والإصرار والإجمال والتفصيل، إلّا أن اشتداد ظروف مرحلة الإمامين العسكريين الهادي والعسكري(ع) لم تسمح بالتجاهر بالتنصيص على الإمامة بصورة علنية، وبكل وضوح، حفظًا لحياة الإمام، وحقنًا لدمه، فكانوا ينتهزون الفرص الملائمة للنص للوكلاء والثقة من الشيعة، بنصوص عامة ونصوص خاصة، وقد نص جده الإمام الجواد(ع) وأبوه الإمام الهادي(ع) على إمامته نذكر منها:

رواها الصدوق بسنده عن الصقر بن دلف: “سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (ع) يقول: إن الإمام من بعدي ابني  علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمامة بعده في ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه…”[9].

وروى أبي هاشم بن داوود بن القاسم الجعفري: “سمعت أبا الحسن الهادي بن محمد بن علي الرضا (ع) يقول: إن الإمام بعدي الحسن ابني، ومن بعد الحسن ابنه القائم، الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا، كما ملئت جورًا وظلمًا”[10].

وقد عاصر الإمام العسكري (ع) ووالده الإمام الهادي(ع) كل من الخلفاء العباسيين: الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز في إمامة والده، والمعتز والمهتدي والمعتمد في إمامته، في أجواء من الاضطهاد والكبت، ومعترك الفتن والمشاغبات والمؤمرات، حتى استشهاده ودفنه بجوار والده (ع).

بمقاربة موجزة لحياة الإمام العسكري (ع) تكشف لنا مفارقة شاسعة في النواتج السياسية الاجتماعية للطبقة الحاكمة ومسيرة الأئمة (ع)، حيث حكم ثمانية من الخلفاء العباسيين وهلكوا جميعًا، واحدًا تلو الآخر بين من قتله ابنه، وآخر قتله ابن أخيه، والباقي أذلاء، حتى تشتت حكمهم وانقرضوا بفترة وجيزة بعد استشهاد الإمام العسكري (ع)، أما الشيعة وحراكهم السياسي فبالرغم مما عانوه من عنفٍ، وقمعٍ، قبل وبعد مرحلة الغيبة الصغرى ثم الكبرى، تكشف هذه النواتج السياسية الاجتماعية عن مواجهة انتصر فيها الحق في الباطن، حيث كمنت فيه أسرار الغيبة الصغرى والكبرى للإمام (عج)، والظاهر الذي ازدادوا فيه الشيعة قوة وانتشارًا يومًا بعد يوم.

ثالثًا: كنيته

ولد في اليوم العاشر من الربيع الثاني من عام (232ه)، في المدينة المنورة. كنيته: أبو محمد، وكان يكنّى بالهادي، الصامت، الرفيق، الزكي، النقي[11].

رابعًا: نقش خاتمه(ع)

في مقاربة ظاهرة التختم للأنبياء والأئمة (ع)، والنقوش التي تحملها، نجد دلالة رمزية تتجاوز التبرك، والعفوية والترف الفكري على الإطلاق. يظهر ذلك من النقوش على خواتم الأئمة (ع)، وحتى من سبقهم من الأنبياء(ع)، من النبي آدم(ع) وخاتمه الذي هبط معه ونقش عليه “لا إله إلا الله محمد رسول الله “، وصولًا إلى خاتم النبي محمد (ص) “صدق الله”، في محاولة منهم (ع) للتركيز والتأكيد على حقيقة يهتمون بتقريرها أو اتجاه معين، لا بدّ من التوجيه إليه والتأكيد عليه، أو ضرب وإدانة مفهوم أو اتجاه آخر، تفرض المسؤولية الرسالية تسجيل موقف رافض منها، حتى ولو من أجل تعريف الأجيال الآتية، وإظهار ما يمكن إظهاره من الحقائق لها في ظاهرة بتوجيه الأنظار إليه، وإعلام الناس به… [12].

فمن يتأمل ما ورد في الأخبار والنصوص من اختلاف ظاهر بين العبارات التي كان يكتبها الأئمة على الخواتم التي كانوا يلبسونها، وحتى في العبارات المختلفة التي كانت تنقش على الخواتم المتعددة التي لإمام واحد، يخرج بحقيقة: أنها تحمل في طياتها إشارات شديدة الوضوح أحيانًا، وفيها شيء من الخفاء أحيانًا أخرى لأمور هامة نابعة من طبيعة المرحلة التي كانوا يعايشونها ومن واقع الاهتمامات التي كانت تفرض نفسها عليهم، وكانت من الخطورة والأهمية بحيث كان لا بدّ لهم من الإشارة إليها، وتحديد موقفهم منها، ولو بهذا المستوى وحتى بهذا الأسلوب.

فقد نقش خاتم الإمام الحسن العسكري (ع): “إن الله شهيد”. وفي نص آخر: “سبحان من له مقاليد السماوات والأرض”[13]. وفي مقاربة ما نقش على خاتم الإمام (ع) ومرحلته السياسية، نجد أنه كان لا بدّ للإمام العسكري (ع) من أن يعلن للشيعة بشكل صريح وواضح: بأن الإمام بعده لن يكون حاضرًا بينهم، وأن عليهم أن يعدوا أنفسهم لمواجهة حالة كهذه، كما أن عليهم أن يجعلوا نصب أعينهم حقيقة بأن غيبته (ع) لا تعني أن كل شيء قد انتهى، وذلك لأن الله هو الرقيب وهو الشهيد عليهم، على حد قوله تعالى، حكاية عن عيسى (ع): ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾[14]. والآيات التي تتضمن شهادة الله والأنبياء وغيرهم، على الناس كثيرة لا مجال لذكرها، فأتى نقش خاتم الإمام الحسن العسكري (ع) ليمهد ويؤكد على هذه الحقيقة ليتعاملوا معها.

إرثه الفكري

الإرث الفكري للإمام (ع) قد تعرّض لما تعرّض إليه الإرث الفكري للأئمة (ع) من حملات الضياع، والإخفاء، لطمس الحقائق، ناهيك عن حملات الحرق والنهب التي طالت الكثير من المكتبات الشيعية بصورة عامة، فضلًا عن التحريف للنصوص لغايات سياسية تضليلية، قد احترفت السلطات المتعافية في إتقانها. يبقى ما بقي من الإرث الفكري للإمام العسكري (ع) بحسب ما وصلنا إليه، مما حفظه وجمعه خواصه وشيعته:

  • الأدعية المتواترة عنه (ع)، التي تختزن في طيّاتها كنوز من المعارف العقيدية والآداب الاجتماعية والأحوال السياسية، وتعتبر زيارة الأئمة (ع) الموسومة بالزيارة الجامعة والمروية عنه مدرسة سيارة لتعليم العقيدة الإسلامية والانفتاح على جميع مفرداتها[15].
  • الأحاديث الشريفة، والبحوث الكلامية والعقائدية العديدة التي انبرى فيها لخدمة مبادئ الإسلام الحقة، ولعل من أهمها رسالته المطولة إلى أهل الأهواز التي رد فيها على فكرة الجبر والتفويض[16].
  • تفسير القرآن المنسوب للإمام العسكري(ع)، وهو “يحتوي على تفسير السور الأولى للقرآن الكريم وما زال قيد التحقيق فيه، وقد اختلف الفقهاء والعلماء حول صحة انتساب (تفسير الإمام الحسن العسكري) إلى الإمام العسكري(ع)، إلا أن الشيء المؤكد أنه قد ورد عنه (ع) الكثير من النصوص في تفسير القرآن الكريم. ويُعدّ الإمام الحسن العسكري (ع) من أئمة المفسرين، لما عنده من اهتمام كبير بالقرآن الكريم، وتفسير لسوره وآياته، وبالرغم من أنه لم يصل إلينا كل ما فسره لآيات الذكر الحكيم. وكتاب (تفسير الإمام الحسن العسكري) مطبوع ومتوافر في المكتبات، ويقع في مجلد كبير تتجاوز عدد صفحاته 600 صفحة من الحجم الكبير، ويحتوي على تفسير سورة الحمد، وقسم من سورة البقرة، وقد اختلف المحققون والعلماء في نسبته للإمام العسكري منذ شيوعه في القرن الرابع الهجري وإلى يومنا هذا بين موافق لنسبته للإمام (ع)، ومعارض لذلك[17].
  • وصيته (ع): ورد في وصيّته (ع) لأتباعه وشيعته: “أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، صِلوا عشائرهم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدّى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل هذا شيعي فيسرّني ذلك، اتقوا الله وكونوا زينًا ولا تكونوا شينًا، جرّوا إلينا كلّ مودة، وادفعوا عنا كلّ قبيح، فإنّه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك، لنا حقّ في كتاب الله، وقرابة من رسول الله، وتطهير من الله، لا يدعيه غيرنا إلّا كذاب. أكثروا ذكر الله وذكر الموت، وتلاوة القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنّ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر حسنات. احفظوا ما أوصيتكم به واستودعكم الله واقرأ عليكم السلام”. ومن وصيّة له (ع) لعلي بن الحسين بن بابويه القمي والد الشيخ الصدوق (قده): “أوصيك بتقوى الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإنّه لا تقبل الصلاة من مانع الزكاة، وأوصيك بمغفرة الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، ومواساة الإخوان، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر، والحلم عند الجهل، والتفقّه في الدين، والتثبت في الأمور، والتعاهد للقرآن، وحسن الخلق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾، واجتناب الفواحش كلّها.. وعليك بصلاة الليل، فإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى عليًّا عليه السلام فقال: يا علي، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، عليك بصلاة الليل، ومن استخفّ بصلاة الليل فليس منّا، فاعمل بوصيّتي وأمر جميع شيعتي بما أمرتك به، حتى يعملوا به، وعليك بالصبر، وانتظار الفرج، فإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج”[18].

 

الثالث: دور الإمام (ع) السياسي

تمهيد

الحديث عن الفكر الديني والسياسي للشيعة يأخذنا في طريق إلزامي للخوض في واقع الإشكالية، التّي عاشتها الأقلية الشيعية محاطة بوسط مخالف مذهبيًّا، لأن علاقة الدين بالسياسة مسألة جوهرية في دراسة الفكر الشيعي، “فالسلطة في المجال الإسلامي الشيعي هي ولاية، وإن تكن مفردات السلطة والسلطان والدولة، تعبيرات تأخذ مكانها في صياغات الفكر السياسي الشيعي، إلاّ أنّ استخدام السلطة بوصفها إمرة وحاكمية، تحتوي معنى الدولة وتتجاوزها في آن، فالدولة غاية من غايات السلطة، إلّا أنّها لا تنحصر بها، فقد يكتب لها الأسبقية عليها دون أن يكون للدولة تحقيقًا فعليًّا، وقد تنفصل عنها فتتجاوزها”[19]. فهي قطب رحى الحراك الاجتماعي السياسي في جميع أشكاله، وعليه، ولفهم بنية حركة التشيع لا بدّ من استقراء تلك العلاقة وتطورها في الواقع بعرض العوامل المؤثرة على هذا التطور.

أولًا: الحراك السياسي الشيعي

يعتبر الشيعة في رؤيتهم الدينية أن حركتهم السياسية تحمل مفاعيل استمرار الرسالة المحمدية مستندة إلى وجود المعصوم (الرسول، الإمام)، وبغيابه تسند إلى (أولي الأمر) “الولي الفقيه”[20]. بعد مقاربتنا لهذه البنى الاجتماعية السياسية عند الشيعة لا يغفلنا الأهم في ذلك وهو أن مشروعهم المجتمعي، الذي يعتبره الشيعة هدفهم في الحراك السياسي، يحمل أهدافًا تغييرية على مستوى الفرد والمجتمع، أسسه العدالة الاجتماعية التي تتمظهر بأحد أوجهها، بالخروج على الحاكم الظالم وإن كان مسلمًا أو حتى شيعيًّا، حيث ارتكز هذا المفهوم التغييري واستمد قوته من واقعة (كربلاء)، التي حُفظت بعقل ووجدان التاريخ الشيعي حتى اليوم، يستمدون منها كل عناصر التغيير والثورة إلى جانب عناصر القوة التي أبرزها: جاذبية القيادات الشيعية بالنسبة للجماهير الشيعية، وهذا يعود إلى العلاقة العقائدية والعملية بين الطرفين. امتلاك الحركة الشيعية القدرة على تشكيل حالة استقطاب، ومن ثم استنهاض تتجذر مقوماتها من شرعية ومشروع متكامل بحسب تعبيرهم، ومن تراكم تاريخهم المقاوم للظلم.

على ضوء ما سبق يستدل على أن إقصاء حركة التشيّع أو الشيعة عن موقعها ودورها في المجتمع الإسلامي، جاء نتيجة طبيعتها الثّورية التّغييرية الرّافضة للواقع المحافظ على السنن الجاهلية العربية، هذا السلوك المجتمعي “التغييري”، يختزن قابلية التكييف مع المستجدات الموضوعية الجديدة، في نفس القوة الذي ينسجم فيه مع الفكر الاجتهادي الدّيني ما لم يتعارض مع النص الدّيني.

ثانيًا: الواقع السياسي الاجتماعي الشيعي

لمقاربة مجمل الواقع الاجتماعي السياسي الذّي يعيشه الشيعة اليوم نلحظه من واقعهم الديموغرافي والجغرافي، والاجتماعي والفكري.

ديموغرافيًّا من الطبيعي أن يتشكل التكتّل السكاني حول السلطة الحاكمة للاستفادة من المواقع السلطوية والاقتصادية، فتنمو تكتلات ديموغرافية سلطوية، وتكتلات ديموغرافية رافضة للسلطة وقد سموا الشيعة تاريخيًّا وتحديدًا في شبه الجزيرة العربية “بالروافض أو الفرقة الرافضة”[21]، وما زالوا يُكنون بهذه الكناية حتى اليوم، وبالرّغم من الوجود الديموغرافي للشّيعة كقلة عددية في التعداد السكاني الإسلامي العام، بقيت إشكالية حركة التشيع الفكرية – التغيير المذهبي من المذاهب الإسلامية باتجاه المذهب الشيعي التي لم يثبت توجه فكري شيعي بشكل عملي- تشكل هاجسًا في الحديث والمناظرات الإعلامية في توجهات المذاهب السلطوية.

جغرافيًّا، اعتمد بعض الحكام سياسة نفي أفراد وجماعات التيار الشيعي، وعملوا على تشتت جمعهم ونشرهم في الأقطار المختلفة إسهامًا في إضعاف حركتهم[22].

اجتماعيًّا، شكّلت جذرية الفكر الشيعي وارتباطه المباشر بالمثل الأعلى للمجتمع الإسلامي (الرسول والأئمة)، سببًا في خشية الحكّام من انفتاح المجال أمام الفكر الشيعي وانتشاره، فعملوا على تشويه صورته، منها اعتماد سياسة سبهم على المنابر[23]، والسعي لإقصائهم عن الحكم وغير ذلك لا مجال لذكره هنا.

فكريًّا لوحظ منع واخفاء الكثير من دواوين وكتب الأئمة، ولعل المجال الفكري الأكثر تأثرًا بالظروف المحيطة بالأحكام السياسية المتعلقة بمشروع الدولة.

وفي ملاحظة الواقع الشيعي بعد الغيبة الكبرى تجلّت عدة أطر جوهرية للتعاطي مع الدولة الحاكمة: غياب مشروع الدولة مع الغيبة الكبرى (غياب المعصوم). والعمل تحت ولاية الجائر. وقِيل في هذا الصدد: “من المسائل الجديرة بالاهتمام التي يلحظها المتتبع لتاريخ علماء الشيعة، اتخاذهم مسلكًا خاصًّا في العلاقة مع السياسيين ورجال السلطة في البلاد التي استوطنوها، مسلك لا يمكن وصفه بالموالاة ولا يمكن تصنيفه في خانة المعارضة، فهو وقوف على الحد الفاصل بين الجهتين، يمكن تمييزه بسهولة عن مواقف السياسيين الآخرين، وكذلك الأمر في الموالاة، فقد حافظوا على علاقة مع رجال الحكم، قريبة إلى حالات معدودة، فإن هذا كان الطابع العام لعلاقة العلماء بالسلطات لعدة قرون”[24]. ولكن في مجال شرعية القيام بمهام المعصوم، بقي فقدان مقومات دولة شرعية يؤدي إلى تشتت الرؤية اتجاه الأحكام الاجتماعية، الذي تُرجم عمليًّا بتضييق دائرة ولاية الفقيه واقتصارها على جوانب محددة، فتباينت آراء الفقهاء في الجوانب المسموحة والأخرى المستبعدة.

ثالثًا: مرحلة الإمام العسكري (ع) وأدواره السياسية

تعتبر مرحلة الإمام العسكري (ع) أشد المراحل ضغطًا على الأئمة (ع) لاقترابها من عصر الإمام المهدي (عج)، فبعد أن ضاق الناس من ظلم جيش المعتصم العباسي نقل عاصمة الخلافة من بغداد إلى سامراء، وأجبر كل من الإمام الهادي والإمام العسكري(ع) بالعيش في سامراء في منطقة عرفت باسم “العسكر” تحت المراقبة[25]. ولا تنفصل النواتج السياسية الاجتماعية التي وصل إليها المجتمع الإسلامي في العهد العباسي عما سبقها من سياسات لسلطات الأمر الواقع، وما يهمنا هو التحول الذي أحدثته هذه السياسات في مرتكزات الحكم الإسلامي الأصيل للقيادة في الإسلام، فقد خرجت سياسة الحكم عن الولاية والشورى وحتى عن الإجماع، لترتكز على الاستبداد والإرهاب والقمع والتنكيل حتى داخل البيت الأسري الحاكم. ومن الشواهد التاريخية يومذاك عن الاستبداد والقمع “عندما انتفضت الشام على الحكم العباسي في عهد المتوكل بعث إليهم بجيش قوامه ثلاثة آلاف راجل وسبعة آلاف فارس فدخلوا الشام وأباحوا دمشق ثلاثة أيام”[26]. وفي الترهيب: “من أساليب الخلفاء يومئذٍ في الإعدام إلقاء المتهم أمام السباع لتأكله أو إلقاؤهم في تنور ليحترقوا، أو ضربهم حتى الموت، أو ما أشبه ذلك من الأساليب الوحشية، وقد أنعكس هذا الإرهاب في فض نزاعاتهم الداخلية”[27]. بقي القانون السياسي المشهور سائدًا، كلما توغل النظام في الإرهاب شجع على اللهو والفجور ليلتهي الناس عن الحياة المرة التي يعيشونها، فقد “أوغل الخلفاء وحاشيتهم الفاسدة في سرقة أموال الأمة والإسراف في صرفها على لهوهم وشراء ضمائر الشعراء المتزلفين إليه، وكان النظام يستنزف الناس بزيادة الخراج التي هي بمثابة الضرائب اليوم”[28].

فكان موقف الأئمة (ع) يتجلى بقيادة المجتمع لتطبيق أصول القيم الإلهية على مفردات الحياة اليومية، وقد تمنهج الدور السياسي للنبي الأكرم (ص) بخطوات متتالية: إصلاح المجتمع في مكة، وبناء التجمع الإيماني ونظم علاقات هذا المجتمع في تشكل الحكومة الإسلامية في المدينة. من ثم يأتي الإمام المعصوم مكمّلًا المسيرة الرسالية في الحقل السياسي بتمثيل تلك الأصول ضمن مواقف وفاعليات وأنشطة اجتماعية أخذت أبعادًا سياسية في جوهرها، وتصدّر فيها المعصوم النموذج والقدوة والحجة على الخلق، بما تقتضيه ظروفه السياسية وضرورات الزمان، وبما يضمن صون الرسالة المحمدية الأصيلة، ونستنتج من السيرة العطرة للإمام العسكري (ع) عدة أدوار جديّة:

الدور الأول: البصيرة السياسية من مداهنة الحكام العباسيين، حيث اقتضت بصيرته السياسية الحكيمة في تحديد الموقف المعارض من ثورات تحت مسمّيات التشيع، فقد أدى الوضع الاجتماعي البائس إلى اندلاع ثورات اجتماعية استنفدت طاقات الخلافة العباسية ردحًا من الزمن، أبرزها في عهد الإمام(ع) “ثورة يحيى بن عمر الطالبي، في الكوفة وقمعها العسكر العباسي، وثورة الزنج بقيادة علي بن عبد الرحيم من بني عبد اللقيس الذي ادعى أنه علوي، إلاّ أن المؤرخون يشكون في ذلك، فقد صدر بيان من الإمام العسكري(ع) ينفي كونه من أهل البيت”[29]. في نفس الوقت الذي لزم فيه تحديد موقفه المعارض للحكم العباسي، بعد استقدامه ووالده الإمام الهادي(ع) إلى “سامراء” لاستبعادهما عن شيعتهم ووضعهما تحت المراقبة في معسكر الخليفة، الذي ترافق مع محاولة دمج الإمام الهادي(ع) في الجهاز الحاكم وصهره في حاشية الخلافة الحاشية، وتكرر السياق السياسي مع الإمام العسكري بجبره على حضور موائده، وملازمة بلاط الخليفة كل يوم اثنين وخميس[30]. وللحث على وعي عدم التغرر بالنخب الشيعية من محاولة الحكام العباسيين سياسة الدمج بين الإمامة والحكم، تمنهج عمله الدؤوب بالرسائل السرية ورمزية الإشارات التي تنبه شيعته من الوقوع في الشرك العباسي، فكان يعينهم على نوائب الدهر اقتصاديًّا واجتماعيًّا من جراء ما يلاقونه، وبالأدعية المتناقلة بين العوام التي تعكس حقيقة الواقع السياسي ولزوم التغيير والتوكل على الله في ذلك، وما زالت نصوص هذه الأدعية بمثابة وثائق تاريخية سياسية حاضرة في كشف ملابسات تلك المرحلة. فكثير من الأدعية انتشرت  بوصفها منشورًا سياسيًّا، ووثيقة جهادية، وبرنامجًا حركيًّا ونهجًا رساليًّا في تلك المرحلة الحساسة[31]، فهي تعكس واقع الحال، ونقل إلى أن الإمام كان يلازم هذا الدعاء في قنوته وأمر أهل قم بهذا الدعاء، وهذه الأدعية تحمل اليوم بُعدًا توثيقيًّا تاريخيًّا سياسيًّا إلى جانب البعد التعبدي، ومنهم على سبيل المثال دعاء( الحمد لله شكرًا لنعمائه)، الذي قال فيه: “اللهم وقد شملنا زيغ الفتن، واستولت علينا غشوة الحيرة، وقارعنا الذل والصغار، وحكم علينا غير المأمونين في دينك وابتز أمورنا معادن الابن ممن عطل حكمك ….اللهم أظهر به الحق وأصبح به غسق الظلم وبهم الحيرة، اللهم أحي به القلوب الميتة، وأجمع به الأهواء المتفرقة والآراء المختلفة، وأقم به الحدود المعطلة والأحكام المهملة، وأشبع به الخماص الساغبة، وأرح به الأبدان المتعبة… “[32].

الدور الثاني: عمل باتجاهين: اتجاه أول محوري في ترسيخ قواعد للمرجعية الدينية، وثاني منهجي في تشكل النخبة الطليعية.

  • المرجعية الفكرية والفقهية والسياسية

ينبعث نظام المرجعية الدينية والسياسية من نظام الإمامة، بداية للنخبة الخلص من الشيعة أصحاب الإمام الرضا (ع) والأعيان الباقية المتبقية، لسلامتهم والحفاظ عليهم لأن فيه الحفاظ على التشيع المحمدي الأصيل، ثم للعوام،  فقد تمحور دور الإمام العسكري (ع) في ترسيخ قواعد نظام المرجعية على تقوى الله، الذي يتجاوز الدم واللغة وسائر الفوارق المادية التي تفصل الناس، لا السائد السياسي من الحمية “حمية الجاهلية الأولى”، وهذا الترسيخ العقيدي جعله سنة ثابتة تصلح لكل زمان ومكان، بالعودة إلى المعصوم في زمانه، وإلى وكلائه في الغيبة الصغرى، والثقاة من المراجع الأعلام في الغيبة الكبرى من جهة، ويؤهل المرجعية الدينية لقيادة العوام في مواجهة التحديات التي ستعتلي الأمة حتى إحقاق الحق بدولة العدل الإلهي، فتكون جزء من التمهيد لدولته(عج)، وقد انتشرت روايته في دور علماء الدين: “من كان من الفقهاء صائنًا لنفسه، حافظًا لدينه، مخالفًا على هواه، مطيعًا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه”[33] من جهة ثانية.

  • بناء الكتلة الشيعية والإشراف على القواعد الشعبية

بالرغم من الظروف العدائية المليئة بالإرهاب والخوف، فقد قضى الإمام العسكري(ع) سنوات إمامته الست بين السجن ومعزولًا في بيته عن الناس لا يُسمح بزيارته، ولم تمنعه هذه العزلة من أن يستمر في دوره السياسي(ع) في بناء الكتلة الشيعية والإشراف على القواعد الشعبية وحماية وجودها، وتنمية وعيها، للارتفاع بها إلى مستوى النخبة الطليعة المؤمنة، مع ترسيخ الولاية كعقيدة متلازمة للتشيع، فتصدى(ع) بعمل منهجي في بناء جهازين:

  • جهاز من الأتباع والوكلاء، أحكموا تنظيمه، واعتمدوا السرية والكتمان في اتصالاتهم مع وكلائهم الذين اعتمدوهم كممثلين لنقل الفتوى والموقف السياسي.
  • وجهاز الإمداد المالي من الشيعة من كافة أقطار المناطق الإسلامية، الصدقات ومال الخمس، التي ترد إلى الإمام (ع) من وكلائه المنتشرين بسرية تامة عن السلطة العباسية وأتباعهم وعيونهم، فاستطاع وهو المضطهد المراقب أن يستلم الأموال ويصرفها على النشاط الاجتماعي والفكري والسياسي وتقف السلطة مكتوفة الأيدي اتجاهه[34]، عاجزة عن الحد من نشاطه السياسي في حركة التشيع. فتزايدت فاعلية القوى الاجتماعية ذات التأثير في عالم الحكم، ما يمكن توصيفه بالعمل السياسي المباشر، مستكملًا تأهيل النخبة في صناعة القوى الفاعلة في المجتمع التي يقوم بها المصلحون وأصحاب المبادئ التغييرية، وباختصار جمع بين التغيير وثورة الإصلاح بكل أبعادها الثقافية (نشر الدعوة وصونها من الانحراف)، والتربوية (تزكية النفوس في تقديمه النموذج الأسوة الاجتماعي)، والاجتماعية (تكوين التجمع الإيماني وتنظيم علاقاته).

الدور الثالث: كثيرة هي المبادرات التي قام بها الأئمة(ع) لصد الهجمات الفكرية الموجهة عن علم وعن جهل، بقي أغلبها طي الكتمان لضرورات ظرفية مرحلية تخدم التقية، أو تعرضت للتشويه والتزوير والإخفاء لكتم الحقائق سوية بالسياق التي تعرض له إرث الأئمة الفكري (ع). نذكر هنا للاستشهاد مبادرة في مواجهة شبهات المنحرفين، كموقفه من الكندي ومشروع كتابه “حول متناقضات القرآن”، حيث أقنعه وبيّن لمدرسة الكندي خطأه الفكري والعقيدي فأحرق كتاباته. حيث إنه تحت ضغط سياسة الحكم القمعية وتأثير الفلسفة اليونانية ببعض المفكرين، اندفع “إسحاق الكندي” في تأليف كتاب يرد فيه على القرآن الكريم ويبين تناقضاته (على طريقة الفلاسفة اليونانيين) في الرد على أفكار بعضهم لبيان تهافتها، فدفع إليه الإمام(ع) أحد تلامذته بقاعدة فلسفية استدلالية مفادها، أنه مجرد الاحتمال يبطل الاستدلال ما يحكم على كتاباته بالسفه إذا أصرّ على تأليف الكتاب، فارتدع قائلًا: “ما كان ليخرج مثل هذا إلّا من ذلك البيت”[35]. نستشهد في هذا السياق لأهمية هذا الدور بقول للإمام العسكري(ع): “أورع الناس من وقف عند الشبهة، أعبد الناس من أقام الفرائض، أزهد الناس من ترك الحرام، أشد الناس اجتهادًا من ترك الذنوب”[36].

الدور الرابع: التمهيد وتحضير الأمة للغيبة الكبرى للإمام المهدي(عج) وهي محطة مفصلية في التاريخ الاجتماعي السياسي للتشيع لا تقل خطورة وأهمية عن المحطة المفصلية الكربلائية وما اعتلاها من نواتج سياسية واجتماعية على المجتمع الشيعي. فتجاوزًا لأن يشكّل الغياب صدمةً نفسيّة تدفع بعض ضعاف القلوب إلى الارتداد، مهد الإمام (ع) لاعتماد سياسة الاحتجاب وتقليل الارتباط، إلا عبر المكاتبات والتوقيعات والالتقاء المباشر بالإمام (عج) بثلّة قليلة، واعتماد الوكلاء في المناطق، تمهيدًا للانتقال من مرحلة شهود الإمام (عج) إلى مرحلة الغياب.

بناءً على مقاربة الواقع السياسي الاجتماعي للسياق السياسي، للسلطات العباسية، من تكثيف الضغوطات على نشاط حركة التشيع، وتزايد محاولات القضاء على الإمام العسكري(ع)، قبل ولادة الإمام المهدي(عج)، والمتابعة الحثيثة لبيت الإمام ونسائه لمنع ولادة الإمام المهدي(عج) بالتربص للقضاء عليه، كل هذه المؤشرات دلالة على حضور الفكرة المهدوية بقوة في وجدان المجتمع الإسلامي، حكام ونخب وعامة الناس، وقد حدّث الإمام العسكري(ع) بهذه الحقيقة “أن بنو أمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلتين: إحداهما: أنهم كانوا يعلمون أنه ليس لهم في الخلافة حق، فيخافون من ادعائنا إياها وتستقر في مركزها. وثانيهما: أنهم قد وقفوا(علموا) من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا، وكانوا لا يشكون أنهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول الله (ص) وإبادة نسله، طمعًا منهم في الوصول إلى منع تولد القائم(عج) أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم، إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون”[37]. فالبقين بدولة العدل للقائم (عج) من النواتج المعرفية العقيدية التي أرساها الرسول (ص) والأئمة (ع) في الأمة، فلم يكن دور الإمام العسكري(ع) هو تحضير الأمة للفكرة المهدوية، ودولة العدل الإلهي، بقدر ما كان دوره تحضير وتمهيد الأمة للدخول في مرحلة الغَيبة، وفهم الضرورات المرحلية لهذه الغيبة الصغرى فالكبرى، وإرساء ركائز التمهيد للظهور المبارك لتأهيل الأمة.

فانتهج الإمام (ع) خطوات عملية للتمهيد للغيبة الصغرى، بداية قام بحجب الإمام عن أعين الناس، ومن ثم قام بإظهاره (ع) لبعض الخاصة فقط، ثم جهز حملة توعية لفكرة الغيبة، وتعويد الناس على متطلباتها، متلازمة بحملة على الأوضاع المتردية، بتوجيه النقد السياسي للأوضاع القائمة، فمن ذلك، قوله: “إذا خرج القائم أمر بهدم المنابر والمقاصر في المساجد”، ثم أعد تـوجيه عـام لقواعده وأصحابه، يـوضّح لهم أبعاد فكرة الغيبة والتأكيد على صفات الإمام المهدي بعد ظهوره، وقيام دولته للتأكيد على أنه المنقذ والمخلّص، كقوله: “فإذا قام قضى بين الناس بعلمه، كقضاء داود لا يسأل البينة”، ومن ذلك مما كتب (ع) إلى أبي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي: “بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والجنة للموحدين والنار للملحدين ولا عدوان إلا على الظالمين ولا إله إلا الله أحسن الخالقين والصلاة على خير خلقه محمد وعترة الطاهرين. منها: عليك بالصبر وانتظار الفرج، قال النبي أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج، ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي(ص)، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن علي وأمر جميع شيعتي بالصبر فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين والسلام عليك، وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته وصلى الله على محمد وآله…”[38].

الخاتمة ونتائج البحث

اتسم عصر الإمام العسكري(ع) ومن قبله عصر الإمامين الهادي والرضا (ع) باتساع رقعة التشيع، من خلال سياسة ممنهجة، اتضحت فيها معالم المدرسة الشيعية، من خلال الدعوة إلى اتباع مدرسة الفقهاء التي تميزت عما سواها، بعدة أمور منها:

  1. اعتماد الكتاب والسنة مصدرًا للتشريع الإسلامي، والإفتاء بنص الرواية، أو بتطبيق القاعدة المستخلصة من الرواية، وقد أكدوا على ذلك من خلال رجوعهم للنص القرآني والروايات في محاججاتهم الكلامية والفلسفية.
  2. الرجوع في تعلم الأحكام إلى المعصوم وفي غيابه إلى الوكلاء المعتمدين من المعصوم(ع).
  3. الرجوع إلى الفقهاء الثقات في الغيبة الكبرى.
  4. الحقيقة المهدوية: مهد الإمام العسكري(ع) للإمام المهدي(عج)، نظريًّا: بالنص على إمامته وتعريف شيعته به، والتأكيد على الصبر وانتظار الفرج، والتحذير من الشك والاختلاف في زمان الغيبة، وأهمية وخصوصية هذا التمهيد يتجاوز الاعتقاد المذهبي الشيعي، فالإيمان بالمخلّص هي عقيدة الأديان الإسلامية وغير الإسلامية، ما اختص به الشيعة في الإعلان عن الإمام المهدي(عج) بتحديده بالاسم والنسب وحقيقة وجوده، هو أخرج الحقيقة المهدوية من الحالة الأمنية والأمر الذهني المحض، إلى حالة واقعية موجودة وكشفها أمام المجتمعات للاطلاع عليها. وعمليًّا: وبالتمهيد العملي للغيبة عبر اتصاله بالشيعة عن طريق الوكلاء، وتجهيز جهاز إداري ومالي وفقهي في غاية من السرية والحرص منتشر في الأقطار الشيعية، فكان النواة الأساسية لنواة مدرسة الفقهاء والحافظ لإرث الأئمة (ع) الفكري والعقيدي.

ونخلص بالقول: إن من أبرز النواتج السياسية لمرحلة إمامة الإمام العسكري(ع) هي ثقافة الانتظار، وهذا مفهوم واسع، فالانتظار الذي مهد له الإمام ودعا إليه لا يعني السكون والقعود إلى أن تصلح الأمور بنفسها، الانتظار حركةٌ واستعدادٌ للتغيير فهو عمل لا بطالة، وخطورة أن لا يعيش الناس ثقافة انتظار الفرج تكمن في فقدهم الأمل في الله، وانعكاسه على مجمل سلوكيات حياتهم، ذلك عندما يرون طواغيت العالم مشغولين بالنهب والسلب والاعتداء والإجراع بجشع لا يشبعون، ويستسلموا لمصير العالم الاجتماعي لا يمكنهم أن يعيشوا حتى حق العبادة. أحد أهم نواتج ثقافة الانتظار للمخلص الموجود عند كل المجتمعات باختلاف عقيدتها، هو قناعتهم بأن الظلم والجور وضعٌ عابر “للباطل جولة”[39]، وما يرتبط بالحقيقة الإلهية الدنيوية هو عبارة عن استقرار حكومة العدل، والفرج هو أحد مصاديق الإنتظار. ﴿إنا فتحنا لك فتحاً يسيراً﴾[40]. ثقافة الانتظار تربي المجتمعات على  أن لا تيأس، فالفرج يعني الشق والفتح، فرجٌ متوقع ومتيقن به ومحل انتظار، لهذا عُدّ الانتظار من أفضل الأعمال. فهو عمل وتهيؤ وباعث على الاندفاع والحماس في الباطن، وينعكس نشاط وتجدد وحركة تغيير في كل المجالات المتاحة في حركة تغييرية نعد أنفسنا كجنود مستعدين لتحقق الظروف والشرائط لظهور الإمام(عج).

 

المراجع والمصادر:

  • ابن شهر المازندراني، مناقب آل أبي طالب، المكتبة الحيدرية، 1376ه.
  • ابن رستم الطبري، دلائل الإمامة، قم، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، الطبعة1، 1413.
  • الإمام علي الخامنئي، إنسان بعمر 250 عامًا، بيروت، جمعية المعارف الثقافية، 2015.
  • باقر شريف القرشي، حياة الإمام العسكري، بيروت، منشورات المؤسسة العربية للطباعة، 1996.
  • تامر فاضل، اللغة الثانية في إشكالية المنهج والنظرية والمصطلح النقدي العربي الحديث، بيروت، المركز الثقافي العربي، 1994.
  • توفيق السيف، ضد الاستبداد: الفقه السياسي الشيعي في عصر الغيبة، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1999.
  • جعفر المهاجر، أسامي الشيعة وما فيهامن خفايا تاريخهم، بعلبك، مركز بهاء الدين العاملي للأبحاث والدراسات والتدريب، 2015.
  • جعفر مرتضى، نقش خواتيم النبي (ص) والأئمة (ع)، بيروت، المركز الإسلامي للدراسات، 2011.
  • الحر العاملي، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، الجزء 3، بيروت، الأعلمي للمطبوعات، 1425.
  • سعدون حمادة، الثّورة الشّيعية في لبنان، بيروت، دار النّهار، الطبعة1، 2012.
  • السيد ابن طاووس، منهج الدعوات، المجلد الأول، بيروت، شركة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة4، 2015.
  • الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا(ع)، تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي، الجزء2، 1984.
  • الطبرسي، إعلام الورى، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.
  • الشيخ الطوسي، الغيبة، مؤسسة المعارف الإسلامية، الجزء1، 1411ه.
  • الشيخ المفيد، الإرشاد، تحقيق: مؤسسة آل البيت(ع) لتحقيق التراث، الطبعة2، 1993.
  • عباس القمي، الأنوار البهية، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417.
  • عبد الواحد الآمدي، تصنيف درر الكلم ودرر الحكم، مكتب الإعلام الإسلامي، 2016.
  • علي داوود جابر، الحلقة الضائعة في تاريخ جبل عامل، بيروت، دار الهادي للطباعة والنشر، الطبعة1، 2005.
  • العلامة المجلسي، بحار الأنوار، الجزء5، بيروت، دار الكتب الإسلامية، 1437.
  • العلامة المجلسي، بحار الأنوار، تحقيق: محمد باقر البهبودي، الجزء 50، الطبعة 3، 1983.
  • علي الكعبي، الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ، مركز الرسالة، د. ت.
  • فايز ترحيني، الشيخ أحمد رضا والفكر العاملي، بيروت، دار الآفاق الجديدة، 1999.
  • كاظم ياسين، تاريخ الشيعة والطوائف في لبنان، الجزء 1، بيروت، دار المحجة البيضاء، 2015.
  • مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1407ه.
  • محمد تقي المدرسي، الإمام العسكري قدوة وأسوة، بيروت، مركز العصر للثقافة والنشر، 2010.
  • محمد حسين المظفر، تاريخ الشيعة، بيروت، دار الزهراء، 1979.
  • محمد كاظم القزويني، الإمام العسكري عليه السلام من المهد إلى اللحد، تهران، فرصاد، 1412ه ق.
  • مرتضى المطهري، سيرة الأئمة الأطهار، ترجمة: مالك وهبي، بيروت، دار الهادي، 1992.
  • مركز المعارف للتأليف والتحقيق، ولاية الفقيه في فكر الإمام الخميني، بيروت، دار المعارف الثقافية، 2018.

الأطروحات:

علي فياض، الدّين والسّلطة. أطروحة دكتوراه، (غير منشورة)، إشراف د. سميح دغيم، الجامعة اللبنانية، معهد العلوم الاجتماعية، الفرع الأول، العام الجامعي 2001-2002.

المصادر:

https://forums.alkafeel.net/

*  بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي الدولي الثالث في العتبة العسكرية، مركز تراث سامراء (2/4/ 2021).

[1]  مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط، بيروت، مؤسسة الرسالة، الطبعة2، 1407ه، الصفحة 1732.

[2]  سورة المائدة، الآية 55.

[3] جعفر المهاجر، أسامي الشيعة وما فيها من خفايا تاريخهم، بعلبك، مركز بهاء الدين العاملي للأبحاث والدراسات والتدريب، الطبعة1، 2015، الصفحة 19.

[4]  وبلغ أوج خطورته بأنه صدع الإسلام في مرحلة تأسيسه، فالمجتمع الإسلامي حديث العهد بالإسلام وبأصول الحكم والسلطة، الذي لم يُدرك مكنوناته إلا قلة منهم أهل البيت وبعض الصحابة نتيجة البيئة الاجتماعية التي كانت. ولا ريب بأن هذا الخلاف يستبطن الخلاف السياسي العسكري الذي كان دائرًا بين قطبي الأرستقراطية القرشية المتمثلة بفرعيها المتنازعة قبل الإسلام (زعماء قريش: بنو أمية وبنو هاشم) – الذين دأبوا على التنازع على تزعم قبيلة قريش سيدة القبائل العربية- وانفجر حين وفاة الخليفة الثالث (عثمان بن عفان)، على خلفية مبايعة جمهور المسلمين للإمام علي بن أبي طالب(ع) ومناصرة فروع قوية له في قريش، وفي قبائل العرب المرتبط تاريخهم بالتحزب لبني هاشم والتشيع لأهل البيت أمثال (قبيلتي همدان ومدحج)، وتصدي الزعامة الأموية الذي ترأسها (معاوية بن أبي سفيان)، وحلفاؤه من ثقيف وتغلب والقبائل التي تدين تقليديًّا بالولاء لأسلافه لحكم الإمام علي ومواجهته. كل ما سبق يشير إلى البعد القبلي في خلفية الصراع، الذي نفسه انحدر إلى نزاع عرقي وإثني، نما ودخل عليه أكثر من عامل مناطقي وطبقي ومذهبي، وبرز في كتير من المراحل التاريخية. راجع: سعدون حمادة: الثّورة الشّيعية في لبنان، بيروت، دار النّهار، الطبعة1، 2012، الصفحة 533.

[5]  هو الإمام علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، أمُّه: جارية يُقال لها: سُمانة، وقيل غير ذلك، كُنيته: أبو الحسن، أبو الحسن الثالث، ألقابه: الهادي، المتوكل، الفتاح، النقي، المرتضى، النجيب، العالم، وغيرها، تاريخ ولادته: 15 ذي الحجة 212 هـ ، وقيل غير ذلك، ولد في المدينة المنورة / قرية (صريا)، وتبعد ثلاثة أميال عن المدينة المنورة .زوجاته (ع): جارية يُقال لها: سَوْسَن ، وقيل غير ذلك، أولاده: الإمام الحسن العسكري (ع،  والحسين ومحمد وجعفر. نقش خاتمه: حِفْظُ العُهُودِ مِن أخلاق المَعبُود، مُدة إمامته: 33  عامًا. تاريخ شهادته: 3  رجب 254 هـ .مكان شهادته ودفنه: سامراء.

[6]  هي زوجة الإمام الهادي (ع)، وأُمّ الإمام العسكري (ع)، وجدّة الإمام المهدي (عج). قيل عن كنيتها أُمّ الحسن، وسوسن، وقيل: حديث، وقيل: سُليل. كما كانت من العارفات الصالحات (رض). من أقوال الإمام الهادي (ع) فيها وقد أثنى عليها الإمام الهادي(ع) وأشاد بمكانتها وسمو منزلتها وكراماتها، فقال(ع): “سليل ـ وهو اسمها ـ مسلولة من الآفات والأرجاس والأنجاس، ثمّ قال لها: سيهب الله حجّته على خلقه، يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا”. وفاتها: لم تُحدّد لنا المصادر تاريخ وفاتها، إلّا أنّها كانت من أعلام القرن الثالث الهجري، ودُفنت بجوار مرقد الإمامينِ العسكرين (ع) في مدينة سامراء.

[7] الشيخ الطوسي، الغيبة، مؤسسة المعارف الإسلامية، الجزء1، 1411ه، الصفحة 254.

[8]  الشيخ المفيد، الإرشاد، تحقيق: مؤسسة آل البيت (ع) لتحقيق التراث، الطبعة2، 1993، الصفحة 339.

[9] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا(ع)، تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي، الجزء2، 1984، الصفحة 61.

[10]  العلامة المجلسي، بحار الأنوار، تحقيق: محمد باقر البهبودي، الطبعة 3، 1983، الجزء 50، الصفحة 239.

[11] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، بيروت، دار الكتب الإسلامية، 1437، الجزء5، الصفحة 236.

[12] السيد جعفر مرتضى، نقش خواتيم النبي (ص) والأئمة (ع)، بيروت، المركز الإسلامي للدراسات، 2011، الصفحة 76.

[13] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، الجزء 50، الصفحة 238.

[14]  سورة المائدة، الآية 117.

[15]  علي الكعبي، الإمام علي الهادي عليه السلام سيرة وتاريخ، مركز الرسالة، الصفحة 10.

[16]  المصدر نفسه، الصفحة نفسها.

[17]  “تفسير القرآن للإمام العسكري بين القبول والنفي” https://www.alkawthartv.com/news/122271

[18] عباس القمي، الأنوار البهية، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417، الصفحة 264.

[19] علي فياض، الدّين والسّلطة، أطروحة دكتوراه، (غير منشورة)، إشراف: د. سميح دغيم، الجامعة اللبنانية، معهد العلوم الاجتماعية، الفرع الأول، العام الجامعي 2001-2002، الصفحة 9.

[20]  ولاية الفقيه هو البحث عن الحاكميّة في زمن الغيبة الكبرى للإمام الحجّة المنتظر (عج)، بما أنّ حاكميّة الله تعالى لا تقتصر على زمن دون آخر. أنظر: مركز المعارف للتأليف والتحقيق: ولاية الفقيه في فكر الإمام الخميني، بيروت، دار المعارف الثقافية، 2018، الصفحة8.

 

[21]  يقول الشيعي أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري بأنهم إنما قيل لهم رافضة لأنهم رفضوا الباطل وتمسكوا بالحق. ابن رستم الطبري، دلائل الإمامة، قم، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، الطبعة1، 1413، الصفحة 255.

[22]  (كان منها إقصاء إلى بلاد سواحل بلاد الشام (المنطقة دائمة التوتر أمنيًّا واستراتيجيًّا كإقصاء أبي ذر الغفاري إلى جبل عامل الذّي يسند إليه التّشيع فيه). أنظر: علي داوود جابر، الحلقة الضائعة في تاريخ جبل عامل، بيروت، دار الهادي للطباعة والنشر، الطبعة1، 2005، الصفحة 60.

[23]  يعود تاريخ سب ولعن الإمام علي(ع) على ألسنة بني أمية إلى زمن حياته (ع)، ولذلك جعل الإمام الحسن(ع) من ضمن بنود المعاهدة مع معاوية الكف عن سب الإمام علي (ع) على المنابر. الطبرسي، إعلام الورى، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، الصفحة 206.

[24]  توفيق السيف، ضد الاستبداد: الفقه السياسي الشيعي في عصر الغيبة، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، الطبعة1، 1999، الصفحة 24.

[25]  مرتضى المطهري، سيرة الأئمة الأطهار، ترجمة: مالك وهبي، بيروت، دار الهادي، 1992، الصفحة 198.

[26]  باقر شريف القرشي، حياة الإمام العسكري، بيروت، منشورات المؤسسة العربية للطباعة، 1996، الصفحة 217.

[27]  محمد تقي المدرسي، الإمام العسكري قدوة وأسوة، بيروت، مركز العصر للثقافة والنشر، 2010، الصفحة31.

[28]  المصدر نفسه، الصفحة 33.

[29]  المصدر نفسه، الصفحة35.

[30] كاظم ياسين، تاريخ الشيعة والطوائف في لبنان، بيروت، دار المحجة البيضاء، 2015، الجزء1، الصفحة 248.

[31]  محمد تقي المدرسي، الإمام العسكري قدوة وأسوة، مصدر سابق، الصفحة 35.

[32] السيد ابن طاووس، منهج الدعوات، المجلد الأول، بيروت، شركة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة 4، 2015، من الصفحة 63-67. وهو السيد رضي الدين، علي بن موسى بن جعفر بن طاووس المعروف بالسيد ابن طاووس المتوفّى في الخامس من ذي القعدة سنة 664 هـ، وهو من أحفاد الحسن بن علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومن كبار شخصيات الشيعة وعلماء الإمامية، له مؤلّفات عديدة ومن جملتها: اللهوف على قتلى الطفوف، وإقبال الأعمال.

[33]  الإمام العسكري: الأسوة والقدوة، مصدر سابق، الصفحة 46.

[34]  كاظم ياسين، تاريخ الشيعة والطوائف في لبنان، مصدر سابق، الجزء1، الصفحة 294.. نقلًا عن بحار الأنوار، الجزء50، الصفحات 104-105كما نقل هذه الأخبار كتاب (اختيار معرفة الرجال) هذبه الشيخ الطوسي.

[35] باقر شريف القرشي، حياة الإمام العسكري، مصدر سابق، الصفحات 220-221. نقلًا عن المناقب، الجزء4، الصفحة 424.

[36] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، الجزء 75، مصدر سابق، الصفحة 374.

[37]  الحر العاملي، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، بيروت، الأعلمي للمطبوعات، 1425ه، الجزء 3، الصفحة 570.

[38]  ابن شهر المازندراني، مناقب آل أبي طالب، المكتبة الحيدرية، 1376ه، الجزء 3، الصفحة 527.

[39]  عبد الواحد الآمدي، تصنيف درر الكلم ودرر الحكم، مكتب الإعلام الإسلامي، 2016، الصفحة 71.

[40]  سورة الفتح، الآية 1.


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
الإمام العسكريالغيبة المهدويةالتمهيد

المقالات المرتبطة

من أجل نسق عقدي انفتاحي مطارحة في البراديغم التأويلي الأوسطي

تشكل الثقافة الدينية بما هي مجموعة معطيات وطقوس ومناسك تجليات للفكرة الدينية العظمى الحاكمة على غيرها من التفصيلات

المرأة والسلوك العلمي والعملي في الفكر المعاصر

لا شك في أنّ الثورة الإسلامية الإيرانية استطاعت أن تُغيّر وجه العالم، وأن تعيد الألق للشعائر الإسلامية في الكثير من الدول العربية، لا بل إلى دول العالم الإسلامي أجمع

لا دويلة داخل الدولة

الإشكالية المطروحة اليوم هي أن المقاومة تقيم دويلة داخل الدولة، وما هو دور الثنائي الوطني، أو كما يسميه البعض الثنائي الشيعي؟

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<