الحسين (ع) صوت الإنسانية الخلّاق

by معهد المعارف الحكميّة | ديسمبر 20, 2022 10:05 ص

باسمة دولاني

أقام معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية بتاريخ 15/12/2022 في قاعة الأنشطة بالمركز الصحي الاجتماعي لبلدية الغبيري، ندوة لمناقشة كتاب “الحسين(ع) صوت الإنسانية الخلّاق” لمعالي وزير العمل الأستاذ مصطفى بيرم، شارك فيها مدير عام معهد المعارف الحكمية سماحة الشيخ شفيق جرادي، معالي وزير الإعلام السابق جورج قرداحي، سعادة المستشار الثقافي الإيراني السيد كميل باقر، وكانت مداخلة لمؤلف الكتاب. قدمت الندوة مديرة مكتب وزير العمل الدكتورة بتول الخنساء. وحضرها عدد من الوزراء والنواب وفعاليات دينية وإعلامية، وثقافية.

 افتتحت الندوة بكلمة لمدير عام معهد المعارف الحكمية سماحة الشيخ شفيق جرادي، أعرب فيها عن سرور المعهد، أن يحضر على منبر حواره كتابٌ لأخٍ حبيبٍ صادق مثقّف فهيم، سياسي مُجيد، هو معالي الوزير الأستاذ مصطفى بيرم.

ثم تطرق الشيخ جرادي بعد ذلك إلى محور الكتاب المتعلق بالإمام الحسين (ع)، حيث قدمه الكاتب برؤيةٍ تنطلق من الخصوصية نحو العالمية، من عصبية الدوائر الضيِّقة نحو الأفق الممتد للإنسان في أصل تكوينه، الذي جعله الله سبحانه عليه، فكان مع الحسين العزّة والرفض حصنًا للكرامة والهداية.

وتابع قائلًا: حتى إذا ما اكتملت دائرة الزمن مع الحسين صار هو الإنسان في كماله الباعث للحياة، القاتل للموت بالموت؛ إذ موت الشهادة هنا رزق إلهي وبشرى لفلاح ينعدم عنده الخوف والحزن.

واعتبر الشيخ جرادي أن الكاتب قد حمَّل نفسه مسؤولية عظيمة منذ مقدّمة الكتاب وهي أن يُقدِّم منظورًا أو أنموذجًا جديدًا عبر كتابه؛ تاركًا لمناقشي الكتاب فرصة الحديث حوله.

ثم انتقل الشيخ جرادي إلى معالجة مسألة لملمها من الكتاب بدأها من الأسئلة التي طرحها الكاتب في المقدّمة، حيث انتقى منها سؤالين، أولهما: “ما مصير الإسلام لو لم يخرج الحسين (ع) في ثورته الإصلاحية؟ بل ما مصير الاجتماع الديني والإنساني عامة؟”.

أما ثاني الأسئلة التي انتقاها الشيخ جرادي، فقوله: “كيف يمكن أن نقدّم الإمام الحسين (ع) كمشروع حضاري، يمكن معه للبشرية أن تستفيد منه بشكل عام كمشروع كوني معولم، بل كوني/كوزمولوجي؟”.

ليجيب الشيخ جرادي قائلًا: إنه في السؤال الأول يضعنا الكاتب أمام جدوائية مصيرية للنهضة الحسينية تطال أصل الإسلام، كما تطال الاجتماع الديني عامة، والإنساني أيضًا.

وأضاف، وللوصول إلى مثل هذه النتيجة، فإن الجهد المطلوب من الكاتب ومن كل باحث وعالم ومفكّر ملتزم بالنهضة الحسينية أن يحفر عميقًا في الفكر والوجدان على امتداد التنوع الديني والثقافي في العالم. وهذا ما تحسّسه الكاتب عميقًا في السؤال الثاني، الذي انتقيته من أسئلته. والأمر بلا شك يستدعي من أصحاب الانتماء الحسيني فكرًا وسلوكًا أن يقوموا بعملية يسمّيها الإمام الخامنئي في بحوثه حول جهاد التبيين بـ “التواصي”؛ والذي يقصد به التباحث العميق والعملي في كيفية تقديم القناعات كما الأحداث التي نؤمن بها، أو التي وقعت بيننا لتصبح بمتناول الجميع.

وفي معرض الحديث عن اهتمام الكاتب بتقديم الملحمة الكربلائية وحياة قائدها. لفت الشيخ جرادي أن الكاتب استخدم أسلوب الثنائيات التي تحاكي عقلية المثقّف والمفكّر المعاصر. من مثل الهداية الآرائية والإيصالية (أي الجمع بين الهداية للمفهوم والمسار، وكيفية تحقيق ذلك). وهما مصطلحان تكامليان لعملية واحدة.

ورأى الشيخ جرادي أن الأمر عند الكاتب لم يقتصر عند هذا الحد، بل ذهب بعيدًا في ثنائيات معاصرة لنماذج من ممثلي مدارس فكرية، على سبيل المثال: بين الحسين ونيتشه، أو بين الحسين وميكيافيلي، حينما عالج موضوعي التوثن والبراغماتية والقيمة.

واعتبر الشيخ جرادي أن الجرأة الذكية قد بلغت مداها مع الكاتب حينما تناول مقالة “متواليات التفكير الحسينية مقابل الكوجيتو الديكارتي” التي نصح بقراءتها بإمعان.

ثم ختم الشيخ شفيق جرادي كلمته قائلًا: إن الكاتب وصل في نهاية المنظور الذي قدّمه، ليعتبر أن الحسين (ع) هو صانع إنسان الروح بدلًا من الإنسان المسخ. وهما عنوانان لحضارة المقدّس، وحضارة فرانكشتاين المأخوذ بمنحدرات تحدّي الله في الخالقية. وليختم بنفحة من ثقافة عرفان حضاري أن الحسين (ع) موئل تجليات الرحمة الواسعة، واستنفاذ المشروع الإلهي الكوزمولوجي/الكوني.

 وانتقل الكلام بعد ذلك إلى أول المناقشين معالي وزير الإعلام السابق جورج قرداحي، الذي قال: لقد كرمني الدكتور مصطفى وشرفني بهذه الدعوة، وفي الحقيقة أنا جئت إلى هنا لا لأتحدث في موضوع واسع، بل جئت أكثر لأستمع وأستفيد ممن هم أوسع علمًا مني في هذا المجال.

وأضاف، أما بعد فأود بداية أن أعترف بأن الحسين صوت الإنسانية الخلّاق كتاب لا يشبهه أي كتاب، هو خلطة فكرية وفلسفية وإنسانية تدفعك لتقرأه مرة واثنين وثلاث وعشرة….

ولفت قرداحي إلى أن الكتاب يأخذك في البداية إلى أصل المشكلة، يبينها بعرض تاريخي صادق وبسردية واضحة. ويمر بك على محطات تاريخية محددة ليأخذك إلى محطة الألم والشهادة، ثم يدخل معك إلى رحاب الأمل والرجاء.

ثم انتقل قرداحي للحديث عن مقدمة الكاتب لافتًا إلى أن المؤلف يطرح أسئلة جوهرية؛ أولها: ما هي الأحداث التي ساهمت في حصول الحدث الكربلائي؟ ثم يطرح السؤال الثاني والأهم ما هي العلاقة بين الحسين والسلسلة المتصلة من الانبياء في الديانات السماوية بما تضمنته من تعاليم؟ ويطرح سؤالًا أكبر ما هو مصير الإسلام لو لم يخرج الحسين في ثورته الإصلاحية، بل ما هو مصير الاجتماع الديني والانساني عامة.

وأشار قرداحي إلى  أن المؤلف قبل إجابته على هذه الأسئلة الكبيرة والهامة والأساسية يمهد للمأساة الكربلائية بعرض المراحل التاريخية التي سبقت تلك المأساة. فكانت شهادة الحسين نتيجة حتمية لتلك المراحل التي مر بها الإسلام والمسلمون بعد وفاة النبي، وكانت  نتيجة طبيعية لأحقاد بني أمية منذ عهد الرسول وبعد وفاته على الرسول وأهل بيته الكرام.

واعتبر قرداحي أن في هذا الكتاب الجميل ومضات رائعة، يتوقف المرء عندها كأن يقول: ما إن يذكر اسم الحسين حتى تتوارد إلى الذهن والوجدان عبر حس متزامن مصطلحات الفداء والتضحية والإصلاح والشهادة  والعشق، ورفض الذلة والهوان والحرية وسوى ذلك من قيم سامية.

وتابع قرداحي قائلًا: هذه الصورة التي رسمها معالي الوزير بيرم في  الكتاب تتمازج في ذهني أنا المسيحي مع صورة المسيح يسوع الذي ذهب إلى الشهادة بملء إرادته كما فعل الحسين بعده بأكثر من 6 قرون كوسيلة إنقاذ للدين بعد استعصاء جميع الوسائل الأخرى.

وتحت عنوان ثقافة التفاؤل المستقبلي أو النهايات المطروحة، قال قرداحي: أعجبني قول الكاتب أن الموجة الحسينية بقدر ما هي متصلة ببحر الأصل المحمدي، فهي متجددة مستمرة ولا تتوقف إلا على شواطئ جديدة باعثة برسائل أمل والتفاؤل للمستقبل.

واعتبر قرداحي أن مقاربة المؤلف لمبدأ  ميكافيلي في السلطة والذي هو الغاية تبرر الوسيلة التي هي نقيض لفكر الحسين ونهج الحسين ورسالة الحسين هيهات منا الذلة.

ختم الوزير جورج قرداحي كلامه بالقول: إنني إذا أغمضت عيني بعد قراءة هذا الكتاب، وحاولت أن أخرج بخلاصة مختصرة من بضعة سطور حول النتيجة التي توصلت إليها، يمتلكني الشعور أن الدكتور بيرم قدّم لنا كتابًا رائعًا ومشوقًا قارب فيه شهادة الحسين بطريقة واقعية وعميقة، قدّم لنا سيرة الحسين مركّزًا على معانيها ثم بعد حصولها وما بعد بعد حصولها والمستقبل، فالشكر كل الشكر له ولفكره الواسع.

أما ثاني المناقشين فكان سعادة المستشار الثقافي الإيراني السيد كميل باقر، الذي اعتبر أن ما لفته في الكتاب إلى جانب المفاهيم الأساسية هي المنهجية المتبعة فيه، لافتًا إلى أنه سيركز في حديثه على المنهجية وليس على مضمون الكتاب.

وأضاف، أن هناك منهجيات متعددة ومتنوعة لمعالجة القضايا التاريخة والاحداث، لكن المنهجية التي يعتمد عليها معالي الوزير الأستاذ مصطفى بيرم في معالجة قضية كربلاء وحادثة كربلاء، منهجية جميلة ودقيقة وعميقة ونظرة مختلفة تمامًا عن الكثير من الكتب التي حاولت معالجة قضية كربلاء.

واعتبر السيد باقر أن هناك تقاربًا بين منهجية هذا الكتاب ومنهجية الإمام الخامنئي في معالجة حادثة كربلاء. كما أن هذا الكتاب يظهر أيضًا مدى الانسجام الفكري بين معالي الوزير بيرم وبين فكر الإمام الخامنئي في معالجة  واقعة كربلاء.

وشدّد السيد باقر أن أهمية منهجية الكتاب نجدها ليس فقط في تقديم صورة، إنما في  تقديم سردية استراتيجية عن واقعة كربلاء. فالجزء الأول من الكتاب يقدم هذه المقدمات الأساسية لهذا الفهم الاستراتيجي لواقعة كربلاء، ويقدم هذه الرؤية الشمولية الاستعابية لواقعة كربلاء.

ولفت السيد باقر أن الكاتب لا يضيع في الزواريب الفرعية لتحليل كربلاء وعاشوراء، بل يرسم أمامنا مشهدًا متكاملًا، ومسارًا مستمرًا من الاحداث للفهم العميق والدقيق لما حصل في كربلاء، منذ القرون الماضية قبل كربلاء، وثم بهذه الطريقة يفتح أمامنا بوابة للتطلع إلى المستقبل.

ورأى السيد باقر أن هذا السردية الاستراتيجية قائمة على مجموعة أحداث، وكما يقال في علم الإعلام والتواصل، السردية الاسترايتيجة لا ترتبط باللحظة. الصورة مرتبطة باللحظة لكن السردية الاسترايتيجية متل الفيلم وليس الصورة. الفرق بين صناعة الصورة والسردية الاستراتيجة مثل الفرق بين الصورة والفيلم.

أضاف، هناك ربط بين صورة وصورة، كل صورة لها خصوصية، لكن الفن والفنان المحترف هو الذي يستطيع أن يقدم هذا الفيديو، ومعالي الوزير باحترافية تامة استطاع أن يقدم هذا الفيديو الطويل لسلسلة الأحداث والواقائع والمحطات التاريخية. مثنيًا أن هذه نقطة مهمة في هذا الكتاب.

وتابع، السردية الاستراتيجية تتضمن عادة مجموعة عناصر مترابطة وإن كانت مستقلة عن بعضها. وصناعة الصورة هي فقط أحد العناصر في السردية الاستراتيجية وليست كلها. ربطًا بين الكتاب وموضوع عنوان مرحلتنا وهو جهاد التبيين. اليوم الحرب الأساسية هي الحرب لتقديم السرديات وتشويه السرديات، أي أن الحرب حرب الروايات وليس حرب تقديم الصورة وصناعة الصورة، وهذه مرحلة متطورة من الحرب الناعمة التي نعيشها اليوم.

ثم ختم السيد كميل باقر كلامه بتوجيه الشكر إلى معالي الوزير على هذه الدعوة الكريمة، مباركًا له هذا الاصدار القيم، وشكر سماحة الشيخ شفيق جرادي على هذه الدعوة، كما نصح جميع الإخوة والأخوات بقراءة هذا الكتاب متمنيًا قراءة ممتعة.

وفي ختام الندوة تحدث وزير العمل مصطفى بيرم فأسهب في الكلام عن العلاقة ما بين الله والإنسان منذ آدم مرورًا بقابيل وهابيل، وصولًا إلى الإمام الحسين.

ثم تناول مسألة حرية الإرادة والعدل والمعرفة والعشق التي هي مدرسة الإسلام بالمنظور المحمدي، الذي عبّر عنه الإمام الحسين (ع)، تجمع بين المعرفة والعشق لماذا؟ لأن العقل ينفي كل ما هو غير معقول، والعشق ينفي كل ما هو سوى المعشوق، والإمام الحسين اجتمع فيه المعقول والمعشوق فعرف ليس بمعرفة جلالية استدلالية فقط، بل بمعرفة جمالية عشقية .

تابع بيرم، هذا العشق لم يأت من تعصب ولا من مجرد عاطفة تخفق، بل جاء من معرفة ولعل المدرسة القرآنية دمجت دمجًا رائعًا ذكيًّا بين العاطفة وآليات العقل عندما قال الله : ﴿وترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق﴾. فربط بين الدمعة والحق.

أضاف: إن أول عقد كرس في الأرض هو عقد الأخوّة، لذلك قال الإمام علي (ع): “الناس صنفان، إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق”… وقال الله تعالى: ﴿من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا﴾. فأصبحت بذلك قيمة الفرد تساوي قيمة الإنسانية .

ولفت الوزير بيرم إلى أنه من عقائدنا من أنكر نبيًّا كأنه أنكر الأنبياء جميعًا، وبما أن النبي محمد (ص) خاتم الأنبياء جاء بكتاب يصدق ما قبله، لأن سلسلة تعاليم الأنبياء هي ذاتها، إنما الشرائع تتغير إن في الإسلام أو المسيحية أو اليهوديه.

وتحدّث الوزير بيرم في ختام مداخلته، كيف أن يزيد أراد أن يحكم بظلم ولكن بتغطية دينية، كقصة إبليس، حيث أراد من مبايعة الإمام الحسين له ضرب المنظومة الدينية،  ليس في الإسلام وحسب، بل في سلسلة النبوات… فكان هناك صراع الإرادات، فجاء رد الإمام الحسين (ع) بموقف ترقبته ملائكة الله ورجال الله منذ آدم إلى خاتم النبيين، فقال الإمام الحسين: يزيد فاسق فاجر قاتل للنفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله. لأني إذا أنا بايعت مثله، فعلى أمة جدي السلام. وبذلك تم إنقاذ المشروع الكوني، عبر حماية منظومة تعاليم الأنبياء من سرقتها، وباسم الدين، لكن كان الثمن كبيرًا بأن قطع رأس الإمام الحسين من أجل القيمة الإنسانية، فقد حفظ المنظومة الدينية وانتصر المشروع الإلهي.

Source URL: https://maarefhekmiya.org/15540/houssein-saout-alinsaneya/