by أحمد صبري السيد علي | يوليو 4, 2023 11:10 ص
ردًّا على جمال بدوي
مقدمة
يحلو للكثير من الكتّاب والباحثين في مصر محاولة الإيحاء بأن المصريين ومنذ دخول الإسلام إلى بلادهم تميزوا بالانسجام المذهبي المتفق مع المذهب السني السائد في الفترة الحالية، وبالتالي فإن كل المذاهب التي نشأت خلال الحضارة الإسلامية لم تكن في أفضل الأحوال سوى حالة طارئة في ظروف غير طبيعية.
فالتشيع، على سبيل المثال، ارتبط وجوده ببداية ونهاية الدولة الفاطمية التي سيطرت على مصر بداية من القرن الرابع الهجري، وحتى في هذه المساحة من الاعتراف الخجل بالتواجد الشيعي في مصر، يسعى هؤلاء بغرابة إلى التأكيد على فشل الفاطميين في إقناع الشعب المصري بالتشيع، والذي كان الاعتقاد به قاصرًا على الأسرة الفاطمية وحاشيتها وجنودها من القبائل الأمازيغية القادمين معها من الشمال الأفريقي[1][1].
إن هذا التصور يبدو أقرب إلى الترويجية الطائفية منه للمعرفة التاريخية، حيث يسعى مروجوه إلى الإيحاء بأن مصر تمثل استثناءً من كافة بلدان العالم والتي تتنوع فيها الطوائف الدينية والمعتقدات، وهو رأي لا يوجد أي دليل تاريخي أو علمي عليه، فقد شهدت مصر وما زالت تتواجد طوائف متعددة على أرضها تتنوع ما بين المسيحية والإسلام وغيرهما من الديانات، ومن المثير للدهشة أن أيًّا منها لا يمثل استفزازًا للنخبة المصرية بنفس القدر الذي يمثله التشيع.
في كتابه “الفاطمية.. دولة التفاريح والتباريح”، يتجاوز المرحوم جمال بدوي دون أي محاولة للتظاهر بالحياد، حيث يتهم الدولة الفاطمية بفرض دعاويها المذهبية على المصريين على أسنّة الرماح بمقتضى حق الفتح، وهو اتهام كان عليه أن يوجهه لكل الدول التي حكمت مصر قبل الفاطميين وبعدهم، فالمذاهب السنية بصفة عامة تم فرضها على مصر عبر الأمويين والعباسيين، ولولا تعصب الأيوبيين والمماليك للمذهب الشافعي لما حقّق تواجده الكثيف بين المصريين الذين كانوا في غالبيتهم من المالكية والشيعة، كما أن اعتناق العثمانيين للمذهب الحنفي هو ما جعله المذهب الأساسي المعمول به في مصر حتى الآن، رغم أنه لم يكن يحظى بأي شعبية بين المصريين[2][2].
ويشير جمال بدوي إلى أنه: “لولا ضعف الحاكم، وغفلة الشعب المحكوم، والفراغ الذي أتاح للعملاء والطابور الخامس أن يمهد الأرض للجيش القادم”. وهنا يوحي الكاتب إلى كون الفتح الفاطمي لا يعدو أن يكون احتلالًا أجنبيًّا، إلى درجة تسمية الشيعة المصريين في هذا الوقت طابورًا خامسًا كونهم ساعدوا الجيش الفاطمي، وذلك على اعتبار أن الإخشيديين ومن سبقهم من الطولونيين، العباسيين، الأمويين، وحتى اللاحقين من الأيوبيين، المماليك، العثمانيين وأسرة محمد علي كانوا مصريين[3][3]، بل إن الكاتب كان يجب عليه بالأساس أن يطرح تعريفًا محدّدًا حول مقصوده بمصطلح (مصري) في هذه المرحلة التاريخية ومدلولاته، فلو كان يدل على المقيمين في مصر فهو بالتأكيد سيشمل حتى هؤلاء المغاربة الأمازيغ معتنقي المذهب الإسماعيلي، والذين أتوا للإقامة في مصر كما أتى غيرهم من العناصر الأخرى، أما لو كان يشير إلى العنصر المصري الأساسي وهم الأقباط فقد كانت غالبيتهم العظمى ما زالت محتفظة بديانتها المسيحية، ولا أعتقد أن الفروقات بين السنية العباسية الإخشيدية، والشيعية الفاطمية كانت تعنيها من قريب أو بعيد، وقد شهد العصر الفاطمي اعتناق أعداد كبيرة منهم للإسلام والمذهب الشيعي، كما شهد كذلك اعتناق بعض قبائل النوبة لهذا المذهب على يد كنز الدولة الفاطمي[4][4].
إن أجنبية الفاطميين لا ترتبط عند جمال بدوي بكونهم من خارج مصر، وإلا فإن كل من حكم هذه البلاد منذ الإسكندر الأكبر هو أجنبي كذلك، لكنها مرتبطة باعتناقهم مذهبًا يرى بدوي، ومعه كثير من المثقفين المصريين التقليديين، أنه خارج عن المذهب الرسمي للدولة القائمة، وهنا يجري – بمنتهى التعسف – ربط الشخصية المصرية بمعتقد معين يعد من يخالفه خارجًا وأجنبيًّا عنها حتى لو كان مصريًّا بالفعل، بينما من يتفق معه يصبح مصريًّا أو قابلًا للتمصير.
مثل هذه الرؤى المغرقة في مزاجيتها الطائفية لا تستهدف سوى محاولة إيجاد شرعية ما لممارسة الإقصاء في مواجهة أي تنوع طائفي قد يؤدي لخروج بعض الأتباع من تحت وصاية المؤسسة الدينية المصرية والتي اعتادت طوال تاريخها على أن تكون وحدها على الساحة، كونها تعتبر نفسها ممثلة للدولة المصرية، والمتشددة بدورها، والعريقة في مركزيتها وانفرادها بالقرار[5][5]، وبالتالي فحتى المثقف المصري لا يمكنه تصور مواطنًا مصريًّا قادرًا على تبني آراء دينية مخالفة لما تتبناه الدولة المركزية، ومحتفظًا بولائه لمصريته في آن[6][6].
الواقع إن القول بتأثير طبيعة الشعوب على انتشار المذاهب الدينية يمثل تسطيحًا للأمور يبدو مقصودًا ومتعمدًا في محاولة جعل بعض المعتقدات مرتبطة بالشخصية القومية والوطنية المميزة لشعب ما مقابل شعوب أخرى، ممّا يعدّ محاولة للحفاظ على الكيان الطائفي من انفلات أتباعه واعتناقهم لمعتقدات وأفكار مخالفة، قد تمثل طروحاتها خطورة على المصالح الاقتصادية والاجتماعية للطبقة السائدة، ولا يمكن تفسير هذا الاستفزاز، الذي يمثله التشيع في الفترة الحالية لدى المثقفين الليبراليين المصريين، الذي ينتمي معظمهم للبرجوازية الوسطى ويمين ووسط البرجوازية الصغيرة[7][7] سوى بخطورة معتقداته على مكاسبهم، خاصة بعد أن تحول معظمهم في الفترة السابقة على الانتفاضة الجماهيرية في 25 يناير إلى مدجنين سواء كانوا من الموالين للحكومة أو من المعارضة الرسمية[8][8].
لا بدّ من الاعتراف بأن المركزية الصارمة للدولة المصرية، وهي الأقدم تاريخيًّا، فرضها عاملي الجغرافيا والاقتصاد، وأدّت بدورها لمركزية المؤسسات بما فيها المؤسسة الدينية[9][9]، كما أن تأثير العاملين الجغرافي والاقتصادي يتضح كذلك في انتشار مناطق انتشار المذاهب الدينية، فبينما يحقق المذهب الشيعي، والتسنن الأشعري ذو الطبيعة الصوفية، والمذهب الإباضي تقدمًا في مناطق كمصر وشمال أفريقيا والهلال الخصيب والسودان والحجاز والمنطقة الشرقية ونجران واليمن وسلطنة عمان، نظرًا لكونها معبّرة إما عن مصالح ملاك الأراضي الزراعية، أو عن مصالح الفلاحين والطبقة التجارية، وهذه الطبقات تتواجد بشكل عام في المجتمعات الزراعية أو القريبة منها كالواحات الخصبة، وفي المقابل لا تحظى هذه المذاهب بعدد كبير من التابعين في المناطق الصحراوية والتي ساد فيها المذهب الحنبلي المتأقلم في حرفيته وتزمته في التعامل مع النصوص، بالإضافة لولائه الكامل للسلطة الحاكمة مهما كانت عادلة أو ظالمة مع احتياجات الأرستقراطية القبلية في الصحراء[10][10].
لم يكن من الغريب إذن أن يواجه صلاح الدين الأيوبي التشيع بمذاهبه المتعددة في مصر عبر التسنن الأشعري والتصوف الطرقي وهو النقيض الأيديولوجي للتشيع، والذي يتشابه معه في بعض المظاهر السطحية في حين يختلف معه جوهريًّا حيث يعبّر من الناحية السلوكية عن زهد سلبي، ويتبنى أيديولوجية تغييبية سعى الإقطاع لنشرها في أوساط الفلاحين، بينما يعبّر مذهبي الإباضية والتشيع الإسماعيلي عن الطبقة التجارية، لذلك يتواجد أتباعهما في الغالب بالمناطق ذات الطبيعة التجارية كالموانيء، أو التي كانت قريبة من محطات القوافل التجارية والأسواق[11][11].
إن الحقيقة التاريخية تؤكّد أن مصر لم تكن على الإطلاق حكرًا على طائفة أو ديانة معينة، سواء قبل الإسلام أو بعده، أو أن المزاج الديني للمصريين كان مصرًّا على التوحد العقائدي، ورافضًا للتنوع تحت مسمّى “الوسطية”، الذي يروّج له دعاة الإقصاء دون دليل واضح سوى الأمر الواقع[12][12]، فقد شهد العصر المسيحي الصدام الشهير بين آريوس وأثناسيوس، ثم ما بين أتباع الطرفين فيما بعد[13][13]، وبدوره كان التواجد اليهودي في مصر متنوعًا كذلك ما بين الربانيين والقرائيين والسامريين[14][14].
1 . التشيع في مصر قبل الفاطميين
يتحدّث المؤرخون المسلمون عن مصر كأحد المناطق التي نشأت فيها بدايات التشيع كتنظيم سياسي يتبنى آراء دينية محددة[15][15]، ويسعى لقيادة حركة الجماهير في مواجهة استغلال العائلة الأموية لقرابتها من الخليفة الثالث عثمان بن عفان، ومحاولتها إحكام سيطرتها على الثروات والنفوذ السياسي.
لقد كان لنجاح الأرستقراطية القرشية القديمة في السيطرة على الأوضاع مرة أخرى في الدولة الإسلامية، بالرغم من عداء ممثليها السابق للنبي (ص)، أثره في انتشار التشيع بين الفقراء والعبيد، وفي أوساط الكادحين من الشعوب غير العربية التي خضعت للدولة الإسلامية، وعانت من مركزية الإقطاع الأموي وما تميز به من العنصرية والتعصب للعرب، ومن العسف العباسي في حماية المصالح الإقطاعية، بالرغم من عدم التزامهم بانتماء قومي محدّد، وهو ما جعل الصراع الطبقي أكثر وضوحًا حيث انحاز الإقطاع المحلي للدولة متبنيًا أيديولوجيتها الرسمية، مما أدّى لتبني الشعوب ومن بينهم الشعب المصري للمعتقدات المعادية لها والتشيع على وجه الخصوص[16][16].
وبغض النظر عن حقيقة شخصية عبد الله بن سبأ[17][17]، ومدى مصداقية المرويات التي تحدثت عنه كأحد أهم الشخصيات الفاعلة في الثورة ضد الخليفة الثالث، والأحداث اللاحقة في فترة خلافة الإمام علي [ع]، فإن تأكيدها على دور المصريين الرئيسي في دعوته الدينية للإمام علي بن أبي طالب [ع] والتي ارتكزت على انتقادات اجتماعية للسلطة القائمة، يشير بوضوح إلى نتيجتين أساسيتين:
النتيجة الأولى: كثافة الشيعة (سياسيًّا ودينيًّا) في مصر بما مكّنهم من قيادة الثورة على عثمان، ثم المناداة بالإمام علي [ع] كخليفة[18][18].
النتيجة الثانية: أن الدعوة للإمام علي بن أبي طالب [ع] لم تكن مجرد مسألة دينية نخبوية، وإنما ارتبطت بالمعاناة الاجتماعية لدى الفقراء والعبيد، كما مثّلت الأيديولوجية التي تبنتها جماهير هذه الطبقة في حركتها الثورية من أجل تحقيق الهدف (الديني/الاجتماعي/السياسي) لها، الذي تمثّل في قيادة الإمام علي [ع] والأئمة من بعده للمسلمين.
إن المرويات الإسلامية تشير إلى أن تولي عثمان بن عفان للخلافة كان إيذانًا ببدء المرحلة التنظيمية السياسية للتشيع، وقد اعتمدت هذه المرحلة على جهود مجموعة من الصحابة المعروفين بالتشيع لعل أهمهم الصحابي عمار بن ياسر، والذي كان نشطًا للغاية في الدعوة لخلافة علي بن أبي طالب [ع] وخاصة في مصر، ممّا سبب له الكثير من المشاكل مع واليها من قبل عثمان، وتولى مسؤولية الدعوة فيها من بعده شخصيات كالصحابي عبد الرحمن بن عديس البلوي، ومحمد بن أبي بكر، والذي تمكّن من اكتساب عدد أكبر من الشخصيات وعلى رأسهم محمد بن أبي حذيفة ربيب عثمان[19][19].
الواضح من مكاتبات الإمام علي [ع] لواليه محمد بن أبي بكر أن أتباعه في مصر كانوا يمثلون كثافة كبيرة، وبالتالي فقد وصفهم في إحدى مكاتباته بأعظم أجناده: “واعلم – يا محمد بن أبي بكر – أني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر، فأنت محقوق أن تخالف على نفسك، وأن تنافح عن دينك”[20][20].
وعلى الرغم من فقدان الإمام علي [ع] لمصر بعد غزوها على يد عمرو بن العاص وقيامه بقتل واليها محمد بن أبي بكر سنة 38 هجرية[21][21]، إلا أن التشيع الذي ترسّخ بقوة في ولايته – كما يؤكّد ابن زولاق – استمر منتشرًا بين المسلمين فيها طوال العهد الأموي وحتى خلافة أبو جعفر المنصور العباسي[22][22]، حيث يذكر المؤرخ المصري ابن زولاق أن الخليفة الأموي مروان بن الحكم عندما غزا مصر لاستعادتها من سيطرة ابن الزبير سنة 64 هـ[23][23]، قام بقتل بعض أهلها من الشيعة المعافريين الذين تمسكوا بولاية علي بن أبي طالب [ع]، وُبني على جثامينهم لاحقًا مسجد الأقدام، كما هرب عدد منهم خارج مصر خوفًا من ملاقاة ذات المصير[24][24]، ويؤكّد ابن زولاق أن مصر في هذه الفترة كانت دار تشيع، وكان أهلها يكتبون بمسائلهم إلى جعفر بن محمد الصادق [ع]، ولا يعدلون عن فتياه[25][25]، ويبدو من رواية ابن زولاق أن التشيع بمصر تأثر سلبيًّا بعد وفاة الإمام جعفر الصادق [ع] سنة 148 هـ نتيجة الضغوط القاسية التي قام بها العباسيين من ناحية، ومحاولاتهم دعم ظهور مذاهب أخرى كمذهب الليث بن سعد (ت/175)[26][26]، مالك بن أنس (ت/179)، ومحمد بن إدريس الشافعي (ت/204)، مما أدّى إلى بعض التراجع في عدد أتباعه.
ومن الواضح أن الوجود الشيعي في مصر قد تعرض لبعض المشكلات نتيجة الانشقاقات التي شهدها بداية من وفاة الإمام الصادق (ع)، ولم تكن مصر بعيدة عن هذه الانشقاقات، بل إن ابن حزم الظاهري ينسب إحدى الفرق الشيعية المعروفة بـ”الناووسية” إلى داعية شيعي مصري يدعى ناووس، ويبدو من اسمه أنه من أصول قبطية حيث يعني باليونانية التابوت المصنوع من الحجر، والذي كان يستخدمه الفراعنة في عملية الدفن[27][27]، كما نسبت هذه الفرقة أيضًا في مقولة أخرى إلى قرية مصرية تدعى ناوسا[28][28]، وتشير المرويات الشيعية إلى داعية مصري كان له دور في التأسيس لانشقاق آخر يعد الأكبر في هذه الفترة، عقب استشهاد الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، وهو الانشقاق الواقفي، حيث ذكرت أن أحد زعماء هذا الانشقاق عثمان بن عيسى الرواسي، والذي يبدو أنه كان وكيلًا للإمام الكاظم (ع) في مصر، وقد قام بإنكار وفاته حتى لا يضطر لتسليم الحقوق الشرعية التي بحوزته إلى الإمام الرضا (ع)[29][29]، ولا يوجد أي دليل تاريخي يشير إلى انتشار هذا التوجه الجديد بين الشيعة المصريين، لكن يمكننا الاستنتاج أنه انتشر لفترة في أوساط المقرّبين لهذا الوكيل.
والواقع أن الانشقاقات التي شهدها التشيع في هذه الفترة تبدو كظاهرة ملفتة للغاية، وهي تترافق مع انتشاره كمعتقد في أوساط الطبقة التجارية الكبرى، والتي كانت تشهد عصرها الذهبي في الفترة العباسية الأولى ما بين قيام الدولة سنة 132، وحتى 232 هـ، عندما جلس المتوكل على عرش الخلافة العباسية[30][30]، وبالتالي فقد فرضت على التشيع طبيعتها الهجينية[31][31] المتشظية، مما أدّى إلى بروز عدد من الفرق في هذه الفترة كالفطحية والواقفية والإسماعيلية[32][32].
على أن التشيع استمر في الانتشار رغم كل هذه الظروف، حيث يذكر ابن زولاق عدد من الشخصيات والبيوتات التي تبنت هذا المذهب في مصر كعبد الله بن لهيعة[33][33]، وعباس بن لهيعة، الحسين بن محمد مأمون، عبيد الله بن الفضل بن هلال، محمد بن أحمد بن سليم وهو من المؤلفين على مذهب أهل البيت، وأبو الفتح جعفر بن محمد بن الفرات، بالإضافة إلى الحسن بن علي بن زولاق[34][34]، وكان هناك شخصيات أخرى غير مصرية وأنها سكنت مصر ودعت إلى التشيع بها كأبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات، أبو الحسين محمد بن الحسين بن عبد الوهاب، ومحمد بن عبد الرحمن الروذباري[35][35].
أما الأسر المشهورة بالتشيع، فذكر ابن زولاق أسرة بني أسباط، وبني شلقان وبني نباتة، بالإضافة إلى الماذرائيين[36][36].
وتشير المرويات الشيعية إلى شخصيات أخرى من أصحاب الأئمة الإثني عشر كانت موجودة في مصر، وقامت بالدعوة إلى التشيع فيها، ويبدو أنها لاقت نجاحات في هذا الصدد كعلي بن أسباط، الذي يروي الكليني قصة زيارته للإمام محمد الجواد [ع] (ت/220 هـ) في سنة 203 هـ: “خرج علي فنظرت إلى رأسه ورجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر”[37][37]، كما ذكر الخونساري في روضات الجنات عدد من الفقهاء الكوفيين الذين انتقلوا للسكن في مصر كأبي الفضل الصابوني، ومحمد بن محمد بن الأشعث[38][38].
ومن الواضح أن صعيد مصر كان يوجد فيه الكثير من الشيعة في الفترة السابقة على قيام الدولة الفاطمية، وتذكر المرويات وجود علاقة بين ذي النون المصري، وعثمان بن سويد الإخميميان بالإمام جعفر بن محمد الصادق [ع] وتلميذه جابر بن حيان[39][39]، وبالتالي لم يكن من الغريب أن تكون هذه المنطقة من الصعيد منطلق للعديد من الثورات الشيعية سواء قبل الفاطميين أو بعدهم.
لقد دفع هذا الانتشار للتشيع في مصر الكثير من العلويين للهجرة إليها، بل وممارسة نشاط سياسي معارض اعتمادًا على ولاء أهلها لهم، وتختلف المرويات التاريخية حول العلوي الأول، الذي أقام في مصر، فيذكر العبيدلي النسّابة أن السيدة زينب ابنة الإمام علي [ع]، وشقيقة الإمام الحسين [ع] قد رحلت إليها وقضت بها أيامها الأخيرة سنة 62 هـ[40][40]، في حين يذكر ابن زولاق أن أول العلويين دخولًا إلى مصر هو موسى بن عبد الله بن الحسن، وعلي بن محمد بن عبد الله النفس الذكية سنة 143هـ للدعوة إلى الثورة على العباسيين تحت قيادة محمد النفس الذكية وأخيه إبراهيم، إلا أن كلا الرأيين يشير لتواجد شيعي ضخم بكل تأكيد إلى درجة محاولة علي بن محمد النفس الذكية قيادة ثورة كصدى لثورة والده وعمه في الحجاز والبصرة، وتشير المرويات إلى أن حميد بن قحطبة الوالي العباسي كان متعاطفًا مع العلويين، وسعى لتجنب إلقاء القبض عليهما مما أدّى لعزله عن الولاية، وتعيين يزيد بن حاتم المهلبي بديلًا له، والذي عين عبد الرحمن بن معاوية بن خديج على شرطته، ولم يمنع هذا الإجراء من انتشار الدعوة بين الشيعة وتعيين خالد بن سعيد الصدفي كقائد للثورة، وبالرغم من فشل التحرك الثوري الذي قام به خالد إلا أن الملاحظ هو قيام قائد الشرطة بتحذيره ومطالبته له بالهرب مستخدمًا اللغة القبطية، وهو ما يشير إلى كثافة العنصر القبطي في المعسكر الشيعي العلوي[41][41]، ويشير ابن زولاق إلى أن الداعي إلى الثورة علي بن محمد قد توفي بقرية طوة[42][42] في ريف مصر حيث أخفاه عسامة بن عمرو المعافري[43][43]، بين الفلاحين الأقباط وظل بها حتى وفاته[44][44].
لم تكن هذه المحاولة الثورية هي الأخيرة بالرغم من أن الحركات العلوية والشيعية في مصر هدأت لفترة طويلة، وكان هناك حرص من الخلفاء العباسيين على إخلاء مصر من العلويين والشيعة بشكل عام، فيذكر الكندي أنه في سنة 235 هـ أمر المتوكل واليه على مصر إسحاق بن يحيى بإخراج العلويين منها إلى العراق، وقد نفذ الوالي الأمر سنة 236 هـ وإن كان قد رفض إخراجهم بشكل مهين كما أراد الخليفة العباسي، وقام بتوزيع الأموال والثياب عليهم، وهو ما تسبب في عزله لاحقًا سنة 237 هـ[45][45].
وفي سنة 242 هـ تولى يزيد بن عبد الله التركي ولاية مصر، ويذكر الكندي في ممارسات هذا الوالي ما يمكن أن يمنحنا تصورًا حول انتشار التشيع في مصر، حيث قام الوالي التركي بضرب أحد جنوده لأمر ما فاستحلفه هذا الجندي المصري بحق الحسن والحسين أن يعفو عنه، لكن رد فعل الوالي والخليفة كان ممعنًا في الكراهية، حيث أضاف الوالي التركي ثلاثين جلدة أخرى فوق عقاب الجندي، وعندما أبلغ الخليفة أمر بضرب هذا الجندي مائة جلدة، وأن يحمل للعراق سنة 243 هـ، كما يذكر الكندي أن يزيد التركي تتبّع الشيعة في مصر وقام بترحيلهم إلى العراق سنة 245 هـ[46][46].
وبديهي أن تستفز هذه التصرفات الشيعة المصريين للقيام بتحرك في مواجهة هذا الوالي، حيث سعى محمد بن علي بن الحسن الحسيني (أبي حدري) لقيادة ثورة إلا أن أمره كُشف مبكرًا، وقام الوالي بالقبض عليه وعلى أتباعه وترحيلهم إلى العراق سنة 248 هـ[47][47].
وقد استمر هذا الاضطهاد والترحيل بحق العلويين في عهد الخليفتين اللاحقين المنتصر والمستعين والذين أقرا يزيد بن عبد الله التركي على ولاية مصر، بل إن المنتصر أرسل إليه سنة 247هـ بـ: “لا يقبل علوي ضيعة، ولا يركب فرسًا، ولا يسافر من الفسطاط إلى طرف من أطرافها، وأن يمنعوا من اتخاذ العبيد إلا العبد الواحد، ومن كانت بينه وبين أحد من الطالبيين خصومة من سائر الناس قُبل قول خصمه فيه ولم يطالب ببينة”[48][48].
على أن إفراط الوالي التركي في استخدام العنف أدّى في سنة 252 هـ لاشتعال ثورة مصرية بقيادة جابر بن الوليد المدلجي، شارك فيها عبد الله بن أحمد بن الأرقط العلوي، بالإضافة إلى قيادات نوبية وقبطية ضد عنف الوالي التركي، واستمرت مشتعلة حتى سنة 254 هـ، وبالرغم من فشلها خاصة بعد دعم الخلافة العباسية للوالي بالقائد مزاحم بن خاقان، إلّا أن الأحوال في مصر لم تهدأ على الإطلاق، وقامت ثورة أخرى بقيادة ابن عزيز بالحوف، مما دفع الخلافة العباسية في بغداد لعزل الوالي في سنة 253 هـ[49][49].
وفي سنة 254هـ حاول أحد العلويين في مصر وهو أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن طباطبا المعروف ببغا الأكبر التحرك ضد الوالي أزجور التركي إنطلاقًا من الصعيد، ولا تشير المرويات إلى حدوث صدام، بل إن الوالي اكتفى بإرسال 400 جندي مما دفع بغا الأكبر للهرب، ويبدو أن خطة خروجه للثورة تم كشف أمرها قبل اكتمال استعداداته[50][50]، وشهد العام التالي محاولة من قبل بغا الأصغر وهو أحمد بن محمد بن عبد الله بن طباطبا للثورة على الوالي أحمد بن طولون بدعم من أحد أبناء عمومة جابر بن الوليد المدلجي انطلاقًا من الإسكندرية، وسعى إلى الوصول لقواعده الشيعية في الصعيد، ويبدو أنه كان يرغب في التواصل مع الثائر العلوي ابن الصوفي[51][51]، إلا أن القائد بهم بن الحسين تمكن من قتله والقضاء على ثورته[52][52].
وتعد محاولة ابن الصوفي العلوي هي الأكبر في هذه الفترة، حيث استمرت من سنة 253هـ حتى سنة 259 ه، وكان لها امتدادات في سنة 260هـ، وكانت بداية انطلاق ثورته من إسنا، إلا أن السلطة العباسية في مصر لم تبدأ مواجهته إلا في سنة 256هـ، وكانت المواجهة الأولى مع الوالي أحمد بن طولون في صالحه، حيث تمكن من هزيمة الجيش الطولوني بقيادة ابن أزداد وأسر الأخير، الأمر الذي دفع ابن طولون لحمل الأمر على محمل الجد، فأرسل جيش آخر بقيادة بهم بن الحسين وابن عجيف الذين واجها ابن الصوفي في أخميم وتمكنا من هزيمته، واضطر إلى الهرب للواحات حيث استقر بها لسنتين يحاول أن يعيد جمع رجاله مرة أخرى، وفي سنة 259 هـ حاول ابن الصوفي إعادة الخروج للثورة مرة أخرى عبر التوجه إلى أسوان لكنه لم يتمكن من تحقيق نتائج تذكر، وأدرك أن الجيش الطولوني سوف يتمكن من محاصرته، فهرب إلى الحجاز عبر ميناء عيذاب، إلا أن والي الحجاز عرف بإقامته في ولايته فألقى القبض عليه وإعادته إلى ابن طولون الذي سجنه لفترة، ثم أطلق سراحه وعاد إلى المدينة المنورة مرة أخرى[53][53].
وقد قاد أحد أتباعه من الشيعة ويدعى أبي الروح سكن[54][54] ثورة مكمّلة لثورة ابن الصوفي سنة 260 هـ، وحقق نجاحات في البداية خاصة بعد انتصاره على جنود ابن طولون بقيادة يلبق الطرسوسي، الذي واجهه بجيش من الطرسوسيين، إلا أن نشأة أبي الروح في الريف المصري مكنته من استغلال طبيعة الأرض الزراعية لنصب شرك لجنود ابن طولون عبر استدراجهم للقتال في أرض مشقوقة عقب حصاد القمح بها، وفي المواجهة تظاهر أتباعه بالهزيمة فتبعهم جنود يلبق الطرسوسي فانغرزت حوافر الخيل في شقوق الأرض، وهنا عاد جيش أبي روح للهجوم مرة أخرى وتسببوا في خسائر كبيرة لجيش الوالي، وقد امتدت هذه الثورة من الصعيد إلى الفيوم، مما أجبر ابن طولون على محاولة القضاء عليها، فكلف اثنين من قواده بملاحقته حيث أمر ابن جيغويه بأن يتحرك عبر طريق الواحات من ناحية الصحراء، بينما أمر شعبة بن خركام بالخروج لمواجهته، وحاول أبي روح استخدام الحيلة السابقة في مواجهة شعبة بأرض مشقوقة، لكن الأخير كان قد تعلم من هزيمة يلبق، وتمكن من قتل عدد كبير من أتباع أبي روح، الذي هرب ببقية جيشة إلى الواحات ليكتشف وجود ابن جيغويه هناك فطلب منه الأمان، ولما كان ابن جيغويه لم تصله الأنباء بهزيمة أبي روح أمام شعبة بن خركام فقد منحه الأمان مما أغاظ ابن طولون ودفعه لمعاقبة قائده بإلزامه بالسكن في الريف لفترات طويلة[55][55].
من الضروري الإشارة إلى أن أحمد بن طولون (ت/270 ه) بشكل عام كان الوالي الأكثر تعاطفًا مع العلويين والشيعة، وقد شهدت فترة حكمه وجود للشيعة بشكل عام دون مضايقات تذكر بالرغم من الثورات العلوية التي نشبت في عهده، بل إن كاتب سيرته أبي محمد عبد الله بن محمد المديني البلوي هو من الشيعة الإمامية المصريين كما أشار السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة، كما يبدو أن الشيخ أبي الفضل الصابوني قد انتقل للإقامة بمصر في هذه الفترة[56][56].
وقد شهدت الفترة التي سبقت دخول الفاطميين إلى مصر عدد من المشاحنات مع الشيعة نتيجة الصدامات الطائفية والتي كانت السلطة تنحاز خلالها إلى الطرف الآخر، ففي سنة 285 هـ أنكر ابن قريش أن يكون هناك من هو أفضل من أهل رسول الله (ص)، وكان هذا كافيًا لجلده من قبل السلطة حيث توفي بعدها بيومين[57][57]، ويشير المقريزي إلى حادثة غامضة ضمن حديثه عن انتشار التشيع في مصر تظهر حالة الانفصال المذهبي ما بين جموع المصريين والسلطة: “وفي إمارة ذكا الأعور على مصر، كتب على أبواب الجامع العتيق ذكر الصحابة والقرآن، فرضيه جمع من الناس وكرهة آخرون، فاجتمع الناس في رمضان سنة خمس وثلاثمائة إلى دار ذكا يتشكرون على ما أذن لهم فيه، فوثب الجند بالناس، فنهب قوم وجرح آخرون، ومحي ما كتب على أبواب الجامع، ونهب الناس في المسجد والأسواق، وأفطر الجند يومئذ”[58][58]، ومن غير الواضح طبيعة مثل هذا الصدام إلا أن المقريزي اعتبره ضمن أحداث أخرى تشير لتزايد نفوذ وقوة الشيعة المصريين، وربما كان هذا الانتشار قد أثار مخاوف الوالي ذكا الأعور نظرًا لمعاصرة ولايته فترة تأسيس ونهوض الدولة الفاطمية الشيعية بالمغرب والتي كانت تطمح للتوسع غربًا ضمن صراعها مع العباسيين، وبديهي أن يتخذ الصراع بين الدولتين مظهرًا مذهبيًّا مع لجوء كليهما لاستخدام الانتشار الأيديولوجي كوسيلة لاختراق عمق الآخر[59][59]، وتشير المرويات إلى أنه في سنة 304هـ قام بالقبض على مجموعة من الشيعة اتهموا بمراسلة الفاطميين فقام بسجنهم وقطع أيدي وأرجل مجموعة منهم[60][60]، وقد أشار القاضي النعمان كذلك لاختراق الفاطميين للولاية العباسية في مصر عن طريق العاملين بقصور الولاة وخدمهم، وأحدهم أخبر المهدي عبد الله الفاطمي بأوامر الخلافة العباسية الواردة من بغداد بالقبض عليه مما سهّل عليه الهرب من مصر إلى المغرب، كما يشير لوجود دعاة وأتباع للفاطميين في مصر ساعدوا المهدي في الهرب، كما ساعدوا الجيش الفاطمي في دخول مصر لاحقًا[61][61].
وفي سنة 330 هـ استغل محمد بن يحيى العلوي المعروف بابن السراج وجود محمد بن طغج الأخشيد بالشام وقلة الجنود المتواجدين بمصر من أجل الانتقال للصعيد، والانطلاق من هناك لمواجهة الإخشيديين، ويبدو أنه لم يتمكن من تجهيز جموع كافية لهذه المواجهة نتيجة ضعف الإمكانيات مما اضطره للرحيل عن مصر واللجوء إلى الفاطميين، ثم العودة إلى مصر مرة أخرى بعد خمس سنوات، وحدثت مواجهة بينه وبين أنوجور بن الأخشيد طلب منه الأخير على أثرها الرحيل من مصر، فاتجه إلى الرملة بفلسطين وبقي بها حتى وفاته[62][62].
ومن الواضح أن الشيعة قد تزايدت أعدادهم لدرجة كبيرة، واكتسبت دعوتهم أنصارًا مع الدفعة التي اكتسبتها بعد نشأة الدولة الفاطمية والتي سعت لإرسال دعاتها إلى مصر، وهو ما مثّل استفزازًا للسلطة الإخشيدية وجنودها من السودانيين الذين استغلوا تجمع الشيعة عند مرقد أم كلثوم العلوية لإقامة عزاء عاشوراء سنة 353هـ، وقاموا بالهجوم عليهم مما أدّى لصراع قتل فيه مجموعة من الفريقين، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، حيث وقف الجنود الإخشيديين في الشوارع يهتفون بعبارة: “معاوية خال علي”، وقد تعرض الكثير من المسلمين لهجوم الجنود بسبب رفضهم ترديد هذه العبارة، وبقدر ما تشير هذه المرويات إلى قوة وانتشار التشيع بشكل ظاهر وواضح أثناء الدولة الإخشيدية، فإنها تشير كذلك لانتشار تيار معادي لأهل البيت (ع) كرد فعل على التشيع، وذلك على عكس ما يروج له الكثير من الباحثين حول الوسطية[63][63] الدائمة للمصريين، وقد شعر هذا التيار بالاستفزاز لدرجة وقوف بعضهم أمام المسجد والهتاف بأن: “معاوية خال علي وخال المؤمنين، وكاتب الوحي، ورديف الرسول (ص)”، ويشير المقريزي إلى أن هذا كان أقل ما يقولونه، كما طالبوا كافور الإخشيدي بدعم إخوانهم في مواجهة بني الحسن عندما استولوا على مكة[64][64].
ويذكر المقريزي ضمن الاضطهاد الذي واجهه الشيعة في هذه الفترة: “في شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، أخذ رجل – يعرف بابن أبي الليث الملطي – ينسب إلى التشيع، فضرب مائتي سوط ودرة، ثم ضرب في شوال خمسمائة سوط ودرة، وجعل في عنقه غل وحبس، وكان يتفقد كل يوم لئلا يخفف عنه، ويبصق في وجهه، فمات في محبسه، فحمل ليلًا ودفن. فمضت جماعة إلى قبره لينبشوه، وبلغوا إلى القبر، فمنعهم جماعة من الإخشيدية والكافورية، فأبوا وقالوا: هذا قبر رافضي. فثارت فتنة، وضرب جماعة، ونهبوا كثيرًا حتى تفرق الناس”[65][65].
إن هذا العنف الذي واجهه الشيعة ارتبط بالمخاوف الإخشيدية من تقدم الفاطميين اتجاه حدودهم ومساعيهم الصريحة للحصول على مصر، بالإضافة لتحركات العلويين لدعم هذه المشروعات نتيجة ما واجهوه من اضطهادات متنوعة منذ ثورة محمد النفس الذكية.
على أن الدولة الإخشيدية بالرغم من أنها سارت على منوال سابقيها في التعامل مع الشيعة بصفة عامة، إلا أن فترة تولي كافور الإخشيدي كانت قد شهدت وجود الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات، ويشير ابن زولاق إلى أن والد هذا الوزير الفضل بن الفرات، والذي كان وزيرًا للعباسيين قد أظهر التشيع في مصر فقوي به[66][66]، وقد برز دور الوزير في الفترة الأخيرة من حكم الإخشيديين، ويذكر المقريزي أن رسل جوهر الصقلي كانت تلتقيه سرًّا لترتيب دخوله إلى مصر بدون قتال ومنح المصريين الأمان[67][67]، ومن الممكن الاستنتاج أن نجاح الفاطميين في دخول مصر سنة 358هـ بعد تكرار فشلهم لمرتين سابقتين لا يرتبط فقط بانهيار الإخشيديين بقدر ما يرتبط بتوغل دعاتهم في إدارات ومفاصل الدولة الإخشيدية، وانتشار المؤمنين بدعوتهم الإسماعيلية بين المسلمين إضافة للمذاهب الشيعية الأخرى[68][68]، وهو ما مكن القائد جوهر الصقلي من تحقيق أهداف حملته العسكرية دون مقاومة حقيقية خاصة بعد أن تخلت الجماهير المصرية عن السلطة الإخشيدية واستقبلت الفاتح الجديد في الإسكندرية، وعقد أعيانها اتفاقًا معه تضمن ضمانات بحفظ حقوق كافة المصريين بطوائفهم المتنوعة ومن بينها حرية اختيار المذهب الديني[69][69].
إن هذه الأحداث التاريخية تؤكد بوضوح على حقيقتين، الأولى: أن المذهب السني لم يكن هو المذهب الوحيد أو حتى السائد في مصر منذ دخول الإسلام إليها، والثانية: أن التشيع في مصر لم يرتبط بدخول الفاطميين.
إلا أن هناك ملحوظة أخرى لا يمكن تجاهلها وهي حرص الدولة العباسية على تفريغ مصر من الشيعة والعلويين، بل إنها في عهد المتوكل سعت لجلبهم إلى العراق وهو ما يطرح علامات استفهام حول أسباب هذا الشعور بالاستفزاز من التواجد العلوي والشيعي بمصر تحديدًا، وقبوله بالعراق أو بغيره من الأقاليم؟!
إن الطبيعة الزراعية لمصر، واعتقاد الخلفاء بأنها سلة خبز الدولة كما يروى عن المتوكل العباسي[70][70]، يشير بوضوح إلى حجم الاضطهاد الذي تعرض له المصريون بداية من الفتح الإسلامي، نظرًا لاهتمام الولاة بجباية الخراج مقابل إهمالهم العناية بالأرض الزراعية وأوضاع الفلاحين الأقباط، إلى درجة أن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك أرسل إلى عامل الخراج في مصر يقول له: “احلب الدر حتى ينقطع، ثم احلب الدم حتى ينصرم”[71][71]، كما ينقل ابن زولاق مطالبة الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور لعامل خراجه محمد بن سعيد بإرسال خراج مصر، وعدم الاهتمام بالإنفاق على الأرض لأنه لا يدري من سيحصل على ناتج هذه الرعاية[72][72]، من ناحية أخرى لا نلمح اهتمامًا حقيقيًّا بالعناية بأوضاع الأرض والفلاحين قبل الدولة الفاطمية إلا في عهد الإمام علي بن أبي طالب [ع] بالرغم من قصره، وقد شمل كتاب تعيين واليه مالك الأشتر على مصر توصية بضرورة الاهتمام بالأرض والمزارعين قبل طلب الخراج: “وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لأنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بَالْعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً. فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْب أَوْ بَالَّة، أَوْ إِحَالَةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِما تَرْجُو أَنْ يصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ، وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلادِكَ، وَتَزْيِينِ وِلاَيَتِكَ، مَعَ اسْتِجْلاَبِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ، وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ، مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ، بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ، وَالثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ فِي رِفْقِكَ بِهِمْ، فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الأمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ، فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ، وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الأرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا، إِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لاِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاَةِ عَلَى الْجَمْعِ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ”[73][73]، وبالتأكيد فقد تركت هذه الرؤية أثرها بين جموع المصريين، وتوحي كلمة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في كتاب تولية محمد بن أبي بكر لمدى قوة وانتشار المؤيدين له: “واعلم، يا محمد بن أبي بكر، أني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي، أهل مصر”[74][74]؛ وبغض النظر عن الموقف من الخليفة الثالث، فالواقع أنه لا يمكن تفسير الصدام بين الوالي المصري محمد بن أبي بكر، وبين العثمانيين بقيادة معاوية بن خديج لمجرد حزن الأخيرين على قتل الخليفة الثالث[75][75]، بقدر ما هو صراع اجتماعي بالأساس قاده الإقطاع، الذي كان قد بدأ في النشوء والتطور داخل الدولة الإسلامية بداية من عهد عثمان بن عفان، وشهد اكتماله في عهد معاوية، ضد مشروع علي بن أبي طالب (ع) المعبّر عن طموحات وحقوق الطبقات الكادحة.
لقد كان من الطبيعي إذن أن يكون المصريين أكثر ميلًا للتشيع نظرًا لارتباطه كذلك برؤية اجتماعية معبّرة عن حقوق الكادحين من الفلاحين والأقنان والعبيد، وبالتأكيد ليس من قبيل المصادفة أن ينتشر التشيع في العراق واليمن وإيران وشرق الجزيرة العربية (البحرين) منذ البداية، إلا أنه كان مرشحًا أكثر للانتشار في مصر التي لقيت فيها الدعوة الشيعية نجاحًا أكبر من غيرها في عهد عثمان بن عفان كما تشير المرويات، وبدأت فيها شرارة الثورة الاجتماعية الأولى على الخليفة الثالث.
إن الدور المصري القوي في هذه الثورة والتي انتهت بقتل الخليفة ترك أثره على كل الخلفاء اللاحقين الذين حرصوا بقدر إمكانهم على تحجيم الشيعة وأي تيارات مذهبية مخالفة للمذهب الرسمي للدولة في مصر، لإحكام السيطرة عليها وعلى ما يرد منها من خراج يعدّ هو الأضخم بين الولايات الإسلامية، وتشير كلمة الخليفة المتوكل بأن مصر هي “سلة الخبز”، إلّا أن الدور الذي كان يتصوره الخلفاء العباسيين ومن قبلهم الأمويين للشعب المصري يقتصر على ممارسة الزراعة لا أكثر لتراكم ثرواتهم وخدمة مشروعاتهم التوسعية.
التشيع في مصر في العهد الفاطمي
كان المذهب الشيعي الإسماعيلي معبِّرًا عن طموحات الطبقة التجارية للصعود إلى صدارة المجتمع الإسلامي، الذي سيطر عليه الإقطاع العسكري التركي بداية من عهد المتوكل العباسي مما أدّى إلى حالة من الانهيار الاقتصادي والسياسي نتج عنه انفراط عقد الدولة العباسية بعد تعرّضها لعدد من الانتفاضات والثورات الاجتماعية الفلاحية المتلاحقة كثورة الزنج في البحرين والبصرة، وثورة القرامطة في جنوب العراق والتي امتدت لشرق الجزيرة العربية والبحرين والشام[76][76].
وعلى الرغم من أن التشيع في الأساس كان الأيديولوجية المعبرة عن الكادحين وصغار التجار، إلا أنه في مرحلة لاحقة وقبل سقوط الدولة الأموية تمكن من اجتذاب مجموعات من كبار التجار والإقطاعيين في محاولة للاحتماء بمعتقد يمتلك من القوة والرسوخ ما يمكنهم من إسقاط الأمويين ونظام الإقطاع المركزي، الذي تبنوه بعد فشل أيديولوجياتهم التقليدية في هذه المهمة، وقد ظهرت آثار هذا الرافد الاجتماعي الجديد في التشيع عبر نشوء المذهب الإسماعيلي، الذي تبنّى منظومة خاصة تمزج ما بين المعتقدات الإسلامية الشيعية، وبين رؤية فلسفية متأثرة بروافد يونانية وهندية، وإن كانت حرصت بالتأكيد على التوصل لأفكار وآراء مميزة نتيجة هذا المزج الحريص على الصيغة الإسلامية لهذه الرؤى، ومن البديهي أن هذه المنظومة الجديدة كانت متعاطفة في جزء منها مع الكادحين ككل الاتجاهات الشيعية، لكنها في المقابل صاغت هذا التعاطف بما يبقي جوهر التقسيم الطبقي، الذي يمنح الطبقة التجارية السيادة والحرية في تراكم الثروة مع عدم السماح باتساع التفاوت في الثروة بين المنتمين للدعوة الإسماعيلية عبر جمع الحقوق الشرعية كالزكوات المتنوعة والخمس والصدقات من القادرين وتوزيعها على الفقراء[77][77].
لقد كان ظهور الفاطميين في شمال أفريقيا ومصر ضمن محاولات إحياء مشروع الطبقة التجارية الإسلامية، والذي أعيد مرة أخرى على أنقاض الأزمة التي شهدها الإقطاع في الدولة العباسية، وبالتالي فقد ارتبط وضعها في مصر بعدة مميزات في مرحلة نهضتها لعل أهمها حرية العقيدة وخاصة بالنسبة لموظفي الدولة الذين انتموا في العهد الفاطمي لكل الطوائف والديانات الموجودة بالفعل، بل إن الدولة التي كانت تدعو للمذهب الشيعي وخلفائها أئمة لهذا المذهب تولى وزارتها وقضائها السنة في أكثر من مرة[78][78].
إن التساؤل الأساسي يرتبط بمدى نجاح الفاطميين في نشر التشيع بمصر، والمذاهب الشيعية التي تواجدت بالفعل، وقد كان من البديهي أن يحرص الخلفاء على الدعوة لمذهبهم الإسماعيلي وخاصة بين موظفي الدولة والذين كان معظمهم من الأقباط وأقلية من العرب، ويبدو أنهم تمكنوا من تحقيق نجاحٍ منقطع النظير، خاصة أنهم اعتمدوا في تعييناتهم على التكنوقراطية المصرية سواء من العرب أو الأقباط[79][79]، والتي تمتعت بقدر كبير من الثقافة أهّلها لتقبل طبيعة المذهب الإسماعيلي الفلسفي، وبالإضافة لقيام الفاطميين بطرح المذهب الشيعي الإسماعيلي كبديل في الحياة العامة وإدارات الدولة، حيث تغيرت صيغة الآذان فتم إضافة عبارة “حي على خير العمل”، ومنعت عبارة “الصلاة خير من النوم” من آذان الفجر، كما تم لاحقًا منع إقامة صلاة الضحى والتراويح، وخضعت بداية ونهاية شهر رمضان للتقويم الفاطمي الخاص دون الرؤية المعتادة، وتم تطبيق الفقه الشيعي في القضايا العامة كالمواريث[80][80]، فقد لجأ الفاطميون لاستخدام أسلوبين آخرين في نشر المذهب:
الأسلوب الأول: دعوي وتعليمي عبر وضع نظام صارم للدعاة ونشرهم في كل المناطق المصرية حتى البعيدة عن العاصمة كالقلزم على البحر الأحمر[81][81]، وإقامة مجالس الدعوة ومجالس الحكمة والتي أشرف على تنظيمها وتولى التعليم والقراءة فيها الفقيه يعقوب بن كلس، والفقيه علي بن النعمان، ووجهت للعامة والمثقفين على السواء، وشهدت نجاحًا كبيرًا في اجتذاب الأتباع حيث يقول المقريزي: “وتسارع الناس في الدخول إلى الدعوة. فجلس لهم قاضي القضاة عبد العزيز بن محمد بن النعمان، فقدموا من سائر النواحي والضياع. فكان للرجال يوم الأحد وللنساء يوم الأربعاء، وللأشراف وذوي الأقدار يوم الثلاثاء. وازدحم الناس على الدخول في الدعوة، فمات عدة من الرجال والنساء”[82][82].
الأسلوب الثاني: اعتمد فيه الفاطميون على الاحتفالات بالمناسبات الشيعية كوسيلة لتعريف المصريين بالذكريات التاريخية الهامة في المذهب وترسيخها في نفوسهم، كعيد الغدير، وإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين في عاشوراء من شهر محرم، بالإضافة لمناسبات أخرى كمواليد ووفيات الأئمة من أهل البيت[83][83].
ومن الملاحظ أن مصر قد شهدت في فترة الفاطميين تزايد اعتناق غير المسلمين من الأقباط واليهود للإسلام[84][84]، ويمكننا استنتاج أن اعتناق هؤلاء للدين الإسلامي في ظل حكم الخلافة الفاطمية بهذه الكثافة يشير لكونهم قد انضموا للمذهب الإسماعيلي، الذي أصبح يطلق عليه في مصر المذهب الفاطمي[85][85].
والواقع أن المذهب الإسماعيلي حمل عدة مميزات بالنسبة للمسيحيين في مصر ربما يكون قد شجعهم على اعتناقه، لعل أهمها الخلفيات الاجتماعية للتشيع وتبنيه لبرامج تهتم بحقوق الكادحين والحرفيين وصغار التجار[86][86]، اقتراب التشيع بشكل عام في مناسباته واحتفالاته من موروثهم الحضاري وخاصة في ربط استشهاد الحسين والصراع بينه وبين يزيد، ودور السيدة زينب البطولي في هذا الصراع، بذكرى استشهاد السيد المسيح ودور العذراء الهام في حياته، والمرتبطة بدورها بموت أوزيريس، والدور الذي لعبته أيزيس في إعادته للحياة، وما تمثله هذه القصص الثلاث من رمزية الصراع الدائم بين الخير والشر، وتأثر المذهب الإسماعيلي على وجه الخصوص في فلسفته وعلومه بالفلسفة الهيلينستية المنتشرة بشكل طبيعي بين الأوساط المسيحية المثقفة، وأخيرًا اعتقاد الشيعة الإسماعيلية بحقيقة صلب السيد المسيح والتي تعد منفردة تمامًا بالنسبة للطوائف الإسلامية[87][87].
إن المقريزي يشير في استدلاله على سيادة التشيع بمصر لحالة العداء التي تطورت إلى السباب الموجه لشخصيات الصحابة المتهمة بالعداء للإمام علي بن أبي طالب [ع]، والتي انتشرت بين عامة الشعب المصري في هذه الفترة[88][88]، مما يوحي بأن التشيع بفرعيه الإمامي والإسماعيلي كان قد أصبح يمثل الحالة السائدة بين عوام المصريين، وليس فقط حالة محصورة في إطار قصر الخلافة وجنود الدولة، إلى درجة أن المؤرخ المصري أبي المحاسن بن تغري بردي يقول إن المذهب السني أصبح غريبًا في مصر[89][89].
لقد كان نجاح الفاطميين في جذب أتباع جدد للإسلام من غير المسلمين دعمًا هائلًا لمذهبهم، خاصة في جنوب مصر، والذي كان به وجود ضخم للشيعة بالأساس وخاصة في إسنا وقفط، وامتد إلى أسوان لاحقًا عبر قبائل ربيعة التي اختلطت بالنوبة وساهمت في تحول الكثير من أبنائها للإسلام في صورته الشيعية بجهود أمير أسوان أبي المكارم هبة الله، والذي لقبه الحاكم بـ “كنز الدولة”، واستمر هذا اللقب بين أبنائه حتى بعد سقوط الفاطميين[90][90]، وما زال النوبيون المنتسبين لكنز الدولة ويسمون “الكنوز” في أسوان حتى الآن موجودون بقوة ويحتفظون ببعض العادات والتقاليد الشيعية رغم تحولهم عن المذهب الشيعي تحت ضغوط الدولة، ويذكر عالم الاجتماع الدكتور سيد حنفي في رصده لعادات وتقاليد قرية هيسة النوبية الكنزية في أسوان أن أحد السكان قد طلب منه مشاهدة مقبرة رمزية للإمامين الحسن والحسين، وقد بنيت في أعلى قمة الجزيرة، وقد اعتاد أهل القرية الالتفاف حول هذا المقام الرمزي في مواليد النبي (ص)، والإمام الحسين والسيدة زينب لإقامة الأذكار[91][91]. وثمة عادة أخرى كان النوبيون في فترة سابقة يقيمونها في عاشوراء وهي (هيوبا يوب)، حيث يتم تجهيز حبال الألس المصنوعة من نبات الحلفا ويقوم الشباب والأطفال بتبادل الضرب بهذه الحبال المشتعلة وحتى الأمهات بينما يردد الجميع عبارة (هيوبا. يوب. يوب. فاطنة عاشوراء برو)، وتعني العبارة (فاطمة بنت عاشوراء). ومن الواضح ارتباط هذا الطقس بالتراث الشيعي القديم للنوبيين وخاصة حادثة استشهاد الإمام الحسين بن علي في كربلاء وإن شابه بعض التشوش الناتج عن عدم الوعي الديني والابتعاد الزمني عن فترة نشوء الطقس بالإضافة لتداخله مع بعض العادات النوبية ذات الجذور القديمة حيث يتوجه الجميع لاحقًا إلى النيل لإكمال الاحتفال.
هناك كذلك بعض الكلمات التراثية التي يتداولها كبار السن في النوبة المتعلقة بالتشيع وإن لم تعد بمثل هذا الانتشار في الوقت الحالي مثل: “يا مغارب يا مشارب علي بن أبي طالب”.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن للسيدة فاطمة الزهراء مكانة خاصة لدى النوبيين وينسبون إليها كل القصص التي ترمز للفضائل وكذلك بعض الخوارق[92][92].
لقد أدّى التحول التدريجي لعسكرة الدولة الفاطمية بدءًا من وزارة أمير الجيوش بدر الجمالي أثناء الشدة المستنصرية وما تلاها، إلى فشل مشروع الطبقة التجارية التي قامت عليه هذه الدولة بالأساس، وعودة الإقطاع في صورته العسكرية مرة أخرى بعد سيطرة بدر الجمالي وتلامذته العسكريين على واقع الدولة لدرجة فرضهم تولي الأفضل بن بدر الجمالي للوزارة خلفًا لأبيه وتهديدهم للخليفة المستنصر علنًا[93][93]، وبالرغم من أن الحالة الاقتصادية في مصر بصفة عامة كانت جيدة سواء في عهد الأفضل، أو في عهد خلفه المأمون البطائحي حتى نهاية عهد الآمر بأحكام الله خاصة فيما يخص الاعتناء بالأرض الزراعية[94][94]، إلا أن إضفاء الطابع العسكري على الوزارة والإقطاع[95][95] أدّى في عهد الخليفة الحافظ للكثير من المنازعات بين هذه القيادات، وكان تبني معظمهم لمذاهب مخالفة لمذهب الدولة الرسمي مشكلة أخرى ساهمت في إضعاف الأسرة الفاطمية، حيث اعتنق معظمهم مذهب الشيعة الإمامية كالجمالي، بل حاول أحمد الأكمل بن الأفضل القيام بثورة إثني عشرية عقب وفاة الآمر بأحكام الله وعدم ظهور ابن له، وقام بإسقاط اسم إسماعيل بن جعفر الذي تنتسب إليه الأسرة الفاطمية، والدعوة إلى الإمام القائم المنتظر: “كان إماميًّا متشدّدًا، فالتفت عليه الإمامية ولعبوا به حتى أظهر المذهب الإمامي، وتزايد الأمر فيه إلى التأذين فانفعل بهم، وحسنوا له الدعوة للقائم المنتظر، فضرب الدراهم باسمه ونقش عليها: الله الصمد الإمام محمد”[96][96]، وهو ما قام به الوزراء السنة منهم حيث سعى الوزير رضوان بن ولخشي لعزل الخليفة الحافظ[97][97]، بينما قام البعض الآخر بعزل القضاة الشيعة والسعي لإعادة مصر للخلافة العباسية[98][98].
على أن المشكلة الأكبر تمثلت في الانشقاقات التي حدثت بين دعاة المذهب الإسماعيلي عقب وفاة المستنصر حول الإمام من بعده، حيث انحازت مجموعة إلى نزار، بينما انحازت مجموعة أخرى إلى المستعلي بن المستنصر، والذي تولى الخلافة بالفعل نتيجة دعم الأفضل بن بدر الجمالي له، وعقب وفاة الآمر بأحكام الله واجهت الدولة الفاطمية مشكلة أخرى، فقد تولى ابن عم الآمر السلطة تحت اسم الحافظ لدين الله، وهو ما لا يمكن قبوله في نظام الإمام الإسماعيلي، إلا أن بعض الدعاة وخاصة في اليمن أكدوا على وجود ابن للآمر بأحكام الله أطلق عليه اسم الإمام الطيب، وبهذا فقدت الدولة الفاطمية الكثير من واجهتها الدينية في الأوساط الإسماعيلية[99][99]، كما أدى لانحسار نفوذها السياسي تدريجيًّا في الشام وشمال أفريقيا واليمن وصقلية[100][100].
لقد كان سقوط الدولة الفاطمية إذن حتميًّا ككل الدول التي تنتقل إلى الإقطاع العسكري، وهو ما تعرضت له كذلك الدولة العباسية مع فارق واحد أن القادة العسكريين المتصارعين كانوا حريصين على كرسي الخلافة كصورة يكتسبون منها الشرعية، في حين أدّى تسامح الخلافة الفاطمية في تولية غير الشيعة للوزارة إلى قيام هؤلاء بالعمل على سقوطها سياسيًّا عبر الوزيرين السنيين شيركوه وصلاح الدين الأيوبي[101][101].
إن بعض المؤرخين ومن بينهم المقريزي يؤكد أن سقوط الدولة الفاطمية أدّى للقضاء على المذهب الشيعي في مصر: “واختفى مذهب الشيعة الإسماعيلية والإمامية حتى فقد من أرض مصر كلها”[102][102]، بل يشير ابن الأثير بأن سقوط الدولة الفاطمية: “لم ينتطح فيه عنزان”[103][103]، وهي عبارة تبناها الكاتب جمال بدوي بترحاب بالغ كونها تثبت نظريته في عدم قبول المصريين للتشيع[104][104].
الواقع أن سقوط الخلافة الفاطمية لم يكن بهذه السهولة على الإطلاق، مع توضيح أن الأزمات التي تعرضت لها في مرحلتها الأخيرة خاصة عقب الصراع المعروف بين شاور وضرغام[105][105]، أضعفت كثيرًا من قدرتها على المواجهة، إلا أن هذا الضعف لم يصل إلى الحد الذي يصفه به المرحوم جمال بدوي نقلًا عن ابن الأثير.
لقد اعترف المؤرخ المصري ابن تغري بردي بمدى حزن الشعب المصري على سقوط الخلافة الفاطمية والتي كانت قد ارتبطت لحد كبير بمصر وشخصيتها بين الدول المحيطة، فيؤكد أن نفوس المصريين كادت تزهق لانتهاء دولة الفاطميين، وهو ما اعترف به صلاح الدين في رده على مطالبة نور الدين له بقطع الخطبة للعاضد[106][106].
إن مقولة ابن تغري بردي تبدو أكثر قبولًا من مقولة ابن الأثير وتصورات المرحوم جمال بدوي، فمن الطبيعي أن وجود عاصمة الخلافة في مصر سوف يمنحها ثقلًا سياسيًّا واقتصاديًّا ضخمًا مقارنة بوضعها كإحدى الولايات التابعة في العهود السابقة، وهو ما يمنح المصريين الأولوية في إدارة شؤون بلادهم عبر تولي الوظائف الكبرى به، وقد اتسمت الدولة الفاطمية بقدر من المساواة بين المسلمين والأقباط في تولي هذه الوظائف وحتى في الاحتفال بالأعياد[107][107].
كما أنه من الطبيعي أن ينظر المصريون بقدر من الكراهية لصلاح الدين الأيوبي، والذي قام بعزلهم من وظائفهم وإخراجهم من الجيش وولي رجاله من الغز والأكراد بدلًا منهم[108][108]، كما قسم الأراضي والأموال في مصر على جنوده[109][109]، وهو ما تسبب في زيادة تردي الحالة الاقتصادية بمصر[110][110]، فعلى الرغم من اتجاه مصر للإقطاع العسكري بدءًا من وزارة أمير الجيوش، إلا أن الطابع التكنوقراطي المدني للدولة الفاطمية كان يحجم كثيرًا من الاندفاع الكامل لهذا الاتجاه، لكن في العهد الأيوبي ومنذ تولي صلاح الدين الوزارة كان هناك حرص كامل على محاولة امتلاك مصر وتقسيمها بين جنوده وهو ما أدى لاتخاذ المصريين مواقف سلبية منه ومن جنوده بنوعيهم الأكراد والغز، وظهرت الأمثلة الشعبية الساخرة من كلا العنصرين، حيث اتهم المصريون الغز بنكران الجميل والغدر في المثل: “آخر خدمة الغز علقة”، كما اتهموا الأكراد بالجهل والبلاهة الذين صاغوا لهما مصطلح يعبر عنهما مرتبط بالأكراد وهو “كروديا”، وحين يسعى المصري لنفي هاتين الصفتين عن نفسه يقول: “أنا مش كروديا”[111][111].
التشيع الروحي والمذهبي في مصر عقب سقوط الفاطميين
بدأت المقاومة الشيعية ضد محاولات صلاح الدين الأيوبي لإسقاط الدولة الفاطمية، في حياة الخليفة العاضد الفاطمي عبر ثورة جنوده من السودان والأرمن ضد صلاح الدين، وقد صمد الثوار لمدة يومين وكانوا على وشك تحقيق الانتصار لولا أن شمس الدولة تورانشاه حاول إحراق قصر الخلافة، كما لجأ صلاح الدين لإحراق حارة السودان المسماة بالمنصورة خارج باب زويلة، وإحراق حارة الأرمن بين القصرين، وعلى الرغم من منحهم الأمان بشرط خروجهم من القاهرة وهو ما قاموا بتنفيذه بالفعل إلا أن شمس الدولة تورانشاه تتبعهم بعد رحيلهم للجيزة وقام بإبادتهم، كما نهب جنوده كل ممتلكاتهم وخرب صلاح الدين حارة المنصورة[112][112].
ولم تتوقف المحاولات الشيعية عند هذا الحد، فبعد وفاة العاضد قام المصريين بمحاولة أخرى للثورة على صلاح الدين وتولية الأبن الأكبر للخليفة العاضد منصب الخلافة، وقد شارك في هذه التحضيرات للثورة عدد من المصريين ينتمون لكل الطوائف والديانات بما فيها السنة، وتذكر المصادر التاريخية أن رشيد الدين سنان بن سليمان زعيم الإسماعيلية النزارية والتي كانت قد تمكنت من تحقيق تواجد قوي لها في الشام قد قرر التعاون مع هذا المخطط بالرغم من الخلاف في الإمامة بين الطرفين، كما تمكن واضعوا الخطة من استمالة بعض القيادات العسكرية التركية التي جاءت إلى مصر مع صلاح الدين[113][113]، وربما كانت هذه القيادات ممن يوالي السلطان نور الدين محمود في دمشق، والذي كان يشعر بقدر كبير من القلق نتيجة لطموحات صلاح الدين الواضحة في الانفراد بحكم مصر[114][114].
وتشير المصادر التاريخية أن أحد المخططين وهو ابن نجا الواعظ قد أفشى ما تم الاتفاق عليه لصلاح الدين الأيوبي مما مكنه من اعتقال المدبرين وقتلهم وصلبهم في ميدان بين القصرين، وقتل على أثر هذه الحادثة عدد كبير من حاشية العاضد الفاطمي، بالإضافة إلى أمرائه الأتراك الذين شاركوا في التخطيط لإزاحته، بل إن بطش صلاح الدين امتد للدعاة الشيعة بالإسكندرية والجنود السودانيين الذين تعرضوا للكي بالنار نتيجة لفشل هذه المحاولة، وأخيرًا قام صلاح الدين بطرد الجنود المصريين والسودانيين إلى الصعيد لإخلاء القاهرة منهم، بحيث يتمكن من توطيد حكمه في العاصمة[115][115].
لكن هذا الجيش الهارب إلى الصعيد كان نواة لثورة ثانية اشتعلت سنة 570 هـ؛ أي بعد سنة واحدة من فشل الأولى تحت قيادة والي قوص عباس بن شادي وأمير أسوان كنز الدولة، الذي جمع جنوده بالإضافة إلى جنود هذا الجيش وقدر عددهم جميعًا بمائة ألف مقاتل، واضطر صلاح الدين لإرسال أخاه العادل لمواجهة الثوار في الصعيد، وبالرغم من العدد الكبير لقوات كنز الدولة ووالي قوص، لكن يبدو أنهما لم يجيدا تنظيمهم في القتال، فانتصر عليه العادل، وقد دارت بين الطرفين عدة معارك انتهت بقتل كنز الدولة و80 ألف من مقاتليه، وكعادة الأسرة الأيوبية فقد قام العادل بنهب الكثير من مدن الصعيد عقابًا لها على الثورة، وألقى القبض على 3 آلاف منهم وصلبهم[116][116].
لقد كانت ثورة كنز الدولة هي الأكبر والأضخم، وكان فشلها يعني أن المقاومة أصبحت تضعف تدريجيًّا، إلا أنها استمرت بالرغم من ذلك، وإن كانت المصادر التاريخية لا تشير بوضوح لتأثيرها وتسعى للتهوين منها، ففي سنة 572 هـ قامت ثورة في مدينة قفط بالصعيد والتي كانت وقفًا على العلويين منذ خلافة الإمام علي بن أبي طالب [ع]، بقيادة داع من بني عبد القوي، إلا أن الأيوبيين تمكنوا من محاصرتها في قفط والقضاء عليها قبل اتصالها بالجموع الشيعية في المناطق الأخرى، وقام العادل الأيوبي بالقبض على قائد الثورة و3 آلاف من أتباعها وصلبهم على شجر المدينة[117][117].
وتكررت الثورة في إسنا التي كانت معروفة بالتشيع في هذه الفترة كما سبقت الإشارة سنة 577 هـ بقيادة داعيين مجهولي الاسم، ولا تشير المصادر لمصير الثورة لكنها بالتأكيد تعرضت لمجزرة شبيهة[118][118].
وأخيرًا وفي سنة 584هـ تحرّك بعض الشيعة في القاهرة ونادوا بشعار “يا آل علي”، وتجولوا بهذا الشعار في الطرقات إلا أن الناس لم تجبهم ربما نظرًا لعدم امتلاكهم قوة مسلحة، وبالتالي فقد اضطروا للتفرّق بشكل سريع[119][119]، لكن التحركات الأخيرة للشيعة رغم ضعفها بحسب ما تشير إليه المصادر، تشير إلى بقاء التشيع في مصر رغم الإجراءات التي اتخذها صلاح الدين الأيوبي، وإن كان بطش الأخير قد أدى بالكثيرين منهم للتخفي في العاصمة، بينما كانت مناطق الصعيد تتمتع بقدر أكبر من الحرية وخاصة آل كنز الدولة في أسوان.
لقد استمر التشيع متواجدًا في مصر خلال العصرين الأيوبي والمملوكي، وخاصة في أسنا بالصعيد والتي يذكر ابن قاضي شهبة أنها كانت مشحونة بالروافض في القرن السابع الهجري ضمن ترجمته للقاضي الشافعي بهاء الدين أبو القاسم القفطي، والذي اهتم بالرد على الشيعة نظرًا لكثافتهم بالصعيد وصدامه معهم في إسنا[120][120]، وقد كانت هذه الكثافة للشيعة دافعًا لقيام القبائل العربية في الصعيد بثورة في عهد الملك المعز أيبك التركماني سنة 651 هـ، تحت قيادة الشريف حصن الدين ثعلب، والذي تلقى دعمًا من قبائل أخرى في بلدان الفيوم والبحيرة والجيزة، مطالبًا بعودة الحكم للعلويين مرة أخرى وواصفين بني أيوب بالخوارج (أي خوارج على العلويين الفاطميين)، والمماليك بعبيد الخوارج: “بأنا أحق بالملك من المماليك وقد كفى أنا خدمنا بني أيوب، وهم خوارج خرجوا على البلاد. وأنفوا من خدمة الترك، وقالوا إنما هم عبيد للخوارج”[121][121]، إلا أن هذه الثورة فشلت رغم العدد الكبير الذي تمكن الشريف من تجنيده سواء من الفرسان أو المشاة، وذلك نظرًا لعدم قدرته على تنظيمهم، ونتيجة للعشوائية التي اتسمت بها القبائل العربية الداعمة له مقابل المماليك الذين كانوا مقاتلين محترفين، وانتهت الثورة بالقبض على معاوني الشريف ثعلب وقتلهم، بينما سجن هو بالإسكندرية[122][122].
وفي سنة 657هـ تشير المصادر إلى ظهور شخصية تدعى بالكوراني تم القبض عليه نتيجة بعض ما أعلنه من معتقدات لم ترق للدولة في هذه الفترة وتعرض للضرب المبرح، وقام الشيخ العز بن عبد السلام بتجديد إسلامه وأطلق سراحه[123][123]، وفي السنة التالية يظهر الكوراني مرة أخرى كقائد لتحرك شيعي في عهد الظاهر بيبرس في القاهرة، حيث يذكر المقريزي أن السودان والركبدارية[124][124] والغلمان فتحوا دكاكين السيوفيين بين القصرين للحصول على الأسلحة، ثم اقتحموا الاصطبلات واستولوا على ما بها من خيول، وخرجوا وهم ينادون بشعار “يا آل علي”، يقول المقريزي: “وكان الحامل لهم على هذا رجل يعرف بالكوراني، أظهر الزهد بيده سبحة وسكن قبة بالجبل، وتردد إليه الغلمان فحدثهم في القيام على أهل الدولة، وأقطعهم الإقطاعات وكتب لهم بها رقاعًا. فلما ثاروا في الليل ركب العسكر وأحاطوا بهم وربطوهم، فأصبحوا مصلبين خارج باب زويلة، وسكنت الثائرة”[125][125].
إن الملاحظ على أحداث ثورة الكوراني هو عقابه والاعتداء عليه بالضرب وقيام العز بن عبد السلام بتجديد إسلامه لمجرد تصريحه بمعتقدات هي على الأغلب شيعية، مما يشير لحجم الاستفزاز الذي كانت السلطات المصرية تتعامل به مع الشيعة، كما يشير كذلك إلى أن الدولة الفاطمية استمرت تمثل خطورة بالغة على الأيوبيين ثم المماليك، واستمر تعلق المصريين بها وبأيامها لدرجة استشعر معها حكام مصر من الدولتين خطورة السماح بأي معتقد شيعي بالتواجد في مصر.
ومع الجهود التي بذلها سلاطين المماليك للقضاء على التشيع، إلا أنه استمر في التواجد إلى درجة اعتناق بعض الأمراء للتشيع، حيث يذكر المقريزي قتل والي قوص عبد المؤمن بن عبد الوهاب السلامي سنة 742 هـ نظرًا لاكتشاف تشيعه[126][126]، وهذه الحادثة قد تشير إلى أن التشيع كان قد دخل في مرحلة احتضار كامل نتيجة العنف الذي استخدمته السلطة المملوكية في مواجهته، وهو ما يشير إليه المقريزي: “وعودي من تمذهب بغيرها (المذاهب الأربعة) وأنكر عليه. ولم يول قاض، ولا قبلت شهادة أحد، ولا قدم للخطابة والإمامة والتدريس أحد.. ما لم يكن مقلدًا لأحد هذه المذاهب.. وأفتى فقهاء هذه الأمصار في طول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب، وتحريم ما عداها. والعمل على هذا إلى اليوم”[127][127].
على أن التشيع استمر كذلك حتى بعد القرن الثامن الهجري وخاصة في الصعيد كما يشير الأدفوي، ففي حديثه عن أسوان يشير إلى أن التشيع كان هو الغالب على أهلها منذ العهد الفاطمي: “ولما كانت البلاد للعبيديين غلب على أهلها التشيع، وكان بها قديمًا أيضًا، وقد قل ذلك واضمحل ولله الحمد والمنة”[128][128]، ويقول عن إسنا: “وكان التشيع بها فاشيًا، وأهلها طائفتان: الإسماعيلية والإمامية، ثم ضعف حتى لا يكاد ينبز به إلا أشخاص قليلة جدًّا”[129][129]، ويضيف حول التشيع بها: “وكان التشيع بها فاشيًا، والرفض بها ماشيًا، فجف حتى خف”، ويقول عن بلدة تدعى أسفون: “وأسفون أيضًا بلدة معروفة بالتشيع الشنيع، لكنه جف بها وقل”[130][130]، وعن بلدة أرمنت: “وكان أيضًا التشيع بها كثير، فقل أو فقد”[131][131]، ومن الشخصيات الشيعية المصرية التي عاصرت القرن الثامن والتي ترجم لها الأدفوي أحد أقاربه وهو إبراهيم بن محمد بن علي بن مطهر بن نوفل الثعلبي الأدفوي الملقب بقطب الدين، ويقول عنه الأدفوي: “كان رحمه الله لطيف الذات حسن الصفات، شاعرًا نثرًا، وكان في عنفوان شبابه يضرب بالوتر، ويغني بين أصحابه غناء يشجي السامع، ويطرب المسامع، ثم عكف على حفظ كتاب الله العزيز، فاستحق به التمييز، واستمر إلى آخر عمره على إقراء القرآن، والانقطاع عن تلك الأقران، ملازمًا للصلاة والتلاوة والعبادة، وسلوك الطريق الشاهدة لسالكها بالسعادة، وهو كل يوم من الخير في زيادة، مع صدق لهجة وصيانة، وأمانة وديانة، إلا أنه كان من أتباع الشيعة، أصحاب تلك البدع الشنيعة”[132][132].
ومن الواضح أن الشخص الشيعي المترجم له كان من الإسماعيلية حيث يشير الأدفوي إلى أنه التقى بداوود بن سليمان بن العاضد لدين الله الفاطمي سنة 697هـ، الذي أخذ العهد عليه وأنشده قصيدة تقول:
ظهر النور عند رفع الحجاب | فاستنار الوجود من كل باب |
وأتانا البشير يخبر عنهم | ناطقًا عنهم بفصل الخطاب[133][133]. |
ويبدو أن هذه الأبيات تضمنت كذلك انتقادات لبعض زوجات النبي (ص) بناء على الموقف من إمامة علي بن أبي طالب [ع]، فقام الأدفوي بالرد عليها متمنيًا أن قريبه قد تاب عن التشيع:
وإني لأرجو أن تكون وفاته | على حب أزواج النبي وصحبه |
لتنفعه تلك القراءة في الدجى | وتغشاه يوم الحشر رحمة ربه[134][134]. |
وقد توفي هذا الأديب الشيعي كما ذكر الأدفوي ببلده إدفو سنة 737 هـ. يقول الأدفوي: “توفي ببلده في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، بعد أن كف بصره من سنين كثيرة، وهو صابر شاكر على طريقة حسنة، وكانت وفاته في يوم عرفة، فيرجى له الخير”[135][135].
ويقول شمس الدين الدمشقي عن التشيع في صعيد مصر: “وأصفون بلدة طيبة بها طائفة من الإسماعيلية والرافضة الإمامية، وطائفة من الدرزية والحاكمية وكذلك أرمنت وأسنا”[136][136].
كما ترجم ابن حجر العسقلاني لبعض الأعيان، في المائة الثامنة، من الشيعة المصريين تشير إلى أن التشيع كان متواجدًا في مصر، إلا أنه كان مطاردًا ومضطهدًا، فيقول في ترجمة الحسن بن منصور بن محمد بن المبارك بن شواق الأسنائي جلال الدين المتوفي 706 هـ: “ولد سنة 632هـ ونشأ رئيسًا فاضلًا كاملًا، وكان بنو السديد بأسنا يحسدونه فدسوا عليه من رماه بالتشيع فحضر بعض الكشاف فجاءه شخص يقال له عيسى بن إسحاق فأقر بالشهادتين، وأظهر التوبة من الرفض فسئل من شيخه في ذلك، فقال ابن شواق فصادره الكاشف وأهانه فقدم القاهرة فأكرم وعرض عليه أن يكون شاهد حسام الدين لاجين وذلك قبل السلطنة فامتنع، قال الكمال جعفر ذكر لي حاتم بن النفيس أنه خاض معه في التشيع فتبرأ من ذلك وحلف أنه يحب الشيخين ويترضى عنهم إلا أنه يقدم عليًّا”[137][137]، وحالة هذا الأديب تشير بوضوح لمدى التشدد الذي لجأ إليه المماليك للقضاء على التشيع بمصر، والذي يبدو أنه قد تمكن من تحقيق أهدافه في تحويل التشيع كمعتقد منبوذ حتى من قبل العامة من الناس، حيث تعرض المذهب لحملات تشويه اجتماعي، وتحول الانتماء إليه لمسبة يتبادلها المصريون أثناء المشاجرات: “يا ابن الرافضي”، وهذه العبارة تستخدم حتى هذا اليوم رغم أن غالبية الشعب المصري لم يعد واعيًا بعلاقة كلمة “الرافضي” بالشيعة.
لقد استمرت مدينة إسنا في الصعيد أحد معاقل التشيع المصري طوال القرن السابع الهجري، كما يبدو من النصوص السابقة، ويشير الأدفوي في ترجمته لإسماعيل بن هبة الله بن علي الإسنائي: “وجره ذلك إلى انتقاله إلى حلب، فتوجه إليها ناظرًا للأوقاف ودرس بها، وظن الشيعة بحلب – بكونه من أسنا – أنه شيعي، فصنّف كتابًا في فضل أبي بكر الصديق (رض)”[138][138]، إلا أن التشيع في القرن الثامن الهجري كان قد بدأ يتراجع تحت الضغط العنيف للسلطة المملوكية، خاصة مع اعتناق بعض سلاطين الدولة المغولية بإيران والعراق للمذهب الشيعي وتهديدها الدائم للمماليك، وهو ما منح الاضطهاد المملوكي بعدًا سياسيًّا أكبر.
إن ترجمة الأديب الإسنائي وغيره في مصر تشير بوضوح إلى أن التشيع في القرن الثامن كان قد بدأ في محاولة التغلب على الضغوط المملوكية عبر التظاهر فقط بمجرد تقديم عليًّا وهو ما كان يقترب من التيار الزيدي في هذه الفترة، وثمة إشارة لدينا تؤكد أن الشيعة وخاصة العلويين منهم اضطروا للتظاهر بالمذهب الزيدي في هذه الفترة، حيث يقول في ترجمة الشريف عز الدين عجلان المكي الحسني أمير مكة المتوفي سنة 777 هـ: “وكان بخلاف آبائه وأقاربه يحب أهل السنة وينصرهم على الشيعة وربما كان يذكر أنه شافعي المذهب، وهذه نادرة في السادة الأشراف فإن غالبهم زيدية يتجاهرون بذلك”[139][139].
ويمكننا احتمال أن هذه المحاولات قد استمرت حتى القرن التاسع الهجري قبل أن تبدأ في الاندثار تمامًا، وإن كانت هناك إشارات مهمة حول بقاء التواجد الإسماعيلي في الجنوب حتى القرن العشرين واستمراره إلى هذه اللحظة.
لقد استمر المؤثر الشيعي حاضرًا في الذهنية المصرية، بالإضافة للمؤثرات الأخرى التي نجحت الثقافة المصرية عمومًا في هضمها وضمها لمزيجها الخاص من الثقافات والأفكار التي مرت عليها، كما استمر الإمام علي بن أبي طالب [ع] هو الشخصية الإسلامية الأولى لدى المصريين بعد النبي (ص)، وتوجوا هذا الشغف بشخصيته عبر إنتاج القصص الشعبي المتمثل في “سير الإمام علي [ع]”[140][140]، التي كانت تتداول حتى وقت قريب، وضع عبرها الشعب المصري كل تصوراته عن العلم والحكمة المقترنتين بالبطولة والشجاعة والقوة، ولم يجد مثالًا يجمع ما بين كل هذه الصفات سوى شخص علي بن أبي طالب [ع] بما له من جاذبية خاصة.
وقد لا يمكن القول: إن المؤثر الشيعي كان الأكبر في حياة المصريين، لكن في المقابل فإن صموده طوال هذه الفترة بالرغم من شدة الأيوبيين والمماليك وحتى العثمانيين في التعامل مع التشيع قد يعد إشارة لكونه الأكثر رسوخًا في الوعي المصري، الذي ارتبط به منذ بداية تلقيه للإسلام، وفي مقابل المؤثر الصوفي، على سبيل المثال، والذي حرصت الدولة المصرية دائمًا على دعمه، فإن التشيع عانى من المواجهة الدائمة مع الحكومات المسيطرة على الواقع في مصر، ومع ذلك احتفظ المصري العادي بمفرداته في معاملاته التي لا يمكن لقسوة السلطة أن تمحوها كالأمثال الشعبية، والحب المفرط لأهل البيت بما يتجاوز ما هو منتشر ومعتاد في غيره من البلدان الإسلامية ذات الغالبية السنية.
[1][141]جمال بدوي، كان وأخواتها (مشاهد حية من تاريخ مصر الحديث)، القاهرة 1986، الصفحة 96. (يمثل الراحل جمال بدوي رئيس تحرير جريدة الوفد، أحد أهم هذه النماذج، والرجل لم يكن ذو خلفية دينية متطرفة، كما أنه كان عضوًا في حزب ليبرالي بالأساس، إلا أنه يمثل النموذج الأمثل للمثقف المصري، الذي لا يؤمن سوى بمركزية الدولة والدين في آن واحد).
[2][142]المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، تحقيق: محمد زينهم، مديحة الشرقاوي، القاهرة: طبعة مكتبة مدبولي، 1998، الجزء 3، الصفحة 366.
[3][143]جمال بدوي، الفاطمية دولة التفاريح والتباريح، القاهرة: طبعة دار الشروق، 2004، الصفحة 5.
[4][144]ما زالت القبائل النوبية التي اعتنقت الإسلام والمذهب الشيعي على يد كنز الدولة تعرف حتى الآن باسم “الكنوز”، ولهم لهجة نوبية خاصة تعرف باسم “الكنزية”، بينما تعرف القبائل الأخرى باسم “الفدتشه”، والنوعين من الشعب النوبي يعتنقون مباديء الطرق الصوفية حاليًّا، وإن كان للكنوز بعض الممارسات والمعتقدات الشيعية الواضحة، وسوف يتناول البحث أوضاعهم لاحقًا.
[5][145]ينظر التراث الشعبي المصري للدولة بقدسية بالغة، وهذا يرجع لطبيعة الحياة في مصر والتي تعتمد على الزراعة القائمة على الري الدائم، والذي يحتاج إلى دولة مركزية وقوية لتنظيمه، وقد ساعد الدولة المصرية في تحقيق مركزيتها طبيعة مصر الجغرافية والتي تفتقد للعوائق الطبيعية بين مدنها وأقاليمها المختلفة، وقد اكتسبت المؤسسة الدينية في مراحل التاريخ المصري المختلفة قدر كبير من قدسية الدولة التي تحالفت معها، ونادرًا ما اتخذت المؤسسة الدينية موقفًا إيجابيًّا من الحراك الجماهيري ضد الدولة.
[6][146]الكثير من المثقفين المصريين لا يجدون غضاضة في تبني بعض الأشخاص لمذاهب وديانات أخرى، لكنهم في المقابل لا ينظرون إليهم كمصريين مكتملي الولاء، وبالنسبة للشيعة فإن التعاطف مع إيران يعد اتهام جاهز لدى جميع النخبة المصرية بأجنحتها اليمينية واليسارية، وهو ما يفسر حرص مرشحي الرئاسة في مصر بكافة تياراتهم على تأكيد رفضهم انتشار المذهب الشيعي في مصر وضرورة التصدي له، بالرغم من أن الموقف من إيران متنوع ومختلف لدى الشيعة في مصر، كما هو الموقف من أي دولة أخرى.
[7][147]ماو تسي تونج، تحليل لطبقات المجتمع الصيني، مؤلفات ماو تسي تونج، بكين: طبعة دار الشعب للنشر، الطبعة 2، 1977، م 1، الصفحات 16 – 19. استعنت بتحليل ماو تسي تونج لطبقات المجتمع الصيني نظرًا لتشابهه الكبير مع المجتمع المصري في طبيعته الزراعية والشكل المتداخل بين طبقاته الاجتماعية، مع الوضع في الاعتبار وجود بعض الاختلافات نتيجة اختلاف المعتقد الديني وما يفرضه من أفكار.
[8][148]يجب الإشارة إلى أن المرحوم جمال بدوي كان رسميًّا يعد شخصية معارضة، ورئيسًا لتحرير جريدة الوفد الناطقة باسم حزب الوفد المعارض المعبر عن الليبرالية المصرية، لكنه في المقابل حظي باحتفاء إعلامي كبير، وكان له برنامج تليفزيوني أسبوعي بالقناة الأولى وبرنامج في القناة الثقافية.
[9][149] أحمد صبري السيد علي، العامل الجغرافي في المادية التاريخية، دراسة بمدونة بهزاد http://ahmadsabryali.blogspot.com/. منشورة بتاريخ 6 فبراير 2022. شوهدت بتاريخ 3 يونيو 2023. متاحة من الرابط: http://ahmadsabryali.blogspot.com/2022/02/blog-post.html.
[10][150] أحمد صبري السيد علي، دولة الشيعة في السوس الأقصى، دراسة بمدونة بهزاد http://ahmadsabryali.blogspot.com. منشورة بتاريخ 19 فبراير 2018. شوهدت بتاريخ 3 يونيو 2023. متاحة من الرابط: http://ahmadsabryali.blogspot.com/2018/02/blog-post.html.
[11][151]أحمد صبري السيد علي، المهمشون في التاريخ الإسلامي، مقال بمجلة أدب ونقد، عدد 249 يونيو 2006، الصفحة 34. في هذا البحث اعتبرت التشيع الزيدي معبّرًا عن الطبقة التجارية، إلا أنني لاحقًا وفي دراسة خاصة عن الزيدية أوضحت أن المذهب الزيدي كان مشروعًا ذو خلفية تجارية لكنه في صياغته سعى لتحقيق التوافقية بين مصالح الطبقتين والإرضاء العقائدي لكل الطوائف الإسلامية المتواجدة باليمن، فهو إذن مشروعًا خُلِق ليلائم اليمن، وقد عانى لاحقًا من تطورات منحته الصبغة الإقطاعية على يد الإمامين أحمد بن سليمان المتوكل وعبد الله بن حمزة، مما أدى إلى الصدام بينهما وبين المطرفية التي حافظت بإخلاص على الطابع التجاري للمذهب الزيدي، وانتهى الصراع بمذبحة قاسية وإبادة المطرفية، وهو يشبه لحد كبير تطورات وضع الإباضية في سلطنة عمان والتي بدأت إمامتها بالانتخاب، وانتهت إلى الملكية الوراثية بعدما تمكن الإقطاع من إسقاط مشروع الطبقة التجارية والسيطرة عليها.
[12][152]مصطلح “الوسطية” مأخوذ من الحديث المنسوب للنبي (ص): “خير الأمور أوسطها”، والمروي في سنن البيهقي في شعب الأيمان من رواية المطرف بن عبد الله، والغريب أن هذا الحديث غير صحيح لدى أهل السنة كما ذكر الألباني، ويستخدم على الدوام لوصف المعتقد الرسمي للدولة في مصر بالرغم مما تطرأ عليه من تغيرات ما بين الميل أحيانًا للأشعرية وأحيانًا أخرى للسلفية، ومن بين مهامه المتعددة هو نبذ أي معتقد يمثل إزعاجًا عقائديًّا أو سياسيًّا للدولة الحاكمة بالتطرف بغض النظر عن الحقائق والدلائل التي يمتلكها هذا المعتقد. محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة، الرياض: مكتبة المعارف، الطبعة 1، 1425 هـ، الجزء 14، الصفحتان 1163، 1164.
[13][153] أنيس فريحة، مجمع نيقيا المسكوني، مقال من كتاب ضحى المسيحية في الشرق الأدنى، بيروت: طبعة مكتبة المشعل الإنجيلية، الطبعة 1، 1957، الصفحات 16، 17، 22.
[14][154] قاسم عبده قاسم، اليهود في مصر، القاهرة: طبعة دار الشروق، الطبعة 1، 1993، الصفحات 46، 47، 52، 53، 57.
[15][155]تشير المرويات الإسلامية إلى أن التشيع، من الناحية الدينية، نشأ كمعتقد في عهد النبي (ص)، حيث ارتبط بعض الصحابة بشخص علي بن أبي طالب [ع] كعمار بن ياسر، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والذين بدورهم أطلق عليهم لقب شيعة علي، وقد بشرهم النبي (ص) بالجنة في مرويات لدى السنة والشيعة في آن، وعلى الرغم من أن الصدام بين الإمام علي [ع] والخليفة الأول لم يكن مفرغًا من خلفياته الاجتماعية، فإن الثورة على عثمان شهدت الدور المنظم للشيعة في مواجهة السلطة القائمة.
[16][156] أحمد صبري السيد علي، الجذور الطبقية لثورة الإمام الحسين، بيروت: طبعة دار الحمراء، 2009، الصفحات 107 – 109. وأنظر كتاب الباحث العراقي حسين قاسم العزيز، البابكية (الانتفاضة ضد الخلافة العباسية)، دمشق: طبعة دار المدى، 2000، الصفحة 49 – 105.
[17][157]السيد مرتضى العسكري، عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى، طهران: طبعة المجمع العلمي الإسلامي، 1997، الجزء 1، الصفحات 33 – 41. كامل مصطفى الشبيبي، الصلة بين التصوف والتشيع، بيروت: طبعة دار الأندلس، 1982، الجزء 1، الصفحات 45 – 49. (أثبت السيد مرتضى العسكري في كتابه أن شخصية عبد الله بن سبأ شخصية وهمية اخترعها الإخباري سيف بن عمر التميمي، في حين اعتقد الدكتور علي الوردي أن عبد الله بن سبأ هو اسم حركي لعمار بن ياسر).
[18][158]مرتضى العسكري، المصدر نفسه، الجزء 1، الصفحات 34 – 41.
[19][159]مرتضى العسكري، عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحات 37 – 40. كامل مصطفى الشيبي، الصلة بين التصوف والتشيع، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 45. أحمد صبري السيد علي، الجذور الطبقية لثورة الإمام الحسين، مصدر سابق، الصفحتان 66، 67.
[20][160] الشريف الرضي، نهج البلاغة (المختار من كلام أمير المؤمنين (ع))، تحقيق: السيد هاشم الميلاني، كربلاء: مكتبة العتبة العباسية المقدسة، 2011، الصفحة 410.
[21][161]الكندي، ولاة مصر، تهذيب وتصحيح رفن ﮔست، بيروت: مطبعة الآباء اليسوعيين، 1908، الصفحات 28، 29، 30 .
[22][162]الحسن بن إبراهيم بن زولاق، فضائل مصر وأخبارها وخواصها، تحقيق: الدكتور علي محمد عمر، القاهرة: طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب، الصفحة 43.
[23][163]محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة: طبعة دار المعارف، 1971، الجزء 5، الصفحة 540.
[24][164]ابن زولاق، فضائل مصر وأخبارها وخواصها، مصدر سابق، الصفحات 43، 51.
[25][165] المصدر نفسه، الصفحة 48.
[26][166]روى الليث بن سعد قصة حول علاقته بالإمام جعفر بن محمد الصادق [ع] واتصاله به سنة 113 هـ، ويبدو أنه لم يبدأ الاستقلال الفعلي من ناحية الإفتاء إلا عقب وفاة الإمام الصادق.
[27][167]هناك مقولات أخرى أشارت إلى أن اسم هذا الداعية عجلان بن ناووس البصري، وأعتقد أن نسبته للبصرة، في حالة وجوده، غير حقيقية خاصة أن لاسمه اليوناني مدلولات مرتبطة بالتراث المصري القديم، ومن المعروف أنه حدث الكثير من الاختلاط بين الثقافتين المصرية واليونانية في العهد الهيليني.
[28][168]مرتضى العسكري، عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى، مصدر سابق، الجزء 2، الصفحة 229. الشهرستاني، الملل والنحل، تصحيح وتعليق: أحمد فهمي محمد، بيروت: طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة 2، 1992، الجزء 1، الصفحة 167. (قرية ناوسا من قرى مركز أجا بمحافظة الدقهلية الواقعة بدلتا مصر، وبالرغم من أن هذه الفرقة قد تكون معبرة عن رأي فردي ومؤقت لأحد الشيعة، أو لم يكن لها أي وجود على الإطلاق في تاريخ التشيع، إلا أن علاقتها بمصر إشارة واضحة إلى التواجد الشيعي الضخم والمؤثر في مصر).
[29][169] رياض محمد حبيب الناصري، الواقفية، دراسة تحليلية، مشهد المقدسة: طبعة المؤتمر العالمي للإمام الرضا (ع)، الطبعة 1، 1409 هـ، الجزء1، الصفحة 83.
[30][170] محمود إسماعيل، سوسيولوجيا الفكر الإسلامي – طور التكوين، القاهرة: طبعة مكتبة مدبولي، الطبعة 3، 1988، الجزء 1، الصفحات 144، 145، 208-210. لا بدّ من الإشارة إلى أن الباحث يعتبر أن الكثير من الفرق التي ذكرتها كتب الفرق السنية والشيعية لم تكن سوى مدارس فكرية أو حركات ثورية في إطار المذهب الشيعي الواحد مثل الكيسانية على سبيل المثال، بينما كانت بعض الفرق تمثل حالة مؤقتة بعد وفاة كل إمام، وبالتالي لم تتم الإشارة إليها. (أحمد صبري السيد علي، الكيسانية (دراسة في إشكالية التسمية)، دراسة بمدونة بهزاد http://ahmadsabryali.blogspot.com/. منشورة بتاريخ 1 نوفمبر 2016. شوهدت بتاريخ 3 يونيو 2023. متاحة من الرابط: http://ahmadsabryali.blogspot.com/2016/11/blog-post.html).
[31][171]محمود إسماعيل، سوسيولوجيا الفكر الإسلامي – طور التكوين، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 107.
[32][172] الحسن بن موسى النوبختي، فرق الشيعة، بيروت: طبعة منشورات الرضا، الطبعة 1، 2012، الصفحات 114-116، 126، 127، 131-133.
[33][173]ابن زولاق، فضائل مصر وأخبارها وخواصها، مصدر سابق، الصفحات 28، 48. (عبد الله بن لهيعة من كبار علماء مصر في القرن الثاني الهجري، وقد أسند إليه مؤرخو مصر اللاحقين الكثير من أخبارها، وذكر ابن زولاق أن الليث بن سعد لما أحرقت دارة ابن لهيعة أرسل إليه بألف دينار، وقال: استعن بهذه واعفنا من فضائل علي بن أبي طالب، فأخذها عبد الله بن لهيعة وأرسل إليه حديثًا من فضائل علي [ع] ليغيظ به الليث).
[34][174]ابن زولاق، فضائل مصر وأخبارها وخواصها، مصدر سابق، الصفحة 48.
[35][175]المصدر نفسه، الصفحتان 47، 48.
[36][176]المصدر نفسه، الصفحتان 47، 48.
[37][177]كامل مصطفى الشيبي، الصلة بين التصوف والتشيع، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 364.
[38][178] المصدر نفسه، الجزء 1، ص 365.
[39][179]المصدر نفسه، الجزء 1 الصفحات 138، 202، 363.
[40][180]حسن محمد قاسم، زينب الكبرى وأخبار الزينبيات للعبيدلي النسابة، القاهرة: 1934، الصفحتان 18، 19.
[41][181]محمد بن يوسف الكندي، الولاة والقضاة، بيروت: طبعة الآباء اليسوعيين، 1908، الصفحة 115. حسين نصار، الثورات الشعبية في مصر الإسلامية، القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2002، الصفحات 16، 17، 18. (لا بدّ من الإشارة إلى أن استخدام قائد الشرطة اللغة القبطية لتحذير الصدفي يشير لعدم إجادة رجاله لها، وقد استخدمها كي لا يتعرض لوشاية لدى الوالي المعادي للعلويين، وفي المقابل فإن إجادة الصدفي للقبطية وفهمه للتحذير يشير لكثافة العنصر القبطي بين رجاله وإلا لما اضطر لإجادة التحدث بينما لا تعد هي لغة الدولة أو الإدارة).
[42][182] هناك قريتين بهذا الاسم الأولى في مركز ببا بمحافظة بني سويف جنوب الجيزة، والثانية بمركز المنيا بمحافظة المنيا في صعيد مصر.
[43][183]تولى ولاية مصر سنة 168هـ، وعزل عنها سنة 169 هـ، (الكندي، ولاة مصر، مصدر سابق، الصفحتان 128، 129).
[44][184]ابن زولاق، فضائل مصر وأخبارها وخواصها، مصدر سابق، الصفحة 43. الكندي، ولاة مصر، مصدر سابق، الصفحات 111-113. حسين نصار، الثورات الشعبية في مصر الإسلامية، مصدر سابق، الصفحة 18.
[45][185]الكندي، ولاة مصر، مصدر سابق، الصفحة 198.
[46][186]المصدر نفسه، الصفحة 203.
[47][187]المصدر نفسه، الصفحتان 203، 204.
[48][188]الكندي، ولاة مصر، مصدر سابق، الصفحة 204.
[49][189]المصدر نفسه، الصفحات 206-210.
[50][190]المصدر نفسه، الصفحة 211.
[51][191]هو إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب.
[52][192]الكندي، ولاة مصر، مصدر سابق، الصفحة 212. البلوي، سيرة أحمد بن طولون، تحقيق: محمد كرد علي، القاهرة: طبعة الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1999، الصفحة 62.
[53][193]الكندي، ولاة مصر، مصدر سابق، الصفحتان 213، 214. البلوي، سيرة أحمد بن طولون، مصدر سابق، الصفحات 62 – 66. حسين نصار، الثورات الشعبية في مصر الإسلامية، مصدر سابق، الصفحات 23 – 25.
[54][194] لم يشر البلوي إلى أي معلومات مفصلة عن هذه الشخصية، وأعتقد أنه كان من الأقباط نظرًا لنشأته الريفية، ومن المعروف أن العرب لم تسكن ريف مصر إلا بداية من سنة 109 هـ، واستمرت حتى سنة 216، 217 هـ كرد فعل على ثورات الأقباط، إلا أن العنصر القبطي استمرت له الغلبة في الريف. (المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، القاهرة: طبعة مكتبة الآداب، 1996، الجزء1، الصفحات 128 – 131).
[55][195]البلوي، سيرة أحمد بن طولون، مصدر سابق، الصفحات 67 – 69.
[56][196]السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، حققه وأخرجه: السيد حسن الأمين، بيروت: طبعة دار التعارف للمطبوعات، 1983، الجزء 8، الصفحتان 83، 84، الجزء9، الصفحة 65.
[57][197]الكندي. ولاة مصر، مصدر سابق، الصفحة 243.
[58][198] المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، تحقيق: محمد زينهم، مديحة الشرقاوي، القاهرة: طبعة مكتبة مدبولي، 1998، الجزء 3، الصفحة 381.
[59][199]استخدمت فرنسا المذهب الكاثوليكي ضمن مساعيها للتوسع الإمبريالي، كما لجأت بريطانيا البروتستانتية وروسيا الأرثوذكسية لنفس الأسلوب، لكن بالنسبة إلى الفاطميين فقد كان مذهبهم الإسماعيلي مختلف عن المذهب الشيعي الإمامي المنتشر بمصر، لكن بالتأكيد ومع حملة الاضطهاد التي واجهت الشيعة والعلويين منهم على وجه الخصوص فقد كان هناك قدر من التعاطف مع الدولة الفاطمية.
[60][200]الكندي، ولاة مصر، مصدر سابق، الصفحة 274. حسين نصار، الثورات الشعبية في مصر الإسلامية، مصدر سابق، الصفحة 27.
[61][201]النعمان بن حيون، افتتاح الدعوة، بيروت: طبعة دار الأضواء، 1996، الصفحتان 99، 100.
[62][202]الكندي، ولاة مصر، مصدر سابق، الصفحات 291، 294، 295. حسين نصار، الثورات الشعبية في مصر الإسلامية، مصدر سابق، الصفحة 27.
[63][203]تحدث الباحث حول المقصود بمصطلح “الوسطية” لدى الباحثين والإعلاميين المصريين في مقدمة الدراسة.
[64][204]المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، مصدر سابق، الجزء 3، الصفحة 382.
[65][205]المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، مصدر سابق، الجزء 3، الصفحة 382.
[66][206]ابن زولاق، فضائل مصر وأخبارها وخواصها، مصدر سابق، الصفحة 49، من المعروف أن آل الفرات كلهم من الشيعة الإمامية كما أشار السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة، ويبدو أن أصل أسرته من الأنباط كما أشار المتنبي في هجائه له. (محمد هادي الأميني، الكنى والألقاب، موقع رافد http://rafed.net[207]20/6/2012، الجزء 1، الصفحات 270، 271، 376، 377).
[67][208]المقريزي، اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، تحقيق: جمال الدين الشيال، القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1999، الجزء1، الصفحتان 102، 103.
[68][209]عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، القاهرة: دار الفكر العربي، الطبعة 4، 1994، الصفحتان 268، 269.
[69][210]المقريزي، اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، مصدر سابق، الجزء1، الصفحات 103 – 107.
[70][211]ابن زولاق، فضائل مصر وأخبارها وخواصها، مصدر سابق، الصفحة 94.
[71][212]المصدر نفسه، الصفحة 92.
[72][213]المصدر نفسه، الصفحة 92.
[73][214]الإمام علي بن أبي طالب، نهج البلاغة، جمع الشريف الرضي، شرح محمد عبده، بيروت: طبعة مؤسسة المعارف، 1990، الصفحات 634 – 636.
[74][215]المصدر نفسه، الصفحة 564.
[75][216]الكندي، ولاة مصر، مصدر سابق، الصفحة 13، 14. لم تفكر هذه الشخصيات مثل معاوية بن خديج ومسلمة بن مخلد وبسر بن أبي أرطأة في الرحيل إلى المدينة ودعم الخليفة أثناء الثورة عليه، ولا يمكن تفسير موقفها السلبي منه، ثم التآمر على الإمام علي بن أبي طالب [ع] لاحقًا سوى عبر تضرر مصالحهم وإقطاعاتهم المباشرة.
[76][217]محمود إسماعيل، سوسيولوجيا الفكر الإسلامي – طور التكوين، مصدر سابق، الجزء 2، الصفحتان 442، 443.
[77][218]أحمد صبري، انتفاضة الوصفاء، دراسة بمدونة بهزاد http://ahmadsabryali.blogspot.com/، منشورة بتاريخ 22 فبراير 2017، أطلع عليها بتاريخ 3 يونيو 2023، متاح من الرابط: http://ahmadsabryali.blogspot.com/2017/02/blog-post_22.html. دكتور محمود إسماعيل، سوسيولوجيا الفكر الإسلامي – طور التكوين، مصدر سابق، الجزء 1، الصفحة 209. القاضي النعمان، الهمة في آداب اتباع الأئمة، تحقيق: محمد كامل حسين، القاهرة: دار الفكر العربي، (بدون ذكر تاريخ الصدور)، الصفحات 66 – 73. عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحة 278. وذكر ماجد بعض الحقوق التي كان الإسماعيلية يدفعونها إضافة للحقوق الشرعية الإسلامية المعروفة لدى الشيعة مثل النجوى والفطرة، والأولى تبلغ ثلاثة دراهم وثلث بالنسبة للقادرين، وثلاثة وثلاثين درهمًا للأغنياء.
[78][219]عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحتان 291، 292.
[79][220]المصدر نفسه، الصفحات 244 – 246، 275، 276.
[80][221]المصدر نفسه، الصفحات 269 – 271.
[81][222]المصدر نفسه، الصفحات 274 – 282.
[82][223]عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحتان 273، 274، المقريزي، المواعظ والاعتبار، مصدر سابق، الجزء 3، الصفحات 383 – 385.
[83][224]عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحات 271، 272، 273.
[84][225]المصدر نفسه، الصفحة 248.
[85][226]المصدر نفسه، الصفحة 273.
[86][227]سبق مناقشة الخلفيات الاجتماعية للتشيع في هذا المبحث.
[87][228]مصطفى غالب، تاريخ الدعوة الإسماعيلية، بيروت: دار الأندلس، (بدون ذكر تاريخ الطباعة)، الصفحات 41 – 57. قام المؤلف بتلخيص الفلسفة الإسماعيلية وعلاقتها بعقائدهم في الفصل الثاني من كتابه. الداعي إدريس عماد الدين القرشي، زهر المعاني، تقديم وتحقيق: مصطفى غالب، بيروت: طبعة المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة1، 1991، الصفحة 136.
[88][229]المقريزي، المواعظ والاعتبار، مصدر سابق، الجزء 3، الصفحتان 385، 386. المقريزي، اتعاظ الحنفا، مصدر سابق، الجزء3، الصفحتان 20، 21.
[89][230]عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحة 282.
[90][231]عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحة 401. السيد حنفي عوض، علم الإنسان، القاهرة: بدون ذكر دار النشر، 2003، الصفحة 303.
[91][232]السيد حنفي عوض، علم الإنسان، مصدر سابق، الصفحة 302. تقع قرية هيسة على جزيرة جبلية ببحيرة ناصر أمام جزيرة فيلة، وترتفع عن سطح الماء 500 متر، وذكر الدكتور سيد حنفي أن أبناء القرية حاليًّا ينتمون إلى الطريقة الميرغنية، بينما ينتمي غالبية النوبيون “الفاديجة” إلى الطريقة الحامدية الشاذلية.
[92][233] استقيت هذه المعلومات من بعض الأصدقاء النوبيين، وكذلك من محاورات بين بعض المثقفين النوبيين في منتدى sudaneseonline.com بموضوع العاشوراء عند النوبيين، المنشور بتاريخ 29 يناير 2013.
[93][234]المقريزي، اتعاظ الحنفا، مصدر سابق، الجزء2، الصفحتان 331، 332. ولا بدّ من الإشارة إلى أن بدر الجمالي كان إماميًّا إثنا عشريًّا، وقد تم بداية من عهده إهمال الدعوة الإسماعيلية، وتولى من بعده وزيرًا إثنا عشريًّا آخر وهو المأمون البطائحي حيث واصل الاهتمام بالمذهب الإثني عشري على حساب مذهب الدولة الإسماعيلي. (محمد حلمي، تحقيق اتعاظ الحنفا، مصدر سابق، الجزء3، الصفحات 7، 38، 76، 77).
[94][235]عارف تامر، تاريخ الإسماعيلية، لندن: طبعة رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة 1، 1991، الجزء3، الصفحة 238. أعتقد أن الاعتناء بالأرض الزراعية في عهد الأفضل، والذي يصفه باحث إسماعيلي نزاري كعارف تامر بأنه يمثل أعلى درجة في التقدم الزراعي، يعود لمحاولته تقسيم الإقطاعات على جنوده للاحتفاظ بولائهم، وفي نفس الوقت ضمان ما يرد للدولة من عائد ضخم نتيجة ما تنتجه هذه الإقطاعات. وفي المقابل كان لضعف النفوذ السياسي المصري أثره على الحيوية التجارية لمصر مع البلدان المجاورة خاصة أن هذا السقوط السياسي كان مصحوبًا بعداء أيديولوجي.
[95][236]عارف تامر، تاريخ الإسماعيلية، مصدر سابق، الجزء3، الصفحتان 235، 236.
[96][237]المقريزي، اتعاظ الحنفا، مصدر سابق، الجزء3، الصفحتان 140، 141. قام أحمد بن الأفضل بتعيين أربعة قضاة من المذاهب المتواجدة في مصر بهذه الفترة، فعيّن قاضيين للسنة على المذهبين الشافعي والمالكي، وقاضيين للشيعة على المذهبين الإسماعيلي والإمامي، وكان قاضي الإسماعيلية هو ابن الأزرق أبو الفضائل هبة الله بن عبد الله بن حسن بن محمد، وقاضي الإمامية القاضي المفضل أبو القاسم بن هبة الله بن عبد الله بن الحسن بن محمد بن أبي كامل.
[97][238]المقريزي، اتعاظ الحنفا، مصدر سابق، الجزء3، الصفحة 166.
[98][239] المصدر نفسه، الجزء3، الصفحة 319.
[99][240]المقريزي، اتعاظ الحنفا، مصدر سابق، الجزء3، الصفحات 13 – 15، 137 – 141، إدريس عماد الدين القرشي، زهر المعاني، مصدر سابق، الصفحات 264 – 266. عارف تامر، تاريخ الإسماعيلية، مصدر سابق، الجزء 3، الصفحة 234.
[100][241]عارف تامر، تاريخ الإسماعيلية، مصدر سابق، الجزء 3، الصفحات 228- 232، 235.
[101][242]المقريزي، اتعاظ الحنفا، مصدر سابق، الجزء3، الصفحات 304 – 310، 319 – 323.
[102][243]المقريزي، المواعظ والاعتبار، مصدر سابق، الجزء3، الصفحة 389.
[103][244]جمال بدوي، الفاطمية دولة التفاريح والتباريح، مصدر سابق، الصفحة 128.
[104][245]المصدر نفسه، الصفحة 42. لم يأت جمال بدوي في كتابه المذكور بأي دليل يثبت فيه بشكل عملي هذه النظرية.
[105][246]عارف تامر، تاريخ الإسماعيلية، مصدر سابق، الصفحات 56 – 58.
[106][247]عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحة 398، المقريزي، اتعاظ الحنفا، مصدر سابق، الجزء3، الصفحة 325.
[107][248]عبد المنعم ماجد، ، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحة 397.
[108][249]عبد المنعم ماجد، الدولة الأيوبية في تاريخ مصر الإسلامية، القاهرة: دار الفكر العربي، الطبعة 2، 1997، الصفحتان 75، 76. ارتبطت الدولة الأيوبية بالأكراد نظرًا لما قيل عن الأصل الكردي للأسرة، إلا أن بعض الفقهاء والعلماء أشاروا إلى أن الأسرة الأيوبية يعود نسبها للمروانيين الأمويين والذين تزوجوا من الأكراد، ومثل هذه الحالات متعددة لدى العنصر الكردي فهناك العديد من الأسر المنسوبة للنبي (ص) من جهة الحسن أو الحسين رغم انتمائها عشائريًّا للأكراد، كما توجد عائلات ومن بينها عائلة أمير الأيزيدية يعود نسبها للأمويين رغم أنها تتزعم ديانة كل أتباعها من الأكراد.
[109][250]عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحتان 397، 398، المقريزي، اتعاظ الحنفا، مصدر سابق، الصفحات 311، 321، 322.
[110][251]عبد المنعم ماجد، ، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحة 398.
[111][252]هذه الأمثال ما زالت مستخدمة حتى الآن بين المصريين بكافة طبقاتهم وشرائحهم الاجتماعية، وتشير لحالة خاصة من العداء للغز والأكراد مع التوضيح أن الباحث لا يتبنى أي آراء عنصرية اتجاه القوميتين الكريمتين، وإن ذكره لمدلولات هذه الأمثال لمقتضيات البحث فقط، خاصة وأن العداء للغز والأكراد ارتبط بهذه اللحظة التاريخية وليس بشكل عام، وهناك الكثير من المصريين ترجع أصولهم للقوميتين.
[112][253]المقريزي، اتعاظ الحنفا، مصدر سابق، الجزء3، الصفحتان 312، 313. يطلق المرحوم جمال بدوي على صلاح الدين لقب البطل الشاب والقائد العظيم، والحقيقة أن مثل هذه السلوكيات لا تشير إلى البطولة بقدر ما تشير إلى الهمجية.
[113][254]عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحتان 399، 400.
[114][255]عبد المنعم ماجد، الدولة الأيوبية في تاريخ مصر الإسلامية، مصدر سابق، الصفحتان 87، 88.
[115][256]عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحتان 400، 401.
[116][257]عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحتان 401، 402. تقي الدين المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت: طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة1، 1997، الجزء 1، الصفحة 167.
[117][258]عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحة 402.
[118][259]المصدر نفسه، الصفحتان 402، 403.
[119][260]عبد المنعم ماجد، ظهور الخلافة الفاطمية وسقوطها في مصر، مصدر سابق، الصفحة 403. تقي الدين المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، مصدر سابق، الجزء1، الصفحة 214.
[120][261]أحمد بن قاضي شهبة، طبقات الشافعية، تحقيق: الحافظ عبد العليم خان، بيروت: طبعة دار عالم الكتب، الطبعة 1، 1987، الجزء2، الصفحة 204.
[121][262]المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، مصدر سابق، الجزء1، الصفحة 479.
[122][263]المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، مصدر سابق، الجزء1، الصفحتان 480، 481.
[123][264]المصدر نفسه، الجزء1، الصفحة 509.
[124][265]الركبدارية لفظ فارسي يعني الفرسان.
[125][266]المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، مصدر سابق، الجزء1، الصفحتان 522، 523.
[126][267]المقريزي، السلوك لمعرفة دول الملوك، مصدر سابق، الجزء2، الصفحات 359، 363، 364.
[127][268]المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، مصدر سابق، الجزء3، الصفحة 390.
[128][269]أبي الفضل كمال الدين جعفر بن ثعلب الأدفوي، الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد، تحقيق: سعد محمد حسن، مراجعة: طه الحاجري، القاهرة: الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966، الصفحة 34.
[129][270]الأدفوي، الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد، مصدر سابق، الصفحة 37.
[130][271]المصدر نفسه، الصفحتان 38، 39.
[131][272]المصدر نفسه، الصفحة 41.
[132][273]المصدر نفسه، الصفحة 66.
[133][274]الأدفوي، الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد، مصدر سابق، الصفحة 66.
[134][275]المصدر نفسه، الصفحة 66.
[135][276]المصدر نفسه، الصفحة 67.
[136][277]شمس الدين الدمشقي، نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، طبعة بطرسبورج، 1865، الصفحة 233.
[137][278]ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، بيروت: طبعة دار الجيل، 1993، الجزء 2، الصفحة 46. الأدفوي، الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد، مصدر سابق، الصفحات 210 – 2015. ترجم العسقلاني لأعيان آخرين حاولو التكتم على حقيقة مذهبهم مثل علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمر بن يزيد الوداعي الكندي الإسكندراني ثم الدمشقي المتوفي 717 هـ. يقول عنه العسقلاني: “وكان شديدًا في مذهب التشيع من غير سب ولا رفض”، مصدر سابق، الجزء3، الصفحة 130.
[138][279]الأدفوي، الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد، مصدر سابق، الصفحة 170.
[139][280]أبو المحاسن بن تغري بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، القاهرة: طبعة دار الكتب المصرية، 1950، الجزء 11، الصفحة 139.
[140][281]هي سير شعبية أسطورية منسوبة للإمام علي بن أبي طالب (ع)، وكانت تطبع حتى فترة ثمانينات القرن العشرين. ولا ريب أنها تشير بوضوح لما تحمله شخصية الإمام علي (ع) من جاذبية لدى المصريين الذين لم يهتموا بباقي الشخصيات الصحابية بنفس هذا القدر من الاهتمام. ومن الضروري الإشارة إلى أن فكرة السير متنوعة لدى المصريين فهناك سيرة بني هلال، سيرة الأميرة ذات الهمة وسيرة الظاهر بيبرس. وما يجمع كل هذه السير هو البطولة العسكرية الواضحة، وإن كانت سيرة الإمام علي (ع) تظل ذات خصوصية مختلفة كونها جمعت الحكمة والعلم الديني والدنيوي في شخص الإمام.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/15872/harakat_tachaiou2/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.