by الدكتور أحمد ماجد | أغسطس 15, 2023 12:01 م
وتابعت الدراسات الصدرائية طريقها، فناقش “رياض سحيب روضان” رسالة ماجستير في جامعة المستنصرية، وحملت عنوان: “علم الكلام عند صدر الدين الشيرازي: دراسة في الإلهيات”، طبع البحث بعد ذلك ضمن سلسلة الكتب الثقافية التي تنشرها “بيت الحكمة” في بغداد تحت الرقم 34، عام 2012. وفي أواخر عام 2010، صدر عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي كتاب “النظرية الإسلامية في التربية والتعليم” للباحثة “جميلة علم الهدى”، تعريب “عباس صافي”، ومراجعة “حسين صافي”، انطلقت الكاتبة في مؤلفها من فرضيّةٍ مفادُها أنّ التربية والتعليم ليست عمليّة تقنيّة فحسب، وإنّما هي عمليّة مبنيّة على مجموعة من الأسس الفلسفيّة، والإناسيّة (الإنثربولوجية)، والمعرفيّة، والقيميّة، وعلى ضوء هذه الأسس وبعد تحديد الموقف منها يمكن البحث، كما فعلت الكاتبة نفسها، عن الآليات والضرورات والمعيقات والأهداف، وما شابه، للوصول بعد مخاض عسير إلى بيان نظريّةٍ، يمكن أن تسمّى نظرية إسلامية في التربية والتعليم. وعلى ضوء هذه الفرضيّة المسلّمة، من وجهة نظر الكاتبة على الأقل، تشرع بمعالجة موضوعات كتابها بدءًا من الأسس الفلسفيّة التي تهتدي فيها بخطى الفيلسوف المسلم صدر الدين الشيرازي، وتكمل رحلتها في وادٍ لا نقول إنّه غير ذي زرع، ولكنّه على أي حال وادٍ وعر المسالك. وتدلف بعد الحديث عن الأسس الفلسفية إلى الحديث عن الأسس والمبادىء الإناسية لتحدّد النظرة الفلسفيّة والنظرة القرآنية إلى الإنسان؛ وهكذا تمارس العملية نفسها لتبني ما تسميه النظرية الإسلامية في التربية والتعليم، على أسس صلبة، تصوغ منها الأهداف والغايات المبتغاة من التعليم والتربية من وجهة نظر إسلامية، ولتتخذ موقفًا مما تراه أصولًا لا بدّ من مراعاتها والالتزام بها في كل محاولة تربوية في الإطار الإسلامي.
وناقش “أحمد عبد السادة الزوير” رسالة ماجستير في “جامعة المستنصرية” تحت عنوان: “نظرية المكان بعد ابن رشد – صدر الدين الشيرازي أنموذجًا”، وقسم البحث إلى تمهيد وثلاثة فصول، وكلّ بحث قُسم إلى ثلاثة مباحث، في التمهيد عالج نظرية المكان عبر التاريخ والإشكاليات المرافقة لها، وعرض للفلاسفة القائلين بالبعد المكاني وموقف القائلين بالسطح، لينتقل بعد ذلك إلى فصول الكتاب، فيعرض في الفصل الأول موقع المكان في العلوم الطبيعية، فيستعرض هذه العلوم عند “الشيرازي”، ومبادىء الجسم الطبيعي وموقعية المكان باعتباره لاحق للحركة والزمان. والفصل الثاني تحدث عن نظرية المكان الطبيعي عند الملا صدرا، ولا سيما وجود المكان عند الفلاسفة السابقين وموقف الشيرازي منهم، ثم انتقل لتحديد نظرية المكان وطبيعته عنده. واهتم في الفصل الثالث بنظرية المكان المجرد (الخلاء)، وحدد طبيعته ومقوماته عند الشيرازي، وختم البحث بخلاصة للنتائج التي توصل إليها، والتي تعتبر أنّ كلام الشيرازي عن المكان والخلاء كانت معالجات فلسفية علمية عرفانية، بمعنى أن منهج الحكمة المتعالية يكون حاضرًا في جميع الموضوعات التي يخوضها الشيرازي، ومنها المكان. ومن النتائج التي توصّل إليها الباحث أن المكان يتعلق بالوجود الطبيعي للأشياء، وأما خارج حدود هذا العالم فإن طبيعته تتغير بحيث لا يعود له نفس المعنى الذي ذكرناه.
ويبقى أن العام 2010، حمل معه عملًا مميّزًا، هو كتاب “النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية” لـ “عبد الرسول عبوديت”؛ هذا الكتاب عمل على التعريف بالنّظام الفلسفيّ اعتمادًا على الكتب المُختلفة بهدف الوصول إلى فهم ميسّر وصحيح يساعد بالفصل بين المسائل الرئيسية التي هي قِوامُ نظامه، وبين المسائل الفرعيّة، وتحديد أهميّة كلّ مسألة منها ليَستبينَ من خلال ذلك طريقة البناء الرئيسيّة للنظام، وهذا ما يساعد على تحديد ما هو أولى بالاهتمام.
وفي العام 2011، نشرت مجلة نصوص معاصرة بحثًا لـ”يحيى كبير” في العدد 11بعنوان: “مدرسة الحكمة المتعالية، المنهج والخصائص والمقارنات”، وصدر في العدد 62 من مجلة “المنهاج” بحثًا لـ”زهراء إخوان صراف” بعنوان: “تفسير الملا صدرا مقارنة أبعاده النقليّة والعقليّة والكشفيّة”، ترجمة: “صالح البدراوي”، حيث اعتبرت الكاتبة تفسير الحكيم صدر الدّين الشيرازيّ لا يُمكن تصنيفه ضمن المناهج التفسيريّة المعروفة، وذلك بسبب المميزات الخاصّة التي يتحلَّى بها المؤلِّف؛ أي لا يُمكن القول: إنَّه تفسير عرفانيّ وشهوديّ محض، ولا فلسفيّ، ولا روائيّ، ولا أدبيّ، وفي نفس الوقت، الذي نجد فيه بين طيَّات هذا المصنَّف الثرّ نماذج من جميع مناهج التفسير، إلا أنَّه وبسبب احتوائه على بعض الخصوصيَّات لا يمكن القول: إنّه تفسير جامع لجميع المناهج. انتقالًا للعام 2012، نرى الباحث “علي أمين جابر” يناقش أطروحة دكتوراه في الجامعة الإسلامية في لبنان، بعنوان: “فلسفة التأويل عند صدر الدين الشيرازي[1]“.
وفي العام 2013 نشر مركز “الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” كتابًا تحت عنوان: “التوفيق بين الدين والعقل في مدرسة الحكمة المتعالية” للباحث الإيراني الدكتور “عباس نيكزاد”، ترجمة: علي آل دهر الجزائري. وفي هذا الكتاب يستعرض الكاتب العلاقة بين العقل والدين وتطورها لدى المفكرين والعلماء المسلمين منذ صدر الإسلام وحتى اليوم. وبعد أن يقدِّم قراءة سريعة للمدارس الإسلامية المختلفة من معتزلة وأشاعرة وحنابلة وإمامية، يعمل على دراسة تطور العلاقة بين العقل والدين لدى علماء مدرسة الحكمة المتعالية وهم: الملا صدر المتألّهين الشيرازي، العلامة محمد حسين الطباطبائي، آية الله الشهيد مرتضى مطهري، العلامة الشيخ مصباح اليزدي، آية الله الشيخ جوادي الآملي. وفي الفصل الأول من الكتاب يستعرض العلاقة بين العقل والدين في تاريخ الإسلام وفقًا لكل المذاهب والمدارس الإسلامية، ويقدِّم شرحًا سريعًا لدى كل مدرسة. وفي الفصل الثاني يشرح علاقة العقل والدين في مدرسة صدر المتألهين الشيرازي وهو مؤسس مدرسة الحكمة المتعالية، ووفقًا لصدر المتألهين فالعقل والدين يؤيد أحدهما الآخر ولا يوجد أي تناف أو عدم انسجام بينهما على الإطلاق، فهناك تكامل تام بين الدين الحقيقي والمضامين الصحيحة للقرآن والسنة، وبين الأحكام والمدركات العقلية. والفصل الثالث يتحدث عن العقل والدين وفقًا للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي والتي تتلخص بالقول باحترام الدين والمعارف الدينية والحجج الشرعية للعقل، ولهذا السبب لا يعقل على الإطلاق أن يحكم الدين بعدم اعتبار العقل والأحكام القطعية للدين والمعارف الدينية منسجمة مع أحكام العقل القطعية. الفصل الرابع يتناول الدين والعقل من وجهة نظر الشهيد مرتضى مطهري، والذي يؤكد أن العقل يثبت بالعقل نفسه؛ أي إن العقل بذاته يدل على حجيته، وفي الوقت نفسه فإن الآيات القرآنية والروايات تدل أيضًا على حجية العقل. ويقدِّم الشهيد مطهري في هذا الفصل دراسة مطوّلة حول العقل والدين وحجية العقل ويرد على كل الشبهات بهذا الشأن. أما الفصل الخامس فيتحدث عن العقل والدين من وجهة نظر آية الله مصباح اليزدي، فيستعرض تعريف العقل والدين والعلاقة بينهما حيث يقول: إن حكم العقل القطعي يتطابق مع حكم الشرع القطعي ولا يمكن أن يقع تعارض بينهما شرط أن يكون حكم العقل من المستقلات العقلية ولا يختلط بالأوهام، وأن يكون حكم الشرع قطعي السند وقطعي الدلالة. الفصل السادس والأخير يستعرض العلاقة بين الدين والعقلانية من وجهة نظر آية الله جوادي الآملي، والذي يستعرض تعريف الدين وكل تعريفات العقل وطبيعة العلاقة بينهما، ويرد على كل الشبهات والإشكالات بهذا الشأن. والكتاب بالإجمال هو موسوعة مصغّرة حول آراء عدد من الفلاسفة والفقهاء والعلماء حول العلاقة بين الدين والعقل، ويقدِّم قراءات مفصلة يستعرض كافة وجهات النظر في هذا الشأن.
ونظّم فريق البحث في الفلسفة الإسلامية يومي 2-3 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 بقاعة نداء السلام بكلية الآداب، جامعة محمّد الأوّل وجد، الملتقى الدراسي الدولي في موضوع قضايا في التصوّف، عُرض فيه بحثان عن صدر الدين الشيرازي، قدّم الأول يوسف أشلحي (كلية الآداب، ظهر المهراز، فاس) بعنوان: “تأصيل الوجود في فلسفة صدر الدين الشيرازي”. وعرض فيه لإشكالية الماهية من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية. حيث تأخذ الماهية في الفلسفة اليونانية بعدًا أنطولوجيًّا خاصّة مع أرسطو وأفلاطون. وقد استأنفت الفلسفة الإسلامية هذه الإشكالية مع إعطائها بعدًا “أنطوثيولوجيًّا”. والثاني قدمته وداد الزيموسي (كلية الآداب، المحمدية)، وحدة الوجود بين ابن [2]عربي وصدر المتألهين الشيرازي، خلال الورقة عملت الباحثة على إظهار نقاط الالتقاء والافتراق بينهما. وفي نفس العام، نظم المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” بالتعاون مع معهد العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية بإيران من 22 إلى 24 أكتوبر 2013 مؤتمرًا حول “نظرات في فلسفة ابن سينا وملا صدرا الشيرازي”، وأعمال هذا المؤتمر أصدرت في كتاب، قدّم له مقداد عرفة منسيّة رئيس قسم العلوم الإسلامية بالمجمع التونسي للعلوم، وجاء في الكلمة التي كتبها: كتب ابن سينا (ت 428/1037 م) في وقت بلغ فيه الفكر الإسلامي من فلسفة وكلام وتصوّف نضجه في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، والثلث الأول من القرن الخامس (الحادي عشر الميلادي): تبلورت العلوم بمسائلها وإشكالاتها وحلولها وأمّهاتها المعتمدة فتوّج الشيخ الرئيس قرنين من هذا الفكر، وورث كلّ ذلك وصاغ فلسفة أصيلة فأصبح هو الولي على الفلسفة، بل هو الفيلسوف يخاطبه كلّ من له شأن بالفلسفة منتصرًا لها أو متهجّمًا عليها، فهو الذي أظهر الفلسفة على غيرها، فتغلغلت في الثقافة الإسلامية وصبغت شتّى مجالاتها. يفصل ما بين ابن سينا، وما بين صدر الدين الشيرازي (ت 1641م) ما يزيد عن ستّة قرون أنتجت شخصيّات فكريّة عظيمة، وحققت مكتسبات من الفكر الفلسفي والعلمي والديني. ولا يعدّ الشيرازي من أبرز فلاسفة العهد الصفوي في فارس فقط، وإنما كان من أكبر فلاسفة الإسلام في العصر الحديث أيضًا، وبُعِثَت معه الفلسفة من جديد كما تكثفت الدراسات والملتقيات في فكر هذين الفيلسوفين في العقود الأخيرة، ووجد مختصّون كبار مكّنونا من التعرّف تعرّفًا أفضل على فكريهما. ومع ذلك لا يزال الفيلسوفان يحتاجان إلى دراسات لمدة طويلة. يشتمل الكتاب على أعمال ملتقى “في الفلسفة الإسلامية: ابن سينا وصدر الدين الشيرازي” والتي تنشر في جزأين: جزء يضم البحوث المحررة باللغة العربية، وجزء يضم البحوث باللغتين الإنكليزية والفرنسية. وتوزعت المحاضرات على واحدة للافتتاح (باللغة العربية)، وأخرى للاختتام (باللغة الإنكليزية)، وعلى محاور ثلاث: يتعلق أولها بفكر ابن سينا والإرث السينوي، وثانيها بالعلاقات بين فكري ابن سينا والشيرازي، وثالثها بفكر الملا صدرا خصوصًا. وقد وضع السيد رئيس المجمع التونسي الأستاذ هشام جعيط “الملتقى في إطار إحياء (الفلسفة الإسلامية) التي لعبت دورًا عظيمًا في تواصل الفكر الإنساني وفي الحفاظ على التقليد الفلسفي وإثرائه”. وبهذا الكتاب، الذي حاول بمداخلاته العشرين وذلك بلغات ثلاث العربية والفرنسية والإنكليزية أن ينير بعض الجوانب ويكشف بعض الغوامض، ويقدّم بعض التوضيحات، ويعرّف ببعض المجهولات في فلسفة العلمين، تارة بالتركيز على أحدهما، وأخرى بالمقارنة بينهما. ويتسم الملتقى بمشاركة أساتذة باحثين من تونس وإيران والعراق ومصر وفرنسا وألمانيا وأمريكا… وفي هذا التنوع في المحاضرين والمواضيع والمناهج يكسب الملتقى ثراء وشمولًا نادرين، خاصة وأنه يعرف بأبحاث ودراسات إيرانية كما لاحظ منسق الملتقى في مقدمته الصعوبة التي تعترضنا عادة في متابعتها وتجددها.
وقد صدر للباحث علي أمين جابر في العدد 68 من مجلة “المنهاج” بحثًا بعنوان: “تأويل في مدرسة الحكمة المتعالية دراسة في المعنى، الشروط والضرورات”، في هذا البحث اعتبر الباحث أنّ الشيرازي رفض بشدة مصطلح التأويل المشبع بالباطنيّة، وأكّد على التفسير بما له من المعنى الشامل للتأويل، ووفق الرّاسخين في العلم الذين خصّهم الله تعالى بالتأويل، وهي طريقة تحفظ الظاهر وتعتني بالباطن، ثم تحدث عن شروط التأويل عند “الشيرازي” وأدواته. وصدر في المجلة نفسها العدد 69 بحثًا للباحث علي الحلباوي عن “ميتافيزيقيا الوجود عند صدر المتألّهين الشيرازي”، وخُتِم هذا العام ببحث لـ”مظاهر شهراني” نُشِرَ قي العدد 70 من مجلة “المنهاج”، تحت عنوان: “المنهج الفلسفي لصدر الدين الشيرازي”، وانطلقت الدراسة من أهمية المنهج لدى الشيرازي.
تراجعت الدراسات الصدرائية عام 2014، ولكنّها لم تختف، فصدر بحثٌ للشيخ محمد تقي المصباح في مجلة نصوص معاصرة العدد 32- 33، نقد من خلاله “نظرية ملّا صدرا حول المعاد الجسماني”. وناقش الباحث كمال إسماعيل لزيق عام 2014 أطروحة دكتوراه في الجامعة الإسلامية في لبنان بعنوان: “مراتب المعرفة وهرم الوجود عند ملا صدرا – دراسة مقارنة”، حيث عمل الباحث على دراسة نظرية المعرفة عند ملّا صدرا دراسة معمّقة بالاستناد إلى النصوص الأساسية التي وضعها في كتبه ورسائله، وقام بإجراء المقارنات الكثيرة بينه وبين المدارس والمذاهب الفلسفية والكلامية التي أساءت فهم مقاصده كما حصل في مسألة وحدة الوجود، وكما وضعه الصوفيون هدفًا يصوبون نحوه، ويتهمونه بالزندقة والهرطقة نظرًا إلى اهتمامه بالجانب العقلي للتصوف والعرفان. وعمل الباحث على إجراء مقارنات فكرية ومعرفية مع فلاسفة الغرب العقليين، والتجريبيين، واعتبر أن ما استدعاه للقيام بهذا العمل البحثي: أولًا، إحياء التراث المنسي، حيث تعدّ دراسة الموروث الفلسفي والعرفاني لصدر الدين الشيرازي رصدًا لجزء أساسي من تشكل الوعي العربي والإسلامي في سياقه التاريخي، الذي لم ينل حقه من البحث والتنقيب بفعل بعض العوامل التاريخية والاستشراقية. ثانيًا، الربط بين إرث الشيرازي والفكر الفلسفي المعاصر، حيث تظهر دراسة نظرية المعرفة عند الشيرازي ومقارنتها مع نظيراتها المعاصرة مدى اتساع العقل الإسلامي في حلّ بعض المآزق المعرفية التي عاشها الفكر الغربي المعاصر ومنها: المعارف القبلية، تقسيم العلم إلى التصور والتصديق، أصالة الحسّ والعقل، ملاك الصدق في القضايا، كاشفية المعرفة عن الواقع الموضوعي، وهي مسائل تم طرحها في سياق البحث. ثالثًا، إبراز أهمية العقل في فكر الشيرازي. رابعًا، تصويب بعض الأفكار، فصدر الدين الشيرازي يؤكد أن كل العالم الطبيعي وحتى العالمين المثالي والعقلي هي في حركة صيرورة مستمرة. ومن ناحية ثانية، فقد عالج بعض الكتاب الحركة الجوهرية باعتبارها مماثلة لنظرية النشوء والارتقاء عند تشارلز داروين. خامسًا، إبراز الأفكار الإبداعية غير المسبوقة، وقد صدر هذا البحث في عام 2015 عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي.
ونشر معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية عام 2015 كتابًا حول “مساءلة الوجود على ضوء الواقعية الصدرائية”، وقال معدّ الكتاب “حسن بدران” في تقديمه: “ما سوف نزفّه للقارىء هنا، هو محاولة محاكمة لمفهوم الوجود الصدرائي بغية الكشف عن صيغته النهائية، وذلك على ضوء الخلفية التاريخية التي انبثق عنها، وما قد يتّرتب عليه من نتائج على مستوى المنظومة الفكرية. والكتاب قسم إلى مباحث، الأول لجلال الدين الأشتياني “لمحة عن صدر الدين الشيرازي”، والثاني لباحث مصري “عباس سليمان”، عُرف بانشغالاته على المدرسة الصدرائية، فقدّم “مقاربة الوجود في الحكمة المتعالية وفق صياغة فلسفية”، أما الثالث فهو للأشتياني وتحدث عن “مقاربة الوجود في الحكمة المتعالية وفق صياغة عرفانية”، وذهب البحث الرابع ليحيى يثربي باتجاه “محاكمة تحليلية لمفهوم الوجود على ضوء الخلفيات والنتائج”، واهتم البحث الرابع، الذي كتبه رضا غلام فياضي بـ”تأسيس لمفهوم الوجود على ضوء الواقعية الماهوية”، ليترك البحث الأخير لإدريس هاني و”مفهوم الوجود المتعالي: تأسيس عريق لرؤية مبتكرة”.
وأصدرت مجلة “نصوص معاصرة”، العدد 36 – 37، الذي احتوى محورًا أساسيًّا حول “الفلسفة الصدرائية بين الإبداع والانتحال”، وفيه أبحاث متعددة، الأول “الملاّ صدرا ومعضلة الانتحال“، للدكتور السيد حسن إسلامي، ترجمة: عماد الهلالي، عالج الكاتب مشكلة الانتحال في مؤلفات الملا صدرا، وطرح أسئلة عديدة منها: هل حدث انتحالٌ في مؤلّفات الملا صدرا؟ وهل يعتبر هذا عملًا غير أخلاقي؟ ما هي أدلّة المدافعين عن الملا صدرا في هذا المجال؟ وما هو مدى مقبوليّتها؟ البحث الثاني، حمل عنوان: “دفاعٌ عن فيلسوف: فيلسوفٌ مخالف للتقليد، ومقلِّدون مخالفون له”، للدكتور أكبر ثبوت، ترجمة: حسن مطر. جاء البحث الثالث بعنوان: “هدفٌ صائب وأسلوبٌ خاطىء، ملاحظاتٌ حول الدفاع عن الملّا صدرا”، ترجمة: حسن علي مطر، وأخيرًا نجد للباحث نفسه “القصور المنهجي في الدفاع عن الملّا صدرا”، ترجمة: عماد الهلالي.
وفي العام 2016 ناقشت “لمياء محمود إسماعيل عبد الجواد” أطروحة دكتوراه في “جامعة الإسكندرية” بعنوان: “نظرية الزمان بين ابن سينا وصدر الدين الشيرازي”، تناولت هذه الدراسة موضوع نظرية الزمان بين ابن سينا وصدر الدين الشيرازى، حيث بدأت بمقدمة ضمّت أهمية الموضوع ومبررات اختياره والدراسات السابقة وفكرة الزمان بين الدين والفلسفة والعلم من خلال تعريف الزمان لغة واصطلاحًا، وفكرة الزمان فى القرآن والحديث، ثم تعريفات الزمان لبعض الفلاسفة مثل أرسطو والكندي والغزالي، ثم فى العصر الحديث. كما تناولت الباحثة فكرة الزمان عند ابن سينا من خلال طبيعة الزمان وعلاقته بالحركة عند أرسطو، وتعرضت لمفهوم الزمان الإنسانى، الزمان المطلق ثم الآراء المختلفة حول وجود الزمان، لتصل إلى فكرة الزمان عند صدر الدين الشيرازى من خلال الحديث عن ماهية الزمان وعلاقته بالحركة عند الشيرازى، ثم الحدوث الزماني، وذكر بعض من الآيات القرآنية الدالّة عليه، ثم تناولت الدراسة مقارنة بين ابن سينا وصدر الدين الشيرازى من خلال بيان طبيعة الزمان وعلاقته بالحركة، حقيقة الآن، التناهي واللاتناهي، ثم خاتمة ضمت أهم النتائج التى تم التوصل إليها خلال تلك الدراسة.
وأصدر عبد المالك بنعثو دراسة هي “نظرية الفعل عند صدر الدين الشيرازي”، (منشورات الجمل)، عرض وحلل فيه ونظم تصورات صدر الدين الشيرازي الفلسفية التي تشكل وتنسج نظريته في الفعل. وذهب بنعثو نحو إثارة إشكاليات أخرى، من خلال مقاربة تسمح ببسط نظرية الفعل بشكل منسجم ومتناسق، مع الانفتاح على تصور ابن سينا وابن رشد من حين إلى آخر.
وخصصت مجلة “مسارات” الصادرة في تونس محورًا خاصًّا حول “الشيرازي”، ووضعته تحت عنوان: “الحكمة المتعالية بعيون معاصرة”، ونشرت من خلاله بحثًا لرضا أكبريان تحدث عن “الحكمة المتعالية والتفكير الفلسفي المعاصر”، والبحث الثاني لرضا داوري آردكاني، عمل على موضوع “صدر المتألهين ومحاورة الفلسفة الغربية”، وتوصّل الباحث في نهاية بحثه إلى القول بوجود تقارب كبير بين مدرسة الحكمة المتعالية والظاهراتية، وهذا ما يؤسس لإمكان حوار بين هذين التيارين. فيما عالج البحث الثالث موضوع “العلم الحضوري نظرة مقارنة”، والبحث الرابع كان للكاتب المغربي “محمد المصباحي”، الذي عالج “الخيال عند الشيرازي من منظور فلسفة ما بعد الحداثة”، وانطلق في بحثه من إشارات كان أشار إليها هنري كوربان حول وجود تشابه بين مفهوم الخيال المجرد عند الشيرازي والفيلسوف اليوناني المعاصر بام جيوتيس أ. ميكيليس (1903-1969) من جهة، وبين الخيال المتعالي، الذي قال به كانط في تأويله الهايدغيري وكذلك مع أفلاطونيي كامبردج من جهة ثانية. وتوصل بنهاية البحث للقول: إنّ الشيرازي على غرار ما بعد الحداثة أعاد الاعتبار للحكايات والقصص والأساطير، لا بالمعنى الجمالي، الذي يرى الحقيقة الواحدة عديدًا من الأوجه الممكنة التي يمكن قراءتها من خلالها، بل بالمعنى الملّي، الذي يرى في القصص عين الجد، وفي الأساطير عين المعرفة. وتابع: “إن الشيرازي لم تكن غاية مشروعه الفلسفيّ تقويض كلّ نظرية نسقية للوجود، لصالح قصص وحكايات صغيرة متناثرة، كما فعل بعض رواد ما بعد الحداثة (ليوطار)، إنّه لم يرد أن يعلن عن تهافت النظريات الأنطولوجية الكبرى لصالح نظرية هشة قلقة للوجود. لم يكن له نية أن يتخلى عن نظرية العقل المتكاملة الأطراف لصالح نظرية الخيال التي تؤمن بالممكن، بالطارىء، والذي لا نستطيع التحكم فيه، بل إنّه ظل من أنصار النظريات الكلية سواء بصدد الوجود، أو العقل، أو الخيال. إنّه حتى الخيال، الذي كان على التخوم وفي مجال الإمكان والظن والرأي في الفلسفات المشائية، دخل عند الشيرازي إلى منطقة الماهية والضرورة والعليّة، عندما رصد عالمه المثالي الخاص به رصدًا فلسفيًّا أضفى عليه معقولية تكاد تصل إلى مرتبة معقوليّة عالم العقل”.
وأخيرًا قدم الباحث محمد رضائي بحثًا حمل عنوان: “برهان الصديقين والبرهان الأنطولوجي لإثبات وجود الله بين صدر المتألهين والفلاسفة الغربيين”.
وأصدر معهد المعارف الحكمية كتابًا للسيد محمد خامنئي، حمل عنوان: “الملا صدرا والحكمة المتعالية”، تحدث فيه عن حياة الشيرازي ومؤلفاته، ثم عالج الأبواب التالية: علم الوجود (الأنطولوجيا(، وتطرق فيه إلى معرفة الوجود وأصالته وأحكامه، وعلم المعرفة (الإبستيمولوجيا(، وفيه تناول موضوعات الوجود الذهني، واتحاد العاقل والمعقول والعقل، والخيال المجرد، وقضية الإدراكات الإنسانية، ثم انتقل إلى النفس والنشور، وفيه عالج الحدوث الجسماني والمعاد والبعث، وميتافيزيقا الموت، هذا وعمل الفصل الأخير على التفسير والهرمنوطيقا.
هذا، وقد احتوى العدد 5 من مجلة “الاستغراب” الصادرة عن “المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية -بيروت” على بحثين، البحث الأول: للباحث “محمد رضا أسدي” بعنوان: “بين ملا صدرا وهايدغر – بحث مقارن في جدلية النظر والعمل”، عالج البحث العلاقة بين النظر والعمل، ووصل إلى التفريق بينهما على أرضية أنّ هايدغر يرى أنّ العمل متقدم وجودًا على النظر، في مقام تشكيل المعرفة البشرية. بينما يرى ملا صدرا، وانطلاقًا من تعريف الخاصّ لمفهومي النظر والعمل، أنّ النظر والمعرفة متقدمان على العمل في مقام تشكل المعرفة وتفضيل الإنسان على غيره من الكائنات. والبحث الثاني: لـ “نديمة عيتاني”، بعنوان: “هل تأثّر هايدغر بالشيرازي – وكيف؟ ضرورة العثور على الحلقة الضائعة”، وبحثت فيه عن تأثر فيلسوف الوجودية الحديثة بصدر الدين الشيرازي، ولذلك أسست بحثها على محورية كتاب المفكر والمؤرخ الألماني ماكس هورتن، الذي صدر تحت عنوان: “أنظومة الفلسفة عند الشيرازي” في العام 1913. وتسأل عما إذا كان هايدغر استلهم اصطلاحيته الفلسفية عن الوجود ههنا (Dassein) مستفيدًا من قراءته لمبحث أصالة الوجود عند الشيرازي.
ويُضاف إلى ما تقدم، الأوراق البحثية التي قدمت إلى المؤتمر الإقليمي “النظام الفلسفي لمدرسة الحكمة المتعالية”، والذي تخلله كلمة بحثية افتتاحية لسماحة الشيخ “شفيق جرادي”، رئيس معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية تحت عنوان: “إشكالية مبحث النظام الفلسفي للحكمة المتعالية”، واحتوى المؤتمر على ستة محاور، الأول تحدث عن “صدرا وموقعية مشروعه في سياقات الفلسفة الإسلامية”، ورد فيه بحثان، الأول للشيخ الدكتور علي جابر “صدر الدين الشيرازي وفرادته الفلسفية”، والثاني للسيد علي الموسوي “تطور البرهان العقدي عند صدر المتألهين”. أما المحور الثاني، فقد جاء بعنوان: “الوجود في فلسفة صدر الدين الشيرازي”، قُدِّم فيه بحثان: بحث حول “محورية أصالة الوجود في المدرسة الصدرائية”، وآخر “معاينة لأصالة الوجود في الفلسفة الوجودية لصدر الدين الشيرازي”، أما لمحور الثالث فانتقل لنقاش “العالم وإشكاليتي الزمان والمكان في فلسفة صدر الدين الشيرازي”، واحتوى على ثلاثة أوراق بحثية، هي “قراءة في العالم والحكمة”، “للشيخ حسن بدران”، و”مقاربة معاصرة للوجود والإمكان”، “للحاجة إنعام حيدورة”، و”دراسة في البعد الوجودي للعلم عند الشيرازي أصالة الحضور واعتبارية الحصول”، “للدكتور كمال لزيق”. واحتوى المحور الرابع متابعة للدراسات الصدرائية، لكلّ من أحمد ماجد، الذي عالج “حضور الحكمة المتعالية في الدراسات الفلسفية العربية”، والشيخ محمد زراقط “حضور الحكمة المتعالية في الدراسات الفلسفية الإيرانية”. ولم تغب النظرة النقدية عن هذا المؤتمر، فقدّم الدكتور جمال نعيم بحثًا تحت عنوان: “أسئلة منهجية حول النظام الفلسفي من خارج الحكمة المتعالية”، والباحث جهاد سعد دراسة بعنوان: “منهج المقاربة في مدرسة الحكمة المتعالية ما بين تاريخ الفلسفة ومستقبلها”. والختام كان مع مبحث الألوهي، وقدم فيه الشيخ سمير خير الدين بحثًا تحت عنوان: “قراءة في مسار الاستدلال على وجود الله”.
ملاحظات:
5- نشر 49 موضوعًا فلسفيًّا، ولكن هذه الموضوعات بقيت تدور حول الأفق التي بدأت عليها في الفترة السابقة؛ أي الحركة وأصالة الوجود واعتبارية الماهية، ولم يلحظ إلا تجديدات ضئيلة حاولت أن تقارب صدر الدين من وجهة الفلسفة الحديثة، وهذا ما مالت إليه الأبحاث التي نشرت في تونس وبعض الأبحاث التي قُدِّمت في المؤتمرات، وعلى الرغم من ذلك لا يمكن الحديث عن إيجاد أرضية لموضوعات جديدة، وحتى المقاربات التي تحمل عناوين جديدة عولجت بشكل تقليدي، ولعلّ الجانب الجديد، الذي يمكن الحديث عنه هو الميل باتجاه التفسير والتأويل عند “الملا صدرا”، وفي هذا المجال يمكننا أن نرصد 4 أبحاث متعلقة بالموضوع. إلى ذلك استمرت الأبحاث في العناوين الأخرى كالكلام 4 أبحاث، والتصوف 3 أبحاث، وبحثين تعريفيين به وبالانشغالات عليه.
6- بقيت معظم الدراسات التي تريد الحديث عن صدرا والصدرائية، تستفتح الكلام بمظلومية هذه المدرسة، وعدم توفر الدراسات الخاصة بها في العالم العربي.
الخاتمة:
مرّت الصدرائية دون شك بمرحلة إقصائية أدّت إلى ندرة الدراسات المتعلقة بها، ولكنّها بدءًا من نهاية السبعينات تحركت عجلتها، ولكنّها تتحول مع الوقت إلى فلسفة بنمط تقليدي، تعيد تكرار نفسها في الدراسات والكتب مع حديث دائم عن مظلومية وتجديد، مع العلم أنّ الكلام المتعلق بها من الناحية المعرفية قد اكتمل، ولم يعد بالإمكان الزيادة عليه، فكلّ ما يمكن أن يُقال قد قيل، وهي تحتاج إلى تفعيل محتواها دون أن تتخلى عن منطلقاتها ونظرتها الكونية لتبني قولًا فلسفيًّا جديدًا.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/15945/shirazi4/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.