by إيمان شمس الدين | أكتوبر 12, 2023 8:40 ص
إن أكبر إشكالية تواجه الإنسان هو عدم الالتفات الذهني للأولويات، والغفلة عن عملية ذات أهمية قصوى ومصيرية في حياته، وهي عملية التفكير. هذا لا يعني أنه لا يفكر، كون ممارسة التفكير ذات مراتب مشككة، وكل الناس يمارسون التفكير لكن بعمق مختلف، إلا أن الأغلبية لا تمارس مبادئ التفكير ومنهجه السليم، والذي يفترض أن يقودها من المجهول إلى المعلوم، الذي يزيل الجهل لا أن يراكمه. وتعتبر الخطوة الأولى نحو أي عملية تغيير سياسي أو ديني هي ضبط المجال الإدراكي للإنسان، ونظم علمية التفكير ومنهجيتها كونها مسؤولة عن تشكل الإدراك والوعي.
فنحن أمام معضلة فوضى التفكير، وهي إشكالية تتراكم مع التقادم نتيجة غياب التثاقف المدرسي والاجتماعي والنخبوي على وحول عملية التفكير والإجابة على سؤال كيف نفكر وبماذا نفكر.
هذه الفوضى قادتنا إلى فوضى معرفية تداخل بها ما هو حقيقي واقعي مع ما هو موهوم، هذا التداخل مع التقادم يتحول إلى حقيقة يبنى عليها واقع عملي، بل يشكل على ضوئها واقع خارجي، هو ليس واقعًا، وإنما وهمًا فرضته فوضى المعرفة وصنعت منه واقعًا خارجيًّا تتزاحم فيه الحقيقة مع الوهم. وتتشكل من هذه التزاحمات معارف مشوهة. وفي أي عملية مواجهة لهذه الفوضى التي تتحول لثقافة اجتماعية، فإن هذه المحاولة ستعتبر هجينة وغريبة ستواجه برد فعل عكسي تختلف درجاته باختلاف طرق المواجهة وشخوصها، واختلاف الواقع المستهدف ومساسه بالمصالح العامة خاصة السياسية والدينية.
إن إعادة التوازن لعملية التفكير من خلال الإجابة على سؤال: كيف نفكر؟ ولماذا نفكر؟ وبماذا نفكر؟ قد تبني أسسًا منهجية لعملية التفكير وتضعها على سكة قطارها الصحيحة، وتطلق بعد ذلك العنان للعقل ليبدأ في خوض المنهج تطبيقيًّا، ومراقبة الإنتاج المعرفي من حيث نوعيته وتأثيراته في تغيير الواقع الداخلي والخارجي للإنسان.
لعملية التفكير مراحل تختلف باختلاف الأشخاص عمقًا وتكاملًا، والمسار الطبيعي لها يكون مرتبًا على النحو التالي:
والمرحلة الأخيرة متحركة غير متوقفة، وذات مراتب مشككة تعتمد على سير الإنسان في طريق تكامله العقلي والفكري، وسعيه واجتهاده وتنافسه في هذا المجال، وهو ما يعتمد على ما راكمه من فهم ورؤية تكوينية حول ذاته ومحيطها وعلاقاتها ووظيفتها وحول عقيدته وما يريد، وماذا عليه أن يفعل؟ فكلما اجتهد وسعى نحو المعرفة وسلك مسالك معرفية سليمة منهجية للوصول، كلما تعمّق فكريًّا وبدت له الأمور أكثر قربًا من واقعها ومما عليه الحال الخارجي، الذي غالبًا ما يصنعه عوام الناس من العادات والتقاليد، وما توارثوه دون أدنى مراجعة وتمحيص.
لذلك كلما اجتهد الإنسان في نضوجه الفكري كلما تشكلت لديه صورة أقرب للواقع والتي لا تنتمي لما هو موجود من وهم خارجي صنعه الناس كواقع نتيجة تغييب عملية التفكير وحرف مساراتها أو تسطيح واقعها أو توقف أغلب الناس في المرحلة الأولى، ليصبح هناك نمو جسدي لا يوازيه نمو عقلي وفكري، فيتوقف العقل وتتوقف الأفكار في المرحلة الأولى وهي مرحلة التكوين، لذلك يصنع هؤلاء واقعهم الخارجي وهم يشكلون أغلبية الناس على أساس هذه المرحلة، ليتحول إلى واقع موهوم يفترض من العقلاء تمحيصه وتغييره خاصة من أولئك الذين وصلوا في مسارهم العقلي والفكري إلى المرحلة الأخيرة واستمروا في مسارهم ونموهم العقلي والفكري.
العوامل المؤثرة على عملية التفكير وتشكيل الأفكار
ما أثرناه في المقدمة كان وجهة نظر حول المسار الموضوعي لعملية التفكير وتشكيل الأفكار، لكن هناك عوامل تؤثر في عملية التفكير ومنهجها، وبالتالي في نوعية المعارف المنتجة وموضوعيتها وأبرز هذه العوامل هي:
– المناهج التعليمية.
– المعلم.
– الأصدقاء.
وهذه البيئة يقضي فيها الفرد أغلب وقته، وتلعب دورًا في تشكيل المرحلة الثانية من عملية التفكير، ولكنها قبلًا تؤثر بشكل كبير على المرحلة الأولى أيضًا، حيث تكون شريكًا للبيئة الأسرية في تكون هذه المرحلة وتغيير بعض ما تشكل فيها على يد الأسرة. وتخطو خطوات مهمة أيضًا في التأسيس للمرحلة الثانية لكنها إما تتعاون وتلتقي مع الأسرة في هذه المرحلة، أو تتناقض وتفترق معها ويعتمد ذلك على نوعية السلطة والمجتمع ونوعية مناهج التعليم، ومدى اهتمام هذه السلطة بالتعليم ومناهجه وكوادره.
– الجامعة.
– المحيط الاجتماعي ومدى تنوعه أو عدم تنوعه.
– مستوى المجتمع الثقافي والفكري.
– هوية المجتمع والمؤثرات الرئيسية في تشكيلها.
وهنا تلعب الدولة دورًا هامًّا في المرحلة الثالثة من عملية التفكير؛ وهي مرحلة التطوير والنمو، خاصة حينما يكتمل نمو الإنسان ويصبح فردًا فاعلًا في المجتمع. فنوعية النظام السياسي ومدى توغل السلطة الدينية وسلطتها ومدى مواكبتها من عدم مواكبتها، تؤثر بشكل مفصلي في هذه المرحلة.
ونحن هنا حينما نحدد دور كل عنصر ومدى تأثيره في كل مرحلة، هذا لا يعني غياب المؤثرات الأخرى، بل يعني غلبة مؤثر في مرحلة وقوة تأثيره على باقي المؤثرات رغم وجودها وتأثيرها لكن بشكل أقل جدًّا.
وتلعب عملية التفكير ومنهجيتها والإجابة على سؤال: كيف نفكر ولماذا نفكر وبماذا نفكر دورًا بالغ الأهمية في بناء مرجعية معيارية وقيمية للفرد والمجتمع، هذه المرجعية تلعب دورًا هامًّا في تشخيص الأصلح في المنظومة الاجتماعية.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/16143/thinking/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.