تقرير أفلوطين ودرجات المعرفة في لقاء المنتدى الفلسفي

تقرير أفلوطين ودرجات المعرفة في لقاء المنتدى الفلسفي

أقام المنتدى الفلسفي في معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية الثلاثاء 21/11/2023، الساعة 3:30 عصرًا نشاطه الشهريّ، حيث استقبل في قاعته الثقافية في السان تيريز الأستاذ الدكتور أسعد البتديني، الذي تحدث عن درجات المعرفة عند أفلوطين، وعرض الإطار العام لفلسفته، وحضر هذه اللقاء الخاص والتخصصيّ عدد من أساتذة الجامعة والأكاديميين والمهتمين.

بُدِئ اللقاء بكلمة ترحيبية من قبل مدير الجلسة الشيخ الدكتور سمير خير الدين، الذي ألقى الضوء على أهمية الموضوع، والهدف من إثارته، ثم عرّف بالدكتور البتديني حيث أشار إلى أنّه مدير سابق في قسم الفلسفة الفرع الأول في الجامعة اللبنانية، وأستاذ الفلسفة اليونانية، وأورد أسماء عدد من كتبه: “أفلاطون وجدلية الكوسموبولس والبولس”، “الفلسفة الأخلاقية الأرسطية وإشكالية الحكمة النظرية”.

بعد الافتتاح، بدأ الدكتور كلمته، فتحدث عن أهمية هذا الموضوع المثار، وتناول بعض الإشكاليات التي أثارها حضور أفلوطين في الفلسفة الإسلامية، لا سيما الأثر الذي تركه كتاب “أثولوجيا” المترجم من السريانية عبر عبد المسيح بن عبد الله بن ناعمة الحمصي – نحو سنة 220 هـ -، الذي اعتبر لفترة طويلة من الوقت لأرسطو، مما سمح بإيجاد رابط بين الأفلاطونية والأرسطية، وهذا الأمر استمر لفترة طويلة من الوقت إلى أن جاء “هار بريكو”، وتبعه “فاشر” سنة 1851، الذي أعاد النظر بالنسبة إلى كتاب أثولوجيا وأرجعه إلى أفلوطين، ولكن هذا لا يحجب الأثر الكبير، الذي تركه هذا الكتاب في الفلسفة والتصوف الإسلامي، والذي يمكن أن نلحظه في الأمور التالية:

  • اعتمده الفارابي في التوفيق بين أفلاطون وأرسطو.
  • وحدة الوجود عند ابن الفارض والسهروردي.
  • التجلّي الإلهي/ الاتصال عند ابن عربي.
  • المعرفة العرفانية عند ابن عربي.
  • وحدة المعقولات الفاربي/ ابن سينا.
  • نظرية الفيض الفارابي/ ابن سينا.

وبعد أن تحدّث عن أثر كتاب “أثولوجيا”، عاد المحاضر ليموضع أثر “أفلوطين” في التراث الفلسفيّ، حيث لاحظ الأمور التالية:

  • أفلوطين فصل بين الأول وبقية الموجودات.
  • نظم الوسائط على أساس وجود نظام متناسق.
  • قام بتنظيم العرفان، فبعدما كان هذا العلم عبارة عن أفكار متناثرة، تحوّل معه إلى مذهب متكامل.
  • تحوّل الموقف من الفلسفة، فبعدما كانت قبله في خدمة الدين، تحوّلت معه إلى قطاع معرفيّ مستقل، تعمل من أجل نفسها.
  • نظّم كيفية صدور الموجودات عن الله طبقًا لنظام معقوليّ.

انتقل بعد ذلك إلى الحديث عن أفلوطين، فأكّد على حضور أفلوطين في الفكر الفلسفي لا سيما الإسلاميّ، الذي أطلق عليه اسم “الشيخ اليوناني” باستثناء القفطي وابن النديم، اللذان أسمياه “فلوطنيوس”، وُلِد أفلوطين في ليكوبولس، ويقول الدكتور غسان خالد إنّه وُلد في المدينة التي تُسمّى أسيوط اليوم. وهو كان مسيحيًّا، ولكنّه لم يؤمن بالثالوث المقدس، وهو في ما ذهب إليه يظهر من خلال تلميذه فورفوريوس الصوري، يبدو كاتجاه مضاد للمسيحية السائدة في ذلك الحين، لأنّه في المسيحية إنزال للإله المتعالي إلى الأرض وإلباسه لباس الجسد، بينما الاتجاه الأفلاطوني، مختلف لأنّه يعلي الإنسان إلى مرحلة الفناء. تلقّى تعاليمه عند أمونيوس ساكس، الذي اعتبره بعض الباحثين كأنّه تصحيفًا لاسمه أمونيوس السقّاء. وجرى نقاش حول أصوله هل هي مشرقية أم يونانية، وهذا الأمر امتدّ إلى فلسفته التي اختُلف حولها، حيث اعتبر شارل فرنو أنّ الأفلاطونية مزيج من الفلسفة اليونانية والشرقية، في حين أنّ عبد الرحمن بدوي يعتبره فيلسوفًا شرقيًّا حتى النخاع العظمي.

قام الدكتور البتديني بعد ذلك باستعراض درجات المعرفة عند أفلوطين، حيث أورد أنّه يقسمه إلى ثلاث درجات متمايزة، هي الإحساس والنظر والعشق، وبدأ بالحديث عن الإحساس، واعتبره الوسيط ويؤدي دورًا ضروريًّا بالمعرفة، فالإحساس يعطي القدرة على المعرفة بواسطة النظر، إلا أنّه لا يعطينا إلا المعرفة الجزئية، فهو يعجز عن الوصول إلى المعرفة بذاتها، ولذلك حتى يستطيع الإنسان أن يصل إلى هذه المعرفة الحقيقية أن يتخلى عن التكثر للوصول إلى المعرفة التي تسكن إليها النفس، وهذا الأمر لا يتمّ إلا من خلال التخلي عن الإحساس والانتقال إلى النظر.

ثم تحدّث “البتديني” عن المرحلة الثانية، التي يسميها بالديالكتيك، وينسب إليها نفس القيمة التي نسبها أفلاطون للديالكتيك؛ وعلى أهمية هذه المرحلة لا بدّ من التخلص منها لبلوغ المرتبة الثالثة لأنّ التفكير الباطني هو الأصل للتخلص من الكثرة، فالمعرفة ليست كسبًا إنّما حضورًا، وهذه الحالة هي حالة الوجد والعشق، ولكن قبل الوصول إليها لا بدّ من المرور بالتأمّل، يقول فرنر إنّه هناك ضرورة لانفصال النفس عن الجسد؛ أي الوصول إلى حالة التحرّر من البدن والتطهر منه، وهذا لا يتمّ إلا من خلال ارتداد المرء على ذاته، فيبتعد عن الأصوات كافة، ويصغي إلى الصوت الذي يجده في داخله، ينبغي التخلي عن كلّ شيء لسماع الأصوات العلية. وهذا لا يتمّ إلا من خلال توافق الإنسان مع ذاته. وجد أفلوطين الحلّ بالإشراق، فالمعقولات لا ترد إلى العقل إلا بالإشراق النوراني الهابط من العالم الكونيّ، لذلك ينبغي على النفس السعي للوصول إلى المرحلة التي تتجرد بها عن الحياة البدنية فتطهر من كلّ قبح، وتدخل إلى مرحلة السعادة، والإنسان السعيد هو الذي يحيا حياة العقل واستشعار جماله الذاتي، ويبلغ الكمال، الحكيم هو من يحل فيه العقل الكليّ.

وختم بالحديث عن المرحلة الأخيرة: وهي الوجد أو العشق، وهي أغنى المراحل لأنّها المرحلة التي يصل فيها الإنسان إلى حدّ الاتصال والاتحاد المطلق، وهو وصل إلى هذه المرحلة مرتين، في هذه المرحلة يكون الإنسان خارجًا عن طوره كما قال الحلّاج ليس في الجبة إلا الله، فيسقط كلّ شيء من الموجودات ولا يبقى شيء إلا الله، وختم ما يريده أفلوطين أنّه علينا أن نترك كلّ شيء ونفرّ إلى الله.

بعد ذلك، أفسح مدير الجلسة المجال أمام الأسئلة، فتحدث عدد من الحضور، وقام الدكتور “البتديني” بتقديم إجابات عليها، ثم خُتمت الجلسة بشكر الحاضرين. 


الكلمات المفتاحيّة لهذا المقال:
أفلوطينأثولوجياتصوفدرجات المعرفةفلسفة

المقالات المرتبطة

موتوا قبل أن تموتوا-الدكتور عباس خامه يار

 الحاج قاسم سليماني، كان يبحث على مدى أكثر من أربعين عامًا بين السهول والوديان والجبال، ليلقى هذا العشق الإلهي الذي كان يطلبه دائمًا ويتمنى الوصول إليه.

الحمد وابتداع الخلق- الدرس الأوّل

“أَلْحَمْدُ للهِ الاوَّلِ بِلا أَوَّل كَانَ قَبْلَهُ، وَ الاخِر بِلاَ آخِر يَكُونُ بَعْدَهُ . الَّذِي قَصُرَتْ عَنْ رُؤْيَتِهِ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ، وَ عَجَزَتْ عَنْ نَعْتِهِ أَوهامُ اَلْوَاصِفِينَ….”.

لا يوجد تعليقات

أكتب تعليقًا
لا يوجد تعليقات! تستطيع أن تكون الأوّل في التعليق على هذا المقال!

أكتب تعليقًا

<