شرح قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي في رثاء الإمام الحسين (ع)
الموت نهاية كل حي
لكَ في الأَرضِ وَالسَماءِ مَآتِمْ قامَ فيهـــا أَبو المَلائِكِ هاشِمْ[1]
قَعدَ الآلُ لِلعَـــــــزاءِ وَقامَت باكِياتٍ عَلى الحُسَينِ الفَواطِمْ[2]
يا أَبا العِليَةِ البَهاليـــلِ سَــل آ باءَكَ الزُهرَ هَل مِنَ المَوتِ عاصِمْ[3]
المَنايا نَوازِلُ الشَـــــــعَرِ الأَبـْ يَضِ جاراتُ كُلِّ أَسوَدَ فاحِم[4]
ما اللَيالي إِلّا قِصـــارٌ وَلا الدُنـ يـا سِوى ما رَأَيتَ أَحلامَ نائِمْ[5]
اِنحِسارُ الشِفاهِ عَن سِنِّ جَذلا نَ وَراءَ الكَرى إِلى سِــنِّ نادِمْ[6]
سَنَةٌ أَفرَحَ توَ أُخرى أَسـاءَت لَم يَدُم في النَعيمِ وَالكَربِ حالِمْ[7]
المَناحــاتُ في مَمالِـــــــكِ أَبنــا ئِكَ بَدرِيَّـــــــةُ العَـــزاءِ قَوائِمْ[8]
تِلكَ بَغدادُ في الدُمـــــوعِ وَعَمّا نُ وَراءَ السَــوادِ وَالشامُ واجِمْ[9]
وَالحِجازُ النَبيـــلُ رَبـــــعٌ مُصَلٍّ مِن رُبوعِ الهُدى وَآخَرُ صائِمْ[10]
وَاِشتَرَكنا فَمِصــــرُ عَبرى وَلُبنا نُ سَكوبُ العُيونِ باكي الحَمائِمْ[11]
قُم تَأَمَّل بَنيكَ في الشَرقِ زَينُ التـ تاجِ مِلءُ السَريرِ نورُ العَواصِمْ[12]
أَمِنَ الناسُ في ذَراهُم وَطابَت عَرَبُ الأَرضِ تَحتَهُم وَالأَعاجِمْ[13]
الزَكِيّونَ عُنصُـــــــراً مِثلَ إِبرا هيـمَ وَالطَيِّبونَ مِثلَ القاسِــمْ[14]
وَعَلَيهِــــم إِذا العُيونُ رَمَتهُم عُـــوَذٌ مِن مُحَمَّــــدٍ وَتـَمائِـــــمْ[15]
قَد بَنى اللَهُ بَيتَهُــــم فَهوَ باقٍ ما بَنــــــى اللَهُ ما لَهُ مِن هادِمْ[16]
دَبَّروا المُلكَ في العِراقِ وَفي الشا مِ فَسَنّوا الهُدى وَرَدّوا المَظالِمْ[17]
وَبَنـــوا دَولَةً وَراءَ فِلَسطيــ نَ كَعابَ الهُدى فَتاةَ العَزائِمْ[18]
ساسَـــها بِالأَنـــاةِ أَروَعُ كَالدا خِلِ ماضي الجِنانِ يَقظانُ حازِمْ[19]
قُبرُصٌ كانَتِ الحَديدَ وَقَد تَنـــ ـزِلُ قُضبانَهُ اللُيوثُ الضَراغِمْ[20]
كَرِهَ الدَهـــرُ أَنيَقــــومَ لِواءٌ تُحشَــــرُ البيدُ تَحتَـــــهُ وَالعَمائِمْ[21]
قُم تَحَدَّث أَبا عَــــلِيٍّ إِلَينــــا كَيفَ غامَرتَ في جِوارِ الأَراقِمْ[22]
لَم تُبالِ النُيوبَ في الهامِ خُشـنًا وَتَعَلَّقَت بِالحَواشــي النَواعِمْ[23]
هاتِ حَدِّث عَنِ العَوانِ وَصِفها لا تُرَع في التُرابِ ما أَنا لائِمْ[24]
كُلُّنــــا وارِدُ السَـــرابِ وَكُلٌّ حَمَلٌ في وَليمَــةِ الذِئبِ طاعِم[25]
قَـــد رَجَونـــــا مِنَ المَغانِمِ حَظًّا وَوَرَدنــا الوَغى فَكُنّا الغَنائِمْ[26]
مآثر الحسين[ع]
قَدْ بَعَثتَ القَضِيَّةَ اليَومَ مَيتًا رُبَّ عَظمٍ أَتى الأُمورَ العَظائِمْ[27]
أَنتَ كَالحَقِّ أَلَّفَ الناسَ يَقظا نَ وَزادَ اِئتِلافَهُـــم وَهوَ نائِمْ[28]
إِنَّما الهِمَّــــةُ البَعيــــدَةُ غَرسٌ مُتَـــأَنّي الجَنى بَطيءُ الكَمائِمْ[29]
رُبَّما غابَ عَن يَدٍ غَرَسَـــــتهُ وَحَوَتــــهُ عَلى المَدى يَدُ قادِمْ[30]
حَبَّــــذا مَوقِفٌ غُلِبتَ عَلَيــهِ لَم يَقِفـــهُ لِلعُربِ قَبلَكَ خادِمْ[31]
ذائِدًا عَن مَمالِكٍ وَشُعوبٍ نُقِلَت في الأكُفِّ نَقلَ الدَراهِمْ[32]
كُلُّ ماءٍ لَهُـــــم وَكُلُّ سَماءٍ مَوطِئُ الخَيلِ أَو مَطارُ القَشاعِمْ[33]
لِمَ لَم تَدعُهُم إِلى الهِمَّةِ الشَمْـ مَاءِ وَالعِلـمِ وَالطِماحِ المُزاحِمْ[34]
وَرُكوبِ اللِجاجِ وَهيَ طَواغٍ وَالسَمَواتِ وَهيَ هوجُ الشَكائِمْ[35]
وَإِلى القُطبِ وَالجَليدُ عَلَيــــهِ وَالصَحاري وَما بِها مِن حَمائِمْ[36]
تكفين الحسين (ع)
اِغسُلوهُ بِطَيِّبٍ مِن وَضوءِ الرْ رُسلِ كَالوَردِ في رُباهُ البَواسِم[37]
وَخُذوا مِن وِسادِهِم في المُصَلّى رُقعَةً كَفِّنـــوا بِها فَرعَ هاشِمْ[38]
وَاِستَعيروا لِنَعشِهِ مِن ذُرى المِنـ بَرِ عودًا وَمِن شَريفِ القَوائِمْ[39]
وَاِحمُلوهُ عَلى البُراقِ إِنِ اِسطَعـ تُم فَقَد جَلَّ عَن ظُهورِ الرَواسِمْ[40]
وَأَديروا إِلى العَتيقِ حُسَـــينًا يَبتَهِل رُكنُهُ وَتَدعـــو الدَعائِمْ[41]
وَاِذكُروا لِلأَميرِ مَكَّةَ وَالقَصـ رَ وَعَهدَ الصَفا وَطيبَ المَواسِمْ[42]
ظَمِئَ الحُرُّ لِلدِيــــارِ وَإِن كا نَ عَلى مَنهَــــلٍ مِنَ الخُلدِ دائِمْ[43]
نَقِّلوا النَعشَ ساعَةً في رُبا الفَتــ حِ وَطوفـوا بِرَبِّهِ في المَعالِمْ[44]
وَقِفوا ساعَةً بِهِ في ثَرى الأَقـ مارِ مِن قَومِهِ وَتُربَ الغَمائِمْ[45]
دفن الحسين (ع)
وَاِدفُنوهُ في القُدسِ بَينَ سُلَيما نَ وَداوُدَ وَالمُلــــــوكِ الأَكارِمْ[46]
إِنَّما القُدسُ مَنزِلُ الوَحيِ مَغنى كُلِّ حَبرٍ مِنَ الأَوائِلِ عـــــالِمْ[47]
كُنِّفَت بِالغُيوبِ فَالأَرضُ أَسرا رٌ مَدى الدَهرِ وَالسَماءُ طَلاسِمْ[48]
وَتَحَلَّتْ مِنَ البُراقِ بِطُغَــــــرا ءَ وَمِن حافِـــرِ البُراقِ بِخاتِـــمْ[49]
حول القصيدة
يجري عادة تأبين الفقيد بُعيد وفاته بأيام قلائل، فتكتب قصائد الرثاء، وتُلقى الخطب العصماء التي تعدّد مآثره وتبرز صفاته، وتبين ما أصاب المجتمع جراء فقده، وأحيانًا يجري تأبين شخص ما إذا حلّت ذكرى ميلاده أو ذكرى فقدانه، ذلك لعظيم تأثيره في المجتمع، ولأن فقدانه يعدُّ مصابًا جللًا حلّ بالأمة وخسارة كبيرة ألمّت بها.
والحسين بن علي (ع) من أولئك الذين لا تغيب ذكراهم عن عامة الناس وخاصتهم على حد سواء، ذلك لأن فقدانه يعد من المصائب العظيمة التي تركت أثرًا بالغ السوء في نفوس المسلمين، وظلّت قصة مقتله حديث الناس في كل زمان ومكان.
ولم يفت الشاعر أحمد شوقي الملقب بأمير الشعراء أن يرثي الحسين بعد وفاته بمئات السنين بقصيدة تعبر عما يجيش في نفوس المسلمين من مشاعر حزينة متدفقه نحوه.
بدأ الشاعر قصيدته بذكر الحسين وآبائه، وحديث مقتضب عن الموت، الذي لا عاصم منه، فهو نهاية كل حي، ثم تحدّث عن الحزن، الذي عمّ أرجاء الأمة على مقتله. بعد ذلك بدأ الشاعر حديثًا شبه مفصل عن المجد، الذي صنعه من قال إنهم أبناء الحسين، ربما يقصد من جاؤوا من بعده، تمثل هذا المجد في الفتوحات التي تمت في عهدهم، وأعقبه بحديث عن مغامرات الحسين وشجاعته، إلا أن الضعف البشري يقف دائمًا حائلًا دون بلوغ المراد، فيتيقن الإنسان أن ما يرده ليس إلا سرابًا يلمع من بعيد، حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا. أما مآثر الحسين وهمته فشغل الحديث عنها حيّزًا كبيرًا، هو في رأيي يمثل صلب القصيدة.
ثم اختتم الشاعر قصيدته باستحضار يوم وفاة الحسين ومراسم تكفينه ودفنه، وكأن هذا اليوم يعود من جديد، فيصور ما كان يجب أن يفعله القوم تكريمًا له وإجلالًا لشخصه، الذي قلّ أن يجود الزمان بمثله في أخلاقه ومآثره، رضي الله عنه وأرضاه.
والقصيدة لا تخلو من اللمحات الأدبية، ففي مستهلها يفاجئنا شوقي بأبيات من الممكن أن تجري مجرى الحكمة في وصف الدنيا والتقليل من شأنها من قوله: “المنايا نوازل الشعر الأبيض ..”، إلى قوله: “لم يدم في النعيم والكرب حالم”، أما الحزن على مقتل الحسين فتحدث عنه الشاعر في خمسة أبيات بدأها بكلمة (المناحات) التي قد يراها البعض ثقيلة في لغة الشعر، لكنها هنا مناسبة أشد التناسب ولا تؤدّي كلمة غيرها المعنى الذي يقصده الشاعر في هذا المقام كما أدته هذه الكلمة، بعدها رسم صورة للحزن في كل بلدان المنطقة فأبدع في تصويره.
انتقل بعد ذلك إلى الحديث عمن أطلق عليهم أبناء الحسين (قم تأمل بنيك ..)، ربما يقصد من جاؤوا من بعده فوصفهم فأحسن وصفهم، ووفاهم ما يستحقون من تكريم، ولم يفته أن يشير إلى أن عناية الله تعالى قد شملتهم فقال:
قَد بَنى اللَهُ بَيتَهُــــم فَهوَ باقٍ ما بَنــــــى اللَهُ ما لَهُ مِن هادِمْ
وهذا البيت من الأبيات الجميلة في القصيدة، ويمكن للشطر الثاني أن يجري مجرى الحكمة، ثم أشاد الشاعر بما فعلوه نصرة لدين الله، ونشره في بقاع الأرض، وقد أحسنوا تدبير الملك، وفتحوا الممالك، وأقاموا العدل بين الناس وردوا المظالم إلى أهلها.
ولكن من قوله: “وبنوا دولة ..”، إلى قوله: “تحشر البيد تحته والعمائم”، معنى الأبيات غير واضح ويستلزم الإلمام بتاريخ تلك الفترة، ليتضح ما خفي مما يقصده الشاعر.
بعد ذلك يتحدث الشاعر عن مقتل الحسين فيخاطبه وهو في التراب، ويسأله أن يحدثه عن مغامراته مع الخبثاء وأولئك الذين قابلوه مسلحين فلم يبال بهم وتعلق بمن كانوا معه من النساء، وطلب منه أن يحدثه عن القتال، الذي دار بينه وبينهم، ويعده بأنه لن يلومه فلا يخاف، فهو يلتمس له العذر لطيبته المفرطة ونبل مقصده، فهذا ما قاده للسراب مثل كل من كان مثله، وقد اختصر الشاعر ذلك في قوله: “وكلٌ في وليمة الذئب طاعم”.
ثم يعدد الشاعر مآثر الحسين [ع]، ومناقبه، فقد بعث بمقتله قضية الحق والباطل، ويشبهه بالحق لأنه ألّف بين الناس وهو حي، وألّف بينهم بعد موته، وهنا يأتي بتعبير جميل وهو (الهمة البعيدة)، فيشبهها بنبات لا تأتي ثماره في الحال، ولكن تأتي بعد مدة طويل قد تصل إلى عدة أعوام، وربما يجني ثمرتها من لم يقم بغرسها، ويثني على موقف الحسين، الذي لم يقف موقفه رجل قبله أراد خدمة العرب، فقد دافع عن ممالك وشعوب، كانت تتنقل بين الحكام كما تتنقل الدراهم في الأكف.
وفي بيت واحد يعدد الشاعر ما اتصف به الحسين في حياته، فقد كان ذا همة شماء لا تقبل الضيم .. وذا علم واسع المعرفة .. وكان طموحًا يدعوه طموحه إلى مزاحمة الكبراء ليجد لقدمه مكانًا في مقدمتهم، كما يدعوه إلى ركوب البحار مع ما يكتنفها من أخطار، وإلى مقاربة السماء بأخلاقه وأفعاله، والذهاب إلى القطب وهو أبعد مكان في الأرض وإلى الصحراء وما بها من حمائم، تأتي هذه الصفات في صورة عتاب يوجهه الشاعر إلى الحسين لأنه لم يدع هذه الشعوب لهذه المناقب.
ختام القصيدة تضمن حديثًا شائقًا عن تكفين الحسين ودفنه، فأهاب بالقوم أن يغسلوه بماء وضوء الرسل، وأن يكفنوه في رقعة من وسادهم، وأن يطيبوا نعشه من أعلى المنبر ومن قوائمه الشريفة، ثم يحملوه على البراق إن استطاعوا، فهو أجل من أن يحمل على ظهور النوق أو الإبل، وأن يديروه للبيت العتيق، فيبتهل ركنه وتدعو له الدعائم، وأن يذكروا له مكة وعهد الصفا والمواسم الطيبة، فهو ظامئ لهذه الأماكن المقدسة، وإن كان على منهل، لا ينقطع ماؤه في جنة الخلد، وأن ينقلوا النعش في ربا البلاد التي تم فتحها ويطوفوا به في معالمها. وأخيرًا يطلب منهم الشاعر أن يقفوا بالنعش على ثرى دفن فيه أكابر قومه وصغارهم.
أما دفن الحسين فقد أهاب الشاعر أن يدفنوه في القدس مع نبي الله داود ونبي الله سليمان (ع)، والملوك الكرام، فالقدس فيها منزل الوحي لأنبياء الله (ع)، وبها بيوت أحبار الأمة وعلمائها الفضلاء، واكتنفتها الغيوب، فأرضها أسرار وسماؤها ألغاز، وزينت القدس بالطغراء، وهو الكبير من كل شيء، وهنا من الحلي، كما حلاها أثر حافر البراق بها فهو كالخاتم.
[1] في هذا البيت يخاطب الشاعر الحسين (ع) مخبرًا إياه بأن الحزن عليه عم الأرض والسماء فأقيمت له فيهما مآتم، وهاشم هو جد الحسين (ع) لأبيه وأمه.
[2] الآل هم آل البيت، والفواطم هن أخوات الحسين بنات فاطمة الزهراء.
[3] العلية هم وجهاء القوم، والزهر جمع أزهر وهو الأبيض الحسن من الرجال، وأيضًا بمعنى مشرق الوجه المستنير، والبهاليل جمع بهلول بضم الباء ومعناها السيّدُ الجامع لصفات الخير، المَرِحُ الضحّاك، والاستفهام هنا للنفي؛ أي لا عاصم من الموت.
[4] المنايا جمع منية وهي الموت، فاحم: شديد السواد، فالموت لا يفرق بين أصحاب الشعر الأبيض؛ أي الشيبان، وأصحاب الشعر الأسود؛ أي الشبان.
[5] هنا تقرير بأن الليالي قصيرة والدنيا ليست سوى ما يرى النائم في أحلامه.
[6] انحسار الشفاه عن سن جذلان كناية عن الضحك فرحًا وسرورًا، وانحسارها عن سن نادم كناية عن الحزن والحسرة، والدنيا تنحصر بين هذا وذاك وهنا كناية قصر العمر مهما طال.
[7] الكرب: شدة الحزن والاغتمام، والمعنى: أن العمر هو سنة تؤدي إلى الفرح وسنة فيها يساء المرء، فلا يدوم حالم في النعيم ولا في الكرب.
[8] يصف الشاعر هنا البكاء شبه المتصل على الحسين [ع] بأنه مناحات بدرية العزاء، نسبة إلى موقعة بدر الكبرى؛ أي إن الشاعر بهذا ضم الحسين إلى شهداء بدر.
[9] السواد هنا كناية عن الحزن، واجم: الواجم هو الذي اشتد حزنه حتى سكت عن الكلام، فالمعنى أن بغداد تغرق في الدموع وتقف عمان وراء السواد حزنًا، واشتد حزن الشام حتى صار كالواجم، الذي أمسك عن الكلام لشدة حزنه.
[10] أما الحجاز ففيه ربع من ربوع الهدى مصلّ، وربع صائم.
[11] واشتركت مصر في قافلة الحزن، وسكب لبنان الدموع من عيونه.
[12] السرير هنا: الملك والنعمة، والشاعر يصف أبناء الحسين [ع]، – أو من قال إنهم أبناؤه – بأنهم يزينون تاج الملك، وأنهم ذوو أقدار عظيمة في الحكم، وأنهم نور عواصم الأمصار.
[13] في ذراهم: في حماهم والذرى: الكن .. والذرى ما كنك من الريح الباردة من حائط أو شجر، تحتهم أي تحت حكمهم؛ أي إنهم نشروا الأمن بين الناس سواء العرب أو الأعاجم.
[14] وهنا يصفهم الشاعر بأنهم ذوو عنصر طاهر مثل إبراهيم، وبأنهم ذوو أصل طيب مثل القاسم، وإبراهيم والقاسم ابنا رسول الله (ص).
[15] العوذ: ما ينعوذ به مما يجلب الشرور مثل الشياطين، والتمائم جمع تميمة وهي ما يعتقد أنها تقي من الحسد، وهؤلاء لا يخشى عليهم من الشياطين ولا من أعين الحاسدين.
[16] البيت كناية عن أنهم في حمى الله تعالى، والبيت الذي يبنيه الله لا يهدمه أحد من خلقه.
[17] أي دبروا أمور الملك في العراق وفي الشام، فجعلوا الهدى طريقًا يتبع، وردوا المظالم ونشروا العدل بين الناس.
[18] كعاب الهدى: وصف الدولة بأنها كعاب الهدى؛ أي قامت على أساس من العدل والحق، ووصفها بأنها فتاة العزائم؛ أي ذات عزيمة قوية حين بلغت سن الرشد.
[19] ساسها بالأناة: فادها بالتروي والحكمة، ماضي الجنان: شجاع، يقظان: متنبه، حازم: قاطع برأيه، لا يتردد في قراره.
[20] الليوث الضراغم: الأسود القوية الفتاكة، ومعنى البيت أن قبرص – على ما بدا لي – لم تستعص على العرب الفاتحين ولو أنها كانت منيعة عليهم، ورمز الشاعر لمنعتها بأنها كانت حديدًا.
[21] البيد: الصحراء، وقد رمز الشاعر بالبيد والعمائم للعرب لأنهم يعيشون في الصحراء ويلبسون العمائم وهي غطاء الرأس، والشاعر يقرر هنا أن العرب لا يخضعون لغيرهم من الأمم.
[22] الأراقم: جمع الأرقم وهو أخبث الحيات، أو ما كان من الحيات فيه سواد وبياض، يخاطب الشاعر الحسين [ع] ويكنيه بأبي علي فيطلب منه أن يتحدث كيف عاش مغامرًا بحياته وسط الخبثاء من الناس الذين يضمرون الشر بغيرهم كالحيات الخبيثة.
[23]خشنًا: كتيبة خشناء كثيرة السلاح ومعشر خشن مسلحون، والشطر كناية عن شجاعة الحسين [ع] وإقدامه، فهو كان لا يبالي الأعداء وهم مسلحون، وتعلق بجوانب الحياة الناعمة؛ أي إنه كان مقدامًا في الحروب التي خاضها لم يركن إلى حياة الدعة والرفاهية، ويمكن فهم الشطر الثاني أنه تعلق بأخواته خوفًا عليهن من الأعداء، فغامر بحياته دفاعًا عنهن، وهو المعنى الأقرب هنا.
[24] العَوَانُ: المتوسِّطةُ في العمر بين الصِّغر والكبر من إناث الحيوانات. وفي التنزيل: ﴿لا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾، والعوان أيضًا: الحرب التي تسبقها حرب، في هذا البيت يطلب الشاعر من الحسين أن يحدثه عن الحرب التي خاضها، وقتل فيها.
[25] وهنا يخبره بأن كل الناس يردون السراب؛ أي إنهم لا يجدون ما يبحثون عنه حقيقة وإن لمع في أعينهم، فهو كالسراب، فكل الناس حملان تطعم من وليمة الذئب، كناية عن الضعف البشري.
[26] يقرر الشاعر أنهم كانوا يردون الحروب رجاء أن يظفروا بالغنائم، فكانوا هم الغنائم.
[27] يشير الشاعر في هذا البيت إلى أن مجرد ذكر سيرة الحسين وما وقع عليه من ظلم وغدر يثير قضية الحق والعدل حتى وهو ميت، فكأنه وهو ميت يبعث هذه القضية في كل نفس، وقليلًا ما يأتي عظم امرئ بعظائم الأمور.
[28] يشبّه الشاعر الحسين بالحق لأنه ألّف الناس وهو حي، وزاد من ائتلافهم وهو راقد في التراب.
[29] الكمائم جمع كمامة وهي ما يوضع على منخر البهيمة لكي لا يؤذيها الذباب، وهي أيضًا وعاء الطلع وغطاء النَّوْر للنبات، يرى الشاعر أن الهمة التي يظهر أثرها على المدى البعيد هي نبات لا يأتي ثمره في الحال، أو على المدى القريب، ولكن يأتي بعد حين، ويظهر طلعه ببطء.
[30] الحديث عن النبات الذي لا يأتي ثمره في الحال، فاليد التي غرسته قد لا تكون هي اليد التي تجنيه، وإنما تجنيه يد أخرى.
[31] أي إن الموقف الذي غلب عليه الحسين، والذي يحبذه الشاعر، لم يقفه قبله رجل أراد خدمة العرب.
[32] ذائدًا: حال؛ أي إن الحسين فعل ذلك وهو يدافع عن ممالك وشعوب كانت تنقل بين الحكام كما تنقل الدراهم من كف لكف.
[33] القشعم: الرجل المسن وأيضًا النسر والرخم، وتجمع قشاعم؛ أي تحولت مياه هذه الممالك إلى أماكن ترابط فيها الخيول، وسماؤهم تنطلق منها النسور والطيور الجارحة والبيت كناية عن القوة.
[34] في هذا البيت والبيتين التاليين يأخذ الشاعر على الحسين أنه لم يدع هذه الشعوب إلى الإتيان بالهمم العالية القيمة، وتحصيل العلم، والطموح الذي يجعل صاحبه يزاحم غيره على المراتب العلى.
[35] اللجاج؛ أي البحار على سبيل المجاز المرسل جمع لجة، وطواغ جمع طاغية، الشكائم جمع شكيمة وهي قوة القلب، يقال قوي الشكيمة أي لا ينقاد، أيضًا يأخذ عليه أنه لم يدعُهم إلى ركوب البحار الطاغية، والتحليق في السماوات وهي قوية الريح، والبيت كناية عن ركوب الأخطار وتكبد المشاق في سبيل الوصول إلى الغاية، وتحقيق المراد.
[36] أيضًا لم يدعهم إلى الذهاب إلى القطب والجليد عليه، ولم يدعهم إلى الصحاري التي تطير فيها الحمائم، وفي الديوان: وما (بها من سمائم: جمع سموم)، وينسجم المعنى أيضًا؛ إذ إن ذلك يندرج تحت الهمة العالية أيضًا.
[37] يستحضر الشاعر هنا يوم وفاة الحسين فيهيب بالناس أن يغسلوه بماء وضوء الرسل الطيب مبالغة في طهارته، كما يغسل الورد في رباه المتبسمة.
[38] وأوصاهم أن يكون الكفن رقعة من وساد الرسل في مصلاهم، وفرع هاشم هو الحسين [ع].
[39] ذرى المنبر: أعلاه، والقوائم أعمدته التي يقوم عليها، فالشاعر يطلب من الناس أن يطيبوا النعش من أعلى المنبر ومن قوائمه الشريفة.
[40] الناقة الرسوم: حسنة السير، وتجمع رواسم وهو المعنى الأقرب هنا، يقول الشاعر: وإن استطاع الناس أن يحملوا النعش على البراق فليفعلوا، فهو أجلّ من أن يحمل على النوق حسنة السير.
[41] العتيق؛ أي البيت العتيق، فالشاعر يطلب من الناس أن يديروا نعش الحسين إلى البيت العتيق وحينذاك يبتهل الركن؛ أي ركن البيت وتدعو له دعائمه بالرحمة.
[42] ويهيب بالقوم أن يذكروا للأمير مكة والقصر وعهد الصفا والمواسم الطيبة، وهي أماكن يتوق إليها الحسين [ع]، ومعنى البيت مرتبط بمعنى البيت الذي يليه.
[43] فقد ظمئ الأمير للديار وإن كان مقامه على منهل لا ينقطع ماؤه في جنة الخلد.
[44] وطلب الشاعر من القوم أن ينقلوا النعش في ربا البلاد التي فتحها وأن يطوفوا بصاحبه في معالم هذه الأماكن.
[45] والغمائم: صغار النجوم الخفية، والشاعر يقصد هنا صغار القوم، ويهيب الشاعر بالناس أن يقفوا ساعة في ثرى الأقمار من قومه أي كبار القوم، وصغارهم.
[46] هنا يطلب الشاعر من القوم أن يدفنوا الحسين في القدس مع نبي الله سليمان ونبي الله داود ومع الملوك الكرام.
[47] فالقدس منزل الوحي للأنبياء (ع)، وبها بيوت أحبار الأمة وعلمائها الأوائل.
[48] والقدس تكتنفها الغيبيات، وعلى مدى الدهر تكتنف الأرض أسرار وتكتنف السماء ألغاز.
[49] تحلت: ازينت، الطغراء: الكبير من كل شيء، وخط طغراء كبير وواضح، ويعني بها الشاعر هنا الحلي الكبيرة، يقول الشاعر: إن أقدام البراق الذي حمل النبي (ص) إلى القدس في رحلة الإسراء والمعراج زينها بحلي كبيرة وازينت من حافره بخاتم.
المقالات المرتبطة
تجلي الأخلاق الإلهية في الإمام الحسين (ع)*
تعتبر أخلاق الإمام الحسين (ع) موضوعًا يستحق البحث والتأمل، حيث يُعَدُّ قدوةً أخلاقيةً للبشرية جمعاء. إن قصة صموده وتضحيته في معركة كربلاء أصبحت مرجعًا أخلاقيًّا يُلقِّن لنا دروسًا
تأمّلات في فلسفة الفلسفة الإسلامية قراءة أولية في كتاب يزدان بناه
يعدّ كتاب تأمّلات في فلسفة الفلسفة الإسلامية للشيخ الدكتور يد الله يزدان بناه
الروحانيّة الحديثة والتصوّف الإلحادي* (10)
مذهب فلسفي اعتقادي إلحادي غير ديني، يسعى للإجابة عن الأسئلة الحياتية الكبرى (الله، الكـون، والإنسان) عبر التجربة الغنوصية. تقـوم على الفلسفات الشرقية، وبعض الديانات الوثنية
أعظم الله أجوركم.
هذه القصيدة ليس لها علاقة بالإمام الحسين عليه السلام.
وهي قصيدة قالها أحمد شوقي في رثاء الشريف حسين بن علي، أمير مكة الذي خدعه الإنكليز، وهو والد الملك فيصل الأول، ملك العراق، وعبد الله أمير شرقي الأردن ثم ملك الأردن.
والغريب هو أن كاتب التعليق يحمل شهادة دكتوراه، ينبغي أن تعلمه المنهجية. وقد شرح القصيدة فينبغي أن تستوقفه معانيها التي لا علاقة لها بالإمام الحسين.
كذلك فإن المشرف على الصفحة كان عليه أن يقرأ المكتوب قبل أن يضعه على الموقع
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، نشكر لكم هذه الملاحظة القيمة، وهذا الأمر سيحال إلى كاتب البحث، ومشرف الصفحة يقوم بتقييم بنية النص، دون التدخل بمحتوى الأفكار وشرط أن لا تكون تحتوي على تجريح، لذلك سنأخذ المعلومة بعين الإعتبار تاركين لصاحب البحث توضيح ذاك
قرأت تعليق الأستاذ الكريم حول شرحنا لقصيدة أحمد شوقي في رثاء الإمام الحسين (ع)، وأن القصيدة في رثاء الشريف الحسين بن علي، واتهمنا بعدم قراءة القصيدة جيدًا.
وردنا له جزء تاريخي، وجزء شعري أدبي
التاريخ يقول: إن الشريف حسين خسر ملك الحجاز وسوريا ولبنان، وبقي ولداه في العراق وشرق الأردن، وتم نفيه عام 1926في قبرص، وعاد قبيل وفاته في تموز عام 1931 بعد أن خمد ذكره ولم يتبق منه شأن. خاصة أنه كان يتعاون مع الأعداء الإنجليز الذين خدعوه. وتسابق مع الأسرة السعودية لنيل الرضا الاستعماري.
وأحمد شوقي مات بعده بعام، ولم يكن لدي الشريف حسين ما يغري في رثائه، وإذا كانت بعض أبيات القصيدة تشير إلى الشريف حسين وغيره أيضًا، لكنها مليئة بالفواطم والأصحاب والبكاء في رمزية واضحة لسيد الشهداء، يمكن للأستاذ الرجوع إليها وإلى شرحنا، خاصة الأبيات التي فيها تورية شعرية رمزية.
والحقيقة أن أحمد شوقي في شعره الديني كان يبدأ من الخاص إلى الرمز، ويظهر هذا بوضوح في المديح النبوي كما ذكرنا في كتابنا (صفوة الشوقيات)، فهو في القصيدة إلى عرفات الله بدأ بالخاص الخديوي عباس وأشار بـ (ابن محمد)، ثم انطلق في شرحه ومديحه إلى الرسول والحج والحجاج.
ولم تكن كربلاء غائبة عن أمير الشعراء، فتراه في ثنايا أشعاره يتفجع لما أصاب الحسين وآله
هذا الحسين دمه بكربلا روى الثرى لما جرى على ظما
واستشهد الأقمار أهل بيته يهوون في الترب فرادى وثنا
ابن زياد ويزيد بغيا والله والأيام حرب من بغى
لولا يزيد بادئًا ما شربت مروان بالكأس التي بها سقى
وله أيضًا.
وأنت إذا ما ذكرت الحسين تصاممت لا جاهلًا موضعه
أحب الحسين ولكنني لساني عليه وقلبي معه
حبست لساني عن مدحه حذار أمية أن تقطعه
ويطيب لشوقي أن يربط الحوادث بيوم الحسين، فتراه في رثاء الزعيم مصطفى كامل باشا يقول:
المشرقان عليك ينتحبان قاصيهما في مأتم والداني
ومنها :
يزجون نعشك في السناء وفي السنا فكأنما في نعشك القمران
وكأن نعش الحسين بكربلا يختال بين بكى وبين حنان.
ويقول في أخرى عنوانها (الحرية الحمراء):
في مهرجان الحق أو يوم الدم مهج من الشهداء لم تتكلم
يبدو عليها نورَ نورُ دمآئها كدم الحسين على هلال محرم
وعندما نعود لنقد الأستاذ الكريم نجد أنه أخذ علينا عدم الانتباه لبعض أبيات القصيدة، ونحن أيضًا نأخذ عليه أنه لم ينتبه لكل القصيدة لأنها مملوءة بذكر الحسين وآله خاصة بالفواطم، والشريف حسين وإن كان من السادة فلم يكن لديه من الفواطم من يبكينه.
وفي حالة صحة الادعاء بأن الرثاء للشريف دون سيد الشهداء لكنها كلها تنطبق على الإمام الحسين (ع) دون غيره.
هذا والله ولي التوفيق.
دكتور محمود السيد الفخزاني