من منهج محمد وشجاعة علي كان حصنًا إلهيًّا ورجلًا فدائيًّا
الإمام الراحل روح الله الخميني (قده)
عندما نتحدث عن شخصية ونهج الإمام الخميني (قده) هو نفس الحديث عن الإسلام الرسالي والتدين الواقعي، والشخصية المثالية والنموذجية التي تبلور فيها منهج الرسول محمد (ص). كانت شخصية الإمام مرآة انعكست فيها كل المقومات العلمية والعملية للإنسان الذي يصدق عليه إنه الإيمان الناطق.
كان الإمام فقيهًا ومحدّثًا ومفسّرًا، وفيلسوفًا ومتكلمًا وعارفًا، وسياسيًّا وقائدًا وثائرًا، ورجل دولة من الطراز الأول، وقد اصطبغت حياته المباركة كلها بالصبغة العرفانية الصافية والصادقة في القول والفعل، وكانت تلك الخصائص التي امتلكها الإمام الخميني (قده) لها تأثير واضح في منهجه الفكري والعملي، فاتصف بالدقة العلمية والدينية والعمق والسعة والقوة والإحكام، وأورثت الاطمئنان لدى الواردين لحياضه الصافية في الفكر والعمل.
تجلّت في شخصية الإمام الراحل كل صفات الإنسان المثالي الذي بدأ حياته بالعلم والتقوى والإيمان والعمل الجاد والدؤوب، فلم يخف في الله لومة لائم، ولم تمنعه كل الحواجز المادية والدنيوية عن أن يجسد الحقائق الإسلامية الأصيلة، فهو بالتأكيد يمثل منهج الرسول الأكرم، ويستمد من تلك الشخصية العظيمة كل الصفات المذكورة أعلاه، والحديث عن منهج وشخصية الإمام له أهمية خاصة؛ لأنها تشكّل الملاك والمعيار الواقعي للإنسان المستقيم، وللشخصية الصالحة. وعلى كل، فإن بعض العلماء يرى أن الخصائص التي اجتمعت في شخصية الإمام الخميني (قده) لـم تجتمع في إنسان غيره في عصر الغيبة الكبرى، لـهذا تم وصفه في أكثر من موقع بأنه أعظم إنسان في عصر الغيبة الكبرى.
عندما نقول بأن منهج الإمام الراحل مستمد من منهج الرسول محمد (ص)، لأنه مبني على أساس التوحيد الذي جاء في الرسالة المحمدية، فكانت عقيدة التوحيد عند الإمام الخميني هي التي تحكم فكره ومشاعره وسلوكه ومواقفه، ويرى الواقع وجميع شؤون الحياة على أساسها، ويسعى لصياغة الواقع كله على أضوائها القدسية النيرة، وذلك بالتأكيد وفق أحكام الشريعة الإسلامية مع الأخذ بعين الاعتبار خصائص الزمان والمكان والموضوع والأبعاد الشمولية للدين على كافة الأصعدة والمستويات، ومن أهم ما جاء في منهج الإمام الخميني (قده) هو الواقعية والشمولية، حيث مهدت هذه الخاصية الطريق لطرح الإسلام باعتباره حضارة راقية عملت على إشاعة الوعي والتقدم والصحوة في المجتمع الإسلامي.
لقد اهتم الإمام بقضايا العالم الإسلامي وعالجها بواقعية، وكشف عن الخطوط المقابلة لهذا التوجه، فترك تأثيرًا كبيرًا على الشعوب الإسلامية.
وبالحديث عن شجاعة الإمام الخميني (قده) فهو يستمد تلك الشجاعة من جده الإمام علي (ع)، وكما يتم وصف شجاعة أمير المؤمنين بأنها كالشمس في رابعة النهار، فإن شجاعة الإمام الخميني كانت نادرة قل مثيلها لما یمتلكه من الجرأة الكافیة، والشهامة القویة، فهو لم يعرف الخوف طوال حياته.
إن صلابة الإمام الخميني الراحل كانت نتيجة الإيمان والمعرفة التي أودعها الله في قلبه، فقد أيقظت شجاعة الإمام مشروع الجهاد ضد الاستكبار والطواغيت من سباته العميق، ومعه تعرّفنا إلى الوجه الأصيل للإسلام؛ الإسلام المقاوم والمدافع عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، الإسلام الذي يرفض الذل والمهانة من أي جهة جاءت، وفي أي زيٍّ تزيّت.
كان الإمام همّامًا مقدامًا، بطلًا ضرغامًا، صاحب العزم الراسخ، لا يُجارى في بطولته ورجولته، جرأة وحماسة وبسالة، حيّرت الدنيا؛ إذ لم تُبصر مثيلًا له في وقتها المعاصر، فهو من الأشخاص المعدودين الذين وقفوا في وجه الطاغوت بهذا الشكل، فاستطاع أن يحطّم الأصنام والأنظمة الظالمة، وأزال عقائد الشرك، وأفهم الجميع أن صيرورة الإنسان إنسانًا حرًّا ليست أسطورة، وأفهم الشعوب أن الاقتدار وكسر قيد الأسر وتوجيه ضربة إلى المتسلطين هي أمور ممكنة.
إن الإمام الخميني حالة فريدة في المرجعيات الشيعية والقيادات الإسلامية، فلم يشهد تاريخنا الإسلامي المعاصر شخصية مثله، امتلكت الشجاعة والإصرار على المواصلة والتحدي رغم كل التحديات والظروف، من أجل تحقيق هدف الإسلام في إقامة حكم الله في الأرض.
وعلى مستوى الرؤية، كانت رؤية الإمام الخميني واضحة لحقيقة الصراع مع الاستكبار منذ الأيام الأولى، كما تميز القائد بقدرته على التنبؤ بالمستقبل، وهذا ما أثبتته لا سيما في القضية الأولى التي تهم إيران والعالم، وهي قضية الملف النووي ورؤيته لهذه القضية المركزية وإخباره مسبقًا بمستقبل هذا الملف الخطير.
كان الإمام الخميني واضحًا وزعيمًا لكل أبناء الأمة الإسلامية، وقف طوال حياته أمام الأعداء، ولم يبال بأي شيء سوى الإسلام، فكان يقود سفينة المستضعفين في العالم في أصعب مهاوي ومزالق المتغيرات الدولية، ولا يعبأ بعواصف التهديدات وأنواء التهويلات وهو في غاية الطمأنينة.
وهنا أرغب في الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية؛ أن الإمام الخميني (قده) تميز في منهجه، ونجح في تهذيب نفسه، وبناء شخصيته الاستثنائية، ومواجهة التحديات والصعوبات التي واجهته في الحياة على كافة الأصعدة والمستويات، ونجح في قهر الطغاة وإسقاطهم، وإقامة دولة الإسلام، ومواجهة جميع قوى الاستكبار وفي مقدمتها أمريكا الشيطان الدموي الوقح، ونجح في تغيير المعادلات الدولية، وقلب موازين القوى على الساحة الدولية والإقليمية، وأعاد للإسلام مجده الغابر وللمسلمين ثقتهم بأنفسهم وبدينهم، وأصبح رمزًا وقدوة حسنة للمجاهدين الأبطال يستلهمون من أقواله وأفعاله الصدق والإخلاص في المقاومة والتضحية والفداء.
المقالات المرتبطة
القيّوميّة الإسلاميّة بين السياسة والعبادة
تقوم الرسالة الإسلاميّة على أصل مركزيّ بأن لعمارتها العباديّة والأخلاقيّة والشرعيّة، بل وعمارتها المعرفيّة أيضًا. وهذا الأصل هو التوحيد باعتباره العقيديّ والقيميّ المؤسِّس لإنسان الرسالة الوحيانيّة.
الكلمة
قال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً﴾ .
الإبستيمولوجيا في الفلسفة الإسلاميّة
صنّف الفلاسفة المسلمون الوجود إلى قسمَين: الوجود العيني (الخارجي) والوجود الذهني (النفساني).