by الشيخ محمد جواد الجزائري | سبتمبر 30, 2016 12:05 م
تقدّم الوجود بتطوّراته، وتعالى بكماله. فتأهّل للوحي الإلهيّ، وعبرت عليه النبوّات المقدّسة المحدودة متدرّجةً ناشرةً دروس الإصلاح والصلاح. وهو يتقدّم بين حدود الكمال ويعلو من حدّ إلى حدّ. حتّى تأهّل للنبوّة المطلقة، وتجلّى بنبوّة خاتم الأنبياء محمّد العربيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قام هذا النبيّ العظيم بنشر رسالة الوحي بين السيف والقلم حتى عمّت دعوته أنحاء البشريّة، وآمن بدروسها بين أوامرها ونواهيها الكثير من أحياء الصحراء ومدنها، وقبل أن يتمّ تطبيقها على عموم بين الإنسان، ويهتدوا بأنوارها، اختار لقاءه مبدعه سبحانه فلبّى دعوة ربّه وفارقت روحه الطاهرة هذا الكون وفازت بسعادة ما وراء الطبيعة.
قام من بعده خلفاؤه أمناء الحقيقة يجدون في تسيير الوجود إلى أمام، ومهمتهم نشر دروس النبوة وتطبيقها على نوع الإنسان، بيد أن عشاق الطبيعة نهضت بهم ميولهم الى مظاهرها. فقاموا بمعاكساتهم وخلافهم، وأدى ذلك الى اضطراب في الأحوال، واختلاف في الأيدي، وتفرق في الكثرات، وتفكك في عرى الإتحاد وقعد بالوجود عن تقدمه إلى الكمال المطلق.
دام هذا الخلاف ودامت مآسيه. ومساويه في أدوار مترامية حتى استحكمت الضغائن وثارت الأحقاد بين الأفراد والجماعات، وابتعد الإسلام عن صدره، والخلافة الإسلاميّة تتداول بين أمنائها وحافظي أسرارها على حساب التشريع الإلهيّ، فكلّما يقضي خليفة دوره ويلاقي ربّه راضيًا مرضيًّا، يقوم خليفة مقامه، ويجاهد جهاده، ويواصل دفاعه عن حريّة العقيدة وحرمة الدين.
ولمّا حالت الخلافة عام 61 هـ وانتهى أمرها إلى الحسين بن عليّ عليه السلام، وتجلّى للوجود فجره المشعّ، وقد كانت نفس الحسين عليه السلام مجرّدة من غواشي الطبيعة وهي في عالم الطبيعة تشاهد عالم الغيب أو العالم غير المرئيّ، وتستطلع الماضي والمستقبل على حدّ سواء حتّى من دون أن تقرأ أو تسمع، فترى كل شيء على الوضع الذي هو فيه، نهض ابن فاطمة إذ ذاك بعبء الخلافة متذرّعًا بالإيحاء الإلهيّ وهو يرى تطوّر العقيدة الإسلاميّة وتشعّبها بين الناس شعبًا لم تأخذ نصيبها من الرشد، ولم تطرد على محورها الذي مثله الوحي الإلهيّ.
يرى المتهوّسين من عشّاق الطبيعة يردّون العقيدة الدينيّة إلى العقيدة السياسيّة، ويمزجون فصول العقيدة بفصول السياسة، يرى العقيدة الدينيّة بين طلّاب الحقائق مثالًا واهيًا كالألغاز والأحلام لا يكيلون لها كيلها ولا يحكمونها على أغراضهم الشخصيّة.
يرى أنّ مسألة التوحيد تنازلت بين الناس عن حدود اليقين. وأصبحت مسألة حدس وتخمين.
يرى أنّ الأمّة مرغمة على بيعة من لا صلة له بالتعاليم الإسلاميّة أحكامها وآدابها.
يرى أنّ الحقّ لا يُعمل به والباطل لا يُتناهى عنه.
يرى أنّ الأمر الذي يطوي هذه الأمور جميعًا هو قيام الدولة الأمويّة مقام الدين الإسلاميّ.
ويرى غير ذلك مما لا تثبت عليه وحدتنا الإسلاميّة المتماسكة في عقيدتها.
وشعورها، ولغتها وأدبها، لهذا وقف عليه السلام موقفه الإيجابيّ على أبواب محكمة العدل يخاصم الخليفة الأمويّ. وبطانته على هذه الأحداث المفزعة نصرةً للحقّ. ودفاعًا عن الدين، وإثباتًا للعدل، وإعادةً للإنسانيّة المنتكسة إلى حدود فطرتها، واستقامتها فكانت فاجعة كربلاء العامرة بالعبرة والعظات على مرّ الدهور، وفيها ضحّى الحسين عليه السلام وجاهد، وتحمّل، وثابر وقدّم جثمانه طعمةً للسيوف والرماح، والسهام.
أنا لا يهمّني أن أقف موقف القصصيّ أمام المأساة الموجعة إظهارًا لخصائصها، ومزاياها الجليلة الخالدة فإنّ كتابنا الأفضل قد حرّرت أقلامهم الحرّة أكثر نواحي تأريخها، ونشروها دروسًا مقدّسة ستبقى تعاليمها أهدافًا لكلّ جيل وفي كلّ حال[1][1].
[1][2] مجلة الغري، العدد 2، (النجف: 1953)، الصفحة 4.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/7948/%d9%85%d9%86-%d8%af%d8%b1%d9%88%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%81%d9%91/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.