by الشيخ شفيق جرادي | أكتوبر 28, 2016 10:10 ص
– المشهد: أرض قاحلة كل ما فيها يوحي بالغربة والظلمة والموت، حرارة الشمس، صحراء، أجساد مقطّعة، وامرأة تمشي بوقار باحثة عن مقصد هو محجتها.
تجثو على ركبتيها بصمت، تنحني عند جسد الحسين الشهيد، تلامس جراحه برفق وبيدين مرتعشتين، تغسله بدموعها، تلتفت نحو السماء مرة، ونحو المدينة أخرى، ونحو النجف ثالثة. ثم تنكب على الجسد الطاهر كأنما تقول له إلى أين يا حمانا، فتسترجع، وبثبات أقوى من الجبال تضع يديها تحت الجسد تحاول رفعه ليصبح المشهد عابدة ترمق السماء بروحها وعينيها وبما في يدها من جسد تتماهى معه قائلةً بكلمات هي الحدث، وهي الوجود، وهي الدعاء والعبادة مفادها: اللهم تقبل منا هذا القربان.
بما تعنيه كلمة اللهم من ذكر لله سبحانه؛ إذ هو اسم الذات الإلهية التي ينسب العابدون المتفانون فيه سبحانه أنفسهم إليه. وكأنما كانت سلام الله عليها تكرّر كلمات الحسين عليه السلام “اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كلّ شدة، وأنت لي في كل أمرٍ نزل بي ثقة وعُدّة”.
تقبّل: إنها العبارة التي تكشف روح تواضع أهل الصفاء والعشق والإخلاص لربهم؛ إذ الروح والأهل وكل غال هو تقدمة خجولة بين يدي الرب المتعالي لأنه كما قال الحسين عليه السلام: “أنت وليُّ كلِّ نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة”.
تقبّل يا رب، فأنت مدبِّر أمري ولا أعظم من أخي الحسين عليه السلام، فمع شهادته وعند لحظة ارتفاعه إليك علمت أن اليوم مات جدي رسول الله، وأبي علي، وأمي فاطمة، وأخي الحسن. فبتُّ وحيدة لا سبب لي موصولٌ إليك يا رب إلّا أنت، فتقبّل.
منّا: نحن آل بيت رسولك صلواتك عليه وآله، نحن من النور والطين الأقدس خلقتنا، نحن من ائتمنتنا وحيك، ووهبتنا عيبة علمك وسرك الذي لو دنا إليه جبريل لاحترق. منا نحن الذين أوّلنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد صلى الله عليه وآله تقبّل يا رب.
هذا: لقد كانت تعلم السيدة زينب عليها السلام من هو هذا الجسد، ومن تمسكه بيديها، ومن تتوجه به إلى ربها. إنه الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام. لكنها وبتيه الحائر في ذات الله سبحانه الذي لطالما خاطبه رسول الله داعيًا “اللهمّ زدني فيك تحيّرًا”.
الحيرة التي تعني المعرفة المولهة بالله، والتي بها يصبح كل ما في الوجود آية لربه سبحانه ما عادت السيدة العارفة تسمّي أخيها باسمه، بل بالإشارة إليه، بما هو سر الإله التي شاءت مشيئته أن يكون هو (هذا)، الذي لا مثيل له ولا نظير له، والذي صار من الله سبحانه وبالله قربانًا لله.
القربان: إنه النعمة التي تُقدَّم إليك يا منعم في سبيل نعمة لا تنقضي، إنه عطيتك التي نضعها في محضرك بإرادة منا لتستنزل كل عطاياك، إنه وريد الحياة المنسكب على جسد الأمة ليبعث فيها ذكر الله سبحانه وذكر رسول الله، وليحيي دين الله إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين.
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
Source URL: https://maarefhekmiya.org/8240/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a8%d8%a7%d9%86/
Copyright ©2024 معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية unless otherwise noted.