صدر حديثًا الجزء الأول من كتاب (رواد المواطنة في مصر) الجزء الأول، للباحث الدكتور محمد حسيني الحلفاوي، عن دار مفرد للترجمة والنشر، وقد أقيمت ندوة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في 5 شباط فبراير 2024م لمناقشة الكتاب.
وأكد الكاتب أن مبدأ المواطنة هو سفينة نوح وصمام الأمان الاجتماعي والسياسي لأي دولة وخصوصًا دولنا العربية التي يراد تفتيتها وتقسيمها إلى دويلات مذهبية وطائفية وعرقية.
فالمواطنة هي الحل الأنسب للتعايش والتعاون ومشاركة الجميع في بناء الأوطان وتقدّمها؛ أي أنها ليست قضية من قضايا الترف الفكري، وما حدث ويحدث في بعض الدول المجاورة من احتقان طائفي يجعل هذه القضية أولى القضايا التي يجب الاهتمام بها؛ وهذا النموذج هو ما يراد له أن ينتشر في جميع الدول العربية في إطار مخطط.
“الفوضى الخلّاقة” التي كان يبشر بها المحافظون الجدد واليمين المسيحي المتصهين الذين يسيطرون على النظام العالمي الآن.
ففي مصر يراد تقسيمنا إلى مسلمين ومسيحيين، ثم يقسمون المسلمين إلى سنة وشيعة، ثم يقسمون السنة إلى أزهرية وصوفية، وسلفية، والمسيحيين إلى أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت، وهلما جرا، فهل هذا من مصلحتنا؟
لذلك قام الكاتب بإبراز مبدأ المواطنة من خلال روادها في مصر، وهم قوة مصر الناعمة الذين يؤمنون بأهمية مبدأ المواطنة الكاملة بين جميع المواطنين.
أمثلة من رواد المواطنة في مصر.
وكان معيار الباحث الذي تم بناءً عليه اختيار شخصيات الكتاب.. هو إيمانهم بمبدأ المواطنة وإبرازه فكريًّا وعمليًّا في مشروعهم الفكري والسياسي.
وهذا معيار مهم، حيث كان يوجد كتّاب كثيرون قبل ثورة 25 يناير2011م يتحدثون ويكتبون عن الوحدة الوطنية والمواطنة، ولكن صدر منهم عمليًّا أفعال وأقوال بعد 25 يناير 2011م تؤكد أنهم طائفيون بامتياز، حيث اختاروا الجماعة على الوطن، مثل أحدهم الذي قال: “إن الكنائس مليئة بالأسلحة”، دون أي سند أو دليل!!
ناقش الكتاب في جزئه الأول عدد 12 شخصية مصرية من رواد المواطنة.
وكانت البداية بالقمّص سرجيوس “خطيب ثورة 1919م، وأيقونة المواطنة في القرن العشرين” الذي كان يقوم بدوره المعتاد كرجل دين، حتى سمع وهو داخل بيته مظاهرة للشباب تهتف “يحيا سعد، يحيا الاستقلال”، وعندما سأل عن السبب، قيل له: إن المستعمرين اعتقلوا سعد زغلول، وهنا تدفقت الدماء الوطنية في شرايينه، ونزل مسرعًا للشارع، منضمًا للمتظاهرين حتى انتهت المظاهرة في الأزهر، وكان عمره 36 عامًا.
لقد كانت المظاهرة كاشفة لمعدن القمص سرجيوس وإيمانه بوطنه.
وهذا الرجل الكبير كان له علاقات وثيقة بأستاذه الإمام محمد ماضي أبي العزائم الذي كان معلّمًا له في المرحلة الابتدائية، وتقابلا بمحطة القطار بالسودان، ودعا له الإمام ماضي أبو العزائم، وكان دائمًا ما يقول: إن كل نجاح حدث لي من بركة دعوة الشيخ ماضي، وكذلك علاقته بالشيخ مصطفى الغاياتي أثناء اعتقالهما من الإنجليز برفح أثناء ثورة 19.
ثم نتقابل مع الزعيم الوطني مكرم عبيد فارس المواطنة المصرية، الثائر ضد الاستعمار في ثورة 19، المفكر الاقتصادي، المؤمن بالعدالة الاجتماعية، المدافع عن حقوق الموظفين والفلاحين في عز الحكم الملكي، الفنان المتذوق للفنون والموسيقى، المدافع عن الوحدة الوطنية في جميع خطبه ومقالاته، ومن مقولاته:
“يقولون أقباط ومسلمون.. كلا بل هم مصريون ومصريون”.
“التفريق بين جناحي الأمة المصرية نغمة نكراء، تتحرك لها عظام الشهداء في قبورها، وتمتهن بها الأمة في أقدس شعورها، لأن ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان”.
ثم اللقاء مع الدكتور كامل منصور نيروز (فيلسوف التضافر بين الأحياء).
هذا العالم المصري ابن إحدى قرى دسوق بكفر الشيخ الذي حصل على درجة الدكتوراه في علم الحيوان والحشرات من جامعة لندن في 1927م، ثم عاد إلى وطنه ليكون أول مصري يدرس مادة علم الحيوان في الجامعة المصرية في 1927 بعد أن كان هذا العلم حكرًا على الأجانب.
ثم حصل على درجة دكتوراه العلوم في 1937م من جامعة لندن في مجال العلوم البيولوجية كأول مصري وعربي يحصل عليها.
هذا العالم الجليل هو العميد المؤسس لكلية العلوم جامعة عين شمس 1950م، وكان رائدًا للثقافة العلمية في مصر، وخبيرًا لتطوير التعليم الجامعي، ومن المؤمنين بالمواطنة المصرية، فعندما علم بأن مصلى قريته كفر الخير آيل للسقوط قام بشراء قيراطين من ماله الخاص، وتبرع بهما لبناء مسجد كبير للمسلمين.
ووجه الباحث بكتابه دعوة للمسؤولين بالحفاظ على تراث الدكتور كامل منصور نيروز، حيث يوجد في فيلته الصغيرة بكفر الخير مركز دسوق محافظة كفر الشيخ (شهادات تقدير وأوسمة من الملك فاروق، وجمال عبد الناصر، والسادات حيث حصل على جائزة الدولة التقديرية في 1980م)، غير مجلدات علمية على مدار 40 عامًا من الأكاديمية المصرية للعلوم باللغتين العربية والإنجليزية، وكان هو المراجع والمشرف عليها.
ثم نتقابل مع المفكّر الإسلامي الكبير خالد محمد خالد “موسيقار الأفكار”، كما وصفه الأستاذ رجاء النقاش، هذا المفكّر الذي كان متيّمًا بالديمقراطية، وألّف مؤلفات تعتبر علامات على طريق الدولة الوطنية مثل:
“من هنا نبدأ، ومواطنون لا رعايا، ومحمد والمسيح معًا على الطريق، ولو شاهدت حوارهم.. لقلت”.
وفي كل كتاباته نجد إيمانًا عميقًا بمبدأ المواطنة والوحدة الوطنية، من أرضية دينية سمحة.
ثم القاضي المفكر وليم سليمان قلادة، وكيل مجلس الدولة المصري، ورئيس تحرير مجلة مدارس الأحد من 1954 حتى 1959م. صاحب كتاب مدرسة حب الوطن الذي أكّد فيه أن الكنيسة المصرية تعتبر مدرسة لتعليم وغرس قيمة حب الوطن، حيث إن من طقوس الكنيسة المصرية في كل قداس وجود صلوات من أجل أرض مصر ونيلها وزرعها وثمارها وشعبها، وفي 3 مناسبات من كل عام تصلي الكنيسة لتحل البركة للنيل.
وفي كتابه “مبدأ المواطنة” حدّد 7 مقوّمات للدولة المصرية (الأرض، الشعب الواحد، المشروع الوطني المشترك، أول دولة وطنية في التاريخ، الحضارة المصرية القديمة، التعددية، التاريخ المشترك).
ثم الدكتور ميلاد حنا (مهندس المواطنة المصرية)، العالم في تخصصه الهندسي الدقيق، والمناضل الوطني والسياسي، والعروبي الذي يعتز بانتمائه العربي، والمدافع الجسور عن الوحدة الوطنية، وأول من دعا لإنشاء جمعيات وحدة وطنية في كل ربوع الوطن منذ 1974م، وكذلك مجلس أعلى للوحدة الوطنية.
وكان يحذر دومًا من اللبننة السياسية وطالب بمنع لإقامة الكانتونات السكنية المغلقة على فئة معينة.
ثم الدكتورة ليلى تكلا (بنت مصر وبنك الأفكار). المصرية حتى النخاع، أستاذة الإدارة، والحقوقية، وسيدة العمل الأهلي، والكاتبة المثقفة صاحبة الرؤية الاجتماعية، والبرلمانية، والشخصية الدولية، وإحدى رائدات المواطنة في مصر، زوجة اللواء الدكتور عبد الكريم درويش “أحد أبطال معركة الإسماعيلية في 25 يناير 1952م، ومؤسس أكاديمية الشرطة المصرية، وأبو الشرطة المصرية العصرية”، ووالدة النائب كريم درويش رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري.
المناهضة لعنصرية العدو الصهيوني منذ كانت طالبة دكتوراه في أمريكا والتي ما زالت تكتب مقالاتها الرائعة في جريدة الأهرام المصرية.
ومن كلماتها المضيئة:
“المتعصب لا يعرف دين غيره، والمتطرف لا يعرف دينه”.
“إن الإخاء والتقارب من صنع الله، والتشتت والتفرقة من صنع الشيطان، أيًّا كان ذلك الشيطان”.
“المواطنة هي ركيزة الاستقرار ووسيلة البناء، وأي محاولة للنيل منها هو أمر يتعلق ببناء المجتمع وصلابته وأمنه”.
ولها إضافة فكرية هامة هو كتابها “التراث المسيحي الإسلامي المشترك”، وهو دعوة للتفاهم والتعايش والسلام، وأكدت في الكتاب أن هناك معان مشتركة كثيرة بين المسيحية والإسلام، وردّت فيه على أكاذيب المحافظين الجدد في أمريكا الذين يروجون لما يطلق عليه “المسيحية الصهيونية”، مؤكدة التعارض الشاسع بين المسيحية كدين سماوي يدعو للرحمة والمحبة والخير والعدل، وبين الصهيونية كنظرية سياسية عنصرية تستخدم الدين اليهودي لأهداف دنيوية.
ثم الأستاذ الكبير جمال بدوي (عاشق التاريخ). أحد شيوخ مهنة الصحافة في مصر والوطن العربي، حيث عمل بالإمارات لما يقرب من 10 سنوات، ثم عاد ليشارك في تأسيس جريدة الوفد، ثم بعد ذلك يترأس تحريرها في 1989م، وهو المؤرخ العاشق للتاريخ بوجه عام، ولتاريخ مصر بوجه خاص، حتى أطلق عليه “جبرتي الصحفيين”، والذي كتب التاريخ المصري بطريقة شيقة في مقالاته بالصحف المصرية، مثل “كان وأخواتها”؛ الهدف منها ليس التسلية أو قتل الوقت، ولكن دعوة لليقظة والوعي والتنوير والتدبر، وهو المعارض السياسي الوطني المدافع عن الديمقراطية، والمطالب بإلغاء قانون الطوارئ المدافع عن المال العام، وهو الصوفي المحب للصالحين المسافرين إلى الله بلا متاع الذي يرى التصوف تطهيرًا للنفس عن الدنيا، وترقيتها روحيًّا وماديًّا، وليس دعوة للتواكل والعزلة، وهو أحد روّاد المواطنة في مصر الذي يعتبر الوحدة الوطنية هي التعويذة التي جعلت المصريين باقين على قيد الحياة برغم المحن والكوارث التي حاقت بهم، ولم ينقرضوا مثل السومريون والأكاديون، ويفخر أنه حفظ أوليات سور القرآن الكريم في بيت عم صليب من أعيان أقباط بسيون الذي لم يجد حرجًا من أن يؤجر بيته لجمعية المحافظة على القرآن الكريم، وكيف أن فصول الجمعية كانت لا تخلو من تلاميذ يحملون أسماء مسيحية: مرقس، وجرجس، وسمعان.
ثم الدكتور مصطفى الفقي (دبلوماسي المواطنة المصرية) الذي خدم في السلك الدبلوماسي في لندن والهند والنمسا، ومثّل مصر في المنظمات الدولية، وهو السياسي والنائب البرلماني، ورجل الدولة، وهو الكاتب والباحث في التاريخ المصري، وهو العروبي ابن ثورة 23 يوليو 1952م الذي عيّن بالخارجية بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر، والذي رفض الذهاب إلى إسرائيل ودفع الثمن، وهو الحكّاء الكبير وأحد رواد المواطنة المصرية، بل يعتبر مرجعًا مهمًّا لها، وله موقف مع الوزير مريت غالي لمنع الملصقات الدينية على السيارات، وهو صديق ومفتاح البابا شنودة كما وصفه الوزير أحمد ماهر، وأثناء عمله بالنمسا اشترى قطعة أرض، وبنى عليها كنيسة لأقباط مصر وافتتحها البابا شنودة، والذي طالب بترشيح أقباط مصر لجائزة نوبل للسلام بعد ثورة 30 يونيو 2013م.
ثم الأستاذ أحمد الجمال والضفيرة الحضارية المصرية. دارس التاريخ والمناضل السياسي والعضو المؤسس لحزب التجمع، والذي دفع ثمن نضاله وهو فصله من جامعة عين شمس، ورفضه بإباء العرض أن يكون نائبًا لرئيس حزب كمصر واختار الاعتقال، ونضاله الصحفي في الإمارات، وطلب السفارة الأمريكية فصله من العمل بالإمارات، وخروج مظاهرات من الشباب تأييدًا له، وتجربته الصوفية وثقافته الموسوعية وعلاقته الوطيدة بالبابا شنودة.
ثم الأستاذ النبيل جمال أسعد “المستغنى”، ذلك النبيل الذي احتفلت مصر كلها بكتابه الرائع ” أيامي”، ذلك المناضل القادم من صعيد مصر، والذي دفع ثمن نضاله وتم اعتقاله كثيرًا، هذا الرجل الذي نقل التنوير من القاهرة للقوصية، ودافع عن فكرة الدولة والوطن حتى يكون المصريون كلهم سواء أمام القانون.
ثم الأستاذ حمدي رزق، وكتابه كرياليسون في محبة الأقباط. هذا الكتاب الهام الذي يؤرخ لأهم فترة في تاريخ مصر الحديث منذ حادث القديسين الأسود، وحتى مع بعد ثورة 30 يونيو 2013م، وما حدث للمصريين مسلمين ومسيحيين من الغرابيب السود.
ومواقف البابا شنودة، والبابا تواضروس الذي وقف ضد محاولات تفتيت مصر قائلًا: “وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن”.
اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
قد يعجبك أيضاً
اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
