مقدِّمة.
ثمَّة تغيّر هائل يجري في هذا العالم على مستوى الصراعات؛ حيث غدت العقول هدفًا للاحتلال هي الميدان الأهمّ، فلم يعد الانتصار يُقاس باحتلال الأرض، وإنما باحتلال الإدراك.
فنحن أمام حروب من نوعٍ جديد؛ حيث تُخاض بالمفاهيم، والصور، والمصطلحات، والسرديَّات. إنّها حروب السيطرة على الوعي؛ حيث يصبح تشكيل الرأي، وصناعة الواقع، وتوجيه القناعات، جزءًا من معركة أشد فتكًا من الحرب التقليديَّة؛ لأنّها تُمارَس من الداخل، في صمتٍ ونعومة، دون أن تترك وراءها دماء، بل تخلّف إنسانًا مُفرَّغًا، راضيًا بقهره، ومدافعًا عن سجّانه.
لقد تغيَّرت بنية السيطرة، فبدلًا من القمع، هناك الإقناع، وبدلًا من الوصاية الفجَّة، هناك صناعة الرغبة. لم تعد الهيمنة تفرض بالقوة، بل تُزرع في النفوس عبر الإعلام، والتعليم، والفنّ، والتقنيَّة، وحتى الدين حين يُفرَّغ من مضمونه ويُعاد تصنيعه. ووسط هذا المشهد، أضحت المعركة بين وعي مستنير، ووعي مبرمج، بين من يرى العالم بعينيه، ومن يُملى عليه كيف يراه.
وفي قلب هذه المعركة، تلعب النخب الثقافيَّة دورًا محوريًّا: فمن كان يُفترض بهم أن يقودوا الوعي، أصبح كثير منهم يُعيد إنتاج أدوات السيطرة بلغةٍ “عقلانيَّة”، أو خطابٍ “حداثي”، أو تحليلٍ “موضوعيّ” يخفي في طيّاته تسليمًا بالهزيمة، وتطبيعًا مع المستبدّ.
أولًا: تحوّلات أدوات السيطرة.
- من العنف الصلب إلى الهيمنة المعنويَّة.
عندما تحدث (ميشيل فوكو-Michel Foucault) عن انتقال السلطة من نموذج القمع الخارجيّ إلى التحكّم الانضباطيّ الداخليّ، كان يصف ديناميكيَّة حاضرة آخذة في الترسّخ. لقد شهد القرن العشرون تحوّلًا جذريًّا في أساليب السيطرة؛ إذ لم تعد تكتفي باستخدام القوّة المسلحة، وإنّما بدأت تتحوّل إلى آليّات تطويع رمزيَّة، وهندسة للسلوك الاجتماعيّ والمعرفيّ، ما أدّى إلى ما يمكن تسميته بـ “الاحتلال غير المَرئيّ” للعقول.
وفي حين كان مفهوم “الاستعمار” في القرن التاسع عشر يرتبط مباشرة بالغزو العسكريّ المباشر، فقد أصبح في العالم المعاصر يُدار بالثقافة، والإعلام، والتمثيلات المعنويَّة، وقواعد البيانات، ومنصَّات التواصل، وكلّها أدوات تعمل على إعادة تشكيل تصوّرات الناس عن أنفسهم والعالم، دون الحاجة إلى استخدام جيوش فعليَّة. فالحروب اليوم تُخاض على مستوى الصور أكثر من “الأجساد”، وهذا دليل على تفوق القوَّة المعنويَّة على القوة الماديَّة في صناعة الإدراك الجمعيّ للواقع، بل في صناعة “الواقع” نفسه باعتباره تمثيلًا، لا حقيقة مباشرة.
- الرقابة الناعمة.
إنّ الانضباط اليوم يُمارَس من خلال مصفوفات برمجيَّة تراقب تحرّكات الأفراد على مدار اللحظة، وتعيد توجيههم دون أن يشعروا. وهو ما بات يُعرف بـ “الرقابة الناعمة” (Soft Surveillance)، والذي تجاوز مفهوم “الأخ الأكبر” الذي تحدث عنه (جورج أورويل)، إلى نموذج أكثر تعقيدًا وأشد خفاءً، وهو التحكّم الذاتيّ المبرمج.
فعبر الذكاء الاصطناعيّ، والتعلّم الآلي، وخوارزميَّات التوصية، بات يُعاد تكوين السلوك الإنسانيّ من خلال ما يُعرض عليه، وما يُخفى عنه، وما يُقترح له، دون أن يشعر أنه خاضع لتوجيه. فقد أصبحت الخوارزميّات أدوات هندسة للوعي، لا مجرّد تقنيّات عرض أو تصنيف. وهذا ما حذّر منه (موراي شاناهان-Murray Shanahan) في كتابه “الذكاء الاصطناعي ومستقبل الإنسان”، حين يشير إلى أنَّ الآلات الذكيَّة لا تكتفي بتنفيذ المهام، بل تُعلّم الإنسان كيف يفكّر، ومتى يشك، وماذا يختار[3].
وهكذا، فإنّ الإنسان المعاصر يعيش داخل شبكة مراقبة لا يدرك وجودها؛ لأنَّها مصمَّمة كي تبدو كأنّها تمنحه الحريَّة. لكنّه، في الحقيقة، يسير وفق مسارات محدَّدة مسبقًا: ما يشتري، وما يقرأ، وما يُغضبه، وما يُضحكه، كلّها عناصر تُدرس وتُبرمج ضمن ما يُعرف اليوم بـ “اقتصاد الانتباه” (Attention Economy).
- احتلال الوعي بدل الأرض.
لقد أصبحت وسائل الإعلام سلاحًا أكثر فتكًا من الطائرات دون طيَّار؛ لأنّها تقتل البصيرة. فبثّ الصور، وتكرار الشعارات، وتحديد المفردات، وصناعة النجوم، كلّها تقنيات تستهدف بنية الإدراك البشريّ، وتعمل على تحويل الاستلاب إلى وعي زائف، والهيمنة إلى قناعة؛ إذ لا يختلف اثنان اليوم على أنّ أفضل أشكال الرقابة، هي تلك التي تجعل الناس يعتقدون أنّهم أحرار في حين أنهم خاضعون تمامًا لمصفوفات التوجيه الخفيّ[4].
بل إنّ الإعلام لم يعد مرآة للعالَم، بل صانعًا له. فمن يملك الإعلام اليوم، لا يُخبر الناس بما يجري فقط، بل يُخبرهم كيف يجب أن يشعروا حيال ما يجري. فهو إذًا، لا ينقل “الواقع”، وإنما ينتج واقعًا بديلًا، يُزرع في وعي الجمهور، ويُقدَّم لهم باعتباره الحقيقة المطلقة. ولهذا، فإنّ الحروب الحديثة لم تعد تتطلّب إقناع العدوّ بالقوّة، وإنما إقناع الضحيَّة بأنّ الاستسلام فضيلة.
- التعليم جهاز أيديولوجيّ لإعادة الإنتاج.
في تحليله للمؤسّسات الاجتماعيَّة، يُدرج (ألتوسير-Althusser) النظامَ التعليميّ بوصفه أحد أهمّ “أجهزة الدولة الأيديولوجيَّة” (Ideological State Apparatuses)؛ لأنّه لا يقوم بنقل المعرفة فحسب، وإنّما يُعيد إنتاج البنية الرمزيَّة التي تخدم النظام السائد؛ إذ إنّ المدرسة لم تعد مكانًا للتفكير الحُرّ، بقدر ما هي فضاءً لصياغة الطاعة والانتماء للمنظومة المُهيمنة.
لا يقتصر هذا التحليل على المجتمعات الغربيَّة، بل يمتدّ إلى كثير من دول العالم التي استنسخت المناهج والمفاهيم التربويَّة الحديثة دون مساءلة. فالمتعلّم اليوم يتخرّج محمَّلًا بـ “البداهات” الليبراليَّة: الحُريَّة بمعناها الفردانيّ، والتقدّم بمعناه الغربيّ، والعدالة بوصفها حيادًا قانونيًّا، إلى غير ذلك من القِيَم التي لا تُقدَّم بوصفها مفاهيم قابلة للنقاش، وإنّما بوصفها حقائق كونيَّة.
وقد حذّر (باولو فريري-Paulo Freire) من هذا التلقين البنكيّ للمعرفة، مشيرًا إلى أن التعليم في ظلّ الهيمنة يتحول إلى عمليَّة إيداع” معرفيّ، يُنتَظر من الطالب أن يُكرّره دون نقد[5]. وهو ما يؤسِّس لجيلٍ يُعيد إنتاج الواقع بدل تغييره.
- سياسات الفضاء الرقميّ.
لقد أحدثت الرقمنة قفزة نوعيَّة في طبيعة السيطرة؛ إذ لم تعد مرتبطة بالمكان والحدود السياسيَّة، وإنما تغيّرت لتصبح معركة سيادة تدور في الفضاء الرقميّ. فالمنصَّات العالميَّة مثل: (Google)، (Facebook)، ((X، وغيرها، باتت تتحكَّم بسيرورة المعرفة والمعلومة. والمخيف في الأمر أنّ هذا التحكم يُمارَس عبر آليّات غير خاضعة للمساءلة العامَّة، ولا للشفافيَّة الديمقراطيَّة.
فعندما تُخفي محرّكات البحث نتائج معيّنة، أو تُروّج لرواية دون أخرى، فإنها تؤثّر في اتجاهات الوعي العالميّ دون حاجة إلى رقابة بوليسيَّة. وهذا ما يجعل السيطرة على الإنترنت اليوم شبيهة بالسيطرة على المجال الجوي في الحروب العسكريَّة: من يتحكّم به، يتحكّم بكلّ ما تحته.
وتؤكد (شوشانا زوبوف-Shoshana Zuboff)، في كتابها عصر رأسماليَّة المراقبة، أنّ الشركات التكنولوجيَّة لا تكتفي بجمع البيانات، بل تستثمر في إعادة توجيه السلوك البشريّ نفسه، بشكل يضمن الطاعة الاستهلاكيَّة، والاستقرار الاجتماعيّ في الحدود المرغوبة[6].
- السيطرة الناعمة والهندسة الاجتماعيَّة بلا جدران.
هذا نمط جديد من السيطرة، الذي يعتمد على الإقناع لا الإكراه. فحين تُقنع الشعوب بأنّ النموذج الليبراليّ هو الأفق الوحيد الممكن، وأنّ النجاح هو في تبنّي القِيَم الغربيَّة، وأنّ التحرّر لا يكون إلا بالتخلّص من الدين والتقاليد، فإنّك تكون قد ربحت الحرب دون أن تطلق رصاصة واحدة. إنّها حرب تجري في “المعنى”، لا في الجغرافيا، وهي أخطر من الاحتلال العسكريّ؛ لأنّها تُخضع الإنسان من داخله، لا من خارجه.
ويمكن ملاحظة أنّ أخطر ما تفعله وسائل السيطرة الحديثة هو تحديد نطاق النقاش سلفًا، ثمّ السماح بقدر من الجدل داخله، بحيث يظنّ الناس أنّهم أحرار في التعبير.
إنّ تحوّل السيطرة من أدواتها الصلبة إلى أدوات ناعمة نقل الصراع إلى مستوى أعمق وأخطر: صراع على الوعي نفسه. فالإنسان المعاصر قد لا يشعر بأنّه محتلّ أو خاضع، لكنّه في كثير من الأحيان يتحرّك ضمن منظومة مصمَّمة، تختار له ما يراه، وتحدّد له كيف يفكّر، وتؤطّر له العالم بحيث لا يرى خارج الإطار. وهذا ما يجعل معركة اليوم معركة ضدّ التوجيه الخفي، وضدّ الاحتلال المعنويّ للذات، وهي لا تقلّ أهميَّة ولا قسوة عن أي معركة بالسلاح.
إنّ ما سبق يمهّد للانتقال إلى سؤال أعمق: كيف يُصنع هذا الواقع الذي يُفرض علينا؟ ومن يملكه؟ وكيف تتواطأ الأدوات الثقافيَّة والإعلاميَّة والتعليميَّة لإعادة إنتاج الهيمنة؟
ثانيًا: صناعة الواقع وإنتاج الزيف – كيف تُبرمَج العقول؟
- من الواقع إلى التمثيل: تحوّل الحقيقة إلى سرديَّة.
ذكرنا سابقًا بأنّ من أخطر ما تنتجه حروب السيطرة على الوعي أنّها لا تكتفي بتوجيه التفكير، بل تعيد صياغة الواقع نفسه داخل الذهن. فما يراه الإنسان اليوم يُغربَل عبر شاشات، ومنصّات، ومحرّكات بحث، وأساليب عرض تُنتج له “نسخة” من العالَم. وهذا يعني أنّ السيطرة لم تتعلَّق بالكذب الصريح، وإنّما بالتحكّم فيما يراه الناس بوصفه الحقيقة.
من هنا، ينبغي التمييز بين الواقع والتمثيل المفرط (hyperreality)؛ حيث تصبح “الوقائع” التي يتلقّاها الإنسان مختلقة بالكامل، لكنّها مقنعة لدرجة أنّها تحلّ محل الواقع نفسه.
ومن هنا، فإن من يتحكّم بالإعلام، والإعلان، ووسائل التواصل الاجتماعيّ، لا يُخبر الناس بقدر ما هو يُعلّمهم كيف يفهمون العالَم، وكيف يشعرون، وماذا يصدّقون. وهذا هو جوهر الحرب على الوعي.
- التضليل الناعم: صناعة الشكّ وتآكل الحقيقة.
في الأزمنة الغابرة، كان التلاعب بالحقيقة يُمارس عبر الكذب المباشر أو الإخفاء، لكن تقنيّات السيطرة الحديثة تستخدم استراتيجيَّة أكثر تطوّرًا: خلق بيئة من الشكّ المزمن؛ بحيث لا يعود الناس يثقون بأيّ شيء. فالطغاة المعاصرون لا يكذبون ليُقنِعوا، بل ليخلقوا بيئة يُصبح فيها كلّ شيء مشكوكًا فيه، فلا يثق الناس بشيء، ويصبح الطاغية هو مصدر الحقيقة الوحيد[7].
إنّ الإعلام الحديث يمارس هذا النوع من التضليل الناعم عبر طوفان المعلومات (information overload) الذي يُغرق المتلقّي في سيل من الأحداث والتحليلات والصور المتناقضة، بحيث يُصاب الذهن بالتشويش، ويصبح من الصعب تمييز الحقيقة من الزيف. هذا ليس “تضليلًا” بالمعنى التقليديّ، وإنّما هو إرهاق للحقيقة وإغراق للعقل.
- تسييس اللغة وتوجيه الإدراك.
هذا، وتلعب اللغة دورًا أساسًا في تشكيل الإدراك، وتُستخدم بوصفها أداة مركزيَّة في حروب السيطرة على الوعي؛ إذ إنّ الكلمات ليست مجرّد وسائط محايدة، وإنّما أدوات لتأطير الفهم وبناء الموقف. وهذا ما يعرف في علم تحليل الخطاب بـ “استراتيجيات الإطار” .(Framing Strategies)فعلى سبيل المثال:
- تسمية مقاومة الاحتلال بـ “الإرهاب”.
- أو تسمية الاستسلام بـ”الواقعيَّة”.
- أو اعتبار الاستعمار الثقافي “عولمة.”
هذه كلّها أمثلة على تزييف المعنى عبر اللغة، وهو ما يجعل الجمهور يتقبّل الباطل بوصفه تطوّرًا، وينفر من الحقّ؛ لأنّه قد قُدِّم له بعبارات منفِّرة.
في هذا السياق، تُستخدم المصطلحات بمكرٍ بالغ: فالاحتلال يُسمّى “حربًا وقائيَّة”، والاستعمار “مَهمَّة إنسانيَّة”، والاستغلال “تنمية”، والقهر “حماية للحقوق”، وهكذا تُطمس الحقائق في قوالب اللغة نفسها.
- استراتيجيّات الهيمنة السرديَّة.
على أنّ السرد هو أحد أهم أدوات تشكيل الوعي الجمعيّ. فمن خلال الأفلام، والمسلسلات، والروايات، والنشرات الإخباريَّة، يُعاد تشكيل الذاكرة، وتُبنى القِيَم، ويُحدّد العدوّ والصديق. فالسرد لا يقتصر على إخبارنا بما حدث فحسب، وإنّما يُقدِّم لنا “طريقة” لفهم الحدث.
فقد أدركت القوى الكبرى أهميَّة السرد مبكرًا، فأنشأت مؤسّسات ضخمة لإنتاجه وتصديره، أبرزها هوليوود، التي لعبت دورًا محوريًّا في تسويق النموذج الأمريكي، وتجميل العسكرة، وتشويه الآخر، وفرض الهيمنة الثقافيَّة. وقد كان ذلك من أهمّ مَهام الاستشراق، الذي لم يكن فقط بناءً معرفيًّا، وإنّما سرديَّة كبرى، شكّلت نظرة الغرب للشرق[8].
وعلى هذا المنوال، فإنّ كلّ خبر هو قصّة، وكلّ تحليل سياسيّ هو حكاية، وكلّ عرض إعلاميّ هو نصّ مؤطَّر فكريًّا، وموجَّه لهدف معين. من هنا، فإنّ المعركة الحقيقيَّة تتعلّق بمن يرويها، وكيف يرويها، ولمصلحة من تُروى.
- تسليع الوعي: بين الإعلان والتمثيل.
من ملامح هذه الحرب ما يُعرف بـ “تسليع الوعي” (Commodification of Consciousness)، أي تحويل الأفكار والمواقف إلى منتجات تُباع وتُستهلك، تمامًا كما تُباع السلع. فالشخصيَّة العامة أصبحت “علامة تجاريَّة” قابلة للتسويق، والمعرفة تحولت إلى “محتوى” خفيف يُستهلك سريعًا.
فالإعلانات والمحتوى الرقمي والنجوم الجدد على منصات التواصل جميعهم يُسهمون في تحويل القضايا إلى مجرد اتجاهات “ترنديَّة” قابلة للنسيان بمجرد زوالها من الشاشات. وهكذا، يفقد الوعي عمقه وزمنه وصلابته، ويتحوّل إلى تفاعل لحظي يُقاس بعدد الإعجابات والمشاهدات.
- تشويه الرموز وتفكيك المعاني.
ضمن مشروع السيطرة على الوعي، تُستهدف الرموز الجامعة، والقيم الكبرى، والشخصيات التاريخيَّة المقاومة، إما بالتشويه أو بالتفريغ. فالرمز الديني يُقدّم بوصفه رجعيَّة، والرمز المقاوم يُصوَّر كمتطرف، والبطولة تُختزل في الشهرة، والكرامة تُستبدل بالنجاح المادي.
هذا التفكيك المعنويّ غالبًا ما يجري عبر إعادة صياغة صورة الرمز في المخيال العام؛ حيث يفقد قيمته وقدرته على الإلهام، دون أن يُمنع رسميًّا. إنّها استراتيجيَّة ناعمة في اغتيال الرموز ومعانيها.
فقد ننهزم في معركة، لكن عندما نقبل برواية العدوّ عنها، فإنّنا نضع أنفسنا أمام خسارة الحرب، لا المعركة فحسب.
- من نقد الإعلام إلى تفكيك المنهج.
إنّ مقاومة هذه الحرب لا تقتصر على كشف كذبٍ هنا أو تحيّزٍ هناك، بل تتطلّب تفكيك المنهج الذي تُصنع به الرؤية. فلا يكفي أن نردّ على رواية معيّنة، وإنما لا بدّ من تفكيك منطق صناعة الروايات ذاته: من يملك المنصّة؟ ومن يُحدّد الموضوع؟ ومن يُقرّر ما هو مُهمّ وما هو هامشي؟
الوعي الحقيقي يبدأ من هنا؛ من تفكيك بنية السلطة المعرفيَّة والإعلاميَّة، لا من الجدل داخلها فقط.
وفي ضوء ما سبق، تتَّضح الصورة المرعبة: إنَّنا لسنا أمام واقع مشوّه، وإنما أمام واقع مصنَّع بالكامل، تُخاض فيه الحروب داخل الرؤوس، ويُعاد تشكيل العالم وفقًا لمصالح الأقوى، لا لحقائق الوقائع. هذا الواقع يُصنع بمشاركة نشطة – أحيانًا – من النخب الثقافيَّة التي تتواطأ في بناء الزيف أو الصمت عنه.
ثالثًا: المثقف الموظَّف وصناعة القبول.
- تحوّلات وظيفة المثقف.
في النماذج التقليديَّة، كان المثقّف يُفترض به أن يكون صوت الضمير الجمعيّ، وحارس الوعي، وناقد المنظومات المُسيطِرة. من (سقراط) إلى (غرامشي- Gramsci)، ومن (الكواكبيّ) إلى (إدوارد سعيد)، ظلّ المثقّف رمزًا للمساءلة، وأحيانًا للمجابهة. لكن في الحقبة النيوليبراليَّة وما بعدها، حدث انقلاب وظيفيّ عميق: لقد أصبح كثير من المثقّفين جزءًا من ماكينة السيطرة على الوعي، بدل أن يكونوا أداةً لكشفها.
يشير (غرامشي) إلى ما يسمّيه بـ “المثقّفين العضويّين”، أي أولئك الذين يرتبطون عضويًّا بطبقة اجتماعيَّة معيّنة، ويدافعون عن مصالحها. لكن ما نراه اليوم هو مثقّف وظيفيّ أكثر منه عضويًّا، لا ينتمي لطبقة محدّدة، بل يعمل لحساب نظام الهيمنة السائد، سواء في الجامعات، أم الإعلام، أم مراكز الأبحاث. وهذا المثقّف لا يقول ما يراه حقًّا، وإنما ما يُطلب منه قوله، وما يضمن له الظهور والتمويل والقَبول.
وهكذا، تتحوّل مواقع المثقّفين إلى رأسمال يُستثمر داخل الحقل الثقافيّ، لتثبيت السلطة لا لمقاومتها.
- مراكز التفكير وصناعة الأفكار بدل اختبارها.
واحدة من أهمّ مؤسّسات إنتاج الوعي المُعَولَم اليوم، ما يُعرف بـ “مراكز التفكير” (Think Tanks)، والتي تقوم بدور حاسم في صياغة السياسات العامة، وتوجيه الخطاب الإعلاميّ، وتوفير الإطار المفاهيميّ للنخب السياسيَّة والإعلاميَّة. ورغم ما تدّعيه هذه المراكز من حياديَّة علميَّة، لكنّها، في معظمها، تعمل ضمن مخطَّطات واضحة تخدم المصالح الجيوسياسيَّة للقوى المهيمنة.
وهذه المراكز لا تنتج معرفة لذاتها، وإنما تمارس ما نسميه بـ “إدارة المعنى” (Management of Meaning)؛ حيث يُعاد تأطير القضايا الكبرى في قوالب مفاهيميَّة، تُمكّن النظام من إعادة إنتاج نفسه دون مقاومة.
والأخطر من ذلك، أنّ كثيرًا من النخب في العالم العربيّ، باتت تُعيد إنتاج هذه الإطارات دون تمحيص، وتترجمها إلى خطاب عربيّ يروّج للانفتاح، والحريَّة، والسلام، والحوار، بينما يُفكّك كل ما يخصّ الوعي المقاوم، والهُويَّة المستقلّة، والذاكرة التاريخيَّة.
- من التفلسف إلى الترفيه.
مع صعود الإعلام الفضائيّ ثمّ الرقميّ، تحوّلت العلاقة بين المثقّف والجمهور. فلم يعد المثقف هو مَن يكتب للمهتمّين، وإنّما صار “نجمًا” يظهر على الشاشات والمنصّات، ويُقاس حضوره بعدد المشاهدات لا بجودة الأفكار. وهكذا، بدأ يتشكّل نموذج جديد هو “المثقّف التلفزيونيّ” الذي يُفترض به أن يعلّق على كلّ شيء، من الاقتصاد إلى الفنّ، بلغة مبسّطة وسريعة، تُرضي الجميع ولا تزعج أحدًا.
وهكذا، فحين تصبح الشاشة هي المنبر الأساس للفكر، فإنّ الأفكار تُختزل إلى صور، والمفاهيم إلى شعارات، والنقاش إلى استعراض[9].
إنّ هذا النموذج من المثقّفين يُلهي العقول، ويُقنّعها بالسطحيّات، ويتماهى مع النظام، وتلك هي وظيفته الجوهريَّة في هندسة القَبول.
- العقلانيَّة أداة للهيمنة.
ثَمَّة شكل آخر من المثقّفين المسيطرين على الحقل العموميّ وهو “التكنوقراطي”، أي المثقّف الذي يُقدّم نفسه بوصفه خبيرًا محايدًا، يُقوّم السياسات وفق مؤشّرات ومقاييس “علميَّة”، لكنّه، في الواقع، يُمارس دورًا أيديولوجيًّا خفيًّا في تجميل السياسات الظالمة، وإعادة تقديمها بلغة الأرقام والمنطق.
وهنا تكمن خطورة “الحياد العلميّ” الذي يدّعيه هذا النموذج من النخب؛ لأنّه يُفرغ القضايا من أبعادها القِيَميَّة والخُلُقيَّة، ويُعيد صياغتها باعتبارها مسائل تقنيَّة لا سياسيَّة. فالقمع يُصبح “إجراءً أمنيًّا”، والاستغلال “سياسة اقتصاديَّة”، والتطبيع “خيارًا استراتيجيًّا”، وهكذا.
- إنتاج الهيمنة بالصمت.
ليس كلّ تواطؤ يأتي من الفعل، فالصمت ذاته قد يكون مشاركة في مشروع السيطرة على الوعي. فالنخب التي تملك أدوات التحليل والرؤية والتأثير، لكنّها تختار الصمت أمام المذابح، والاستلاب، والخضوع، تكون قد أدّت وظيفتها في تثبيت النظام القائم عبر الامتناع عن الفضح.
هذا النمط من التواطؤ الصامت، يُعبّر عنه (ثيودور أدورنو-Theodor Adorno) بتوصيفه للمثقّف الذي يعرف أنّ العالم يسير إلى الكارثة، لكنّه يفضّل تحليل أسبابها من بعيد بدلًا من مناهضتها[10].
إنّ النخبة التي تلوذ بالصمت ليست محايدة، بل تُعيد إنتاج الوضع القائم عبر تجاهله، أو عبر تحويله إلى مجرّد “واقعة عابرة” في سجلّات التحليل.
- تبرير الاستسلام.
ومن أخطر أدوار النخب في حروب السيطرة على الوعي، هو أنّها تُبرمج المجتمعات على تقبّل الاستسلام بوصفه حكمة، والتراجع بوصفه واقعيَّة، والخضوع بوصفه وعيًا. في هذا النموذج، لا يُصوَّر العدو قاهرًا، بل يُقدَّم على أنه “أقوى واقعيًّا”، و”لا يمكن هزيمته”، و”من العقل أن نتكيّف معه”، فيجري تجريد الشعوب من إرادة المواجهة حتى قبل بدء المعركة.
وهنا، لا تُستخدم مفردات الذلّ المباشرة، وإنما يُعاد إنتاجها بمصطلحات برّاقة: الواقعيَّة السياسيَّة، والبراغماتيَّة، وإدارة الخسائر، وتقليل الأضرار، إلخ.
فالاستعمار لا يُهزم أولًا في المعركة، بل يُهزم حين نرفض منطقه الداخلي، ونكفّ عن تبرير وجوده.
- المثقّف المقاوم والحاجة إلى نموذج بديل.
في مقابل كل ذلك، تبرز الحاجة إلى استعادة نموذج “المثقّف المقاوم”، لا بمعنى المزايدة أو الخطابة، بل بوصفه المثقّف الذي يتمسّك بدوره الخُلُقي في مساءلة السلطة، وفضح الهيمنة، وتفكيك الزيف، والوفاء للحق، حتّى لو كلّفه ذلك موقعه أو منصّته.
إنّ المقاومة تبدأ من الكلمة، ومن تحليل الخطاب، ومن التمسك بالبصيرة، ومن إنتاج خطاب موازٍ لا يستعير مفاهيم العدوّ، ولا يعيد إنتاج لغته. وهذه هي الوظيفة البنيويَّة للخطاب الثقافيّ في زمن التشويه.
إنّ الحروب على الوعي باتت تُخاض علنًا، وبمشاركة من نخب تملك المنابر والسلطة المعرفيَّة، لكنّها اختارت أن تُعيد إنتاج الهزيمة، لا أن تواجهها. لقد أصبحت النخبة، في كثير من الأحيان، الجسر الذي تمرّ عليه الهيمنة لتدخل إلى وعي الناس بأناقة.
ومن هنا، فإن استعادة الوعي تبدأ من تفكيك دور النخبة نفسها.
رابعًا: الوعي القرآني والفعل المقاوم.
- من الإدراك إلى البصيرة.
ليست كلمة “الوعي” واردة بنصّها في القرآن، لكنّها حاضرة بمعانيها، ومجالاتها، ومقاصدها، في عشرات المصطلحات القرآنيَّة التي تصف حال الإنسان مع الحقيقة: يعقلون، ويتفكّرون، ويتدبّرون، ويعلمون، ويفقهون، ويبصرون، ويتذكّرون… وهي مفردات تعبّر عن مواقف وجوديَّة من الحقّ والباطل، ومن الوحي والهوى، ومن الله والعالَم.
يضع القرآن الوعي في صلب معركة الهداية والضلال. ومن هنا، فإنّ الوعي في القرآن ليس إدراكًا لما هو كائن، بقدر ما هو تمييزٌ لما ينبغي أن يكون. إنه بصيرةٌ نافذة لا مجرّد عينٍ ترى.
يقول تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا﴾ [سورة الأنعام، الآية 104].
فـ “البصائر” هنا هي أنوارٌ تهدي، وتكشف، وتنقذ من العمى.
- الباطل لا يُسقطه العقل فقط، بل النبأ اليقين.
إحدى أبرز إشارات القرآن أنّ الحقّ لا يُدرك وحده عبر التفكير الحُرّ بمعزل عن النبوّة، بل إنّ النبأ هو مفتاح التمييز؛ لذلك كان النبأ العظيم هو الذي يقطع الطريق على الفتنة الفكريَّة، كما في قوله تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ* الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾ [سورة النبأ، الآيات 1-3].
ففي عالم “الاختلاف”، لا يكون الخلاص في النسبيَّة ولا في الحياد، وإنما في الرجوع إلى النبأ اليقين، أي إلى الوحي بوصفه مصدرًا يقينيًّا للحقّ والمعنى.
وفي هذا السياق، لا يُعرّف القرآن “الجاهل” بأنّه من لا يملك معلومات، بل من غاب عنه النبأ، أو أعرض عن الذكر، أو غُلِّب على عقله بالهوى والظن. وهذا المعنى يتّضح في قوله تعالى:
﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾
[سورة الأنعام، الآية 116].
فالآية إدانة صريحة لهيمنة السرديّات الكاذبة حين تسود، وتحذير من الخضوع لما يبدو “رأيًا عامًّا”؛ لأنّه قد يكون مبنيًّا على الظنّ والخُرص، لا على البصيرة والحقّ.
- الوعي القرآني مقاومة للفتنة لا استسلام لها.
ومن أبرز المفاهيم القرآنيَّة المرتبطة بحروب الوعي، هو مفهوم الفتنة. ومن أهم مصاديق الفتنة هو التشويش على الحقيقة، وإغواء القلب، والتزييف للواقع. ولذلك، يُقدّم القرآن الفتنة بوصفها سلاحًا يستعمله المستكبرون وأهل الباطل: ﴿لِّيَفْتِنُوكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [سورة الإسراء، الآية 73].
إنّ الفتنة، في جوهرها، تشويشٌ على البصيرة، وتلاعبٌ بالمقاييس، وتبديلٌ للحقائق، وهي ما تتطلّب وعيًا يقظًا وموقفًا مقاومًا، لا مجرّد تأمّل ساذج في الظواهر.
ولذلك، فإن مَهمَّة المؤمن ليست في “التكيّف” مع هذه الفتنة، بل في فضحها، وتجاوزها، وفضّ اشتباكها مع الحقيقة. فالوعي القرآنيّ فعلٌ يُنتج مسارًا، وينحاز إلى الحقّ مهما بدت كثرة على خلافه.
- معايير التمييز القرآني: لا تُسلّم للظاهر.
يُعلّمنا القرآن ألا ننخدع بالمَظهَر، ولا بالسرديَّة المسيطرة، ولا حتى بالعلامات الزائفة للقوّة، أو النجاح، أو الحداثة. يقول تعالى: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ﴾ [سورة التوبة، الآية 55]؛ ﴿وَإِن يَرَوْا كُلَّ آية لَا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾. [سورة الأنعام، الآية 25].
وهذا يعني أنّ معيار الوعي القرآني، هو في التلقّي النورانيّ القائم على الصدق والتقوى. فالحقّ لا يُعرَف بسطوة الإعلام، ولا بكثرة المتابعين، وإنّما بما هو عليه في ذاته، وبما يوافق الوحي والعدل والفطرة.
ومن هنا، فالمؤمن مطالب أن يُبقي على “غربته المعرفيَّة” في زمن الفتن، لا أن يندمج في منطق العالم ويُعيد إنتاج سرديّاته.
- تقويض المنطق الجماعي الزائف.
يدعو القرآن إلى مقاومة التقليد والانقياد غير الواعي، ويدين ما يُعرف اليوم بـ “القطيع المعرفيّ” الذي يتبع السائد لمجرّد أنّه سائد. وقد ورد هذا بوضوح في قوله تعالى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ﴾ [سورة الزخرف، الآية 22].
وهذا النمط من التبرير الاجتماعي للرؤية، هو بالضبط ما يُنتَج اليوم عبر النخب والإعلام والتعليم؛ حيث يُقدَّم النموذج الغربيّ بوصفه العقل، والتاريخ، والحداثة، ولا يُسمح بنقده إلا في الهوامش؛ لكنّ القرآن يُعيد الفرد إلى مسؤوليته، ويطلب منه أن يعقل، ويفكّر، وينظر، ويذكّر، ويتدبّر، لا أن يسلّم بحكم القطيع.
- الوحي مصدر بديل للمعرفة.
في مواجهة سطوة “المعرفة المصنَّعة”، يقدّم القرآن مصدرًا بديلًا للوعي، لا يخضع لتوجيه الخوارزميات، ولا لمصالح السوق، ولا لتلاعب السلطة. فالوحي هو ميزانٌ يُفكّك الموازين الزائفة.
إنّ الرجوع إلى الوحي هو استئناف لمسارٍ أصيل من المعرفة المقاومة، التي ترفض الخضوع لهيمنة الرموز، والمؤسّسات، والتمثيلات. فهو تذكير، وتحرير، وبصيرة، ومقاومة.
إنّ الحرب على الوعي هي المعركة الحقيقيَّة التي تتوقّف عليها سائر المعارك. ومن خسر وعيه، خسر حُريَّته، ودينه، وإنسانيته.
وفي زمن كهذا، لا يكون الانتصار في الميدان إلا حين ننتصر أوّلًا في عقولنا وقلوبنا. لا بنفي الآخر، وإنما بإحياء الذات الواعيَّة، التي ترى، وتفكّك، وتُبصر، وتقاوم.
من هنا، تأتي رسالة هذا البحث: أن نعيد السؤال عن الوعي، لنحفر في بنية الواقع، ونفضح أدواته، ونستأنف الرؤية من مصدرها الأصيل: النبوّة والوحي والبصيرة.
والحمد لله أولًا وآخرًا.
المصادر والمراجع:
– إدوارد سعيد، الاستشراق، ترجمة كمال أبو ديب، بيروت، مؤسسة الأبحاث العربيَّة، الطبعة الثانيَّة، 1991.
– نعوم تشومسكي، السيطرة على الإعلام، ترجمة طلعت الشايب، القاهرة، دار سواف، الطبعة الأولى، 2006.
– Shanahan, Murray. The Technological Singularity, MIT Press, Cambridge, 2015.
– Paulo Freire, Pedagogy of the Oppressed, Continuum, New York, 2005.
– Shoshana Zuboff, The Age of Surveillance Capitalism, Public Affairs, New York, 2019.
– Timothy Snyder, On Tyranny: Twenty Lessons from the Twentieth Century, Tim Duggan Books, New York, 2017.
– Neil Postman, Amusing Ourselves to Death, Penguin, London, 1985.
– Theodor Adorno, Minima Moralia, Verso Books, London, 2005.
[1] هذه المقالة هي افتتاحية العدد التاسع من مجلة أمم للدراسات الإنسانيّة والاجتماعيّة.
[2] مفكر لبناني، مدير مركز براثا للدرات والبحوث، ورئيس تحرير مجلة “أمم” التي تصدر عن المركز.
[3] See: Murray Shanahan: The Technological Singularity, p. 117.
[4] راجع: نعوم تشومسكي: السيطرة على الإعلام، الصفحة 19.
[5] Paulo Freire: Pedagogy of the Oppressed, p. 72.
[6] See: Shoshana Zuboff: The Age of Surveillance Capitalism, p. 315.
[7] See: Timothy Snyder: On Tyranny: Twenty Lessons from the Twentieth Century, P. 65.
[8] راجع: إدوارد سعيد: الاستشراق، الصفحة 34.
[9]See: Neil Postman: Amusing Ourselves to Death, p. 16.
[10] See: Theodor Adorno: Minima Moralia, P.P. 39-42.
اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
قد يعجبك أيضاً
اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اكتشاف المزيد من معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
